الاجتهاد: قراءات في الأبعاد الحضارية وهو من الكتب المحورية التي تسعى لتسليط الضوء على موضوع محوري واحد ودراسة جميع أوجه الموضوع. / قراءة: علي حسين الخباز
يتكون كتاب الخمس.. أضواء على فلسفة التشريع من 700 صفحة وبعناوين متنوعة يعتمد على 446 مصدر متنوع، وبمعنى أقرب إلى مفهوم القراءة أن للباحث ثقافة عالية مكنته من خلق مساحات وعي لدراسة المعطى من جميع مديات التشريع، اعتمد البحث على تحويل فضاء الدرس الحوزوي الخاص إلى فضاء شمولي عام، جعل الدرس الخاص ثقافة عامة والدراسة تحليلية تبحث اتجاهات لحجية القرآن الكريم، ودلالات آياته، والاعتماد على حجية كتاب الله سبحانه تحتاج إلى رؤية عميقة وقدرة تميز لمؤالفة المضمون مع تنوع مفاهيمه ومصادرة المنجز هي من أجل أن يكون في متناول الثقافة العامة وليس في إدراج الباحثين.
انفتح على العديد من المواضيع الثقافية المهمة فهو يرى في دلائل الإعجاز للقرآن أخبارنا عما لم يعرفه الإنسان من الحقائق العلمية الكونية، والحث على التفكر وظواهر حجته، وليس هناك مانع في الاستدلال بآية واحدة منه بما يعطينا دلالة أن خمس القيمة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولذي القربى، ومن ثم يدرس حجية السنة الشريفة والاستدلال بها.
والسنة الشريفة هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره، والمراد بالمعصوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة أصحاب العصمة، ولكون قصدية التوجه إلى الشمولية العامة، السيد الباحث يتوسع في البحث ويقف عند الكثير من الأمور التعريفية، تعريف العصمة، من حيث اللغة والمصطلح.
نتأمل التشكل الفني لرؤى الباحث في العديد من الفضاءات مثلا انفتاحه على لزوم استمرار العصمة في الأئمة الأطهار عليهم السلام، وعدم اقتصار التشريع على مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون ما بعدها، ذلك لأن زمان تكليف العباد ممتد ما دامت الحياة الدنيا فلزم استمرار التشريع حتى يعرف العباد أحكامهم، ويلزم وجود من يؤتي على بيانها للمكلفين بها، وهي حاجة مستمرة لا تقتصر على زمان ومكان معين، وإلا لكان تلقي الأحكام ممن عدا المعصوم آخذا بالظنون، وهناك تنصص نبوي مبارك على أسماء الأئمة عليهم السلام، وبضلال إمامة غير الأئمة الاثنا عشر.
درس سماحة السيد الخرسان موضوع الخمس بكل أبعاده الفكرية والاجتماعية وشرعية وجوبه عنده ثابت بالكتاب وبالسنة والإجماع وضرورة الدين، وتشريع الخمس ثابتا في الإسلام سواء قلت نصوصه أو كثرت وتبرز مفاهيم الرؤية بعلاقة خاصة مع الأسلوب فالتنظير هو فحوى الأسلوب الخاص بسماحته، أي معنى أمكانية تنوع الأداء لمضمون واحد،
لا معنى لعقد مقارنات بين فرائض الإسلام كالمقارنة من الزكاة والخمس باعتبار نسبة الزكاة أقل من نسبة الخمس ومع ذلك تعدد آيات الزكاة لم تزد آيات الخمس عن آية واحدة.
البحث يعمل على استكناه وحدة الجوهر الإنساني من خلال المضمون الإلهي للخمس، قضية فكرية اجتماعية وقد يرى البعض فيها اشكالية التخصص أو التعويض بأن الخمس حق يثبت في الغنائم لبني هاشم عوضا عن الزكاة، وردت بهذا المعنى، ويعني كون الخمس عوض الزكاة لمن لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس، الملاحظ أن نزول آية الخمس في غزوة بدر وآية الزكاة في أواخر ما نزل على النبي صلى الله في سورة التوبة ولا يصح جعل العوض قبل المعوض، ويعطينا سماحة السيد شواهدا لاستعمال الخمس قبل الإسلام. النبي يوسف عليه السلام أعطى الخمس للسلطة والباقي للشعب وعبد المطلب عليه السلام وجد كنزا أخرج منه الخمس.
تحقق الوحدة المعرفية حضورها بوصفها مقصدا فكريا يمتلك القدرة على تشخيص البنية وعرض الرؤية فمن خصائص هذه المنظومة اتساع فضائها الفكري لتنوع القراءات العلمية في موضوع واحد عبر المسارات الفكرية وتقديم رؤى علمية بمعالجات حداثية تحفز روحية الإنسان على البحث والإبداع، تنوعت قراءات الخمس فقهيا واقتصاديا ونفسيا واجتماعيا وتنمويا وتسليط الأضواء من محاور اللغة والتأريخ والتفسير والتراث، لإنجاز رؤى فكرية مهمة فركز الوعي على ضمانات النظام الضريبي لسد حاجة شريحة المحتاجين والحد من تأثير الفوارق الطبقية وتأهيل العباد والبلاد،
جعل معيار التفاضل هو العمل النافع وإشاعة مبدأ المال مال الله، ولإظهار سمات القيم الإسلامية ضمن تجربة الخمس فيعكس لنا مديات النظم الاقتصادية الضريبية بين رأسمالية واشتراكية وكلاهما يشكو من نقاط ضعف مشخصة، بينما المفهوم الإسلامي يتحدد بين الخالق وعباده.
الله سبحانه هو المالك ولا يسمح بظهور الاستغلال الاقتصادي.
عرض السيد الباحث الآراء بمكنوناتها العقلية والفعلية من خلال تشريع الخمس واعتبره من فرص التكامل لتحقيق ملكية الفرد وتوسيع حركة الإنتاج وتأسيس بعض حقوق الفقراء بحقهم في مال الغني وهذا يساهم في تذويب الطبقية والتشجيع على تحسين الدخل، ومن أجل فهم الاطر التكوينية لمفهوم الخمس في علم النفس، اهتمت منظومة القيم والاحكام في الاسلام تفعيل مبدأ التوازن لينعم الجميع بالاستقرار النفسي.
وللخمس دور كبير في توجيه السلوك نحو إيجابية الموازنة النفسية، يعمل المفهوم الجمالي للغوص في أعماق البحث لخلق مساحة اقتناع وهذه هي لذة القراءة، لهذا تعمق البحث في بلورة الأثر النفسي للخمس، مثل تحجيم مساحة الفقر ومعالجة مشاعر القلق نفسيا، وعمل البحث على تكامل الحياة الإنسانية بجميع صلات الوصل وما تفرضه الظروف من أنماط لا يقوى معها على تأمين تلك الصلة مثل مشكلة الفقر وآثارها الاجتماعية لتصل من خلالها إلى معالجة الشريعة للفقر والعوز بالحث على الإنفاق وهذا السعي يضعنا أمام رصد وجوه الإنفاق الواجب والطوعي، البعض فهم التنمية البشرية بأنها الحرية المنفلتة أو العيش خارج حدود الإمكانية.
نظر الإسلام إلى التنمية باعتبارها إرادة قبل أن تكون إدارة فكانت تجربته رائعة لتقديم رؤية فكرية تتكافأ من خلالها الحريات لتأصيل التوازن في الحياة وإحداث التغيير الإيجابي في معنى النمو فكان للخمس دور في ترسيخ قيم العدل والإحسان والتواصل في المجتمع لكونه يؤسس لأبعاد معنوية كبيرة منها الإخلاص والاستقرار وتربية النفس والاهتمام بالفقراء لحماية المجتمع من عوامل التفكك وابعاد مادية مثل تامين المعيشة وإعادة التوازن لأنظمة البيئة والاقتصاد والاجتماع وهذا المسعى يأخذنا حول تحسين فرص الحياة وتدعيم القيم الاجتماعية فالتنمية حسب المفهوم الإسلامي هي حصيلة تراكم المعرفة وتوظيفها في تحسين الانتاجية، وحث الإسلام الإنسان ليخطو نحو النجاح.
تبدأ عملية التنمية في إطار تخطيط صحيح باعث على التطوير بما يستوعب رأس المال البشري ويحسن توظيفه في نظام القيم.
بحث قيم استمد قوته من خبرة الباحث ومن تراكم أفكار وخبرات وتجارب معرفية عالية القيمة .
المصدر: كتابات في الميزان