التربية الجنسية

التربية الجنسية من منظور إسلامي.. رؤية شرعية تربوية معاصرة

الاجتهاد: یعد الجنس من الدوافع الرئیسیة التي توجه تفكیر الإنسان المسلم وسلوكه.. ولذلك كان من الأهمیة تربیة هذا الدافع في إطار الشریعة الإسلامیة لیتمكن الإنسان المسلم فیما بعد التحكم بهذا الدافع في إطار القیم والمعاییر الأخلاقیة السائدة في المجتمع الإسلامي. / إعداد : الدكتور محمد محمود العطار – دكتوراه الفلسفة في التربية – جامعة كفر الشيخ

والجنس كدراسة علمیة شرعیة تربویة، لا یجوز لنا الهروب من واقعها، بل إن دراسة العلم ینبغي أن تتحدى الخجل، فالجنس حقیقة واقعیة ملموسة، إنه كیان كل فتى وكل فتاة ولیس من العقلانیة أن نهرب من الحقیقة التي نعیشها في أعماقنا، ونتحدث عنها مع أنفسنا.

والتربية الجنسية قضیة حساسة، تتطلب من الآباء والأمهات والمربین المعرفة الدقیقة لأوقاتها ومشكلاتها وحاجاتها وأحكامها وأسالیب التعامل التربوي معها، وتدور هذه الدراسة على تحدید الرؤیة الشرعیة والتربویة حول الجنس والتربیة الجنسیة، من خلال التركیز حول نصوص الشریعة الإسلامیة حول قضیة الجنس والتربیة الجنسیة.

واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي التحلیلي، ومن أهم نتائج الدراسة:

1. تناول الإسلام القضایا الجنسیة بمنتهى الصراحة والوضوح، وعرضها في أنقى ثوب، واستخدم في ذلك عبارات تتناسب وهذه القضایا.

2. إن التربية الجنسية ضرورة حتمیة في الحیاة، لأن الغریزة الجنسیة إذ لم توجه بصورة صحیحة ستؤثر على سعادة الشباب، وستحول حیاتهم ومستقبلهم إلى بؤس وشقاء.

3. إعطاء التربية الجنسية اهتماماً كبیراً في المدارس باعتبارها المصدر الرئیس في تقدیم مفاهیم التربیة الجنسیة بطریقة علمیة وصحیحة تتناسب مع المراحل العمریة.

4. أن التربية الجنسية یجب أن تبدأ في حیاة الكبار قبل الصغار، حتى یتمكن الوالدین من التعرف على القواعد الإسلامیة المنظمة للنشاط الجنسي.

مقدمة:
الجنس قضیة مهمة في حیاة الإنسان، وهي بلا شك مؤثرة في السلوك الفردي والسلوك الاجتماعي، فدراسة الجنس عادة ما ترتبط بالمحاذیر، ولا سیما في مجتمعاتنا الشرقیة المحافظة.

والهروب من الحدیث عن الجنس أسلوب غیر علمي، غیر ناضج، فلیس من المناسب أن نهرب من مناقشة موضوع حیوي، یمس حیاة الإنسان الیومیة، ویلمس جوانب خطره فیها، لمجرد أن العرف لم یجرؤ على ذلك، أو لمجرد الخجل من التحدث في الموضوع.

والجنس كدراسة علمیة شرعیة تربویة، لا یجوز لنا الهروب من واقعها، بل إن دراسة العلم ینبغي أن تتحدى الخجل، فالجنس حقیقة واقعیة ملموسة، إنه كیان كل فتى وكل فتاة ولیس من العقلانیة أن نهرب من الحقیقة التي نعیشها في أعماقنا، ونتحدث عنها مع أنفسنا.

والحدیث عن الجنس، یحتاج إلى أسلوب معین، حتى لا یتحول هذا الحدیث إلى كلام مثیر دون داع، كما تعد التربیة الجنسیة قضیة هامه من قضایا التربیة التي ما زلنا نواجهها في ممارساتنا التربویة المعاصرة، كما هي قضیة أثارت جدلاً واسعاً حول أفضل الوسائل التي نعد بها أبناءنا لمقابلة مشاكل الحیاة التي یكون مركزها الدافع الجنسي وذلك من أجل أن یكتسب أبناؤنا قیماً واتجاهات صحیحة تجعلهم یتجهون بالطاقة الجنسیة لدیهم إلى مقصودها الصحیح ولیس إلى ملذات رخیصة تفقد الحیاة معناها.

والتربیة الجنسیة قضیة حساسة، تتطلب من الآباء والأمهات والمربین المعرفة الدقیقة لأوقاتها ومشكلاتها وحاجاتها وأحكامها وأسالیب التعامل التربوي معها.

إن بعض الآباء والأمهات والمربین قد یترددون في إرشاد الأبناء وتوجیه سلوكهم المتصل بالناحیة الجنسیة، بسبب الحیاء أو الخجل اللذان لا مبرر لهما، أو بسبب الغموض الذي یرسب في أعماق الأبناء استقباح أعضاء الجنس، أو استقذار الغریزة الجنسیة والاتصال الجنسي.

ونظرة الإسلام إلى الجنس قائمه على إدراك فطرة الله في الإنسان، ورامیه في نفس الوقت إلى تلبیه أشواقه ومیوله، بحیث لا یتجاوز حدود فطرته، ولا یسلك سلوكاً منحرفاً یصطدم مع غریزته.

ونحن في حاجة ماسه إلى دراسة التربیة الجنسیة من خلال إطار علمي شرعي تربوي صحیح وذلك في ضوء الشریعة الإسلامیة وتعالیمها السمحة النابعة من القرآن الكریم والسنة النبویة الشریفة، فنحن نرید أن ندرس هذا الموضوع دراسة سلیمة نقیه من الشوائب.

مشكلة الدراسة:

نعیش الیوم في عصر یتطلب فیه من الإنسان المسلم أن یواجه الطفرات القیمیة والتربویة المتغیرة، ونحن في الألفیة الثالثة فإن إدخال التربیة الجنسیة في حیاتنا أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت سابق، وذلك بسبب التغیرات الجذریة في القیم، وفي ظل التطور العلمي والتكنولوجي وظهور وسائل الإعلام المختلفة، والفضائیات، والإنترنت، والهواتف النقالة وغیرها، أصبح الأمر یتطلب تقدیم التوجیه والإرشاد للأبناء فیما یتعلق بالتربیة الجنسیة، وتزویدهم بالمعارف والممارسات والسلوكیات الصحیحة السلیمة كنوع من أنواع التربیة الوقائیة؛ للمحافظة على سلامة الأبناء وصحتهم من أجل تنشئة جیل واعٍ مثقف مفكر، بعیداً عن الأهواء والمتغیرات التي یمكن أن تؤثر في سیر حیاتهم (1)

كما نقرأ ونشاهد كل یوم في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئیة عن جرائم الشرف والاغتصاب والتحرش الجنسي، بالإضافة إلى معدلات النمو المتزایدة للأمراض المنقولة جنسیاً التي أصبحت ناقوس خطر، یمكن أن یؤدي إلى هلاك أجیال المستقبل، وقد یعود السبب في ذلك إلى ظهور ما یسمى بالعولمة، وظهور القنوات الفضائیة ووسائط التكنولوجیا الحدیثة، كل ذلك أدى إلى صعوبة الضبط والسیطرة على عقول الشباب وتفكیرهم، مما أدى إلى حدوث انحرافات جنسیة لدى هذه الفئة من الشباب بسبب عدم وجود توعیة وتثقیف جنسي لدیهم، وتأسیساً على ما سبق، فإن ضعف وٕاهمال التربیة الجنسیة قد یؤدى إلى وجود انحرافات جنسیة في المجتمعات العربیة والإسلامیة، والأخطر من ذلك أن نترك الشباب یحصلون على ثقافة ومعلومات جنسیة من مصادر غیر صحیحة كوسائل الإعلام المختلفة والإنترنت (2).

ویعد الجنس من الدوافع الرئیسیة التي توجه تفكیر الإنسان المسلم وسلوكه، ولذلك كان من الأهمیة تربیة هذا الدافع في إطار الشریعة الإسلامیة لیتمكن الإنسان المسلم فیما بعد التحكم بهذا الدافع في إطار القیم والمعاییر الأخلاقیة السائدة في المجتمع الإسلامي.

ویعاني الإنسان المسلم في بعض مراحل حیاته من التخبط في العدید من القضایا والمشكلات التي ترتبط بالناحیة الجنسیة، مما قد ینشأ عنه بعض التصورات الخاطئة عن الجنس والتربیة الجنسیة.

ونظراً لأهمیة موضوع التربیة الجنسیة جاءت هذه الدراسة لتناول موضوع التربیة الجنسیة من وجهه النظر الشرعیة وكذلك الأبعاد التربویة لها للوصول إلى تربیة جنسیة آمنة لشبابنا في مجتمعاتنا العربیة والإسلامیة لحمایتهم من الضیاع والانحراف.

خطوات الدراسة:
سوف تقسم الدراسة الحالیة إلي خمسة مباحث رئیسیة إلى جانب الخاتمة والنتائج والتوصیات كالتالي:

1- المبحث الأول: الإطار النظري والدراسات السابقة (تمهید – علم الجنس – منشأ الجنس – التطور الحضاري في عالم الجنس – الدراسات السابقة – التعلیق على الدراسات السابقة).

2- المبحث الثاني: الجنس في الإسلام (تمهید – فطریة الدافع الجنسي – الإسلام والغریزة الجنسیة – الإسلام والجنس).

3- المبحث الثالث: الزواج في الإسلام (تمهید – مشروعیة الزواج في الإسلام – حكمة الزواج – اختیار الزوجین).

4- المبحث الرابع: التربیة والجنس (تمهید – مفهوم التربیة الجنسیة – أهمیة التربیة الجنسیة – أهداف التربیة الجنسیة).

5- المبحث الخامس: التربیة والجنس رؤیة شرعیة تربویة معاصرة (تمهید – المنهج الإسلامي للتربیة الجنسیة – الثقافة الجنسیة وأهمیتها – دور الأسرة المسلمة في الثقافة الجنسیة – دور الأم في التربیة الجنسیة للفتاة – كیف یعامل الأولاد في الأمور الجنسیة؟).

—–

1) هاني حتمل عبیدات وهادي محمد طوالبة: ” اتجاهات معلمي الدراسات الاجتماعیة نحو تدریس التربیة الجنسیة في المدارس الأردنیة “، مجلة العلوم التربویة، المجلد 40. 2013 م، ص 1306.
2) المرجع السابق: ص 1309 )

 

المصدر: مجلة كلیة التربیة، جامعة الأزهر، العدد: ( 170 الجزء الخامس) أكتوبر لسنة 2016 م

 

تحميل المقالة

 137.pdf التربية الجنسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky