الاجتهاد: بالتعاون مع الاتحاد الباكستاني للتجارة والصناعة، وامتدادًا للجهود التشريعية والقضائية الطويلة والتي استمرت نحو عقدين من الزمان، ولإعطائها دفعة قوية وحاسمة بعد إصدار المحكمة الشرعية الفيدرالية (FSC) قرارها بإلغاء الربا للمرة الثالثة (شهر رمضان ١٤٤٣هـ)، نظَّم مركز الاقتصاد الإسلامي، التابع بجامعة دارالعلوم في كراتشي- باكستان، ندوةً تاريخية بعنوان «حرمة الربا» يوم 30 نوفمبر عام 2022 بمدينة كراتشي.
الندوة التي حملت عنوان «حرمة الربا» تهدف إلى الضغط على البنوك التقليدية الربوية التي تريد، عبر دعاوي الاستئناف، الطعن في هذا القرار لإعاقة تطبيقه أو تأجيله وطيِّه في ملف النسيان، لاسيما وقد أعربت وزارة اقتصادِ الدولة عن استعدادها لدفع هذه المسيرة إلى الأمام بجدّ وحزم.
شارك في الندوة نخبة من كبار العلماء الذين يمثلون كافة المدارس الفكرية والأحزاب السياسية والدينية ورجال الأعمال والصناعة والتجارة وخبراء الاقتصاد ورجال الحكومة.
تعدد المدارس الفكرية
لا شك أن جمهورية باكستان، بتاريخها الحضاري وأوضاعها الدينية والثقافية، هي دولة متعددة المدارس الفكرية والتوجهات الدينية والأحزاب السياسية، وقد ينجم عن هذه التعددية اختلاف أيديولوجي يحول الاختلاف العلمي أو الفكري إلى شقاق مذموم، وبالتالي يورطهم في إثارة قضايا وخلافات هامشية، مما يؤدي إلى ظهور بعض الخلافات الفكرية والمذهبية، ويؤثر على سبل التعاون المشترك بين كافة المدارس الدينية للتوصل إلى غايات وأهداف مشتركة.
وفي هذا الإطار، وحرصاً على وحدة كافة الثقافات والأحزاب، حاول فضيلة الدكتور محمد تقي العثماني، المفتي العام لجمهورية باكستان الإسلامية، تجميع الممثلين لهذه المدارس من كافة التوجهات على اختلاف مشاربها وأفكارها، فجمعهم على منصة واحدة، وضمهم على طاولة الوحدة والاتفاق، من خلال تنظيم ندوة «حرمة الربا».
ضرورة تشكيل اتحاد علمي يضم كافة المدارس الدينية والفكرية
وقال فضيلة المفتي في كلمته الرئيسة بالندوة إن التاريخ الحَركي لباكستان يشهد أن أي رسالة دينية أو قضية جماعية يحالفها النجاح ونصرة الحق عندما تهب المدارس الفكرية والجماعات الدينية كلّها يدًا واحدةً لِدعمها وتأييدها، حينها تستجيب الحكومات والجهات المعنية لدعوتها ورسالتها.
كما دعا في الوقت نفسه إلى تشكيل اتحاد علمي يضم قادة جميع المدارس الفكرية لتقوم بإحياء مختلف القضايا العقدية والدينية والأخلاقية التي تهم الجميع، وإصلاح ما فسد منها لمواجهة الأفكار الهدامة، مثل سد الأبواب المؤدية إلى فساد الأخلاق، وحرمة الربا، وغير ذلك.
من جهتها أعربت الحكومة اعتزامها إلغاء الربا، وذلك خلالَ كلمة ممثلها في الندوة، كما أظهرت استجابتها للقرارات التي أصدرتها الندوة، وكخطوة أولى في المضي إلى تحقيق هذا الهدف تعهدت الحكومة بتأسيس مؤسسة فرعية تابعة لوزارة الاقتصاد لتسريع عملية إلغاء الربا، كما أصدر البنك المركزي الباكستاني مرسومًا إلى جميع المصارف يؤكد على السعي من أجل زيادة عدد النوافذ غير الربوية والحدّ من فتح نوافذ مصرفية ربوية،
وقد أكدت الجهات المنظمة للندوة أنه إذا تراجعت الحكومة عن الوفاء بعهودها فإن مركز الاقتصاد الإسلامي بالتعاون مع الجهات التجارية الصناعية سينظم ندوات أخرى مماثلة في بقية أقاليم الدولة لتنمية الوعي بحرمة الربا والضغط على الحكومة وعلى المصارف الربوية من خلال دعوة الشعب إلى مقاطعتها.
قرارات حاسمة
وفي نهاية الندوة، ونتيجة المناقشات والحوارات التي دارت في كواليسها، توصل المشاركون إلى القرارات الآتية:
1- ترحب الندوة بقرار المحكمة الشرعية الفيدرالية الباكستانية بإصدار مذكرة حكم للحكومة الباكستانية بتطهير الاقتصاد الباكستاني من آفة الربا في غضون خمس سنوات، وتأسيسِ اقتصاد الدولة على أسس نظام الاقتصاد الإسلامي.
كما رحبت الندوة بالتصريح الذي أدلى به معالي وزير الاقتصاد إسحاق دار، حيث أكد أن البنك المركزي الباكستاني والبنك الوطني الباكستاني سيسحبان دعاوى الاستئناف التي رفعت للطعن في قرار المحكمة الشرعية الفيدرالية، كما عبر الوزير عن عزمه بتطبيق قرار المحكمة بإلغاء الربا بجد وحزم.
وأكدت الندوة استعدادها للتعاون مع الجهات الحكومية والإشرافية بكل ما أوتيت من إمكانات، وتطالبها في الوقت نفسِه باتخاذ إجراءات فورية حاسمة وخطوات جادة لدفع هذه المسيرة إلى الأمام.
2- تبدي الندوة استياءِها وقلقِها من البنوك والمؤسسات المالية الخاصّة (غير الحكومية) أمّا الحكومية فقد أعلنت سحبَ دعاوي استئنافِها) التي رفعَت دعاوى استئناف للطعن في قرار المحكمة الشرعية الفيدرالية، بحجّة أن «ربا البنوك/ المؤسسات المالية» ليس من باب الربا المحرّم، وقد رفضت المحاكم العليا هذه الحجة ثلاث مرّات.
وطالبت الندوة هذه البنوكَ والمؤسساتِ الماليةَ بسحب دعاوى استئنافها بشكلٍ فوريّ وعاجل، وتوجيه جهودِها نحو تلخيص نظامها المالي من الربا اتقاءَ للوقوع في معصية الحرب من الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم.
3- يطالب المشاركون في الندوة الحكومة الباكستانية باتخاذ إجراءات فورية وعملية لتخليص الدولة من النظام الربوي، استجابة للتصریحات التي أدلى بها وزير الاقتصاد، وفي هذا الصدد يوصى باتخاذ الخطوات الآتية:
– استحداث مؤسسة فرعية مستقلة بوزارة الاقتصاد لتأسيس نظام مالي غير ربوي، تقوم هذه المؤسسة بتشكيل لجنة عمل رفيعة المستوى لها تأثيرها وسلطتها التي تخوّلها صلاحيةَ إلغاء الربا في ضوء خطة عملية مرسومة المعالم والمراحل، علمًا بأنه تم حتى الآن تشكيل عدة لجان لتحقيق هذا الغرض.
هذه اللجان تضم علماء شريعة وخبراءَ اقتصاد، وقد توصلوا جميعًا إلى الغايةِ نفسِها، وهي أن إلغاءَ الربا مشروع قابل للتطبيق، كما اقترحوا خطة عمل لتجسيد القرار على أرض الواقع، ولكن كان عملهم مقتصرًا على تقديم تعليمات غير ملزمة.
– تم سَن قوانين تنص على منع تعاطي الربا لحاجة فردية في بعض الأقاليم، يجب تنفيذ هذه القوانين على مستوى الدولة كلها.
– هناك مؤسسات لا تتطلب عملية تحولها من النظام الربوي إلى الإسلامي معوقات كبيرة، ويجب تطهير هذه المؤسسات من الربا في أسرع وقت ممكن ودونما أي تأخير.
– بموجب نص القرآن الكریم: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة275، فإن البيع هو البديل الحقيقي للربا، ولكن القوانين الحالية تمنع البنوك والمؤسسات المالية من ممارسة البيع وأعمال التجارة، وعليه فإن هذه القوانين يجب إعادة النظر فيها لرفع هذا الحظر عن البنوك والمؤسسات المالية.
4- تنصّ المادة 227 من الدستور صراحة على أن قوانين الدولة الحالية ستتمّ صياغتها بما يتوافق مع أحكامَ القرآن الكريم والسنة النبوية، وأنه لن يُسَن أي قانون يخالفهما.
ولتفعيل هذه المادة وتجسيدها على أرض الواقع العملي تم تأسيس المحكمة الشرعية الفيدرالية بموجب المادة رقم 203، كما شُكلت دائرة الاستئناف الشرعية في المحكمة العليا، وكان من المقرر وجود علماء الشريعة لشغل مناصب القضاء في هاتين المحكمتين.
وقد أعربت الندوة في هذا الصدد عن بالغ قلقها من الوضع المتردي لهاتين المحكمتين، حيث أصبحتا شبه معطلتين، بينما المحكمة الشرعية الفيدرالية يشغل مناصبَ القضاءِ فيها اثنان، وليس منهما عالم شرعي، على الرغم من أنها كانت في البداية تضم سبعة من القضاة، ثلاثة منهم علماء شرعيون، كما تعطلت دائرة الاستئناف الشرعية هي الأخرى منذ فترة طويلة.
وفي هذا الإطار فإن الندوة تطالب الحكومة بتفعيل دور المحكمة الشرعية الفيدرالية ودائرة الاستئناف الشرعية، كما تدعو إلى ملء شواغرهما بعلماء الشريعة الإسلامية.
5- تطالب الندوة الحكومة بإدخال تعديلات في «قانون المتحوّلين جنسيًّا» والذي تم إقراره إبّان فترة الحكومة السابقة، لجعله متوافقًا مع أحكام الشريعة الإسلامية، حيث أيد المشاركون في الندوة تلك التعديلات التي قُدِّمت إلى المجلس الوطني الباكستاني، وتطالب بتنفيذها وإدخالِها في صيغة هذا القانون.
المصدر: مجلة الاقتصاد الإسلامي