التأليف المنسكي

التأليف المنسكي.. موجز عن التأليف في مناسك الحج / العلامة الفضلي “ره”

الاجتهاد: قد بدأ التأليف في مناسك الحج ببدء التأليف الفقهي، أي في الأيام الأولى للانطلاقة الفكرية الاسلامية لوضع وتدوين العلوم الشرعية من تفسير وحديث وقراءات ودعاء وما اليها.

وأقدم مؤلف في مناسك الحج – في حدود اطلاعي ـ هو كتاب (مناسك الحج وأحكامه) للامام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ المستشهد في سنة ١٢٢ هـ.

وهو برواية تلميذه أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي(1) المتوفى سنة 150 هـ، والراوي لـ (مجموع الفقه) و (تفسير غريب القرآن) و (كتاب الحقوق) عنه أيضاً (۲)

وقد عدّ الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتابه (الفهرست) (3) أبا خالد الواسطي من مؤلفي الشيعة، وقال: «له روايات رويناها بالاسناد عن حميد بن ميثم عنه)

وقال محقق الفهرست السيد محمد صـادق بحر العلوم معلقاً: “عده الشيخ الطوسي في (رجاله) من أصحاب الباقر (ع) بعنوان: عمرو بن خالد الواسطي ـ بالواو ـ ، وكذا ابن النديم في الفهرست والكشي والنجاشي وغيرهم من أرباب المعاجم.

ثم قال: «وعمرو هذا هو الذي قال: قال لي زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب(ع): في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد(ع)، لا يضل من تبعه، ولا يهتدي من خالفه . . قاله الصدوق في الأمالي ».

ثم نقرأ في الفهارس الكتبية من تأليفات المناسك المبكرة ما يلي:

ـ كتـاب (مناسك الحج) لابي بصير يحيى بن القاسم الأسدي (ت 150 هـ)، من تلامذة الامام الصادق (ع)، رواه عنه علي بن أبي البطائني، والحسين بن أبي العلاء (1)

– كتاب ( مناسك الحج ) لابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز القرشي (ت ١٥٠ هـ ) (۲)

ـ كتاب (المناسك) لابي عبد الله محمدبن الحسن الشيباني (ت ١٨٩ هـ) تلميذ الامام أبي حنيفة (رض) وناشر فقهه ومذهبه (3)

وبعد هذا توالى التأليف في المناسك على مر القرون الاسلامية.

وعامل ذلك هو حاجة المسلمين إليهـا مرجعاً في معرفة احكام الحج والعمرة.

وقد كثرت عند الشيعة الامامية خاصة كثرة ملحوظة، ويعود بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً عندهم، واستمرار المرجعية الدينية في التقليد، فكان كل فقيه يرجع اليه التقليد يصنف ما يعرف بـ (الرسالة العملية) ، يضمنها فتاواه الشرعية لعمل مقلديه، ويفرد فتاواه في أفعال الحج والعمرة بمؤلف خاص ـ هو المنسك أو المناسك ـ تسهيلا لحمله من قبل الحاج الى الديار المقدسة للرجوع اليه والعمل على حسب ما فيه من فتاوى.

هذا المنسك: (هداية الناسكين من الحُجّاج والمعتمرين)

ولأن مؤلف هذا الكتاب (الشيخ صاحب الجواهر “قدس سره”) كان مرجع الشيعة في عصره، كانت له رسالته العملية الموسومة بـ (نجـاة العباد)، وكان له منسكه هذا الذي سماه (هداية الناسكين من الحجاج
والمعتمرين).

وقد بوّبه تبويباً موفقاً من ناحية منهجية.

صنّفه الى:
– تمهيد: تحدث فيه عن آداب السفر
ـ و بابين:
ـ الباب الأول : وقسمه الى قسمين :
ـ القسم الأول : في بيان أقسام الحج وكيفية كل قسم وشروطه.

والقسم الثاني : في بيان أقسام العمرة وكيفية كل قسم وشروطه. وكان حديثه فيهما على نحو الاجمال .

– والباب الثاني : في حج التمتع ، وقسمه الى قسمين أيضاً :
ـ القسم الأول : في بيان أعمال عمرة التمتع والقسم الثاني : في بيان أعمال حج التمتع. وفصل الحديث فيهما تفصيلاً

وخاتمة : قسمها الى قسمين أيضاً :

ـ القسم الأول : في زيارة المدينة المنورة .
والقسم الثاني : في الكفارات

وتكملة : قسمها الى قسمين أيضاً :
– القسم الأول في الصيد والقسم الثاني في الاحضار.

أما عرضه فيغلب عليه طابع الأسلوب العلمي، فقد أكثر فيه من الاعتماد على لغة الفقه واستعمال ألفاظها.

وهذا مما قد يؤخذ عليه وعلى أمثاله من المناسك والرسائل العملية، ذلك أن الذي ينبغي أن يتوخى من تدوين الرسالة العملية والمنسك أن يكونا لدى العامي المقلد للعمل وفق ما فيهما من فتاوى المجتهد.

ومن هنا سمي کتاب الفتوى بالرسالة العملية -، وعندما تكون لغة الرسالة أو المنسك أقرب الى اللغة العلمية منها الى اللغة الفصيحة العامة تبعد عن متناول ذلكم العامي المقلد، ويبعد هو حينئذ عن الاستفادة منهما مباشرة ومن غير أن يستعين بالعالم الفقهي أو الطالب الفقهي فتنعدم – أو تكاد – الغاية المتوخاة من تأليفهما.

ولأن الكتاب – كما ينص مؤلفه في مقدمته – اختصار لكتاب الحج من موسوعته الفقهية الكبرى (جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام) كثيرا ما كان يستخدم فيه عبارة ( الشرائع ) وعبارة ( الجواهر).

كما أنه غالبا ما يذكر متن الحديث الذي يريد أن يفتي على وفق هدیه، وكأنه من تعبيره وانشائه، ومن دون أن يشير الى ذلك ، الا في ما قل قلة نادرة .

ولم أره قد تطرق فيه الى تعريف الحج وبیان شروطه، والنيابة فيه، وهؤلاء مما عرض له المحقق في الشرائع وشرحه المؤلف نفسه في الجواهر .

وأيضا لم يلتزم تبویب صاحب الشرائع، وعدل عنه إلى التبويب الذي ذكرته آنفا، ولعله لما رآه من أن تبويبه في هذا المنسك أقرب إلى طبيعة توزیع موضوعات الحج والعمرة .

وأخيرا : الكتاب من أدق المناسك تبويبة ، واكثرها فروعا ، وأوسعها شمولية لشؤون الحج والعمرة والزيارة .
ويكفيه قدرة أن مؤلفه صاحب الجواهر أوسع وأضخم موسوعة إسلامية في الفقه .

 

الهوامش

(۱) تاريخ التراث العربي مج ۱ ج۲ ص325.

(۲) تاريخ الفكر الإسلامي في اليمن 126 – ۱۲۷.

(۳) الفهرست للطوسي 145.

(4) الفهرست للطوسي ۲۱۱.
(5) کشف الظنون ۲/ ۱۸۳۱.

(6) الفهرست لابن الندیم ۲۸۷ وکشف الظنون ۲/ ۱۸۳۰.

 

المصدر: مقدمة كتاب: هداية الناسكين من الحُجّاج والمعتمرين للدكتور عبدالهادي الفضلي

 

تحميل الكتاب

هداية الناسكين من الحُجّاج والمعتمرين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky