الاجتهاد: يعتبر الإمام موسى الصدر من الشخصيات النادرة المعاصرة في العالم الإسلامي، وهو شخصية لم تعرف جوانب كثيرة عنه حتى الآن.
من المثير للاهتمام أنه كلما تمت دراسة هذه الشخصية وأفكاره وحياته، تم اكتشاف المزيد من الزوايا الجديدة من أفكاره ونشاطاته، وهذا يتطلب منا أن نعترف بأن متابعة وتعميق معرفة أبعاده أكثر فأكثر ضروري للغاية، فحقيقة أنه شخصية يحتوي التعرف عليه، على نتائج قيّمة ورائعة وبناءة للجيل الحالي.
من بين الفصول المهمة المتعلقة بشخصية الإمام موسى الصدر ، وجهات نظره حول المؤسسات الاجتماعية ومقارباته وتحركاته ونشاطاته في اتجاه إنشاء المؤسسات الاجتماعية.
نضع البحث في هذا المجال في عدة محاور:
المحور الأول: أهمية ودور المؤسسات الاجتماعية:
إذا قبلنا نقطتين وقمنا بجمعهما معًا، يمكننا اكتشاف دور المؤسسات الاجتماعية في خلق الحركة والديناميكية الاجتماعية وفي تماسك المجتمع ووحدته.
النقطة الأولى: أن الهياكل الاجتماعية الصحيحة، تضع المجتمع على طريق التعزيز والتقدم والنشاط الفعال، وتحقيق الهويات الاجتماعية والوحدة الاجتماعية.
النقطة الثانية: تلعب المؤسسات الاجتماعية دورا أساسياً وبناء وفعالاً للغاية في تكوين الهياكل الاجتماعية.
مع الإلتفات إلى هاتين المقدمتين، يمكننا أن ندرك بسرعة أن المؤسسات يمكنها جعل الإجراءات والأدوار الاجتماعية فعالة، وخلق مساحات مناسبة لازدهار المواهب البشرية والاستعدادات الإنسانية، ورفع مستوى الأخلاق في المجتمع وتحسين العلاقات الإنسانية ثقافيًا وأخلاقيًا، وإنشاء نماذج وأنماط لتحسين التعايش وتوسعة الخدمات في المجتمع، وخلق وتقوية الهويات الاجتماعية ووضع هذه الهويات في اتجاه التقارب.
المحور الثاني: رأي الإمام موسى الصدر في المؤسسات الاجتماعية وتأسيسها:
إن وجهة نظر الإمام موسى الصدر فيما يتعلق بالمؤسسات الاجتماعية هي نظرة بناءة وشاملة وكاملة، وفي الواقع ، يتحرك الإمام موسى الصدر من مسارين ويصل إلى وجهة نظره المتقدمة حول المؤسسات الاجتماعية.
المسار الأول: فهم وجهة نظر الدين فيما يتعلق بالطبيعة والمجتمع؛
يعتقد الإمام موسى الصدر أن نظام الطبيعة يقوم على التوازن والتقارب والتناسق بين أجزاء الطبيعة. من هذا المنطلق يعتقد بأن الحركة الاجتماعية يجب أن تقوم على التوازن والنظام.
وللإمام موسى الصدر كلمات في تراثه تكشف هذا الأمر بجلاء ونذكر بعضها:
يقول الإمام موسى الصدر: “عالم الخلق عالم منظم، كل شيء تم بمقدار، (وما ننزّله إلّا بقدر معلوم)، (وأنبتنا فيها من كل شىء موزون). تكرر ذلك مرات عديدة في القرآن”.
ويقول: “أيها الإنسان، إذا كنت تريد أن تكون ناجحاً، وإذا أردت أن تستفيد من حياتك في هذا العالم وتصل الى النتائج، فعليك أن تكون منسجمًا مع عالم الخلق وأن يكون لك النظم، هذا هو كلام القرآن”.
المسار الثاني: معرفة العالم المعاصر:
يعتقد الإمام الصدر أن الأنشطة والحركات والنجاحات والخدمات والتقدمات في عالم اليوم كلها محاطة بالمنظمات والمؤسسات الاجتماعية، ومنطلقة منها.
يعبر عن العالم الحالي في خطاب له، بأنه “عالم مؤسسي”.
وفي نظرة عميقة لضرورة وتأثير المؤسسات الاجتماعية، ذهب إلى حد قوله: “اليوم، أصبح كل شيء جماعيًا ومنظمًا”.
ويقول أيضا: “كل شيء منظم ومؤسسي”.
من هذين المسارين يصل الإمام موسى الصّدر إلى نقطة مهمة، وهي ما قاله في كلامه التالي:
“مجتمع اليوم، كل شيء موجود فيه، مؤسسات ومنظمات وتشكيلات، وإذا أردنا العمل بشكل غير منظم وبدون تشكيلات، فلن ننجح”.
ويقول في موضع آخر: “في عصر أصبح فيه كل شيء مؤسسيا، يجب أن نحاول في سبيل التأسيس و في سبيل تنظيم أنفسنا”.
المحور الثالث: أدائه في إنشاء وتأسيس المؤسسات الاجتماعية:
أنشأ الإمام موسى الصّدر مؤسسات اجتماعية في مختلف المجالات.
– المجالات التعليمية.
– المجالات الفنية والمهنية والمعرفية
– المجالات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق الاستدامة الذاتية وتعزيز القدرة الاقتصادية للشعب.
– المجالات الخدماتية الاجتماعية الهادفة إلى التوسع في الأعمال الخيرية في المجتمع
كدور الأيتام، وجمعية الأحسان و…
– المجالات الاجتماعية الهادفة الى تعزيز الهوية الاجتماعية من جهة، وجعل الهويات الاجتماعية في سبيل الوحدة الاسلامية والأديانية من جهة أخرى.
ومجالات أخرى.
المحور الرابع: صفاء ونقاء الإمام موسى الصدر في بناء المؤسسات الاجتماعية:
لقد ترك الإمام موسى الصّدر درساً كبيراً لأصحاب المؤسسات الاجتماعية، ولمن يريد أن يلعب دورًا في مجال إنشاء المؤسسات الاجتماعية، وهذا الدرس عظيم جدًا بحيث يجب الانتباه إليه دائمًا.
الإمام موسى الصّدر، على الرغم من نشاطه المكثف في اتجاه إنشاء المؤسسات الاجتماعية، لم يستخدم أيًا منها في حياته الشخصية، ولتحقيق مكاسب شخصية، ولم يسجل أيًا من هذه المؤسسات باسم أحد أفراد أسرته.
لذلك استطاع أن يؤسس المؤسسة بطريقة طبيعية واجتماعية وفي اتجاه المصلحة العامة، لا في اتجاه مصالحه الشخصية.
كان الإمام موسى الصدر يؤمن بالبناء النظيف للمؤسسات الاجتماعية.