حركة عاشوراء

فتح زاوية أخرى لدراسة حركة عاشوراء / الشيخ الدكتور أحمد مبلغي

الاجتهاد: يمكننا دراسة نهضة عاشوراء من زاوية جديدة، وهذه الزاوية هي مراقبة ومتابعة مصلحة مستقبل التاريخ. يعتبر الفحص العلمي عن موضوع “تأمين مصلحة مستقبل التاريخ” بحثاً مهماً، وفي الوقت نفسه، علينا أن نعترف بأننا لم نتطرق إلى هذه القضية من وجهة النظر الدينية والقرآنية تطرقا مصحوبا بالرؤى التخصصية حول مستقبل التاريخ، أو لم يتم تطوير وتعميق الدراسة حول هذا الموضوع بشكل ملموس؛ على الرغم من أن هذه المسألة، تستحق دراسة جادة للغاية.

في الأساس، نحن في الماضي، والتحقيقات التي تركز على المستقبل والتاريخ ليس لها مكان في آرائنا النظرية والتعليمية والبرنامجية والتربوية.

تسعى هذه التدوينة إلى إثارة هذا السؤال والاجابة عنه: هل ركز الإمام الحسين (ع) على مراقبة ومتابعة مصلحة مستقبل التاريخ في حركته؟

بطبيعة الحال، ما يتم تقديمه كجواب في هذه التدوينة يشبه عرض قائمة حول الموضوع، لذلك من الضروري إجراء المزيد من الدراسات المتعمقة في هذا الصدد.

تعريف المحاولة الهادفة لتأمين مصلحة مستقبل التاريخ:

إن السعي الهادف لتأمين مصالح مستقبل التاريخ، يعني التركيز على خلق الأرضية لضمان مصالحه وتأمينه، من خلال إرساء الأساس لإيجاد المستقبل بعيدًا عن الأخطار المحتملة وإبعاده عن المسار الذي قد يؤدي إلى الانحراف والعنف والظلم فيه، أو وضع المستقبل على المسار الصحيح للحركة المتوازنة والواعية والقيمية والاهتمام بالعدالة والعقلانية والتنمية.

 اهتمام نهضة الحسين (ع) بمصلحة مستقبل التاريخ:

إن حركته (ع) قد أولت الكثير من الاهتمام لمستقبل التاريخ وتبنت تأمين مصالحه.

ويمكن رؤية هذه الحقيقة في أربعة مجالات مهمة:

▪︎أولاً: أدبيات الحركة؛ وأهمها:

أ. الأدبيات ذات النظر إلى مصلحة الإسلام:

ومن الواضح أن الإسلام (الذي ركز الإمام على حفظه في نهضته) هو ذو واقع وجودي مستمر، فكيانه يتم ببقائه في الزمن، وباستمراريته وحركته وديموميته، وعليه فإن مصالحه مصالح فوق الزمنية.

ب. الأدبيات ذات النظر إلى مصالح الأمة:

إن الأمة (التي ركز عليها الإمام في حركته) في الخطاب الإسلامي هي حقيقة لا تقتصر على زمن معين، بل لها امتداد تاريخي، وهي ذات كيان مستدام متحرك، وتأخذ أبعادها وسياقها في التاريخ ومنه.

ت. الأدبيات ذات النظر إلى المصالح المرتبطة بالرؤى الإنسانية والفطرية والأخلاقية، وهي – كما هو معلوم- أمور وشؤون فوق الزمنية.

ثانياً: محتويات ورسائل هذه الحركة:

إن رسائل حركته (ع) هي رسائل تقدم قيمًا لجميع الأزمان، لا تقتصر على زمان معين، بل هي قيم يعد دوامها من أبرز معالمها؛ مثل: نصرة المظلوم (وهو فصل مهم. من هذه الحركة)، وعدم الوقوع تحت الظلم ، ودعم حرم رسول الله (ص) وحماية أهل البيت (ع)، وتجنب بدء الحرب، والمطالبات المتكررة بعدم استمرار الحرب ومنعها من الحدوث، ومطالبة العودة إلى المدينة، والتضحية بأعلى مستوى يحدث بما يتجاوز المعتاد، وعشرات الرسائل الأخرى.

ثالثاً: سلوكياتها:

إن حركة عاشوراء عالم مليء بالمعاني والمفاهيم الأخلاقية والإنسانية، حيث تتضمن العديد من السلوكيات التي تعتبر قيماً عظيمة، يمكن تفعيلها للتاريخ ومجتمعات المستقبل، وهي قيم أكثر من أن تكون لها أطر وقوالب زمنية، لها روح يمكن تكييفها مع أي مجتمع وحقنها في أي زمان.

مثل عنصر النصح والنصيحة، وعنصر الإحسان، وتجنب الانتقام حتى لمن فعل الشر له ولأهل بيته، وعنصر الصدق التام ، وعنصر الوفاء، وعنصر العواطف الإنسانية القوية والرقيقة، وعنصر الموعظة، وعنصر التحلي بصبر لم يكن له نظير ومثيل في مواجهة المصائب الهائلة والمكثفة، وفي مواجهة العنف الوحشي الشامل، وعنصر أداء العبادة بأعلى مستوياتها حتى في أسوأ الظروف وأصعبها وتحت وابل الرماح والسهام، وعشرات السلوكيات الأخرى.

رابعاً: خلق الحركة من حيث هيكلها وشكلها:

مثل إنشاء نظم استثنائي من حيث التشكيلة لتلك المجموعة القليلة من أصحابه وأهل بيته ضد تلك المجموعة الكبيرة، وتوفير أعلى سعة وقدرة لها، وتواجد بعض غير المسلمين من المسيحية في هذه الحركة، وجمع الصالحين من الأمة بغض النظر عن الوضع الطائفي والعرقي وعدم تبني أي نوع من الإكراه لإبقاء أصحابه.

■ أعطى التاريخ إجابة إيجابية لنهضته:

١/. بسبب استبطان النهضة لتلك العناصر والمكونات الجادة والأساسية الناظرة الى التاريخ، نرى أن التاريخ أعطاها إجابة فاعلة، وأن التاريخ أخذ أجزاء من حقيقة هذه الحركة في حضنه.

٢/. كان الوضع قبل النهضة يتجه نحو أن يتغلغل العنف في المجتمع وفي التاريخ بشكل أصبح من الصعب أو المستحيل على المجتمع الخروج من أعبائه فيما بعد، فوضع النهضة حدًا للعنف، رغم أن الحسين (ع) واجه بشدة بكل أنواع العنف وبشكل استثنائي.
كما كان يتجه نحو إسقاط الأمة على طريق لا رجوع فيه إلى القيم والنقاء، فالنهضة أعطت للأمة قدرة على البقاء.

وبهذا القول لا نريد أن نقول إن وحدة الأمة تشكلت على النحو الواجب، بل المعنى أنه لولا هذه النهضة، -كما يتبين من القرائن- فإن كيان الأمة كان ينهار أساسًا، لذلك، فإن الحد الأدنى الذي استطاعت الأمة أن تحافظ عليه قد حدث، على الرغم من أن الطريق ما زال طويلاً ويجب على الجميع أن يحاولوا حتى تصل الأمة إلى الوحدة ويذهب هذا الانقسام والاختلاف والتفرق بين طوائف الأمة المختلفة.

كما لا نريد القول: ان المجتمع الاسلامي قد ابتعد تماما عن العنف، ما نريد قوله هو أنه لولا هذه الحركة، لكان عنف ذلك الوقت قد غطى التاريخ لأنه من ناحية كان العنف بلا عقال وكان يتجه نحو أن لا يُظهر القدرة أي رحمة لأي شيء وحتى لا يبدي أي رعاية للاسلام، ومن ناحية أخرى كان آنذاك بداية الحركة الإسلامية والقرن الأول للإسلام ، ونتيجة لذلك، فإن ذلك العنف يذهب نحو أن يدفع المجتمع في اتجاه خطير لا يعترف بأي خط أحمر.

٣/. استطاعت هذه الحركة بسبب قوة تأثيرها وشدة نقائها وكثرة رسائلها الانسانية والاسلامية أن تخلق وتبلور في عقلية المجتمع خطوطاً أحمر في ذلك المجتمع والمجتمعات التي خلفته وفي التاريخ.

فلو لا حركة الحسين (ع) لفقدت العديد من القيم، وستتوقف حركة الإسلام ، ولم تكن فكرة الدفاع عن المظلوم لتتشكل، وتنتهي علاقة الناس بآل البيت.

٤/. لا ينبغي تجاهل أن هذه النهضة قدمت نسخة قوية من نفي الظلم فريدة من نوعها لا قبل تاريخ وقوعها ولا بعد تاريخه، بحيث تجاوز صديها حدود المسلمين وجذب الكثير والعديد من اصحاب الحرية في العالم، مما يدل على أن هذه النهضة تحركت بقوة في التاريخ وقوتها ودورها في التاريخ أكثر مما نتصور.

القضية متعطشة لبحث أعمق:

في كل من الموضوعات المذكورة أعلاه ، هناك الكثير من النقاط والعديد من المراجعات التي يجب القيام بها، أردت فقط أن أفتح زاوية جديدة، ومن الواضح أن أبعاد وزوايا هذه القضية واسعة للغاية. إنها اجتماعية وتاريخية وتحتاج إلى الكثير من التركيز من قبل المفكرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky