الاجتهاد: صدر عن مركز الدراسات العلمية في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ كتاب الضمان في الفقه الإسلامي.. دراسة مقارنة لأسبابه ومجالاته في العقود، للراحل العلامة السيد علي عبد الحكيم الصافي* “طاب ثراه”،
والذي سلك في منهج البحث أساس المقارنة بين آراء جمهرة من الفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية، وبخاصّة: الإمامية، الزيدية، المالكية، الحنفية، الشافعية، الحنابلة، الظاهرية. ويتلخص المنهج بعرض المسألة التي هي محل البحث، واستعراض أقوال الفقهاء فيها، وبيان أدلتهم عليها، فمقارنتها فيما بينها، ثمّ اختيار ما يبدو رجحانه، أو استخلاص المبدأ العام للموضوع.
كلمة مركز الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية عن الكتاب:
كتاب: الضمان في الفقه الإسلامي، لمؤلفه: علي السيد عبدالحكيم الصافي يمثّل خطوة عملية وجادة باتّجاه تنشيط الموضوعات الفقهية ذات العلاقة بمجالات اجتماعية وفردية تمس حياة المسلمين، فهو يسعى إلى الكشف عن حقيقة الاهتمام الاسلامي بالقضايا الانسانية، وإيجاد الحلول الناجعة لها من جهة،
ومن جهة أخرى يميط اللثام عن حقيقة أكثر إثارة وهي: وجود المزيد من المساحات المشتركة بين المدرستين: الشيعية والسنّية، ليس في مجال الفقه والأصول والأخلاق والرجال فحسب، بل حتى في مجال الحقوق المدنية، والرؤية تجاه تنظيم المجتمع الاسلامي وإفادته بمفردات شكّلت طابعاً بارزاً للحضارة والمدنية الاسلامية.
وهذا يعدّ جانباً مضيئاً حرص علماء الإسلام كافة، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، على إثباته وطرحه للجمهور عسى أن يجدوا فيه منهلاً صافياً في رفع مشكلاتهم الاجتماعية والقانونية والحقوقية.
ولذا انبرئ مركز الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية ليتحمل مسؤوليته تجاه هذا الكتاب النفيس في مادته، الجميل في طرحه، الهادف في عرضه للأفكار العلمية المأخوذة عن جميع المذاهب، وإبراز أوجه التوافق والاشتراك بينها، ومناقشة أوجه الاختلاف إن وجدت، مما يمكن أن يساهم في تكريس طموح المجمع العالمي الأغر، وتجسيد أهدافه السامية.
فتلقی مرکزنا الكتاب بعناية فائقة، وبذل الجهد في تصحيح متنه وطبعه ونشره بالصورة التي عهدها القارئ الكريم، وصنّف الكتاب ضمن سلسلة دراسات فقهية وقانونية مقارنة، التي يسعى مركزنا تقديمها لقرّائه، وإن شاء الله ستأتي الحلقات الأخرى تباعاً.
لقد وجد المركز قيمة هذا الكتاب عالية، سواء على مستوى المحتوى والمادة العلمية، أو على مستوى الطرح والعرض، ويصبّ في خدمة المسلمين، وفي طموحاته أيضا، لأن مركزنا يسعى دائما إلى تقديم الأفضل من المؤلفات العلمية الهادفة. خدمة للدين وللرسالة الخالدة.
كلمة عميد كلية الفقه العلامة الراحل السيد محمد تقي الحكيم”ره” حول الكتاب والباحث
في الواقع أن هذا الطالب (السيد علي عبدالحكيم الصافي “ره”) وفي حدود ما تعرّف لي قبل دخوله كلية الفقه كان من طلاب الحوزة في النجف وكان يواصل دراسته بجد وعمق، وعندما دخل الى كلية الفقه واصل الدراسة، وكان من الطلاب اللامعين أيضا، ثم عندما دخل معهد الدراسات الإسلامية العليا وجدته أيضاً طالباً مجداً يمكن أن يقال في حقّه: إنه من القلائل الذين يرجى لهم أن يستفيدوا في حياتهم الدراسية.
ومع ذلك فعندما جاءني بطلب الإشراف على رسالته في الضمان، تهيّبته، تهيبت طبيعة الموضوع؛ لأنّي أعلم بأنّ موضوع الضمان من أعقد المواضيع الفقهية وللعلماء فيه آراء تبتني على دقة وعمق في الفكر لا يمكن أن يرقى الى فهمه والاستفادة منه إلا أقل القليل، على أنّ الموضوع متشعّب – كما أشار الآن فيما عرّف به رسالته – فهو يدخل في أكثر من مجال في حدود ما نعلم، يدخل في بحوث القواعد الفقهية، فهناك قواعد مهمّة، كل قاعدة تصلح أن تكون رسالة كاملةً، أمثال قاعدة (على اليد)، أو قاعدة (الإتلاف)، والتشقيقات والتفريعات التي فرّعت عليها.
ومن حقها أن تذكر عادةً هنا… يضاف الى ذلك هناك كتاب في الفقه باسم کتاب (الضمان) بحث فيه نوع منه، كما أنّ هناك بحوثاً تتعلّق به تدخل في أكثر المعاملات الأخرى، وقد بحثها العلماء في هذه المجالات بحثاً مستوعباً، فاستغراق كل ما يتعلق بهذا الموضوع و تتبعه في مختلف مظانّه، أمر عسير جدّاً، ولكن ثقتي بجدية الطالب وقدرته على الارتفاع الى مستوى تفهّم ما يقوله العلماء، بل الى مستوى إعطاء الرأي في بعضها، بعثني على أن أرحب بالإشراف على الرسالة.
أنا لا أنكر أنني أتعبتُ الطالب كثيراً، وأستميحه الآن العذر؛ لأني لم يسبق لي أن اعتذرت منه في أثناء الإشراف، وكان يستحق مني ذلك، وعذري أني وجدت فيه من الخلق العالي ما يتقبل هذا الجهد الذي أبعثه عليه بعثاً في كثير من المسائل. ولذلك فسوف لا أتعبه مرة أخرى بمناقشاتي هنا لرسالته.. وأرجو أن يكون أساتذتنا الكرام هم الذين يتولّون عنّي هذه المهمّة ويقدمون له ما يمكن أن يستفيد منه في تقویم رسالته.
والشيء الذي أريد أن أؤكد عليه هنا؛ أن الآراء التي انتهى إليها في رسالته هي آراؤه الخاصّة، فأنا ما حاولت أن أقسره على رأي معين مادام لرأيه وجهة نظر مقبولة؛ لذلك أرى – وهذا نهجي في الإشراف على كل الرسائل التي أُشرف عليها – أن يكون للطالب رأي، وأن لا يفرض عليه رأي أستاذه أو أي رأي آخر مهما كان صاحبه، وتترك له الحرية في أن يختار ما يختار.
فهذه الآراء التي اختارها إذن هي له – بحكم تمثلها من قبله – وأنا في الواقع أباركه عليها، وأرجو له مزيدا من الاستمرار في المعرفة ليمكن أن يستفاد منه في مستقبله أكثر مما استفيد منه فعلا.. والسلام عليكم
ويقول رئيس قسم الدين في جامعة بغداد الدكتور رشدي عليان:
في الواقع أنّ الباحث قد سلك في بحثه طريقاً مأموناً، ففي تبويبه للرسالة وفي منهجته وإخراجه لها، كان موفّقاً كل التوفيق – وبعد أن أبدى الأستاذ ملاحظاته في المناقشة قال – : وأود أن أقول: إن هذه الرسالة متكاملة في أكثر أبوابها وفصولها وبحوثها، وفائدتها عظيمة، والواقع أن أسلوبها أيضا أسلوب جميل وجليل، كلّ ذلك يدل على علمية السيد وطول باعه في البحث، وأن ما أثرت حولها من مآخذ إنّما هي شكلية أكثر ممّا هي موضوعية فلا تضرّ بهذه الرسالة، ولا تقدح في أهميّتها، ولا تقلّل من قيمتها، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقه لبحوث أكثر في خدمة الشريعة والدين.
وجاء في كلمة المؤلف العلامة السيد علي عبد الحكيم الصافي”ره” عن كتابه الضمان في الفقه الإسلامي:
قد تحدث الفقهاء عن الضمان في مختلف مظانّه من الفقه، وهي منتشرة في أكثر بحوث المعاملات، ولم أجد – في حدود ما تتبعت – کتاب يجمع جل ما يتصل بموضوعه، ويصوغه صياغة خاصة يبرز قيمته العلمية والتشريعية. وهذا مما حفّزني (1) إلى اختياره موضوعاً للكتاب، مضافاً إلى ما عرضته من جوانب الأهمية فيه، وابتناء بعض المعاملات التي قيل: إنها مستحدثة عليه، كما سيأتي:
منهج البحث في كتاب الضمان في الفقه الإسلامي
سلكت في منهج البحث أساس المقارنة بين آراء جمهرة من الفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية، وبخاصّة: الإمامية، الزيدية، المالكية، الحنفية، الشافعية، الحنابلة، الظاهرية (2).
ويتلخص المنهج بعرض المسألة التي هي محل البحث، واستعراض أقوال الفقهاء فيها، وبيان أدلتهم عليها، فمقارنتها فيما بينها، ثمّ اختيار ما يبدو رجحانه، أو استخلاص المبدأ العام للموضوع.
وقد اعتمدت في نقل الأفكار والأدلة على المصادر التي تمثل آراء أصحابها، فإن لم يتيسر لي ذلك، رجعت إلى من نقل عنهم، وأشرت إلى النقل بالواسطة؛ لأتحلّل من تحمل مسؤولية النقل. وحاولت جهد الإمكان أو أبسط ما يرد من عبارات مغلقة مع الاحتفاظ بالمؤدي. كما أني لم أقتصر على المصادر الفقهية بل أضفت إليها كل ما يستدعيه الموضوع، ويستعان به على البحث المقارن من کتب اللغة والتفسير والحديث والأصول وغيرها.
الهوامش
* وكيل المرجعين الخوئي”ره” والسيستاني”دام ظله” في البصرة والذي درس عند المجدد الشيخ محمد رضا المظفر، والسيد الخوئي، ومن خريجي كلية الفقه في النجف)
۱. حفزه: حثّه وحرّکه، دفعه من خلفه.
۲. راعينا في ترتيب المذاهب الإسلامية السبق الزمنيّ لها.
تحميل الكتاب
فهرس موضوعات كتاب الضمان في الفقه الإسلامي
سيرة المؤلف رحمة الله عليه
ولد الراحل سنة ١٣٥٦ هـ / 5 سبتمبر 1937م، وكانت دراسته على يد شقيقه السيّد محمد عبد الحكيم الصافي والمجدد الشيخ محمد رضا المظفر، والسيد الخوئي، وعدد من علماء الحوزة الشريفة.
وقد جمع الفقيد بين الدراسة الحوزوية والأكاديمية وكان الأوّل على دفعته من المتخرجين في كلية الفقه، وحصل على شهادة الماجستير في الشريعة والعلوم الإسلامية، وهذا انعكس على شخصيته العلمية والأدبية.
مؤلفاته
منها الضمان في الفقه الإسلامي، وقانون الأحوال الشخصية عند الإمامية، وخطاب الجمعة (عدّة حلقات) وغيرها من المخطوطات جعلته أن يكون أهلا لوكالة المراجع الأعلام في البصرة ابتدأت من السيد الخوئي (قدس سره) لغاية مرجعية السيد السيستاني (دام ظله).
وللفقيد آثار دينية إسلامية شامخة في البصرة منها بناء مسجد القبلة الكبير وإعادة بناء مسجد المعقل (جامع السيد عبد الحكيم الصافي) بعد أن هدم في القصف الأمريكي عام ١٩٩١م، وإعادة بناء حسينية المعقل في كربلاء بعد أن هدمها الطغاةـ وترميم جامع الابلة الكبير.
لسماحة الفقيد إمكانية علمية في رسم صورة المجتمع، فقد تم اختياره من قبل المرجعية بعد سقوط النظام، أن يكون ضمن خمسة تم اختيارهم لكتابة الدستور العراقي بعد تغيير النظام. وكانت له أمنية كان يرددها أن الله يمن عليه أن يقوم ببناء مسجد البصرة التاريخي (مسجد خطوة الإمام علي عليه السلام) الذي يعتبر مشرفا عليه.
دوره في الشعائر الحسينية والدينية
في هذا العنوان وجدت من كتب عن نشاطه ومساهماته في أمور اجتماعية ودينية كثيرة، وأهمها حين سقطت المؤسسات الحكومية في العراق فكان السيد علي عبد الحكيم الصافي صاحب القرار الأول في البصرة يلج إليه جميع السياسيين وشيوخ العشائر وعامة الناس.
سأكتب عن تجربتي معه، كوني كنت أمارس الخطابة المنبرية في فترة حرجة جدا، كان في مركز محافظة البصرة أربعة خطباء حسينيين في زمن الطاغية وكانت الخطابة نوعا من المجازفة بالنفس والأهل.
كنت أمارس الخطابة في مناطق البصرة، فطرق بابي رجل أربعيني أخبرني أنه مرسل من قبل سماحة السيد علي الصافي يريد مقابلتي، وفعلا توجهت وفي نفسي هواجس بأني سألقي محاضرة بحضور رجل علامة ووكيل المرجعية العليا.
بعد انتهاء المجلس أدينا الصلاةـ فأوصاني أن أأتي كل أسبوع إلى جامع الابلة لأداء محاضرة دينية قبل الصلاة يوم الجمعة. ورغم الضغط من قبل الحزب والأمن، وجدت الرجل شجاعا لا يأبه بأساليبهم المعادية لمذهب أهل البيت عليهم السلام.
سألني يوما سؤالا كان يلج في نفسه ونفسي. قال: “هل تعلم إن بعض المستمعين مرسلون من قبل الحزب والأمن للمراقبة وليس للاستماع والثواب”؟! أجبته: نعم أعرف بعض الجالسين جاؤوا للمراقبة، فقال: “لا، كثيرون معنا في الصلاة وأثناء المجالس والمحاضرات، وفي زيارة كربلاء. لذا أوصيك أن تختار المفردة التي لا يمكن أن يحصلوا منها سببا لاعتقالك ولا تنزل البلاء على الجالسين فيعتقلوهم”.
واستمرت مجالس يوم الجمعة اكثر من سنتين. عندها قرر سماحته أن يرسلني للدراسة في النجف الأشرف، وقال لي كلمة: “نحن في هذه الظروف الأمنية لا يمكن أن ازكي أحدا، وأنت سأرسل معك ولدي السيد حسنين”.
وفعلا تم التحاقي للنجف بتزكية السيد علي عبد الحكيم، وقام مقامه سماحة السيد حسنين علي الصافي الذي حضر شخصيا إلى المدرسة المهدية التابعة لعائلة كاشف الغطاء.
أثناء دراستي عام 1999 كنت أتردد إلى جامع الابلة، فكان يقول لي: “أنا أحب أن يكون عندنا خطيب حسيني مشار له بالبنان من البصرة، فخذ ما أتاك الله بقوة”. وفي فترة ازدياد الضغط البعثي لمنع المجالس الحسينية كان صوت الرثاء والبكاء يتردد في الابلة وجامع الكرناوي في الجنينة الذي اعتليت المنبر فيه لسنوات إضافة للمناسبات الدينية.
وبقي سيد علي الصافي خادما للحسين عليه السلام إلى حين مماته يوم وفاة مولاتنا العقيلة زينب سلام الله عليها بطلة كربلاء التي أفاضت بطولاتها على خدام الحسين عليه السلام.
بقلم الشيخ عبد الحافظ البغدادي
هذا وتوفّي العلامة الجليل السيد علي السيد عبد الحكيم الصافي طاب ثراه. يوم الخامس عشر من شهر رجب سنة ١٤٤٢هـ .