الشيخ-أحمد-الوائلي

الوائلي عميد الدعاة / بقلم الدكتور علي المؤمن

الاجتهاد: ظلت الخطابة الدينية الإسلامية الشيعية، طيلة منات السنين، أحد الخنادق الأمامية للدعوة الإسلامية، حيث تدافع عن معتقدات الدين والمذهب وأفكارههما ووجودهما، وتحافظ على ترابط نسيج الاجتماع الديني الشيعي وتضامن أبنائه وتكافلهم ووحدتهم، كما توصل صوتها إلى الآخر، الديني والمذهي والفكري والاجتماعي.

وأهمية هذه الخطابة، وخاصة المتعلقة بالمنبر الحسيني؛ تنبع من تعدد أدواره وتكاملها؛ فإذا كان في ظاهره مساحة للتعبير عن العواطف والمشاعر تجاه مأساة كربلاء التي أعقبت إعلان الإمام الحسين (ع) حركته التغييرية الإصلاحية الكبري؛ إلّا أن أهداف هذا المنبر اتسعت وتطورت بمرور الزمن، لتلتحم بأهداف الدعوة والعمل الإسلامي، وليتحول المنبر إلى أحد أهم وسائل الدعوة وأكثرها انتشاراً وتأثيراً.

وككل خنادق الإسلام ظل العنصر الإنساني هو العامل الأساسي في عملية التطوير والتجديد، فكان عمل الدعاة من خطباء المنبر الحسيني ينتقل بين التقليد والإبداع تبعاً للمستوي العلمي والوعي الاجتماعي والمعرفة بمتطلبات الزمان والمكان.

وبرزت في هذا المجال أسماء لامعة جمعت في شخصيتها العلم والتفقه (مستوى الاجتهاد) إلى جانب الدراسة الاكاديمية والوعي بحاجات الأمة السياسية والاجتماعية والمعيشية، وإتقان أساليب الخطابة والدعوة وتقنياتها. وقد تميزت حاضرة النجف الأشرف بوجود هذه النوعية من الخطباء كما بقيت متميزة بحوزاتها العلمية ومنتدياتها الأدبية.

والعلّامة الداعية الأبرز الذي شغل منبره الساحة الاسلامية والفكرية والأدبية في البلدان العربية والإسلامية خلال نصف قرن من الزمن، هو الشيخ الدكتور احمد الوائلي (1927-2003)، والذي مثلت خطابته منعطفاً تاريخياً في مسيرة المنبر الحسيني، بل وفي مسيرة الدعوة الإسلامية بالكلمة؛ إذ نقل المنبر الحسيني شكلاً ومضموناً من واقع إلى واقع، وبالتالي؛ فمن غير الصحيح القول إنه جدد المنبر والخطابة، أو إنه طورها؛ بل أن الشيخ الوائلي أسس لمنهج مختلف في الخطابة الدينية والمنبر الإسلامي.

ومن الصحيح أيضاً القول إن الوائلي هو مدرسة في الخطابة الحسينية؛ لأنه ربما الوحيد الذي يمكن وصفه بالمدرسة، برغم بروز عدد من الخطباء الدينيين المجددين والمبدعين في القرن الميلادي الماضي.

ويعود سبب الفرادة والتميز في خطابة الدكتور الشيخ احمد الوائلي إلى جملة من العناصر المكمل بعضها بعضاً، والتي أعطت للشيخ الراحل صفة المؤسس والعميد:

1- دراسته المعمقة للعلوم الاسلامية الشرعية، إذ درس في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على كبار علماء الدين وبلغ مستويات متقدمة. وهذا العمق العلمي هو عنصر مهم؛ بل شرط في خطيب المنبر والداعية. وهذه العلوم تشتمل على علوم القرآن والحديث والكلام والفقه وأصول الفقه، فضلاً عن العلوم الأساسية كالعربية، والعلوم التكميلية كالفلسفة الاسلامية والتاريخ وغير ذلك، وبالتالي كان الشيخ الوائلي صاحب رأي فقهي وعلمي.

2- دراسته الأكاديمية، إذ درس في كلية الفقه في النجف الأشرف، ثم حصل على الماجستير من بغداد، والدكتوراه في الشريعة من القاهرة. وهذا العنصر له علاقة بنوعية المنهجية والموضوعية وحجم الآفاق التي تميزت بها خطابة الشيخ الوائلي.

3- اطلاعه الواسع على العلوم العصرية والفكر المعاصر؛ فقد كانت قراءات الشيخ الراحل تتسع لمختلف العلوم والمعارف كالفيزياء والطب والفلك والرياضيات وغيرها، فضلاً عن متابعته لأخر مستجدات الفكر الغربي والفلسفة الغربية والأديان والمذاهب. هذ الأمر جعل الخطابة الدينية الدعوية للشيخ الوائلي شاملة في رؤيتها وموضوعاتها وعميقة في طرحها وعملية في شواهدها، إذ كان يضمن آراءه الفقهية والكلامية والتاريخية شواهد حسية من العلوم العصرية، ويستثمر بعض المناهج والآليات الجديدة في الاستدلال.

4- المناهج والأساليب الجديدة في طرح موضوع الخطبة وتقسيمها ومعالجة الموضوع والشواهد والاستدلالات التي تدخل في إطار المعالجة، فضلاً عن أسلوب المخاطبة وتوجيه المخاطب ولفت نظره واستدراجه، وهي بمجملها تقنيات حديثة جداً شدّت الجمهور إلى خطب الشيخ الوائلي، ولم يسبق لخطيب وداعية أن استخدم هذه الأساليب.

5- الشاعرية التي كان يتمتع بها؛ فقد كان شاعراً وأديباً بارعاً، لكلماته سحر خاصّ، تؤثر في العالم والجاهل. شاعريته وأدبه جعلاه ينتقي الكلمات والجمل البليغة في معناها والبسيطة في تركيبها، كما كان يضمّن خطبه شعراً ونثراً. ويضاف إلى ذلك مخزونة اللغوي الهائل وبيانه الفريد وقدرته النادرة على الإقناع.

6- صوته المتميز في ايقاعه ونغمه وتلون طبقاته، وهو أمر يضيف إلى سحر بلاغته وبيانه سحراً آخر. ولا يتوقف الشيخ الوائلي في توظيف صوته للمقاطع الشعرية التي تلقي بطريقة الترجيع (النعي)، وإنما يوظفها في كل اقسام الخطبة.

7- شخصيته الاجتماعية الإسلامية الحركية المتميزة؛ فقد كان الشيخ الوائلي يعيش في وسط المجتمع يتحسس آلامه وآماله، ولا يتردد في دعم الأفراد والجماعات، ومساعدتهم وحل مشكلاتهم. وهذه الشخصية الاجتماعية العامة كان لها حضورها النوعي أيضاً في الأوساط الإسلامية الخاصة والعامة، كمراجع الدين والحركات الإسلامية والمؤسسات العلمية والثافية والاجتماعية، وحظيت بفائق احترامهم.

وما يميزه في هذا المجال أيضاً أنه كان بعيداً في الظاهر عن كل ألوان الخلاف بين المرجعيات والحركات والمؤسسات، ليس بعداً بالمعني السلبي، بل بمعنى أن لا يكون في الظاهر طرفاً فيها؛ الأمر الذي أضاف لشخصيته بعدا آخر يسمح له بالتدخل الإيجابي.

هذه العناصر التي جعلت من الدكتور الشيخ احمد الوائلي عالماً ومفكراً وخطيباً وداعية، حوّلت منبره الديني إلى منبر وعي وإرشاد ودعوة وتعليم وتثقيف على مختلف المستويات؛ فالخطابة الدينية لديه عملت على نشر الوعي الفقهي والعقائدي والتاريخي والاجتماعي والسياسي في اوساط الأمة.

ولعل الخطباء الواعين الذين عاصروه وجاؤوا من بعده؛ قد تتلمذوا على منبره، وإن لم يكن تتلمذاً مباشراً. إذ حاول هؤلاء الخطباء تبني العناصر التي ميزت المدرسة الوائلية في الدعوة الإسلامية بالكلمة، وبالتالي المحافظة على المستوي الذي أوصل إليه الوائلي الخطابة الدينية.

خالص الشكر والمحبة للخطيب الدكتور الشيخ باقر المقدسي، على كرمه بتزويدي بقائمة بأغلب ما كتب في فكر العلامة الشيخ الوائلي ومدرسته الخطابية، من كتب وبحوث وأطاريح أكاديمية، بعد أن قدم سماحته للقائمة بالرسالة التالية:

((أحسنت كثيراً وأجدت يا أستاذ سيد علي المؤمن، في حديثك عن المرحوم الشيخ أحمد الوائلي. بارك الله فيك وفي كل من يتبع طريقة الوائلي الخطابية، التثقيفية الواعية المربية)).

والشيخ المقدسي صاحب منبر مميز مشهور، وهو باحث جمع بين الدراستين الحوزوية والأكاديمية، كما إنه من زملاء الشيخ الوائلي وأصدقائه.

أعيد نشر القائمة؛ تعميماً للفائدة، وخاصة للباحثين والدارسين:

1 – بنية الخطاب السردي في محاضرات الشيخ احمد الوائِلي: سيرة أهل البيت أنموذجاً
2 – التأثيرات الإيجابية في محاضرات الشيخ الوائِلي
3 – الاتجاهات والقيم السائدة في محاضرات الشيخ أحمد الوائِلي
4 – أسلوب الوائلي في فن الخطابة: دراسة نقدية تحليلية
5- مساهمة الدكتور أحمد الوائلي في تأسيس الوعي العام على ضوء المنهج القراني
6 – الإصلاح والوسطية وتطبيقاتها في فكر الشيخ الدكتور الوائِلي
7 – مزايا مجالس الوعظ المنبرية للخطيب الشيخ الدكتور أحمد الوائِلي
8 – سمات البحث العلمي عند المؤلف الدكتور أحمد الوائِلي
9 – الخطاب الإعلامي للشيخ الدكتور أحمد الوائِلي: دراسة تحليلية
10- مستوى التوظيف الديني والأدبي في مجالس الشيخ أحمد الوائِلي: سيرة آل بيت إنموذجاً
11- من فهم النص القرآني عند الدكتور أحمد الوائِليفي “موسوعة محاضرات الوائِلي”
12- الشيخ الدكتور أحمد الوائِلي وريادته للاعتدال والتقريب
13- الأثر الحوزوي والأكاديمي في الأسلوب الخطابي للشيخ الوائِلي
14- قراءة العقوبة القانونية عند الدكتور الوائِلي في رسالته للماجستير : “أحكام السجون بين الشريعة والقانون”
15- هوية الثقافة الإسلامية في فكر الشيخ الوائِلي
16- الشيخ الوائِلي وفقه الجنس: دراسة تحليلية نقدية في كتابه “من فقه الجنس في قنواته المذهبية الخمس”
17- الشيخ الوائِلي وملامح الاضطهاد الفكري: دراسة في كتابه “استغلال الأجير وموقف الإسلام منه”
18- قراءة في كتاب الدكتور الوائلي “احكام السجون بين الشريعة والقانون”
19- أثر بيئة النجف في بناء شخصية الشيخ الوائِلي
20- الإمام الحسين والثورة الحسينية في التراث الفكري للدكتور الشيخ الوائلي
21- نظرة القانون الى رسالة ماجستير الشيخ الوائلي “أحكام السجون”
22- المرأة في محاضرات الشيخ الوائلي
23- أدوار الشيخ الوائلي في تقريب المذاهب الإسلامية والتقارب بين الأديان
24- الشيخ الوائلي ومهمة التطوير في المنبر الحسيني
25- الايديولوجية والمعرفة من فكر الشيخ الوائلي في كتابه “من التفسيرالموضوعي للقران الكريم”
26- الخطاب التغييري عند الشيخ الوائلي
27- الوظيفة الإصلاحية في خطاب الشيخ الوائلي.

 

المصدر: قناة الدكتور علي المؤمن على التلغرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky