الاجتهاد: نشرت مجلة المنهاج في العدد السابع عشر مقالا تحت عنوان (تجديد علم الأصول) للدكتور حسن حنفي، وهو عبارة عن قراءة في الكتابات الاصولية للشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) وقد اشتمل على اشكالات عديدة، فتصدينا للرد.
المقدمة من الجدير بالذكر ان علم أصول الفقه من العلوم الدقيقة جدا، والذي يعاني الدارسون فيه عادة في فهم مباحثه واستيعابها فضلا عن ابداء الراي والنظر سيما بعد تطور هذا العلم على يد المجدد الشيخ الاعظم الانصاري وتلميذه البارع الاخوند الخراساني (قدس سرهما)، ثم اخذ هذا العلم ينمو بحيث وصل الى ذروته على يد الميرزا النائيني والشيخ الاصفهاني الكمپاني والمحقق العراقي (قدس سرهم).
حتى جاء دور الشهيد الصدر (قدس سره) حيث قفز بهذا العلم قفزة كبرى وقطع به اشواطا ملحوظة، وفكر الشهيد الصدر الاصولي وان خلت عباراته منالتعقيد اللفظی الا ان العمق المعنوي الذي تعبر عنه قد يحول دون استيعاب افكاره الاصولية، سيما لمن لم يمارس علم أصول الفقه الشيعي، فان ممارسة علم اصول الفقه السني ليست بكافية لفهم نظريات المدرسة الاصولية الشيعية، لان بعض الابحاث وان كانت مشتركة بينهما الا ان هذا العلم قد تطور بشكل كبير في الاطار الشيعي وتكامل بشكل ملفت للنظر.
وانما ذكرنا هذا من اجل ان يتضح لكل من يريد ان يلج هذا الباب انه امام بحر خضم لا يمكن اجتيازه بسهولة، فلابد من اعداد بعض المقدمات والتامل في نسبة الافكار والرجوع والسؤال من اهل الاختصاص، والا فالافضل عدم الورود في تفاصيل علم الا من قبل اهله.
ونحن في الوقت الذي نقدر جهود الكتاب والمفكرين الذين سخروا اقلامهم لبحث الموضوعات الاسلامية، لكن فيالوقت نفسه فان منطق العلم ومبدا الامانة العلمية يفرضان علينا ان نشير الى مواضع الاشتباه ونقاط الضعف في سبيل الوصول الى الحقيقة وخدمة العلم والفكر.
من هذا المنطلق تصدينا لمناقشة الدكتور حنفي في مقاله (تجديد علم الأصول)، وقد اقتصرنا على بعض الملاحظات لا جميعها، وذلك:
1- لوضوح بعض الاشكالات.
2- بعض المناقشات قد تتطلب بيان وشرح بعض الافكار الاصولية بشكل مفصل، وبما اننا لسنا بصدد ذلك لذااكتفينا بالاشارة الاجمالية لبعض الملاحظات واعرضنا عن بعض.
3- ان اللجاجة في النقاش كثيرا ما تولد فضاءا غير موضوعي
وتبعث على الشحناء، وهذا ما لم نكن نهدف اليه قطعا. هذا، وقد سجلنا ملاحظات عامة واجمالية حول الموضوع، معرضين عن ايراد الملاحظات التفصيلية.
تقويم عام:
1- ان الذي يطالع المقال من اوله الى آخره لا يمكنه ان يخرج بصورة كاملة او شبه كاملة حول مناطق التجديد الأصولي عند الشهيد الصدر الذي هو موضوع المقال باستثناء بعض الموارد الهامشية كاستعمال الشهيد لبعض المصطلحات الحديثة. فالمقال هو اقرب الى التوصيف والاستعراض لكتابات الشهيد الصدر الاصولية، منه الى التحليل والبحث في فكره وتجديداته. وليته التزم بما تمليه طريقة العرض الوصفي حيث تجاوزها الى امور نشير اليها في باقي ملاحظاتنا العامة.
2- العرض غير الدقيق لمحتويات ومسائل البحوث الاصولية للسيد الشهيد، نتيجة التباس الاصطلاح الاصولي وعدم وضوحه.
3- لاحظنا ان الكاتب لم يحدد بشكل واضح هل انه بصدد البيان والعرض للافكار الاصولية للسيد الشهيد (قدس سره) او بصدد النقد وابداء نظره الخاص في الموضوع؟
فبعض الفقرات وقع فيها مزج بين الامرين.
4- لم يلتزم الكاتب باصطلاحات علم الأصول فتراه يستعملها في غير معانيها المعروفة ويطرح تصورات اخرىعنها، والمناسب ان يعرض الفكرة كما هي عند الاصوليين ثم يعرض رايه او ينبه على الاقل على ذلك، لكي لايشتبه الامر على القارئ.
5- نلاحظ ان الكاتب يطرح بعض الافكار التي تتصل بعقائد الشيعة كمسالة عصمة الائمة (ع) وربما عبر بعبارات غير لائقة احيانا وهي ثابتة بالادلة القطعية في محلها من علم الكلام، ولا نرى وجها للتعرض لها فيالبحث الاصولي، وكان بامكانه عدم طرق هذا الباب وتحاشي مثل هذه البحوث.
6- توجد عبارات مبهمة جدا تحتمل عدة وجوه بحيث من الصعوبة الجزم بمراد الكاتب.
7- الصياغة المعتمدة في بعض فقرات المقال صياغة غير واضحة والتراكيب غير مالوفة.
8- لم نلمس الدقة في الارجاعات الى المصادر، فاحيانا يطرح رايه الخاص ويرجع الى المصدر، وبعضالارجاعات وجودها كعدمها حيث يطرح الكاتب فكرة جزئية ثم يرجع الى مئات الصفحات من كتاب معين.
هذه هي مجموع الملاحظات العامة التي بدت لنا من خلال مراجعة المقال، وسنعزز المهم منها ببعض الشواهد والنماذج.
ونود الاشارة الى ان ثمة ملاحظات اخرى تركناها ظنا منا بان هذا المقدار يفي بالغرض الى حد ما.
1- المصطلحات الاصولية : يختزل (المصطلح) في كل علم مدلولا ومفهوما خاصا به، فما لم تتحدد دلالة المفهوم ودائرته فليس بامكان اي باحث ان يلج البحث او يتحمل مسؤوليته. ولا تخفى اهمية (المصطلح) في كل علم لانه يشكل اداة البحث وسلاح الباحث، كما يعتبر اللغة المشتركة بين ابناء واتباع ذلك العلم.
وعلم الأصول هو من العلوم التي اطرد فيها الاصطلاح وضعا واستعمالا على نطاق واسع تبعا لوفرة بحوثه ودقة معانيه، ولذا كان من الطبيعي ان يبدو عزيزا او ممتنعا على غير اهله.
وقد لمسنا في المقال الماثل بين ايدينا تعاملا عاجلا مع المصطلح الاصولي تعوزه الكثير من الدقة. ونحن نلفت نظر القارىء الى عينات من ذلك.
اطلاق علم الأصول:
ولنبدا اولا مع الكاتب فنتوقف معه عند تسمية علم الأصول ، لنلاحظ انه يشرك في اطلاقها بين علمين: هما علم اصول الدين، وعلم اصول الفقه.
“علم الاصول له شقان: علم اصول الدين وعلم اصول الفقه” . [1]
ولا تخفى لطافة هذا التعبير، الا انه مجرد تنظير، اذ لا اشتراك بين علم اصول الدين وعلم اصول الفقه الا من جهة لفظ (اصول) كما يشتركان في لفظ (علم) ايضا.
القاعدة الاصولية:
“منطق الاستدلال وعلم القواعد الفقهية هو البعد الثاني في علم الأصول بعد مباحث الالفاظ والتحليلات اللغوية انتقالا من منطق اللغة الى منطق العقل”
اولا- وقع خلط بين القاعدة الفقهية والقاعدة الاصولية، فالقاعدة الاصولية هي عبارة عن العناصر المشتركة في عملية الاستدلال.
ثانيا- ان المبحوث عنه في علم الأصول ليس القواعد الفقهية كما هو واضح بل القاعدة الاصولية.
ثالثا- ان مدرك القاعدة الاصولية ليس هو العقل دائما.
القطع:
“القطع عكس التجري، القطع يقين نظري وعملي”. عرف القطع بالكشف التام الذي قد يستتبع جريا عمليا على طبقه كما في حالة الطاعة او لا كما في حالة العصيان.
التجري:
“التجري وهو: العمل بلا دليل يقيني” “التجري ظن نظري ويقين عملي وهو ما يعادل وضع خبر الواحد اصل عند اهل السنة، التجري هو ظنية الدلالة، ومع ذلك يتم تنفيذ الفعل جريا وراء العادة او العرف”. هكذا عرف الدكتور حنفي مصطلح التجري، ولست ادري من اين استخرج هذا التعريف للتجري؟! فان التجري كما عرفه السيد الشهيد هو: مخالفة التكليف المنجز على المكلف بمنجز عقلي او شرعي مع عدم مصادفة الواقع، بان لم يكن التكليف الواقعي الالزامي موجودا في البين، في حين ان العصيان الذي هو مخالفة مع مصادفة الواقع. ويستشف القارئ من عبارات الدكتور حنفي عدم التمييز بين التجري والجري العملي.
البراءة والتخيير والاحتياط:
“البراءة والتخيير والاحتياط وهي من مقولات الفعل التي تؤكد على البراءة الاصلية، وان الاشياء في الاصل على الاباحة،وعلى حرية الافعال، وان الانسان على التخيير كما هو الحال في المندوب والمكروه، وعلى الاحتياط والحذر والبعد عنالشبهات حرصا على راحة الضمير”.
اولا- وقع خلط بين اصالة البراءة واصالة الحل.
ثانيا- ان المقصود بحثه تحت عنوان (اصالة التخيير) هو حكم موارد الدوران بين المحذورين، اي الوجوب والحرمة، لا كما فسره بقوله: “كما هو الحال في المندوب والمكروه” ولا ما فسره ايضا حيث قال “وتعني اصالة التخيير ان الحرية الانسانية هي نسيج الافعال وان الاوامر والنواهي ليست قوالب مفروضة على طبائع البشر”، ولا يسعنا هنا الا ان نقول ان هذه الحرية الانسانية لا تتحقق من خلال اصالة التخيير الاصولية بل من خلال اجراء اصالات اخرى!
ثالثا- ان المبحوث عنه تحت عنوان (اصالة الاحتياط) هو خصوص موارد الشك في المكلف به عند العلم الاجمالي باصل التكليف، اما الاحتياط والبعد عن الشبهات حسب تعبير الدكتور حنفي فهذا ما يبحث عادة ضمن البحث حول البراءة.
وقد ذهب في موضع آخر من مقاله الى ان مقتضى الاحتياط هو الترخيص ورفع الضرر! وهو مع مخالفته لسابقه غريب في نفسه، اذ الاحتياط يقتضي عدم الترخيص، والاخذ بالاحوط هو اخذ بالاشد لا بالاخف كما هوواضح.
الدليل اللفظي والعقلي:
“لما كان منطق الاستدلال يتعامل مع النص وهو الاصل، والواقع وهو الفرع اصبحت مباحث الالفاظ اهم جانب في منطق الاستدلال، ولما كان الفرع هو الواقع الجديد الذي في حاجة الى دليل ظهر دور العقل”. لقد قسم الدكتور حنفي دور كل من الدليل اللفظي والعقلي تقسيما لا ينسجم مع معناهما المعهود في علم الأصول . فقد عرف الدليل اللفظي بانه ما يبحث فيه عن الدليلية اللفظية وكل ما يرجع الى تشخيص الظهورات اللغوية أو العرفية، فيندرج في هذا القسم كل البحوث اللغوية الاصولية.
والدليل العقلي: هو كل قاعدة برهانية يمكن ان يستنبط منها حكم شرعي سواء كان ذلك بضم مقدمة شرعية اليها او بلا توسيط مقدمة شرعية.
الدلالة:
“الدلالة جماع الموضوع والذات، والوضع والقصد، اشتراك علاقة بين طرفين”.
اولا- اما الفقرة الاولى التي تضمنت تعريف الدلالة، فنقول: عرفت الدلالة بشكل عام في علم المنطق بانها انتقال الذهن من ادراك شيء (الدال) الى ادراك شيء آخر (المدلول).
ثانيا- واما الفقرة الثانية لو حملناها على معنى محصل فهي تنسجم مع الدلالة التصديقية الاولى.
ثالثا- واما الفقرة الثالثة فهي مضافا الى عدم استقامتها من جهة الصياغة غير صحيحة من ناحية المضمون، فان مجرد العلاقة بين طرفين لا تسمى دلالة، فان العلاقة بين لفظين مترادفين ليست دلالة، نعم العلاقة بين كل لفظ منهما ومعناه هي دلالة.
الاستعمال:
“ولا يعني الاستعمال مجرد كيفية العامل مع الاداة، بل هو مرآة وعلامة”. ان المرآتية والعلامية هي كيفية، ولكن كيفية في لحاظ اللفظ هل هو على نحو الالية او الاستقلالية؟ ومن هنا يعلم ان بين المرآة والعلامة تباين، لا ان احدهما عين الاخر كما يظهر من العبارة.
الدلالة الوضعية:
“الدلالة الوضعية ليست تصورية او تصديقية، بل متوقفة على الارادة من دون ان تكون قيدا عليها”.
اولا- ان الدلالة الوضعية اصطلاح يطلق في المنطق في مقابل الدلالتين العقلية والطبعية اما في الاصول فهو يطلق على الدلالة التصورية في مقابل الدلالة التصديقية.
ثانيا- ان ما يتوقف على الارادة هي الدلالة التصديقية الثانية وهي قيد فيها، فان الدلالة التصديقية تقسم عادة الى قسمين: اولى وثانية.
المفاهيم:
“اما المفاهيم فانها الاسس التي يرتكز عليها النهي مثل الشرط والوصف والغاية والاستثناء والحصر، الامر الذي يدل على رغبة الامام الشهيد في العرض النظري وتحويل علم الأصول الى منطق شعوري خالص”. ان المستفاد من ظاهر كلامه صدرا وذيلا ان كلمة المفاهيم لم تستعمل في معناها الاصطلاحي لدى الاصوليين، اذا لمفهوم عندهم عبارة عن “المدلول الالتزامي الذي يعبر عن انتفاء الحكم في المنطوق اذا اختلت بعض القيود الماخوذة في المدلول المطابقي”.
الجعل، الكشف، التنجيز:
“والدليل العقلي ليس مجرد برهان عقلي، بل هو مفتوح لحظة (الجعل)، اي رؤية الحقيقة نفسها وهي تتخلق، ولحظة(الكشف) وهي رؤية مباشرة وادراك حدسي لحظي، ولحظة (التنجيز) اي المشاركة في الحقيقة بادراكها، اي باكمال خلقها”.
اولا- ان الجعل: هو التشريع، وقد يستعمل في مقابل المجعول، اي حالة فعلية الحكم المجعول بتحقق موضوعه خارجا، وليس هو رؤية الحقيقة نفسها.
ثانيا- ان الكشف واضح فلا يحتاج الى توضيح، ولكن الاصوليين يستعملونه في كشف الدليل بالمعنى الاعم آعن الحكم الواقعي، وليس له معنى اصطلاحي.
ثالثا- التنجيز هو ثبوت الحكم في عهدة المكلف بوصول التكليف اليه.
الظهور:
“فالظاهر هنا له معنى باطني، وليس كاهل الظاهر الذين ياخذون بظواهر النصوص”. ان القول بحجية الظهور يكون في مقابل اهل الظاهر وايضا في مقابل المسلك الباطني، فان القول بحجية الظهور لايعتمد على فهم النص منعزلا عن القرائن المتصلة او المنفصلة، بخلاف المسلك الثاني الذي يهمل القرائن، وبخلاف المسلك الباطني الذي لا يهتم بالظاهر اصلا.
الاصل العملي:
“ويعني الاصل العملي اليقين النظري الذي يستند اليه الحكم الشرعي”. وعرف الاصل العملي “بانه نوع من الاحكام الطريقية الظاهرية المجعولة بداعي تنجيز الاحكام الشرعية او التعذير منها وهو نوع متميز عن الاحكام الظاهرية في باب الامارات، فالاصل العملي هو ما يقرر للمكلف وظيفته العملية حال الشك في التكليف”.
الارادة:
“من صفات اللّه الارادة، اي عدم اتباع الاهواء”.
لقد فسر الارادة الالهية بتفسير لا تدل عليه اللغة ولا العرف ولا العقل والاصطلاح.
قاعدة التسامح:
“والاحتياط واجب في الشبهات وهو الذي يؤدي الى قاعدة التسامح في ادلة السنن وعدم ضرب الاخبار بعضها ببعض، وافتراض حسن النية في الرواة، وتصديق المتون مهما بلغ الاختلاف في صياغاتها اللفظية، التسامح نوع من الاستحسان”. عرف الاستحسان بعدة تعاريف:
منها: ما يستحسنه المجتهد بعقله.
ومنها: طلب السهولة في الاحكام فيما يبتلي به الخاص والعام.
ومنها: الاخذ بالسعة وابتغاء الدعة.
وشيء منها لا يناسب قاعدة التسامح، فانها تعني ان موضوع الحجية في باب المستحبات او مطلق الاحكام غير الالزامية هو مطلق الخبر ولو كان ضعيفا.
الاستصحاب:
(1) “تثبت البراءة الاصلية بالاستصحاب، اي بطبائع الامور ومجرى العادات”.
(2) “الاستصحاب ويعني مصاحبة الدليل ثقة فيه حتى ولو كان ينقصه اليقين النظري المطلق، وهو اقرب الى الذوقالفطري الذي يعتمد على اللغة والمصلحة، شاقا طريقه بينهما باسم العقل والفطرة والذوق والطبيعة الخيرة، واجتماعمصادر معرفية متباينة ظنية تصبح نوعا من اليقين، وتحول انصاف الشكوك الى شبه يقين هو: استصحاب للكلي منمجموع الاجزاء”.
وفيما ذكره في تعريف الاستصحاب تهافتات لا تخفى، والاستصحاب هو عبارة عن مرجعية الحالة السابقة اوابقاء ما كان.
(3) “ويثبت الاستصحاب بتحليل مصادر المعرفة واسسها العملية وبالحجج النقلية وبالسيرة العقلية، وعادة ما يستخدفي لحظات الشك التقديري وغياب اليقين المطلق، فيكون استصحابا للكلي اي مجموع القرائن والامارات” .
ان هذا التفسير لاستصحاب الكلي هو من ابتكارات الدكتور حنفي! حيث عرف في كتب الاصول بانه عبارة عالتعبد ببقاء الجامع بين فردين من الحكم او الجامع بين شيئين خارجيين اذا كان له اثر عملي
البراءة:
“فالعقل لا يعرف الاثم، انما تاتي الاثام من الاهواء والنزوات”.
اولا- هل المراد توضيح البراءة بنوعيها او احدهما؟
ثانيا- مرادهم من البراءة هو رفع مسؤولية التكليف عن عهدة المكلف.
والظاهر من العبارة ان الكاتب فسر البراءة بالنزاهة وان العقل الانساني مبرا من الاثم ومنزه عن الشر، وهوعجيب.
الاوامر:
“دلالة مادة الامر، اي مضمونه من حيث العلو والاستعلاء او الوجوب او الطلب”. البحث في دلالة الامر غير منحصر بالمادة، بل البحث في الهيئة ايضا.
الامر بعد الحظر، النسخ:
“وفي الحالات الخاصة تثار مسائل الامر بعد الامر والامر بالامر ونسخ الامر”.
اولا- ما معنى قوله: “وفي الحالات الخاصة”؟
ثانيا- الامر بعد الامر لا يعلم ماذا يراد به، بل المبحوث عنه في الاصول هو الامر بعد الحظر.
ثالثا- ان النسخ المبحوث عنه هو نسخ الحكم امرا كان او نهيا او مباحا.
الاجزاء:
“اما اجزاء الامر فتتعلق بالوقت، اي زمان الفعل”. ان البحث المعروف في علم الأصول هو بحث الاجزاء بالكسر (وهو الاكتفاء بما اتي به وعدم لزوم الاعادة اوالقضاء، وليس البحث عن اجزاء الامر، كما ورد في العبارة اذ ليس للامر اجزاء.
المقدمة والشرط:
“ومقدمة الواجب تعني شرطه او اطلاقه بلا شرط”. المراد غير واضح، فهنا خلط بين الشرط وبين المقدمة.
الواجب النفسي والغيري:
“وهو واجب تجاه النفس وتجاه الغير”.
لعل المقصود هو الواجب النفسي والغيري الا ان معناهما الاصطلاحي في علم الأصول بعيد كل البعد عن هذه التفاسير.
سيرة المتشرعة والعقلاء:
“السيرة: وهي نوعان: السيرة الشرعية مثل سيرة الرسول والصحابة التابعين او حتى سيرة الامام المعصوم، السيرة الفاضلة، السيرة العطرة التي هي موضوع علم السيرة”.
اولا- ان النوع الاول من السيرة المبحوث عنها في الاصول هو سيرة المتشرعة وسيرة العقلاء، واما سيرة المعصوم نبيا او اماما فهي داخلة في السنة، وكانه وقع خلط بين اصطلاح السيرة في علم التاريخ وبين السيرة في علم اصول الفقه.
ثانيا- انه طبق المباني الاصولية للشيعة لا تعد سيرة الصحابة والتابعين من السيرة في اصطلاح المؤرخين.
2- البحوث الاصولية
لم يلتزم الكاتب بمنهجه في العرض والتعريف بالفكر الاصولي عند الشهيد الصدر، بل راح يطرح بعض الاراء والتصورات حول جملة من المسائل الاصولية، ولنا على ما ذكره مجموعة من المؤاخذات والمداخلات نشير اليها:
غاية علم الأصول :
لقد لخص الكاتب تصوره عن غاية علم الأصول ووظيفته بانه عبارة عن “التوجه نحو الواقع من اجل السيطرة عليه عن طريق تنظيم الافعال الانسانية فيه ووضع قواعد للسلوك البشري”.
ومن الواضح ان الذي له هذا الدور هو علم الفقه، فانه يحدد الموقف الشرعي للمكلف تجاه القضايا المختلفة وينظم سلوكه.
ولا ربط لذلك بعلم اصول الفقه اصلا، نعم قد يكون المقصود تنظيم السلوك ولو من ناحية النتائج النهائية، اي من خلال توسط علم الفقه، الا انه كما ترى.
الادلة المعتبرة:
“الدليل هو اساسا الدليل العقلي على عكس ما يقال في الاصول الشيعية التقليدية من تقليد الامام المعصوم”.
اولا- ان الاصوليين يقسمون الدليل عادة الى قسمين:
(1) الدليل الشرعي.
(2) الدليل العقلي.
واحدهما في عرض الاخر، وليس الثاني اساسا للاول، على ان بعض ما عده من السيرة والظواهر ليس من الدليل العقلي قطعا.
ثانيا- لا يوجد مصدر شيعي واحد يتضمن هذا الذي نقله الدكتور حنفي.
ان الذي تعتقده الشيعة الامامية الاثنا عشرية هو حجية قول الامام المعصوم (ع) وان كل ما بينوه قد اخذوه عن رسول اللّه (ص) فهو من ضمن السنة، وهذا بحث كلامي عالجته كتب العقائد واثبتته بالادلة القطعية لا الظنية، وليس هذا من باب التقليد المصطلح.
دور الادلة العقلية والنقلية:
“ولما كان منطق الاستدلال يتعامل مع النص وهو الاصل، والواقع وهو الفرع اصبحت مباحث الالفاظ اهم جانب في منطق الاستدلال. ولما كان الفرع هو الواقع الجديد الذي في حاجة الى دليل ظهر دور العقل والدليل العقلي على التقابل.
ولما كان منطق الاستدلال لا يتم عن طريق ربط آلي بين الدليل اللفظي والدليل العقلي ظهر الاستصحاب”
اولا- لقد قسم الدكتور حنفي دور كل من الدليل اللفظي والعقلي تقسيما لا ينسجم مع معناهما المعهود في علم اصول الفقه، فلعله فهمهما بشكل آخر، والا فان هذا الكلام ليس فنيا، بل هو عجيب.
ثانيا- واما تعليله لظهور الاستصحاب فهو اعجب واعجب، فان المستند في حجية الاستصحاب هو الدليل اللفظي، ولست ادري كيف يكون عدم امكان الدمج بين الدليل اللفظي والعقلي على فرض امكانه علة لظهور الاستصحاب؟!
تقسيم مباحث علم الأصول :
“المصلحة اساس التشريع، وهذا هو السبب في قسمة علم الأصول قسمة ثلاثية: الدليل اللفظي، والدليل العقلي، ودليل الاستصحاب”.
اولا- ان هذا التقسيم لا ينسجم مع التقسيم المتعارف عندنا ولا ينسجم ايضا مع ما اقترحه الشهيد من تقسيم جديد.
ثانيا- ان هذا التقسيم ثلاثيا كان او غيره غير قائم على اساس المصلحة، فلا ترابط بين الامرين.
نظرية الوضع:
“توضع الدلالة اللفظية في النظرية العامة للدلالة على المعنى الحقيقي ويعرض عدة نظريات فيها مثل نظرية التعهد، ونظرية الاعتبار، ثم ينتقل منهما الى نظرية الوضع”.
اولا- ان نظرية الوضع ليست في مقابل التعهد والاعتبار، بل كل منهما يفسر الوضع وكيفيته.
ثانيا- ان السيد الشهيد ناقشهما وتبنى نظرية اخرى، هي نظرية القرن الاكيد.
علامات الحقيقة:
“والعلامات ليست مجرد رموز اصطلاحية ومواصفات اتفاقية، بل هي علامات حقيقية لتشخيص المعنى وتحويله من عالم الاذهان الى عالم الاعيان، وعلامات التعارض”.
اولا- ان العلامات لا يمكنها ان تلعب هذا الدور في تحويل المعنى من عالم الاذهان الى عالم الاعيان، فما دام الكلام في عالم الدلالات فظرفها الذهن اذن، ولا تستطيع ان تقوم باكثر من تشخيص المعنى وتحديده في الذهن.
ثانيا- ان هذه العلامات خاصة بتشخيص المعنى الحقيقي وتمييزه عن المجازي لا غير.
ثالثا- ان المراد من “علامات التعارض” غير واضح، وانما الوارد هو “تعارض الاحوال” والبحث فيه حول المعنى الذي يقدم فيمثل هذه الحالات.
عد الشهرة:
“ويعد المصادر الظنية الخارجية مثل الاجماع والشهرة والخبر وسيرة المتشرعة والسيرة العقلائية من الدليل الاستقرائي غير المباشر”.
اولا- كان ينبغي التعبير بالادلة بدلا من المصادر.
ثانيا- لماذا وصفت هذه المصادر بالخارجية؟
ثالثا- كيف يعد الخبر دليلا استقرائيا؟!
رابعا- كيف تعد سيرة المتشرعة والسيرة العقلائية من الدليل الاستقرائي؟!
تقسيمات الواجب:
“وفي كيفيات الامر يبحث موضوع التخيير والكفاية والعين
والفور والتراخي والقضاء والمضيق والموسع، وكلها تحقيق الامر في الزمان، فالامر على هذا النحو اشبه ببنية تجمع بين النص والواقع وفي وسطها الفعل له ابعاد لغوية وسلوكية وواقعية في تادية الفعل في الزمان اكثر منه في المكان”.
اولا- ان الموارد المزبورة ذوات حيثيات متفاوتة كالتخيير والتعيين والكفاية والعينية، فسردها على صعيد واحد وانها من كيفيات الامر يوحي الى الذهن انها من واحد.
ثانيا- ما المقصود ب (كيفيات الامر) فان المعنى الذي يفيد الكاتب يجعله مطاطا بحيث يدخل الموارد المذكورة سابقا ايضا كالتعبدي والتوصلي والنفسي والتكرار.
ثالثا- ان كان المراد من قوله “وكلها تحقيق الامر في الزمان” التقييد بالزمان فلا يصح ما اراد وان كان المراد هووقوع الفعل في ظرف الزمان فليس هذا شيئا يناسب ذكره هنا.
رابعا- ان الخصائص التي ذكرها للامر بانه يجمع بين النص والواقع… الخ لو حمل على معنى صحيح لا يختص بالامر بل قد يشمل كل لفظ دال على معنى امرا كان او نهيا او غيرهما، بل حتى ولو لم يكن من خطاب الشارع.
قاعدة التسامح:
“والاحتياط واجب في الشبهات وهو الذي يؤدي الى قاعدة التسامح في ادلة السنن وعدم ضرب الاخبار بعضها ببعض، وافتراض حسن النية في الرواة وتصديق المتون مهما بلغ الاختلاف في صياغاتها اللفظية”.
اولا- ان كان المراد تفسير قاعدة التسامح، فليس معناها هو ضرب الاخبار بعضها ببعض، فان هذا هو التعارض بين الاخبار لا التسامح.
ثانيا- هل ان مركز التسامح هو السند او المتن؟ فان كان الاول، اي حسن الظن بالراوي وحمله على الوثاقة والاغضاء عن الضعف، فهذا ما لم يقل به احد، فان القائل بهذه القاعدة يتمسك بادلة اخر لا بما ذكره الكاتب، وان كان الثاني فهو لا يمكن قبوله بحال، اذ ما معنىالتسامح في المتن؟!
القواعد الفقهية:
“ويعني الاستقراء تكرار الافعال الجزئية من اجل استخلاص قاعدة عامة، ثم اصبح مجموع هذه القواعد علما مستقلا هو “علم القواعد الفقهية”.
اولا- ان التعبير بالافعال ليس في محله.
ثانيا- لا فرق بين القاعدة والحكم الفرعي من حيث الاثبات، فكل منهما يثبت بادلته الخاصة، فمثلا: قاعدة لا ضرر تثبت بالنص، والحكم بنجاسة الدم ايضا ثبت بالنص.
البراءة:
“والبراءة لا تنفيها الشبهة الذاتية والموضوعية، لان البراءة اصل”.
اولا- جعل الشبهة الذاتية في قبال الموضوعية ليس معروفا في الاصول، نعم قد يعبر بذلك في مجال آخر.
ثانيا- مع الغض عما تقدم فان العبارة ينبغي ان تصحح فيقال مثلا: ان البراءة لا تجري في الشبهة الكذائية.
ثالثا- ان الشبهة تقسم في علم الأصول بعدة تقسيمات، منها:
تقسيمها الى شبهة حكمية وموضوعية، وهو المناسب هنا.
رابعا- ان تعليله لذلك بان البراءة اصل في منتهى الغرابة، والظاهر ان فكرة الاصل لدى الدكتور حنفي ليست واضحة.
الاحكام الترخيصية:
“وعلى اصل البراءة تقوم التكاليف غير الالزامية”. ان الدليل على التكاليف غير الالزامية ليس منحصرا بالبراءة، بل ربما يكون باصل آخر كالاستصحاب مثلا.
الاحتياط:
“ويثبت بنص الكتاب مثل عدم القاء النفس الى التهلكة، والاحتكام في حالة النزاع والتقوى الباطنية، وعدم الفتوى بغير علم”.
اولا- لقد رد الاصوليون ادلة الاحتياط مطلقا شرعا او عقلا. نعم ذهب الشهيد الصدر الى الاحتياط العقلي.
ثانيا- ان الادلة التي يقيمها الشهيد الصدر على مدعاه ليست لفظية وتختلف عما ذكره الكاتب.
ثالثا- لقد ميز الفقهاء بين مسالتين: الاولى: وجوب الاحتياط، والثانية: حسنه. والظاهر وقع خلط بينهما في كلام الكاتب. “فالاحتياط حذر علمي وعدم المجازفة باطلاق الاحكام من دون دليل كاف”. ان حرمة الافتاء من دون دليل ليس من باب الاحتياط بل لانه كذب على المولى ومرجع ذلك كما اشرنا آنفا الى عدم اتضاح مفهوم اصالة الاحتياط لدى الكاتب.
“البراءة والاحتياط لا يتعارضان”. بل يتعارضان فان مقتضى الاول التامين والتعذير، ومقتضى الثاني التنجيز.
“البراءة يقين اصلي في حين ان الاحتياط ظن طارىء”.
اولا- ان البراءة بل جميع الاصول العملية لا تفيد اليقين.
ثانيا- ان وصف اليقين بكونه اصليا لم يتضح وجهه.
ثالثا- لم يتضح ارتباط هذا بما قبله، وكانه ساقه مساق التعليل.
“البراءة اصل، والاحتياط فرع”. يتضح من هذه العبارة عدم وضوح فكرة الاصل العملي عند الكاتب.
“والاحتياط واجب في الشبهات”. اي احتياط يكون واجبا؟ وفي اي نوع من الشبهات؟ سؤال لا نتوقع من الكاتب الاجابة عليه وهو في مثل هذهالحال. “وهو الذي يؤدي الى قاعدة التسامح في ادلة السنن”.
اولا- كيف يؤدي الاحتياط الى قاعدة التسامح، بل العكس هو الصحيح.
ثانيا- ان السنة تطلق على عدة معان والمناسب منها في المقام هو السنة بمعنى ادلة الاحكام الترخيصية في مقابل الاحكام الالزامية، وهي قاعدة ذهب اليها المشهور، ولم يقبلها الشهيد الصدر.
الاصل والحجة:
“فالحجة ليست مجرد برهان منطقي او هندسي، بل هي بحث عن اساس نظري للعمل ويقين للسلوك، ولذلك تم الجمع فيعنوان واحد (مباحث الحجج والاصول العملية)”. ان الحجة عند الاصوليين عادة تؤخذ في مقابل الاصل، لذا عطف الاصول على الحجج في العنوان المذكور آنفا.
الامتثال الاجمالي:
“وفي نهاية المعرفة القطعية يتم الانجاز ويتحقق الامتثال الاجمالي”.
اولا- قوله: “يتم الانجاز” غير واضح في نفسه فضلا عن ارتباطه بما قبله.
ثانيا- لا ادري كيف يتحقق الامتثال الاجمالي مترتبا على المعرفة القطعية، الا اذا كان المراد الاقتضاء ولكن لايناسب التعبير بالتحقق.
ثالثا- لست ادري لم اقتصر على ذكر الامتثال الاجمالي؟
صيغة الامر والنهي:
“وقد تجتمع الاوامر والنواهي في الصيغة نفسها، فالفعل ترك ايجابي، والترك فعل سلبي”.
اولا- لا يمكن اجتماع الاوامر والنواهي في صيغة واحدة.
ثانيا- ان الفعل والترك متقابلان فكيف يعرف احدهما بالاخر.
ثالثا- ما هو الداعي للتصدي لتعريف الفعل والترك، والبحث انما هو في الامر والنهي.
رابعا- الظاهر من العبارة ان تعريف الامر والنهي مسوق مساق التعليل لما سبق!
المفاهيم:
“اما المفاهيم فانها الاسس التي يرتكز عليها النهي مثل الشرط والوصف والغاية والاستثناء والحصر”.
ان البحث عن المفاهيم في عرض البحث عن الامر وعن النهي.
من هنا يتبين ان التعبير عن المفاهيم بانها الاسس التي يرتكز عليها النهي ليس فنيا.
الاصول العملية:
“وهي [اي الاصول العملية] اقرب الى الاصول العملية منها الى الحجج النظرية”. بل هي اصول عملية حقا، وليست قريبة منها.
“واستصحاب الامور المقيدة بالزمان والعصر، اي الاعراف والعادات والمصالح المتعارف عليها”.
اولا- كيف يتم استصحاب الامور المقيدة بالزمان؟!
ثانيا- فسر الزمان بتفسير لم يقل به احد، سيما تعبيره بالمصالح المتعارف عليها.
“واستصحاب النسخ احساسا بالتقدم والتغير سلبا ام ايجابا نحو المنسوخ او نحو الناسخ، فالتغير ليس خطيابا لضرورة. قد يكون تقدما وقد يكون نكوصا”.
ان استصحاب عدم النسخ معناه ابقاء حكم المنسوخ، فلا يكون تقدما نحو الناسخ بل اهمال له. وان استصحاب عدم النسخ ليس تقدما، بل هو بالدقة تراجع وجمود، فلا تغير اصلا ولا تقدم، الا ان يفسر التغير بمعنى بعيد عن البحث. “لذلك تتقدم الامارات على الاصول تتقدم بالورود وبالحكومة وبالقرينة على اصالة البراءة والاستصحاب”.
اولا- ان التقدم هو طبق قانون الورود او الحكومة وليس على اساس القرائن.
ثانيا- ان عطف قوله: “بالقرينة على اصالة البراءة والاستصحاب” في غير محله.
“ويعني [اي الاستصحاب] مصاحبة الدليل ثقة فيه حتى ولو كان ينقصه اليقين النظري المطلق، وهو اقرب الى الذوق الفطري الذي يعتمد على اللغة والمصلحة، شاقا طريقه بينهما باسم العقل والفطرة والذوق والطبيعة الخيرة، واجتماع مصادر معرفية متباينة ظنية تصبح نوعا من اليقين وتحول انصاف الشكوك الى شبه يقين هو استصحاب للكلي من مجموع الاجزاء”.
اولا- يضيف الكاتب تفسيرين آخرين للاستصحاب لا يلتقيان على معنى مشترك.
ثانيا- لم يتضح لنا كيفية اعتماد الاستصحاب على اللغة والمصلحة، وكيف يشق طريقه بينهما.
ثالثا- ثم ان قوله: “واجتماع مصادر معرفية متباينة ظنية تصبح نوعا من اليقين” على فرض تسليمه ما هوارتباطه بالاستصحاب؟!
رابعا- لم يفرق بين الكلي والكل والجزئي والجزء.
“ويثبت الاستصحاب بتحليل مصادر المعرفة واسسها العملية و…”.
ان تحليل مصادر المعرفة بحث فلسفي، ولا ربط له باثبات الاستصحاب.
“ولا فرق بين الاصل والاصالة في البراءة والتخيير”.
اولا- لا يتوهم احد الفرق بين الاصل والاصالة كي يحتاج الى تنبيه.
ثانيا- تقييد عدم الفرق في خصوص “البراءة والتخيير” مما لا وجه له.
ثالثا- لا ادري هل ان هذا التخبط نشا من عدم وضوح فكرة الاصل العملي او عدم وضوح فكرة البراءة او التخيير اومن كليهما؟!
الانسداد:
“حجة الظن المطلق ودليل الانسداد، وهو اقرب الى الموقف المعرفي المبدئي باستحالة الوصول الى اليقين، كما هو الحال في موقف الشكاك فلا يوجد الا الظن، واليقين وهم”.
اولا- ان البحث في دليل الانسداد مبتن على فرض الانسداد سواء وجد من يعتقد بذلك او لا، فهو بحث فرضي.
ثانيا- ان القول بالانسداد يختلف عن موقف الشكاك، فانه يدور في اطار ادلة الاحكام وفرض قصورها، لا ان المراد عدم امكان تحصيل اليقين بشكل عام، ولا الشك في الامور العقائدية او في اصل التكليف، ولا يخلو التعبير بان”اليقين وهم” من غضاضة.
السيرة:
“وهي حجة ظنية نظرا لصعوبة الرواية، والتمييز بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، بين الشخصي والعام، وهو ما سماه اهل السنة بين التاسي والقدوة”.
اولا- ان وصف السيرة بكونها ظنية وان امكن حمله على معنى مستقيم الا انه نظرا للابهام الذي احاط بكثير من العبارات التي اوردها الكاتب في مقاله لذا فينبغي التنبيه على ان الحجة دائما قطعية الا ان الحجية تارة تكون ذاتية واخرى تكون مجعولة.
ثانيا- هل ان المراد بصعوبة الرواية: صدورها او نقلها بعد الصدور؟
وعلى شيء منهما لا يتم تعليل حجية السيرة. ثالثا – وايضا لا يصح التعليل بصعوبة التمييز بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، وكذا ما بعده.
رابعا- ان عدم التمييز بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي ان حملناه على افضل معانيه يرجح عدم حجية السيرةلا العكس، وكذا التعليل الذي يليه.
“اما السيرة العقلائية فهي اكثر يقينا، لان السيرة الذاتية رؤية الحقيقة وهي تتخلق بوصفها برهانا ذاتيا وجوديا، تتكشففيها الحقيقة، لا فرق فيها بين الذات والموضوع”.
اولا- ان ما اسماه بالسيرة الذاتية على كلا معنييه اي سيرة المعصوم او سيرة المتشرعة اكثر كاشفية منالسيرة العقلائية، اما الاول فلوضوحه، واما الثاني فهو لا يحتاج الى امضاء الشارع.
بخلاف ذلك السيرة العقلائية فان اثبات حجيتها يتوقف على اثبات عدم صدور الردع من الشارع من اجل اثبات امضائه لها.
ثانيا- ان النوع الاول من السيرة كاشفة بنفسها عن الدليل الشرعي بخلاف سيرة العقلاء فهي متوقفة على الامضاء، فقد يمضي الشارع وقد لا يمضي ويخالف السيرة العقلائية، ومع احتمال عدم الامضاء كيف تصبح اكثر يقينا في حين ان الاولى لا يتاتى معها مثل هذا الاحتمال.
ثالثا- ان وصف السيرة بالذاتية لم نستطع حمله على وجه يخلو من الاشكال.
رابعا- ان وصف السيرة بكونها برهانا ذاتيا وجوديا ليس فنيا.
خامسا- قوله: “لا فرق فيها بين الذات والموضوع” اذا قيمناه على اساس اصولي لا يتم له معنى مقبول.
الاجماع
“اي الوعي بالاجماع الذي يثبت بقانون العقل النظري ويكشف عن الواقع”.
اولا- لا يعلم انه بصدد تفسير الاجماع المنقول ام المركب.
ثانيا- ثبوت الاجماع بقانون العقل النظري ينافي ما ذكره من قيامه على دليل شرعي.
ثالثا- ايراد كلمة (الوعي) هنا من غير مناسبة.
رابعا – ان كان المراد الكشف التام كما هو الظاهر من العبارة فلا، وان كان المراد الكشف الناقص فهو يشمل كلالحجج المجعولة تعبدا.
“التجربة المشتركة الباطنية التي يمحى فيها الفرق بين الماضي والحاضر”.
اولا- لا يعلم انه بصدد توضيح الاجماع المنقول ام المركب ام مطلق الاجماع.
ثانيا- التعبير عن الاجماع بالتجربة في غير محله.
ثالثا- اذا قصد بالمشتركة الاشتراك من قبل افراد المجتمع فليس هذا الاجماع المصطلح، واذا قصد بذلك الاشتراك من قبل الفقهاء فلا باس به.
الارادة:
“لذلك كان من صفات اللّه الارادة، اي عدم اتباع الاهواء”.
اولا- ما ذكره ليس مرتبطا بما قبله، والتفريع ليس في محله.
ثانيا- فسر الارادة الالهية بتفسير لا تدل عليه اللغة ولا العرف ولا العقل.
ثالثا- ان عدم اتباع الهوى من قبله سبحانه منشاه يختلف عنه في المخلوق، فان المولى عزوجل منزه عن الهوى، فعدم اتباعه للهوى من باب السالبة لانتفاء موضوعها كما يقال، وعلى كل حال فهذا البحث لا ربط له بالبراءة اصلا.
البراءة الشرعية:
“وهناك ادلة نقلية من الكتاب والسنة على البراءة الشرعية، مثل رفع الحرج وعدم جواز تكليف ما لا يطاق وعدم جواز المساءلة قبل بعثة الرسل واستقلال الانسان عقلا وارادة”. هل ان “استقلال الانسان عقلا وارادة” يعد دليلا مستقلا في مقابل الكتاب والسنة ام انه مصداق لهما؟
ويرد على الاول انه لم يستدل احد بذلك. وعلى الثاني انه واضح البطلان.
القطع:
“والقطع يقين مسبق لا تكفي فيه الامارة او العلامة او القرينة”.
اولا- لم نر وجها فنيا لتقييد اليقين بكونه مسبقا.
ثانيا- ان الاسباب التي تولد اليقين متعددة، فلماذا لا تكفي فيه الامارة او العلامة او القرينة.
الامارة:
“الامارة مؤشر على اليقين ودليل عليه، وليس برهان اليقين نفسه، لذلك كان الدليل العقلي قطعي الدلالة، لانه برهان اليقين نفسه الذي يقوم على الاتساق، وليس على مجرد مؤشرات خارجية”.
اولا- كيف تكون الامارة دليلا على اليقين، ولا تكون برهانا عليه. ولا ادري ان الدكتور حنفي استخدم كلمة الدليل باي معنى؟!
ثانيا- كيف يتم تعليل (كون الدليل العقلي قطعي الدلالة) من كونه برهانا لليقين نفسه.
ثالثا- لم يتضح المراد من (قيام اليقين عن الاتساق).
“اليقين الذاتي يتطلب (موافقة التزامية) اي تصديقا برهانيا ذاتيا وانتسابا اليه”.
اولا- ان اليقين المبحوث عنه في الاصول اعم من الذاتي والموضوعي.
ثانيا- لا ملازمة بين اليقين و (الموافقة الالتزامية).
ثالثا- ان تفسير (الموافقة الالتزامية) بالتصديق البرهاني الذاتي والانتساب اليه لا وجه له.
رابعا- ان وصف التصديق بكونه برهانيا وذاتيا لا وجه له ايضا.
خامسا- لم يتضح المراد من القول: “والانتساب اليه”.
3- التسامح في النقل من الملاحظات المهمة على المقال ما نلاحظه من التسامح والتساهل في نسبة الاراء والافكار والتبرع بتوضيحات وآراء لم يدعها احد فكان اللازم والاجدر بالكاتب الالتزام بالدقة في النقل وعكس المطالب ونسبة الاراء سيما وانه يمارس اسلوب العرض كما جاء في مؤلفات الشهيد الصدر الاصولية، ونحن نذكر بعض النماذج في هذا المجال:
(1) “وعند الامام الشهيد [ان البراءة] نوعان: البراءة العقلية والبراءة الشرعية”. الظاهر من قوله: “عند الامام الشهيد…” اي ان هذا هو مبناه ومسلكه، في حين انه وان كان قد بحث البراءة العقلية الا انه ناقش ذلك ورده ولم يقبله.
(2) “لذلك اهتم الشهيد بعلم الأصول ، وخصص له كثيرا من اعماله، على الاقل خمسة”.
ثم اخذ في عدها كالاتي:
(1)- مباحث الدليل اللفظي.
(2)- مباحث الحجج والاصول العملية.
(3)- دروس في علم الأصول .
(4)- المعالم الجديدة للاصول.
(5)- الاسس المنطقية للاستقراء.
وواضح ان الاول والثاني يعدان عملا واحدا، ولا داعي لحشر “الاسس المنطقية” ضمن الاعمال الاصولية. (3) “ويتم التعرض لموضوع النواهي بالطريقة نفسها، ويقسمها الى قسمين: الاول بحوث النواهي وتشمل الصيغة واجتماع الامر والنهي والفساد، والثاني المفاهيم، وتضم معنى المفهوم، ثم بعض المباحث اللغوية التقليدية مثل: الخاص والعام، والمطلق والمقيد. والمجمل والمبين”.
ان الموضوعات المبحوث عنها جاءت بشكل آخر:
(1)- بحوث النواهي، ويتعرض فيه الى: دلالات الصيغة، اجتماع الامر والنهي، دلالة النهي على الفساد.
(2)- المفاهيم.
(3)- العام والخاص.
(4)- المطلق والمقيد.
(5)- المجمل والمبين.
(4)- “حجة الاجماع وهي حجة ظنية اذا ما قورنت بالحجة العقلية كانت لطفا تقوم على دليل شرعي”. والموجود في التقريرات (البحوث) هو: “هنالك احد مسالك ثلاثة في وجه حجية الاجماع المحصل:
(1)- حجيته بقانون العقل العملي المعبر عنه بقاعدة اللطف.
(2)- حجيته بدليل شرعي.
(3)- حجيته بقانون العقل النظري وكشفه عن الواقع”. فالكلام ليس عن حجية مطلق الاجماع كما نقله الدكتور حنفي بل عن خصوص المحصل منه، كما ان قاعدة اللطف او الدليل الشرعي او الدليل العقلي النظري هي تخريجات لحجيته، وايضا هذا في وضوحه مع ما نقله مشوشافليته اكتفى بنقل نص عبارة الكتاب.
(5)- “والاستعمال ايجاد اقرب الى الفعل الخلا ق منه الى الاداتية والوسائلية”. فرق بين الاستعمال والايجاد، كما هو مشروح في الكتاب.
فالاستعمال هو: عبارة عن التلفظ بلفظ، ولكن لا بما انه صوت مخصوص، بل بما انه دال بحسب طبعه واما الايجاد فهو ايجاد نفس المعنى المقصود افهامه بايجاد المعنى خارجا واحضاره
تحت احساس السامع كوسيلة لاخطار صورته في الذهن وثمة نماذج اخرى ذكرناها في اول المقال تحت عنوان (المصطلحات الاصولية) حيث ذكر الكاتب لجملة من المصطلحات تفسيرات خاصة لا تتفق والموجود في مؤلفات السيد الشهيد.
4- الصياغة والبيان يلاحظ قارئ المقال في موارد ليست بالقليلة ملاحظات عديدة فيما يرتبط بصياغة الفقرات وتراكيب الجمل وانتقاء الكلمات. فتارة تستوقفه عبارات مبهمة ومغلقة من حيث التركيب، وتارة يلتقي مع اصطلاحات خارجة عن علم الأصول كاستخدامه للمصطلحات العرفانية مثلا، وثالثة لا يلمس تجانسا بين العبارات او الجمل والمقاطع، وانما هي كلمات يتبع بعضها بعضا.
والموارد في هذا الباب كثيرة وملحوظة بشكل واضح لكل من يراجع المقال، ونحن نشير الى بعضها:
(1) يصف الاحتياط فيقول: “الاحتياط انجاز للعلم من دون الوقوع في الشبهات، اقدام واحجام، تقدم وتراجع، يقين وظن، ثقة وشك، قاعدة واستثناء، معرفة وابتلاء، علم اجمالي في موقف خاص”. فهنا خلط وخبط عجيبان وجمع بين مفادات لا علاقة بينها فلا نطيل.
(2) ويتحدث عن الدليل العقلي وعن الجعل والكشف والتنجيز فيجمعها في سياق واحد وهي مجموعة مفاهيم واصطلاحات اصولية لها دلالاتها الخاصة. ويفرغها من تلك الدلالات الخاصة ويضيف عليها جملة من المعاني المستعارة التي لا صلة لها بعلم الأصول .
فاستمع اليه حيث يقول: “والدليل العقلي ليس مجرد برهان عقلي، بل هو مفتوح على لحظة (الجعل) اي رؤية الحقيقة نفسها وهي تتخلق، ولحظة (الكشف) وهي رؤية مباشرة وادراك حدسي لحظي، ولحظة (التنجيز) اي المشاركة في الحقيقة بادراكها اي باكمال خلقها، وهي هي بقايا الجوانب العرفانية في اصول الفقه الشيعي!
وفي نهاية المعرفة يتم الانجازويتحقق الامتثال الاجمالي”. ولا ادري على ايتها يكون التعليق، فان تحميل هذه الاصطلاحات بما لها من معان عرفانية على علم الأصول عملية نزقة وليس لها اي مبرر معقول. وليست المسالة مسالة تحديث للخطاب، اذ لا غضاضة في تنوع الاساليب، فللكاتب كامل الحرية في انتخاب الطريقة التي يراها في البيان، فنحن لا ندعو الى الجمود على نمط واحد في الخطاب، وانما اشكالنا على هذهالعبارات من ناحية الخلط بين المضامين المتباينة.
(3) ويقول ايضا في موقع آخر من المقال: “فاللّه هو الشارع واضع الشريعة، ولما كانت الشريعة وضعية لها بنيتها في الواقع الاجتماعي وفي الموقف الانساني لم تكن هناك حاجة الى تشخيص الشريعة في شخص الشارع، وليس الاشراقيات والاتصال بالعقل الفعال بل العقل الاستنباطي والاستقراء التجريبي مع مباحث اللغة وتحليل الالفاظ”.
(4) “حجة الاجماع، وهي حجة ظنية اذا ما قورنت بالحجة العقلية كانت لطفا تقوم على دليل شرعي، اذ الاجماع المنقول اضعف من الاجماع المركب! اي الوعي بالاجماع الذي يثبت بقانون العقل النظري ويكشف عن الواقع، التجربة المشتركة الباطنية التي يمحى فيها الفرق بين الماضي والحاضر”.
ولا نشعر بالحاجة للتوقف عند هذه المقاطع بل ذلك متروك الى القارئ وذوقه.
(5) “وكما ان هناك منطقا صوريا ومنطقا تجريبيا ومنطقا للاستعمال تاتي نظرية الاستعمال بعد نظرية الدلالة”.
اولا- لم تتبين لنا المناسبة في عطف منطق الاستعمال والمنطق التجريبي على المنطق الصوري.
ثانيا- ما المقصود بمنطق الاستعمال؟
ثالثا- لم يتضح كيف ترتب هذه النتيجة وهي: ترتب نظرية الاستعمال بعد نظرية الدلالة على تلك المقدمة، وطبقا لاي منطق تم هذا الاستنتاج؟