الاجتهاد: يتناول البحث في هذه الجهة تصحيح عملية الذبح بالمكائن الحديثة ومعالجة المشاكل الموجودة في المصانع العصرية لتكون مطابقة لشروط التذكية الشرعية التي حققناها في الجهة الأولى من البحث.
وقد ذكر بعض الأعلام المعاصرين (دام ظله الشريف) (قدم البحث قبل رحيل الفقيه آية الله السيد محمود الهاشمي “ره”) عدة مشاكل في هذه المكائن ونسب هذه الإشكالات إلى بعض الأعلام من دون تعيينه وأجاب عنها وسنعرضها للمناقشة بإذن الله تعالى.
(الأولى) انتساب الذبح لغير الإنسان:
قال {آية الله السيد محمود الشاهرودي “ره”} ((فقد يرد الإشكال من ناحية عدم انتساب الذبح إلى الإنسان، بل إلى الآلة، ويشترط في حلية الذبيحة أن تكون ذبيحة الإنسان، بمقتضى قوله تعالى: [حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الميتَةُ … إلا مَا ذَكَّيتَم]
الظاهر في اشتراط أن تكون التذكية – وهو الذبح الشرعي، كما يدل عليه قوله تعالى: [وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُصُبِ] – تذكية الإنسان، والذبيحة ذبيحته; لأنه مقتضى إضافتها إلى الإنسان، خصوصاً مع كونه استثناءً عن المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، مما يكون زهاق الروح فيه لا بفعل الإنسان – سواء كان استثناءً عنها جميعاً أو عن خصوص ما أكل السبع – فإنه يدلعلى أن ذلك ليس حلالاً ما لم تصدر التذكية من الإنسان، ولو بأن يدرك الحيوان حياً فيذكيه.
ولعله المراد أيضا بقوله تعالى: [فَكُلُوا مِمَّا أَمسَكْنَ عَلَيكُم) الظاهر في أن يكون إمساك الكلب للصيد من جهة تعليمه وإرساله – لا لنفسه – فيكون الصيد مستنداً إليكم.
وقد دلت على ذلك أيضاً جملة من الروايات الدالة على أنه لا يكفي زهاق روح الحيوان من نفسه أو بفعل حيوان آخر – ولو بخروج دمه أو قطع مذبحه – ما لم يدركه الإنسان فيذكيه.
بل لعل اشتراط كون الذبح أو الصيد بفعل الإنسان ومستنداً إليه مما لا يقبل الشك، فإن التذكية لا تكون إلا بفعله. فإذا قيل: بأن الذبح بالماكنة فعل الآلة لا فعل الإنسان كان المذبوح بها ميتة كالنطيحة والمتردية))(1).
أقول: جوابه باختصار: أن الكبرى صحيحة وهو اشتراط كون الذبح مستنداً إلى الإنسان، لكن الصغرى غير تامة؛ لأن مباشرة الآلة للذبح لا تنافي نسبة الفعل عرفاً إلى الإنسان القائم عليها، ولو اعتبرنا الآلة هي المباشرة للذبح فإن الإنسان هو السبب، وينسب الفعل إلى الأقوى من المباشرة والسبب وهو هنا الإنسان لذا فإن المسؤولية تقع عليه في آثار الفعل كالضمان أو القصاص في القتل والدية في الجناية وغيرها، كمن يطلق النار أو يرمي السهم على شخص فيقتله فإن الفعل ينسب إلى الرامي بل إن المورد الذي استدل به –أي صيد الكلب المعلّم- يعدّ نقضاً عليه حيث يصدق على فعل المرسل التذكية مع أن المباشر هو الكلب، فالذباحة بالماكنة تنسب للإنسان القائم عليها.
وأجاب (ره): ((إن هذا الإشكال يندفع بأنه يكفي في انتساب فعل أو نتيجته إلى الفاعل المختار أن لا يتخلل بين عمله وبين حصول تلك النتيجة إرادة أخرى، بحيث يكون حصول تلك النتيجة بفعله قهرياً وترتبه عليه طبيعياً، وإن تأخر عنه زماناً أو كان بينه وبين تلك النتيجة وسائط تكوينية)).
أقول: اتجه إلى إثبات صدق عنوان التذكية على الذابح بالآلة فلسفياً، والأولى إحالة الأمر إلى العرف كما قرّبنا.
ونستطيع أن نختبر وجدانه بفرض مسألة وهي لو أن إنساناً درّب حيواناً –كالقرد مثلاً- على مسك السكين وذبح الطير، فهنا القرد مسيَّر كالماكنة فهل يجتزئ بالتذكية؟
والجواب على تعريفه: نعم لكن العرف قد لا يساعد عليه.
مضافاً إلى إمكان المناقشة في حصول النتيجة قهرياً لأن فعل الذابح هنا على نحو المقتضي فلا بد من انضمام عدم المانع وهي إرادة أخرى لإيقاف التشغيل ونحوه.
وأضاف (ره): ((ومن هنا لا يستشكل أحد في صدق القتل وانتسابه إلى الإنسان إذا ما قتل شخصا آخر بالآلة، فحكم الآلة الحديثة المتطورة من هذه الناحية حكم الآلة البسيطة كالسكين والمدية من حيث صدق عنوان (ذبيحة الإنسان) على المذبوح بها، فلا تكون ميتة.
ودعوى: التفكيك بين عنوان (القتل وزهاق الروح) وعنوان (الذبح)، بأن الأول يكفي فيه مطلق الآلة بخلاف الثاني; لأن عنوان الذبح يتقوم بفري الأوداج وإمرار السكين على مذبح الحيوان، فلا بد فيه من مباشرة الإنسان ذلك بيده.
مدفوعة: بأن الذبح ليس إلا عبارة عن إزهاق روح الحيوان عن طريق قطع مذبحه – وهو الحلقوم – وفري الأوداج، سواء كان ذلك بآلة بسيطة كالسكين أو بالماكنة والآلة المتطورة التي تقوم بنفس النتيجة، أي تفري أوداج الحيوان من مذبحه، فيكون الذبح مستنداً إلى الإنسان، وتكون الذبيحة ذبيحته بلا إشكال.
وقد يقال: بانصراف الإطلاق إلى الذبح باليد ونحوه; لعدم وجود غيره حين صدور الأدلة، أو يقال: بعدم الإطلاق في الأدلة، واحتمال دخل المباشرة باليد ونحوه في التذكية.
والجواب: أما عن الانصراف; فإن غلبة الوجود لا توجب الانصراف على ما حقق في محله، وأما على الثاني، فإن الإطلاق ثابت في كثير من الروايات التي رتبت الحكم على عنوان الذبح أو ذبيحة المسلم، بل وفي الآية المباركة [إلاّ مَا ذَكَّيْتُمْ…] إذا كانت بمعنى ذبحتم.
نعم، لو قيل: بأن المأخوذ في مادة التذكية أو هيئة (ذَكَّيْتُمْ) أن يكون إيجاد صفة المذبوحية والذكاة في الحيوان بيد الذابح المذكي مباشرة وبلا واسطة مهمة كالماكنة أو تسخير حيوان أو إرادة إنسان آخر يذبح بلا إرادة حرة بل بأمر أو بسلطة شخص آخر، لم يتم الإطلاق عندئذ. إلا أن استفادة هذا القيد من مادة أو هيئة [ذَكَّيتُمْ] خلاف الإطلاق المتبادر منها)).
(الثانية) عدم تحقق التسمية
قال (ره): ((بأن يقال: إن الذبح بالماكنة يؤدي إلى حصول الفاصل بين ذبح الحيوان وفري أوداجه الأربعة وبين زمان تشغيل الماكنة أو ربط الحيوان بها من قبل الإنسان المستخدم للماكنة، فلا تكون تسميته – حين التشغيل أو حين ربط الحيوان بها – مجزية في التذكية:
1 – إما لأن حال هذه التسمية حال تسمية الواقف على الذبيحة التي يذبحها الغير، فكما أنه لا تجزي تسميته ما لم يسم الذابح نفسه، فكذلك الحال في المقام، فيقع الإشكال في حلية الذبيحة من ناحية التسمية المعتبرة فيها.
2 – وإما لوجود الفاصل بينها وبين زمان تحقق الذبح وفري الأوداج))(2).
أقول: صريح كلامه (دام ظله) أن الإشكال إما هذا أو هذا، لكن ظاهر جوابه الآتي أن الإشكال هما معاً لأن منشأه صدور التسمية من مشغّل الماكنة وبحسب المشكلة الأولى المتقدمة فإن الذباحة فعل الماكنة فتكون التسمية صادرة من أجنبي أي غير الذابح وهي الآلة مع وجود الفاصل الزماني.
نعم يمكن تقريب المشكلة بشكل أوضح ليكون الإشكال هذا أو ذاك بأن يقال: إن التسمية التي هي شرط في التذكية يجب أن يؤديها الذابح لا غيره، والذابح في المصانع الحديثة هو الجزء الأخير من العلة في عملية الذباحة سواء كان مشغّل الكهرباء لحزام تعليق الحيوانات أو من يعلقها عليه أو من يشغّل آلة القطع بالبيان الآتي في الفرع الثاني (صفحة 420).
وحينئذٍ يقال: إن سمّى الذابح عند التعليق أو التشغيل حصل الإشكال الثاني وهو الفاصل الزماني لأن ذلك يحصل قبل قطع الأوداج بزمان معتد به والمفروض حصول التسمية عند الذبح مع الإشكال المبني على المشكلة الأولى وهو كون الذباحة فعل الماكنة، وأما المشغّل فهو أجنبي ولا عبرة بتسمية الأجنبي.
وإن قام بالتسمية شخص يقف عند موضع قطع الأوداج فهو أجنبي بحسب الفرض لأن الذابح غيره وهذا هو الإشكال الأول.وبذلك يظهر أن الإشكال وارد.
نعم يوجد خيار ثالث وهو أن يكرر الذابح المفروض التسمية عند قطع الأوداج فلا يتولى التسمية غير الذابح وبذلك يدفع الإشكال الأول، ويبدو أنه (دام ظله) التزم بصدور التسمية من الذابح فأجاب عن الإشكالين:
((أما عن الأول: فبمنع كون تسميته كتسمية الأجنبي عنالذبح، كيف! وهو الذابح بالآلة، ومجرد كونه حين تحقق فري الأوداج ساكناً لا يجعله أجنبياً عنالذبح بعد أن كان فري الآلة للأوداج بحركته وبسببه وفعله،
وقد أشرنا إلى أن كون الآلة معقدة أو متطورة لا يمنع عن استناد الفعل إلىالإنسان، فهو الذابح وتكون تسميته تسمية الذابح، إلا أن طريقة الذبح بالآلة تكون بتحريك الآلة وربط الحيوان بها للذبح، فيشمله إطلاق [فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيهِ]; لا من جهة كفاية ذكر الاسم – ولو من غير الذابح – ليمنع عنه بظهور الآية في إرادة ذكر الاسم علىالذبيحة بما هيذبيحة تذبح، الظاهر في أن من يذبح لا بد وأن يذكر اسم الله، وكذلك ظهور الروايات الكثيرة في اشتراط تسمية الذابح، كصحيح محمد بن مسلم(3) وصحيح سليمان بن خالد وموثق ابن قيس وموثق الحلبي وفحوى صحيح محمد بن مسلم(4)، وغيرها من الروايات.
بل من جهة كون المحرك للآلة ذابحاً بها حقيقة، فيشمله العنوان المذكور في الآية والروايات)). أقول: ظاهر جوابه أن من يتولى التسمية هو العامل والإشكال في كونه أجنبياً أم لا، وقد قلنا أنه على هذا يرد الإشكالان معاً وليس هذا أو ذاك كما قرّب (دام ظله).
((وأما عن الثاني – وهو تحقق الفاصل الزماني بين زماني التسمية والذبح- فهذا ما يمكن تلافيه:
أولاً: بافتراض تكرار الذابح – وهو المحرك للآلة أو الذي يربط الحيوانات بها للذبح – للتسمية إلى زمان حصول الذبح بها.
وثانياً: بأن الفاصل الزماني إذا كان قصيراً بحيث يعد عرفاً بحكم المتصل بزمان الذبح شمله إطلاق ذكر اسم الله في الآية والروايات.
وثالثاً: إن زمان الذبح بكل شيء يكون بحسبه، فإذا كان الذبح باليد فزمانه مثلاً زمان وضع السكين على مذبح الحيوان للفري، وأما إذا كان بالآلة فزمانه زمان تشغيلها وتوجيهها على الحيوان بحيث يتحقق الذبح ويترتب عليه قهراً.
وإن شئت قلت: إنه في المسببات التوليدية ينطبق عنوان المسبَّب على فعل السبب التوليدي من حينه وإن كان بينهما فاصل زمني.
أو يقال: بأن المستظهر من أدلة شرطية التسمية اشتراطها حين الشروع في الذبح والعمل الاختياري المستند إلى الفاعل المختار، وإن فُرض تحقق الذبح في الحيوان – بحيث يتصف به فعلاً- متأخراً عن ذلك زماناً.
وهذا نظير التسمية في الصيد، حيث يتحقق عنوان الصيد من حين رمي السهم أو إرسال الكلب، ولهذا يجب التسمية عنده، وإن كانت إصابة الحيوان الذي يراد صيده بالسهم أو بالكلب المعلم متأخراً زماناً.
بل لعل ظاهر روايات اشتراط التسمية في الصيد لزوم التسمية عند إرسال الكلب أو تسديد السهم ورميه. ومن هنا أفتى بعضهم بعدم الاجتزاء بالتسمية بعد ذلك إذا لم يسم حين الإرسال عمداً وإن كان قبل إصابة الصيد.
ففي صحيح سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أيأكل مما أمسك عليه؟ قال: نعم; لأنه مكلب وذكر اسم الله عليه)(5) وظاهر جواب الإمام بيان التعليل والضابطة وانطباقها على ما فرضه السائل من التسمية حين الإرسال، والذي يكون عادةً قبل إمساك الكلب للصيد.
وموثق الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضاً فيقتله، وقد كان سمى حين رمّى ولم تصبه الحديدة قال: إن كان السهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا رآه فليأكل)(6).
وأوضح منه دلالةً موثقه الآخر (قال: سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصيد يصيبه السهم معترضاً ولم يصبه بحديدة وقد سمى حين رمى، قال: يأكل إذا أصابه وهو يراه. وعن صيد المعراض، قال: إن لم يكن له نبل غيره وكان قد سمى حين رمى فليأكل منه، وإن كان له نبل غيره فلا)(7); لأنه قد ورد فيه قيد التسمية حين الرمي في كلام الإمام (عليه السلام) بخلاف الأول حيث ورد ذلك في كلام السائل فيحتاج فيه إلى دعوى ظهور الجواب في إمضاء ارتكاز السائل شرطية التسمية حين الرمي. فلا إشكال من هاتين الناحيتين))(8).
أقول: الوجوه التي ذكرها (دام ظله) لتلافي الإشكال الثاني غير تامة:
أما (أولاً) فلأن تكرار التسمية حين قطع الأوداج غير مجدٍ:
1-لأنه من ضم اللاحجة إلى اللاحجة فلا يكون حجة، أما التسمية الأولى فللفاصل الزماني حسب الفرض، وأما الثانية فلما سنقوله بعد قليل بإذن الله تعالى.
2-إنه يؤدي إلى إرباك العمل واختلاط التسميات بين ما يعلّق –أي زمان التسمية الأولى- وبين ما يقطع –أي زمان الثانية-.
3-عدم تفهم مسوّغ لهذه التسمية الثانية إذ الواجب تسمية واحدة.
وأما (ثانياً) فلأنه:
1-أخص من المدّعى إذ الإشكال يعمّ ما لو كان الوقت قصيراً أو طويلاً والغالب خارجاً هو الثاني بحيث يحرز العرف وجود الفاصل الزماني.
2-إن جوابه يتضمن التسليم بالإشكال فيما لو كان الفاصل الزماني معتداً به عرفاً كما هو الموجود خارجاً.
3-إن هذا الوجه يمكن تصوره فيما لو كان العلة الأخيرة من يعلّق الذبائح، أما إذا كان مشغّل الكهرباء مثلاً فإن الزمان طويل قطعاً ولا ينفع فيه هذا الحل.
وأما (ثالثاً) ففيه:
1-إنه مجرد أطروحة لا دليل عليها ولا يساعد عليها العرف ولا ينسجم مع ظاهر الأدلة.
2-افتراض عملية تشغيل الماكنة أو التعليق سبباً توليدياً لا يخلو من إشكال لأنه ليس علة تامة وإنما هو مقتضٍ لا بد أن ينضمّ إليه عدم المانع إذ يمكن لإرادة أخرى أن تمنع من الذباحة، وسيأتي منه الاعتراف بذلك.
ولو سلّمنا ذلك فإن العرف لا يساعد على تطبيقها في المقام أي لا يكتفي بتلك التسمية مع وجود الفاصل الزماني لأن زمانها بحسب ظاهر الروايات عند فري الأوداج.
3-قياس الذبح على الصيد غير صحيح للفارق الذي سنذكره بينهما فإن التسمية في الصيد للعملية بينما في الذبح للحيوان فالفاصل الزماني في الصيد لا يضرّ لدلالة الروايات عليه وهو غير ما في الذباحة.
فبقي أمامهم خيار آخر وهو أن يسمّي من يُنسب إليه فعل الذباحة كالمشغّل أو المعلق عند وصول الحيوان لشفرة القطع، ومع ذلك فإن هذا الحل لا يخلو من إشكال لأن التسمية يجب أن تحصل عند الذباحة التي هي الفعل الذي يكون له حيثية تعليلية لاتصاف الذابح بهذا العنوان وقد افترضوا في هذا الفعل أنه التعليق أو التشغيل فرجع إشكال الفاصل الزماني كما هو، فالجمع بين التسميتين بالتكرار يكون من ضم اللاحجة إلى اللاحجة.نعم على ما ذكرناه في ((فذلكة الكلام)) لا توجد مشكلة لأن الذبيحة لم يُهلَّ بها لغير الله تعالى بل يحكم العرف بأن الذبائح مما أهل بها لله تبارك وتعالى ولو إجمالاً من دون معرفة كيفية ذلك.
وهنا فروع:
(الأول) هل يمكن الاكتفاء بتسمية واحدة لمجموعة من الذبائح المعلقة على الشريط المتحرك عند تشغيل الماكنة ونحوها أم لا بد من تكرارها عند قطع أوداج كل ذبيحة؟.
الظاهر هو الثاني؛ لأن مقتضى قوله تعالى: [وَلا تَأكُلُوا مِمّا لَمْ يُذكَر اسمُ اللهِ عَلَيهِ] وقوله: [فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيهِ] أن التسمية مشروطة عند ذبح الحيوان أي أنها شرط لحلية الحيوان فيتعدد الوجوب بتعدد الذبائح المتعاقبة، ولو كانت شرطاً للفعل –وهي الذباحة- من دون لحاظ المتعلق –وهو الحيوان- لأمكن الاكتفاء بالتسمية لكل عملية ذباحة بغض النظر عن عدد الحيوانات المذبوحة. فيعيدها عند كل عملية تشغيل.
وهذا من الفروق بين الذبح والصيد، فإن التسمية في الصيد للفعل بغض النظر عن المتعلق لذا لو سمّى حين إرساله الكلب المعلم وأرسله لاصطياد فريسة فصاد غيرها حلّت، أو سمّى حين رمى بالبندقية على مجموعة من الطيور ولا يعلم تحديداً من يصاب منها حلّت. بينما التسمية في الذبح: على الذبيحة أي متعلق الفعل.
نعم في ضوء ما ذكرنا في ((فذلكة الكلام)) فإنه في المكائن الحديثة حيث تصطف الحيوانات خصوصاً الطيور متقاربة والشريط يتحرك بسرعة: لا يشترط تعدد التسميات بعدد الذبائح ولا يضرّ مرور عدد متناثر من الطيور لأن المهم وقوع العملية ضمن إطار التسمية.
وقرّب بعض الأعلام المعاصرين (دام ظله الشريف) ((جواز الاكتفاء بالتسمية الواحدة بأن تشغيل الماكنة على الشريط شروع في ذبح جميع ما هو مربوط به عرفاً، فيصدق على الجميع أنه مما ذكر اسم الله عليه، وما أهل به لله.ويؤيده كفاية التسمية في الصيد حين الإرسال وعدم الحاجة إلى تكرارها حتى إصابة الصيد مهما طال الفاصل بينهما.
فإذا قصد الذابح بالآلة ذبح جميع ما على الشريط من الدجاج مثلاً بحركة تشغيل الآلة وذكر اسم الله بهذا القصد والنية فقد ذكر اسم الله عليها جميعاً وإن كان ترتب الذبح تدريجياً; لأن السبب والفعل الاختياري الصادر من الذابح في ذبح جميعها كان بتشغيل الآلة لا غير، ويكفي هذا المقدار في صدق التسمية بمعنى ذكر اسم الله عليه، ولا يشترط الذكر حين تحقق فري الأوداج، وقد طبق هذا العنوان على الصيد وإرسال الكلب المعلم الذي يكون التسمية والذكر فيه متقدماً زماناً على تحقق إمساك الصيد عادة.
وعلى هذا، قد يقال في المقام: بكفاية التسمية حين تشغيل الآلة بالنسبة لما ربط بها من الحيوانات من أجل الذبح. بل يمكن أن يقال: بعدم الاجتزاء بالتسمية حين الذبح إذا تركها عمداً حين التشغيل، نظير ما قيل في الصيد; لأن فعل الذبح إنما يصدر منه بذلك، ولا فعل آخر له بعد ذلك لتكون التسمية عنده تسمية عند ذبحه))(9).
وفيه:
1- عدم صدق التسمية عرفاً على جميع الذبائح بهذا المقدار، مضافاً إلى مخالفتها لظاهر الأدلة كما قرّبنا.
2- إن قياس الحالة على ما في الصيد قياس مع الفارق؛ لأن في مثال الصيد المذكور حيوان واحد يذكّى والإشكال من جهة الفاصل الزماني وقد تكفّلت الأدلة بالاجتزاء به، أما في المقام فالمشكلة ليست من جهة الفاصل الزماني وإنما من جهة صدق التسمية عرفاً على جميع الذبائح.
نعم يمكن توجيه تعرضه لإشكال الفاصل الزماني باعتباره من لوازم القول بكفاية التسمية الواحدة للذبائح التدريجية، فكلامه (دام ظله) دفع دخل من هذه الناحية، وإن ظهر من كلامه أنه محل البحث.
3- قوله: ((بل يمكن أن يقال: بعدم الاجتزاء بالتسمية ..)) إلخ.
أقول: هذا قول المشهور ويمكن الرد عليه بأن العبرة بالتسمية حين إصابة الحيوان وإنما اكتفي بها حين الإرسال فبضميمة استدامة القصد –أي قصد الذبح والتسمية- حتى إصابة الصيد وكأنها رخصة للصائد باعتبار عدم تعيّن الفريسة أحياناً أو عدم إدراك الصائد للحظة الافتراس ونحوه، لذا فإن من أدرك الصيد وبه حياة وجب عليه تذكيته بالذبح.
ونتيجة ذلك أن الذي يسمي حين الإصابة يكون قد حقق المطلوب بلا ضميمة.
وهذا جواب على نحو الإجمال، أما إذا أريد التفصيل فنسأل عن وجه عدم التسمية عند الإرسال فإن كان جهلاً أو غفلة أو نسياناً فإنه لا يضر بحلّية الصيد فضلاً عمّا لو سمى بعد الإرسال وقد وردت الروايات المعتبرة في ذلك، وإن كان عامداً فإن كان الإرسال لعدم قصد الصيد أصلاً وإنما لغرض آخر حرمت الذبيحة لانتفاء هذا الشرط، وإن كان قاصداً الصيد عالماً بوجوب التسمية عند الإرسال فترَكها عمداً فقد يقع التردد هنا في حلّية الصيد من جهة تركه التسمية عمداً وعدم كفاية التسمية اللاحقة لمثله كما هو المشهور، وقد يقال بكفاية التسمية لاحقاً للتقريب الذي ذكرناه وقد حُكي القول بالاجتزاء عن ((ظاهر القواعد والتحرير والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة))(10) لوجوه ذكروها.
واستدرك (ره) على تقريبه فقال: ((إلا أن هذا إنما يصح فيما إذا كان مجرد تشغيل الآلة أو ربط الحيوان بها علة تامة لترتب الذبح، بحيث لا يمكنه الحيلولة دونه بإيقاف الآلة، كما في الأسباب التوليدية كالإلقاء في النار أو رمي السهم للصيد. وأما إذا كان بحيثيمكنه إيقاف العمل والحيلولة دون تحقق الذبح في مرحلة البقاء، فليس الفعل سببا توليدياً إلا بضم عدم المنع بقاءً، فيكون الاستناد في ذلك الزمان لا قبله، فقد لا تكفي التسمية عند تشغيل الآلة في مثل ذلك إذا كان الفاصل طويلاً، بل لا بد منها حين تحقق الذبح)).
أقول: هذا اعتراف منه بأن فعل من تنسب إليه الذباحة في المكائن الحديثة ليس من المسببات التوليدية.
ثم انتهى إلى القول: ((وعلى كل تقدير، فلا إشكال في الحلية إذا فرض تكرار الذابح بالآلة لاسم الله تعالى حتى تحقق الذبح بها))(11).
أقول: تقدم بيان الإشكال على تكرار التسمية. نعم يمكن الاجتزاء بتسمية واحدة لعدد من الذبائح فيما إذا كانت تذبح بضربة واحدة كما لو كانت شفرة القطع طويلة وتقطع عدة حيوانات في آن واحد، فإن التسمية الواحدة حين القطع تحقق شرط التسمية لكل الذبائح في القطعة الواحدة.
(الثاني) في تحديد من تجب عليه التسمية من العمال المشغّلين لماكنة الذبح:
والجواب: هو من يُنسب إليه الفعل –أي الذبح- باعتبار إقوائية سببه، أو باعتباره السبب الأخير في سلسلة علل الذبح، فقد يكون هو من يعلق الذبائح على الحزام المتحرك أو من يضغط الزر الكهربائي للتشغيل أو من يشغّل آلة القطع بعد تعليق الذبائح وتحريكها.
وقد بين ذلك بعض الأعلام المعاصرين، قال (دام ظله الشريف): ((والتحقيق: أن الذابح هو الشخصالذي يتحقق على يده الجزء الأخير من سبب الذبح، فإذا فرض أن الماكنة كانت في حالة التشغيل ويأخذ العامل الحيوان ويربطه بها الواحد تلو الآخر ليذبح أتوماتيكياً كان الذابح من يقوم بربط الحيوان لا محالة; لأنه المحقق للجزء الأخير ويكون الذبح بعد ذلك بمثابة الفعل التوليدي الصادر منه فيجب التسمية عليه.
وعندئذ يمكن أن يقال: بكفاية التسمية عند ربط كلحيوان بالآلة أو وضعه على المذبح; لأنه شروع في الذبح بها، ويكفي التسمية عنده; لصدق عنوان [فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيهِ]. نعم، لو كان ربطه لأجل أن يذبح فيما بعد بالآلة لا الآن لم يجزئ التسمية عنده.
وقد ينعكس الأمر بأن يفرض ربط الحيوان بالآلة أولاً ثم تشغيلها، أو يكون المسؤول عن تشغيلها شخص آخر غير من يربط الحيوان بها، كما لعله كذلك في ذبح الدجاج بالماكنة حيث يربط بشريط دائري ثم يجعل الشريط على الماكنة لتدور بها على المذبح سريعاً، ففي مثل ذلك يكون تشغيل الماكنة أو وضع الشريط عليها هو الجزء الأخير من السبب، فيكون المسؤول والمتصدي لذلك هو الذابح فيجب تسميته.
ولو كان بفعل أكثر من واحد كفى تسمية واحد منهم في صدق ذكر اسم الله على الذبيحة، وما تقدم من عدم كفاية تسمية غير الذابح لا يخرج إلا ما إذا كانت التسمية من الأجنبي لا المشارك في الذبح الذي يكون ذابحاً أيضا))(12).
(الثالث) لا يجزي في التسمية ما نقله البعض من وضع آلة تسجيل تردد التسمية عند الذبح لاشتراط صدورها من الذابح لا من غيره، مضافاً إلى ((أن عنوان ذكر الله أو التسمية متقوّم بقصد المعنى والالتفات إليه، ولهذا لو تلفّظ به الذابح غير قاصد لمعناه أصلاً لم يكن مجزياً، لعدم كونه ذكراً لاسم الله))(13).
(الثالثة) عدم تحقق الاستقبال:
وهذه المشكلة يمكن حلّها بترتيب وضع الماكنة وكيفية تعليق الذبائح ليكون مذبحها باتجاه القبلة حين قطع الأوداج، إذ لا يشترط أزيد من ذلك ككون كل مقاديم الذبيحة إلى القبلة، كما لا يشترط مع الاستقبال أن تكون بحال الاضطجاع على جنبها الأيسر وإن استحب ذلك فيمكن أن تكون معلقة حين الذبح، وهذا كله تقدّم في تفاصيل شرط الاستقبال.
وذكر بعض الأعلام المعاصرين (دام ظله الشريف) وجهاً للتخلص من ((مشكلة الاستقبال بجعل من لا يرى وجوب الاستقبال عليها من سائر المذاهب الإسلامية، فتكون الذبيحة محللة; لما تقدم من عدم الشك في حلية ذبيحتهم لنا، وقد استفدناه من صحيح ابن مسلم، واستفاده المشهور أيضاً من روايات عدم التعمد، فمن ناحية الاستقبال لا مشكلة في الذبح بالمكائن))(14).
أقول: يقصد (دام ظله الشريف) دلالة صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة فقال: كل ولا بأس بذلك ما لم يتعمده)(15) على حلية ذبائح عامة المسلمين، بدلالة صحيحته الأخرى قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة، قال: كل منها، فقلت له: فإنه لم يوجهها؟ قال: فلا تأكل منها)(16)
وقد قرّب دلالتها بقوله (دام ظله): ((فخروج ذبائحالمسلمين – من أبناء المذاهب الأخرى – عن عنوان العمد في الروايات ليس بملاك أن جهلهم بشرطية الاستقبال يجعلهم غير عامدين للذبح إلى غير القبلة، ليقال بأن الجهل بالحكم لا يرفع عنوان العمد إلى الموضوع، بل لعدم قصدهم مجانبة القبلة))(17).
وعلى تقريبنا أن المحرِّم للذبيحة هو تعمد الذبح لغير القبلة لا تعمد عدم الذبح إلى القبلة وفعلهم هو من النحو الثاني فلا يكون محرِّماً وتجنبنا بذلك إشكال المشهور حول من تمسّك بكونهم جاهلين للحكم فأشكلوا من جهة صدق العمد عليهم.
لكن المشهور تمسّك لحلية ذبائحهم بسوق المسلمين وقد رددناه بأنه لا ينفعهم لأن هذه الروايات لا تثبت حلية ذبيحة من تعمد عدم الاستقبال منهم، لما قلناه من أن مشهورهم وإن لم يوجبوا الاستقبال لكنه عندهم سنة لا ينبغي تركها، ومن لم يعمل بها منهم يشكّل شبهة غير محصورة لا تنجّز وجوب الاجتناب.
فالحل الذي ذكره (دام ظله الشريف) غير مجدٍ على مذهب المشهور إذا تعمّد الذباحون من عامة المسلمين عدم الذبح إلى القبلة لشمولهم بالنهي الوارد في صحيحة محمد بن مسلم، ويتأكد الإشكال فيما لو كانوا عمالاً يعملون بأمر المعتقد لولاية أهل البيت (عليهم السلام) كما هو ظاهر كلامه ((بجعل من لا يرى وجوب …)) لأنهم حينئذٍ بمثابة الآلات لأنهم السبب الأضعف باعتبار أنهم أجراء مأمورون فيكون الآمر قد ارتكب ما يوجب حرمة الذبيحة.
هذا كله بناءً على ما مشوا عليه، أما في ضوء ((فذلكة الكلام)) التي أسسناها فيما سبق فلا إشكال لأن هؤلاء التاركين للاستقبال لم يتعمدوا الإهلال لغير الله تعالى بالذبيحة ولم يتعمدوا الذبح لغير القبلة بشرط عدم كون عملهم بأمر.
(الرابعة) كون آلة الذبح من الحديد
واستشكل من جهة عدم كون آلة القطع في الماكنة من الحديد أي الفلزّ المعروف.
وجوابه: على فرض صحة ذلك فإنه لا إشكال فيه على مبنانا من أن المراد بالحديد ما كان حاداً قاطعاً والشفرة في المكائن الحديثة كذلك.
(الخامسة) قطع الرأس خصوصاً في الدجاج وإبانة الرأس محرّمة للذبيحة
وجوابه: إن إبانة الرأس ليست محرّمة للذبيحة ولا الجزء المبان والنهي عنها تكليفي وقد تقدم.
إشكالات أخرى:
وأضاف علمٌ معاصر آخر (دامت بركاته) إشكالات أخرى، قال (دامت بركاته):-
((1- إن الغالب في هذه الطريقة –أي الذبح بالمكائن الحديثة- أن يجتمع معها الصعق بالكهرباء قبل وصول الحيوان إلى الآلة الذابحة بوقت قصير؛ لغرض أن يكون الحيوان مشلولاً ومنعدم الحركة، فإذا أضفنا إلى ذلك قول المتخصصين بأن بعض الحيوانات يموت بهذا الصعق فحينئذٍ يحصل عندنا علم إجمالي بموت بعض الحيوانات قبل إجراء التذكية لها، وبهذا لا يمكن الحكم بحلّ أي ذبيحة من هذه الحيوانات التي نعلم بحصول ميتة فيها وهي شبهة محصورة))(18).
أقول: لا يمكن الجزم بموت البعض فهي شبهة بدوية لا أثر لها، ولو فُرض حصول علم إجمالي بموت البعض فإن الأفراد المشتبهة تكون من قبيل الشبهة المحصورة بل الغالب عدم كونها كذلك؛ لندرة ما يموت من الحيوانات باعتبار أن قوة الكهرباء غير قاتلة، فلا بد من مراعاة تحقق مناط الشبهة المحصورة.
((2– إن الذبيحة المعلقة على الشريط الدوّار ليست كلها على نسق واحد من ناحية الطول، وحينئذٍ فقد تضرب الآلة الحادة موضع الذبح وقد تضرب الرأس نفسه أو الصدر، وحينئذٍ لا تكون كل الحيوانات مذكاة لحصول علم إجمالي بقتل بعضه لما ليس ذبحاً شرعياً.
وحينئذٍ لا يمكن الحكم بحل هذه الطريقة إلا إذا تأكدنا من أن الحيوان الذي صعق بالكهرباء لم يمت وقد ذبحته الآلة الحادة في موضع التذكية)).
أقول:-
1-المفروض مراعاة كون حجم الطيور المعلقة بحجم ووضع تقطع الشفرة أوداجها فيرد هنا ما ذكرناه من عدم الجزم.
2-يمكن القول بالتفصيل بين إمكان إدراك ما لم يذبح من المحل المتعارف وعزله وإعادته إلى شريط الذبح أو ذبحه يدوياً بإقامة عمال يراقبون الحيوانات الخارجة من محل القطع، وما لم يمكن فيه ذلك أي عدم إدراكه حياً فقد يقال بإلحاقه بالدابة المستصعبة حيث يجوز قتلها في أي جزء من بدنها لاهتمام الشارع المقدس بمال المسلم وعدم رضاه بتلفه بعد فرض كون العامل قد بذل وسعه في توفير شروط التذكية الشرعية، فتأمل!.وعلى أي حال فيمكن معالجة هذه المشكلة بما ذكرناه من إقامة العمال المذكورين ومراعاة تناسق وضع الطيور المعلقة.
ثم نقل (دامت بركاته) عن بعض الدراسات الأكاديمية(19) طرقاً أُخر للذباحة منها:
1-تدويخ الحيوان قبل الذبح بأشكال عديدة:
(منها) بضرب العظم الجبهي بمطرقة ضخمة تحدث ألماً شديداً للحيوان وتفقده الوعي وينهار مباشرة ثم يتم ذبحه، ويُتعامل بها مع الحيوانات الكبيرة، وهي طريقة قديمة تخلّت عنها المجازر الحديثة.
(ومنها) الصدمة بإمرار تيار كهربائي إلى صدغي الحيوان يحدث فقدان الوعي مباشرة.
(ومنها) بواسطة المسدس الواقذ الذي يحدث ثقباً في جوف الجمجمة. أو التدويخ بثاني أوكسيد الكربون أو التخدير بحقنه بمادة مخدرة.
والحكم: هو عدم حرمة الذبيحة باستعمالها ما دامت لإفقاده الوعي فقط ما لم تؤدِّ إلى موته قبل التذكية، أما إذا كان حيّاً حين التذكية –كما هو المفروض وتستكشف الحياة بحركة الحيوان ونحوه مما تقدم- فلا بأس.
نعم لا تخلو بعض هذه الطرق من إيلام للحيوان وهو منهي عنه، فإذا أُريد راحته فباتباع أحكام الشريعة وآدابها لما يمرّ به الحيوان من حالة معنوية أثناء إجراء سنن الله تبارك وتعالى فيه، مضافاً إلى ما قيل من أن نزف الدم يستغرق وقتاً أطول من المعتاد عندما يُعرَّض الحيوان لحالات التدويخ المختلفة وهذا يعني بقاء كمية من الدم في البدن تؤدي إلى فساد اللحم.
2-الخنق بالطريقة الإنجليزية:
((وهي طريقة تعتمد على خرق جدار الصدر بين الضلعين الرابع والخامس، ومن خلال هذا الخرق يُنفخ بمنفاخ فيختنق الحيوان نتيجة لضغط هواء المنفاخ على رئتي الحيوان، وهذا الاختناق يحول دون نزيف الدم وإنهاره))(20).
والحكم: حرمة الحيوان بهذه الطريقة لموته بالخنق، وكذا يحرم بكل طريقة تؤدي إلى موته بالخنق وغيره كإطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون في غرف مقفلة يؤدي إلى موته.
ولا أدري ما جدوى استعمال هذه الطرق المتضمنة لكثير من المفاسد كموت الحيوان وإيلامه وفساد لحمه وما جدوى استعمالها بدلاً من طريقة الذبح المعروفة؟
مع ملاحظة التناقض في قوانينهم في هذا المجال حيث ((أن القوانين الغربية التي لا تجيز تسويق لحوم الحيوانات الميتة لا تشترط بوضوح في طريقة التدويخ أن لا تؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح، وطريقة الخنق الإنجليزية شاهد على ذلك)).
الهوامش
(1) قراءات فقهية معاصرة: 2 /11-12. لآية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (رحمة الله عليه)
(2) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 13-14.
(3)تجد الروايات في وسائل الشيعة:كتاب الصيد والذباحة، أبواب الذبائح، وهي على الترتيب باب 23،ح5،7، باب28،ح1،باب15،ح6.
(4) المصدر، أبواب الصيد، باب 13، ح1.
(5) وسائل الشيعة: كتاب الصيد والذباحة، أبواب الصيد، باب 15، ح1.
(6) و (7) وسائل الشيعة: كتاب الصيد والذباحة، أبواب الصيد، باب 22، ح2، 3.
(8) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 14-16.
(9) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 18.
(10) جواهر الكلام: 36/ 33.
(11) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 18-19.
(12) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 17.
(13) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 19.
(14) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 47.
(15) و (16) وسائل الشيعة: كتاب الصيد والذباحة، أبواب الذبائح، باب 14، ح3، 2.
(17) قراءات فقهية معاصرة: 2/ 42.
(18) بحوث في الفقه المعاصر: 2/ 247.(آية الله الشيخ حسن الجواهري)
(19) بحث بعنوان ((الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة)) للدكتور محمد الهوادي الأستاذ بجامعات ألمانيا من صفحة 21-25.
(20) بحوث في الفقه المعاصر: 2/ 250.
المصدر: كتاب “فقه الخلاف” الجزء العاشر / محاضرات بحث الخارج لآية الله الشيخ محمد اليعقوبي.