سهم الإمام

حکم سهم الإمام (عليه السلام) في زمن الغیبة / المرجع الديني آية الله صافي الكلبايكاني

الاجتهاد: في حكم حصّة الخمس الّتي هي للإمام”عليه السلام”(سهم الإمام)، ففي الجواهر: «قيل على ما حكاه غير واحد من أجلّاء الأصحاب: بأنّه (يجب) عزله و(حفظه ثم يوصى به) إلى ثقة (عند ظهور أمارة الموت)، وهكذا حتى يصل إلى صاحب الأمر”عليه السلام” روحي لروحه الفداء، إلّا أنّي لم أعرف قائله بالخصوص وإن نسبه بعضهم إلى المفيد في المقنعة».([1])

أقول: بطلان هذا القول كائناً من كان قائله واضح غنيّ عن البيان.

وفي الجواهر بعد كلام طويل فيه قال: على كلّ حالٍ، فهذا القول في غاية السقوط، وأولى منه بذلك ما حكاه الشيخان والحلّي وغيرهم،([2]) بل أشار إليه المصنف بقوله: قيل: إنّه يجب أن يدفن تمام الخمس؛([3]) إذ هو مع أنّه مجهول القائل منافٍ للاحتياط والاعتبار والكتاب والسنّة وفتاوى الأصحاب والاُصول العقلية والشرعية، لم نقف على دليلٍ سوى ما اُرسل([4]) من ظهور الكنوز عند قيام القائم”عليه السلام” ، وهو مع أنّه ليس بحجة في نفسه فضلا عن أن يعارض تلك الحجّج، بل أقصاه ظهور الكنوز الّتي تصادف قيامه”عليه السلام”، وإلّا فقد تتلف أو تُلتقط قبل ذلك، ولا دلالة فيه على الإذن بذلك فضلاً عن الأمر به…إلى آخره.([5])

أقول: إن كان مراده من قوله: «سوى ما اُرسل» أنّ الأخبار في ذلك من المرسلات ففيه منع ذلك، لأنّ فيها الأخبار السنيدة بحيث إنّ الناظر في هذا الأخبار يقطع بصدق مضمونها.

وفي نهج البلاغة قال”عليه السلام” في وصف مولانا المهديّ”عليه السلام”: «يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي»… إلى أن قال: «وتُخرج له الأرض من أفاليذ كبدها، وتُلقي إليه سلماً مقاليدها».([6])

فمثل هذه الأخبار حجّة في نفسها لا ريب في مضمونها، غير أنّ الاستناد إليه لقول هذا القائل المجهول ساقط وفي غير محلّه.

والقول الآخر في المسألة: ما قيل من أنّه يصرف النصف إلى مستحقّيه، ويحفظ ما يختصّ به”عليه السلام” بالوصاية أو الدفن.

قال في الجواهر: «هو جيّد جدّاً بالنسبة للشقّ الأوّل منه، موافق للمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً وتحصيلاً إن لم يكن المجمع عليه، ولـلاُصول والكتاب والسنّة… إلى أن قال: ـ وأمّا الشقّ الثاني منه فهو وإن كان مال إليه في المقنعة واختاره في النهاية؛ لما سمعته في وجهَي القولين السابقين لكن في الدفن الّذي هو أحد فردَي التخيير منه ما عرفت، ومن هذا اقتصر في السرائر بعد اختياره له على الفرد الأوّل منه، مصرّحاً بعدم جواز الثاني، كالمحكيّ من عبارة ابن البرّاج وأبي الصلاح، بل في السرائر: أنّ هذا القول هو الّذي يقتضيه الدين واُصول المذهب وأدلة العقول وأدلّة الفقه وأدلّة الاحتياط، وإليه يذهب وعليه يُعوِّل جميع محقِّقي أصحابنا المصنّفين المحصّلين الباحثين عن مآخذ الشـريعة وجهابذة الأدلّة ونُقّاد الآثار بغير خلاف بينهم».([7])

وناقش في كلّ ذلك صاحب الجواهر([8]) بما لا نطوِّل الكلام بذكره، ونقول: كأنّهم لم تصل إليهم ما ورد عن ساداتنا الأئمّة”عليهم السلام” وعن النبيّ في طول زمان الغيبة، أو يرون طول هذا الزمان على مقياس يمكن به إيصال الأموال إليه بوصيّة الآباء إلى الأبناء، وإلّا فهذا أمر سماويّ وسرّ كبير من أسرار الله تعالى، كما يحتمل وقوعه في زمان قريب ـ ونحن ندعو الله ليلا ونهاراً بأن يجعله الأقرب فالأقرب ويعجل فرجه ـ يمكن (والعياذ بالله منه) أن يؤخِّر إلى اُلوف واُلوف والعشرات والمئات من الاُلوف من السنين، فقد قال أمیر المؤمنین”عليه السلام”: «ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء».([9])

والمقطوع به الّذي نؤمن به ولا يشكّ فيه المؤمن بالله ورسوله: أنّ أمر الظهور يقع يقيناً، كما أنّ الساعة تقع كذلك لا ريب فيهما، إذن فلا ريب في بطلان هذا الوجه، وأنّه لا يمكن عادةً إيصال السهم المبارك بحفظه بالوصاية.

قال في الجواهر: «ومن هنا قيل: لا يوصى به ولا يدفن، بل يجب أن تُصـرف حصّته”عليه السلام” إلى الأصناف الموجودين أيضاً؛ لأنّ عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده (حضوره) فهو واجب عليه عند غيبته؛ لأنّ الحقّ الواجب لا يسقط بغيبة من يثبت عليه مؤبّداً.

بل اختاره المصنّف، فقال: وهو الأشبه، وفاقاً للتحرير وظاهر المحكيّ من عبارة غرية المفيد وزاد المعاد للمجلسي وكشف الاُستاذ والمنقول في الرياض عن الديلمي وجمع من متأخّري المتأخّرين، وإن كنّا لم نتحقّقه خصوصاً الأوّل؛ إذ المحكيّ عنه في المختلف الإباحة لسائر الخمس، ومع التسليم فلم يبلغوا حدّ الشهرة الجابرة للمرسَلَين بالنسبة إلى ذلك كي يصحّ العمل بهما فيه».([10])

ثم إنّه قد أطال النقاش والكلام في ردّ هذا الاحتمال، وفي طيّ كلامه قال: «وبالجملة: فدعوى وجوب دفع حقّ الإمام× للأصناف الآن من حيث وجوب الإتمام عليه حتى في هذا الزمان للمرسَلَين السابقين ممّا لا تستأهل أن يسوّد بهما قرطاس أو يستعمل فيهما يراع».([11])

كما أشار في طيّ ما أفاد بأقوال أو احتمالات اُخرى في المسألة لا فائدة في نقلها فلنُتِمّ ذلك بما أفاد في آخر ذلك، فقال: «قد عرفت ـ بحمد الله تعالى ـ وضوح السبيل في مصرف حقّ غير الإمام وإن اضطرب فيه من عرفت، وأمّا حقّه”عليه السلام” فالّذي يجول في الذهن أنّ حسن الظنّ برأفة مولانا صاحب الزمان”عليه السلام” ـ روحي لروحه الفداء ـ يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهمّ من مصارف الأصناف الثلاثة الّذين هم عياله في الحقيقة، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم ممّا يرجّح على بعضها وإن كان هم أولى وأولى عند التساوي أو عدم وضوح الرجحان، بل لا يبعد في النظر تعيّن صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه؛ إذ غيره من الوصيّة به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة قطعاً، بل هو إتلاف له.

وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذّر الوصول إليه ـ روحي له الفداء -، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعلّ حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذّر الوصول إليه للجهل به، فيتصدّق به حينئذ نائب الغيبة عنه، ويكون ذلك وصولاً إليه على حسب غيره من الأموال الّتي يمتنع إيصالها إلى أصحابها، والله أعلم بحقائق أحكامه».

أقول: إلحاق ماله”عليه السلام” بمجهول المالك في كون التصدّق به وصولاً إليه محلّ نظر؛ لأنّ ذلك إنّما يكون إذا لم يكن في البين ما نعلم أنه الأولى عند صاحب المال من غيره، أمّا إذا كان هنا بعض الجهات الّذي نقطع برضاه في صرفه فيه وطيب نفسه به فالمتعيَّن صرفه فيه، ولا يكون الصرف في غيره إيصالاً إليه، ولا ريب في أنّ أهمّ الاُمور عند الإمام”عليه السلام” حفظ كيان الدين وشوكة المسلمين، وعزّ شيعتهم الفائزين ودفع الملحدين وإبطال المبطلين وحفظ الآثار من الإندراس.

وبالجملة: فلا تطيب نفسه الشريفة ـ روح مَن في عالمنا فداه ـ بدفن ماله أو الإيصاء بحفظه أو دفعه إلى أقربائه، إذا صارت تلك الاُمور المهمّة معطّلة والمذهب في معرض الاضمحلال والانطماس، فالمهمّ عنده إحياء معالم الدين، وإدارة الحوزات العلمية، وإعانة طلبة العلوم الدينية، وفي المجموع صرفه فيما به قوام الدين ونصرة الإسلام والمسلمين حسب الموارد والمناسبات والمقتضيات، وحسب الإمكانات ورعاية جميع الجوانب والمصالح العامّة المهمّة، سيّما في مثل عصرنا الّذي وقع الإسلام والمذهب وأهله قبال هجوم الكفّار والمستعمرين والثقافات المنحرفة والعلمانيين، والله هو العاصم والهادي إلى الصواب.

الهوامش

([1]) جواهر الكلام، ج16، ص165؛ المقنعة ، ص286.

([2]) انظر النهاية ، ص201؛ والمقنعة، ص286، والكافي في الفقه، ص173؛ والمهذب، ج1، ص181؛ والسرائر، ج1، ص498 ـ 499؛ ومختلف الشیعة، ج3، ص347.

([3]) شرائع الإسلام، ج1، ص138.

([4]) بحار الأنوار، ج13، ص177، باب خروجه× وما يدل عليّه.

([5]) جواهر الكلام، ج16، ص167 ـ 168.

([6]) نهج البلاغة، خطبه 138(ج2، ص21 ـ 22)؛ صرّح محمد عبده وابن أبي الحديد بأنّ المراد منه القائم الموعود×…، وقال ابن أبي الحديد: والأفاليذ: جمع أفلا ذ، وأفلا ذ: جمع فلذ، وهي القطعة من الكبد، وهذا كناية عن الكنوز الّتي تظهر للقائم بالأمر، وقد جاء ذكر ذلك في خبر مرفوع في لفظة: وقاءت له الأرض أفلا ذ كبدها، وقد فسّـر قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالهَا﴾ (الزلزلة،2) بذلك في بعض التفاسير». شرح نهج البلاغه، ج9، ص46؛ راجع فصل 37 من باب 3 من كتابنا «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر×».

([7]) جواهر الکلام، ج16، ص168 ـ 170؛ السرائر، ج1، ص499.

([8]) جواهر الکلام، ج16، ص168 ـ 170.

([9]) نهج البلاغة، خطبة 187 (ج2، ص126).

([10]) جواهر الكلام، ج16، ص170.

([11]) جواهر الكلام، ج16، ص173.
 

المصدر: كتاب فقه الخمس (وهو بحوث علمية ودروس استدلالية) للمرجع الديني الكبير الشيخ لطف الله صافي الگلپايگاني دام ظلّه،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky