استقبال-الذابح

استقبال الذابح .. هل هو شرط في التذكية؟ / سماحة الشيخ محمد صنقور

الاجتهاد: في تذكية الذبيحة هل يُشترط استقبال الذابح أو يكفي الاستقبال بالذبيحة؟ / الجواب: أمَّا اشتراط الاستقبال بالذبيحة فهو ممَّا لا إشكال في اعتباره في التذكية، وذلك لاستفاضة النصوص الآمرة بالاستقبال بالذبيحة وظهورها في اعتباره شرطًا في تحقُّق تذكية الذبيحة وحليَّة أكلها، هذا مضافًا إلى قيام الاجماع على ذلك.

وأمَّا استقبال الذابح فنُسب([1]) إلى بعض الفقهاء القول باعتباره في التذكية، وأصرحُ الروايات في ذلك –ظاهرا- ما رُوي في دعائم الإسلام عن الإمام جعفر بن محمد (ع) أنَّه قال: إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة، أحِدَّ الشفرة واستقبل القبلة”([2]) فإنَّ المخاطَب بالأمر بالاستقبال هو الذابح فيكون ذلك ظاهرًا في الإرشاد إلى أنَّه شرط في وقوع التذكية.

إلا أنَّ الرواية نظرًا لضعفها بالإرسال لا يصحُّ التعويل عليها.

وكذلك استُدلَّ على اشتراط استقبال الذابح بروايتين:

الاستدلال بصحيحة ابن مسلم وجوابه:

الرواية الأولى: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الذَّبِيحَةِ فَقَالَ (ع): اسْتَقْبِلْ بِذَبِيحَتِكَ الْقِبْلَةَ ..”([3]).

وتقريب الاستدلال بها على المطلوب هو أنَّ الباء في قوله: “بِذَبِيحَتِكَ” للمصاحبة فيكون الظاهر من مفاد الرواية هو الأمر بأن يستقبل الذابح مع ذبيحته القبلة فكأنَّه (ع) قال استقبل مع ذبيحتك القبلة. وعليه فالرواية صالحة لأن يُستدلَّ بها على اشتراط استقبال الذابح والذبيحة في وقوع التذكية.

وأجيب بأنَّ الباء ليست ظاهرة في المصاحبة بل هي للتعديَّة فيكون مساقها مساقُ قوله تعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ أي أذهب اللهُ نورهم، فليس معنى الآية أنَّه أذهبهم مع نورهم بل أذهب عنهم نورهم ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾([4]) فالباء في قوله تعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ عملت عمل همزة التعدية، فكأنَّه قال أذهب الله نورهم، كذلك هي الباء في قوله “بذبيحتك” فإنَّها للتعدية وليست للمصاحبة، وعليه فمعنى قوله (ع): “اسْتَقْبِلْ بِذَبِيحَتِكَ الْقِبْلَةَ” هو وجِّه ذبيحتك إلى جهة القبلة، لا أقل من أنَّ هذا المعنى من القوة بحيث يمنع من ظهور الرواية في المعنى الأول فتكون الرواية بذلك مجملة وغير صالحة للاستدلال على اعتبار استقبال الذابح.

الاستدلال بصحيحة عليِّ بن جعفر:

الرواية الثانية: صحيحة عليِّ بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر (ع)، قال: سألتُه عن الرجل يذبح على غير قبلة؟ قال: لا بأس إذا لم يتعمد ..”([5]).

وتقريب الاستدلال بالرواية –كما أفاد السيد الخوئي([6])– أنَّه تدلُّ بمفهومها على ثبوت البأس مع تعمُّد الذبح إلى غير القبلة، ولأنَّ الذبح فعلٌ من الأفعال والفعل ليس شيئًا من قبيل الأجسام القابلة للاستقبال لذلك فالمستظهَر عرفًا من الأمر بالذبح إلى القبلة هو الأمر باستقبال الذابح للقبلة تمامًا كما لو قيل اجلس أو جلس إلى القبلة فإنَّ المستظهَر من ذلك هو أمر المخاطَب بالجلوس إلى جهة القبلة،

وهكذا لو قيل: يأكل أو يمشي إلى جهة القبلة، فإنَّ المستظهر من ذلك هو أنَّ الآكل والماشي مستقبِلٌ للقبلة، ومن هنا تمَّ استظهار وجوب استقبال المصلِّي للقبلة من مثل صلِّ إلى القبلة لأنَّه لا معنى لاستقبال الصلاة للقبلة لأنَّها فعل وليس جسمًا يشغل حيِّزًا حتى يكون قابلًا لأنْ يُستقبل به ولذلك استظهر من مثل صلِّ إلى القبل هو أمر المصلِّى بأن مستقبلًا للقبلة حال فعل الصلاة.

كذلك هو المستظهر من الأمر بالذبح إلى القبلة فإنَّ المستظهر منه هو أمر الذابح بأن يستقبل القبلة حال الذبح نعم يمتاز فعل الذبح بخصوصية ليست موجودة في الأمثلة المذكورة وهي قيام الذبح بطرفين هما الذابح والمذبوح لذلك كان المستظهَر من الأمر بالذبح إلى القبلة هو أمر الذابح بأنْ يكون مستقبِلًا للقبلة حال الذبح وأنْ يستقبل بالذبيحة القبلة، وبهذا تكون صحيحة عليِّ بن جعفر ظاهرةٌ في اعتبار استقبال الذابح والذبيحة في التذكية.

مناقشة ما أفاده السيد الخوئي:

هذا حاصل ما أفاده السيد الخوئي (رحمه الله) لتقريب الاستدلال بالرواية على اعتبار استقبال الذابح إلا أنَّ الظاهر أنَّ ما أفاده لا يتمُّ فإنَّ المثال المناسب للرواية هو أنْ يُقال: يبني محرابه إلى غير القبلة أو إلى القبلة، ويضع بضاعته إلى القبلة، فإنَّ المستظهر من ذلك هو أنَّ المستقبَل به هو المحراب وليس الباني له، وكذلك فإنَّ المستظهَر من المثال الثاني هو أنَّ المستقبَل به هو البضاعة وليس واضعها.

وهذا بخلاف الأكل والمشي والصلاة فإنَّها أفعال لا تقوم إلا بطرفٍ واحد وهو الفاعل، وأمَّا مثل بناء المحراب، ووضع البضاعة، وذبح الذابح فإنَّها أفعال تقوم بطرفين، ولعلَّ ذلك هو سرُّ استظهار كون المستقبِل هو الفاعل في مثل الأكل والشرب والمشي، وعدم ظهور ذلك في مثل بناء المحراب ووضع البضاعة وذبح الذابح.

فالصحيح هو عدم ظهور الرواية في اعتبار استقبال الذابح، ولا أقلَّ من إجمالها من هذه الجهة، ولهذا فالمرجع في المقام هو أصل البراءة من هذا الشرط، ولعلَّ ممَّا يُؤيد عدم اعتبار اشتراط استقبال الذابح هو أنَّ المسألة مما يعمُّ الابتلاء بها فلو كان هذا الشرط معتبرًا لما كان يخفى.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

23 / ذو القعدة / 1442هـ

4 / يوليو / 2021م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky