فلسفة الفقه

إطلالة على فلسفة الفقه / حجة الإسلام الشيخ مهدي مهريزي + تحميل المقالة

الاجتهاد: استخدم بعض العلماء مصطلح « فلسفة الفقه» أيضا، وتعرضوا لضرورة وجود مثل هذا العلم في الحوزات العلمية: في حوزاتنا العلمية، لا يوجد علم باسم فلسفة علم الفقه، ولكن لابد من وجوده حيث تطرح اليوم إلى جانب كل علم فلسفة ذلك العلم ، ونحن لا يمكن أن نغفل عن فلسفة علم الفقه وهي مسألة بالغة الأهمية.

إن العلوم والمعارف البشرية تتولد أو تتحول وتنمو في ظروف انسانية واجتماعية خاصة، وهذه القاعدة تنطبق على جميع العلوم، سواء العلوم البشرية المحضة أو العلوم التي يكون مصدرها الأديان والشرائع السماوية.

وهذه القاعدة تقع وفق هذه الآلية، إذ تنمو العلوم أولاً، ومن ثم تتولّد منها فروع علمية جديدة ، وبعبارة أخرى: أن العلوم تتولد من بعضها، فمثلاً المسلمون عرفوا القرآن والسنّة وأخذوا بالتفكر والتأمل فيها، وهذا التفكر والاهتمام تأطّر بمرور الزمان بنظام علمي حمل عنوان « العلوم القرآنية » و« علوم الحديث».

وهذان العلان تطورا بنفس هذه القاعدة حتى قسّموا العلوم القرآنية الى أربعة عشر فرعاً(1). وعلوم الحديث إلى أربعة فروع (2).

وهكذا في علم الكلام وفلسفة الدين أيضا، فعلم الكلام يهتم بتوضيح و تبیین العقائد الدينية ودفع الشبهات العقائدية، وفلسفة الدين تولي اهتماماً بالإجابة عن الأسئلة التي تخصّ أساس الدين.

وهذه الأسئلة والشبهات لم تكن مطروحة قبل ذلك بصفتها مسائل علمية، ولذا كانت تبحث بصورة جانبية ضمن مسائل علم الكلام أو الفلسفة، ولكن مع اتساع مثل هذه المسائل وطرح تلك الشبهات بجدية أكثر نشأ علم جدید و تمیزت مسائله عن مسائل العلوم الأخرى.

ونلاحظ هذا الأسلوب نفسه بالنسبة لعلم الفقه والأصول وفلسفة الفقه، فالفقه نشأ في احضان الحديث، و علم الأصول نشأ في أحضان الفقه(3).

إن المهمة التي يضطلع بها علم الأصول هي تبيين وتوجيه النظام الداخلي للفقه وعمل الفقيه، بمعنى أن الفقيه لو أراد التمسك بحديث صحیح، أو استفادة الوجوب من الأمر، فإن علم الأصول يبين له كيفية ذلك، وبعبارة أخرى أن مهمة علم الأصول توثيق استنباطات الفقيه.

وفي الاعصار الأخيرة طُرحت شبهات في مواجهة الفقه كله، أو مواجهة أساس المعرفة الفقهية التي تعد المسلك الفكري للفقيه. وهذا القسم من الشبهات إما أنه لم يكن شائعة الى هذا المستوى سابقا، وبعبارة أخرى: لم يكن يستحق اعتباره أمراً علمياً، ولذا كان يطرح بصورة ضمنية في علوم أخرى كالفقه، والأصول، والكلام والعلوم القرآنية وعلوم الحديث.

أو أن مثل تلك الشبهات لم تكن مطروحة آنذاك أساساً. ومع اتساع طرح هذه الشبهات أشرف علم جديد على الظهور، وعلى هذا فإن « فلسفة الفقه » عنوان جديد إلى جانب علم الأصول، كفلسفة الدين الى جانب علم الكلام.

إن فلسفة الفقه مكمل لعلم الأصول، وعلم الأصول له ماضٍ عريق يعود الى القرن الثاني للهجرة، سواء عُدّ واضعوه هم علماء الشيعة وتلامذة الإمام الصادق (4) أو الشافعي”(5).

وقد تقدم علم الأصول بموازاة علم الفقه، بل يرى البعض انه تقدم على الفقه لحد تخلف معه عن أداء رسالته (6).

ومع هذا كله فإن علم الأصول لم يلبِّ متطلبات الفقه، ومكان « فلسفة الفقه » خالٍ. لأنّ الفقه يتحرك على أساس أصول موضوعة، و علم الأصول بتقبله لذلك يهتم بتبيين آلية عمل الفقه، وبعبارة أخرى، أن فلسفة الفقه تتصف بصفة الحرية التي يتصف بها الفكر الفلسفي، فكا أن الفلسفة تقوم ببحث ونقد المسلمات في العلوم الأخرى، فإن فلسفة الفقه تقوم – أيضاً – بنقد فرضيات الفقه، بل حتى فرضيات علمي الأصول والرجال.

وبسبب حداثة هذا العلم لا يوجد له الى الآن تعریف محدد، ولم تحدد مسائله و موضوعاته ، ولا يوجد – بعد – في هذا المجال شی، مدون سواء كان كتاباً أو مقالةً.

ولم يعرض في هذا المجال شيء مدون فحسب بل ان مصطلح « فلسفة الفقه » لم تستخدم بعد، وبمقدار فحصي فإن صاحب کتاب ( الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ) ذکر لأول مرة علم الأصول كعلم شبیه ب « فلسفة الفقه » فیقول: ” اختراع الشافعي تعلم أصول الفقه الذي هو كفلسفة الفقه »(7).

وبعد ذلك استخدم بعض العلماء مصطلح « فلسفة الفقه» أيضا، وتعرضوا لضرورة وجود مثل هذا العلم في الحوزات العلمية:

في حوزاتنا العلمية، لا يوجد علم باسم فلسفة علم الفقه، ولكن لابد من وجوده حيث تطرح اليوم إلى جانب كل علم فلسفة ذلك العلم ، ونحن لا يمكن أن نغفل عن فلسفة علم الفقه وهي مسألة بالغة الأهمية.

وتطرح طبعاً في علم الأصول جزء من بحوث فلسفة الفقه، ولكن هناك بحوث مهمة لم تطرح في هذا العلم (8).

“ولذا فإن مسألة تدوین فرعاً خاصاً من الفلسفة يختص بالحقوق الإسلامية أو الفقه ما زالت مفقودة الوجود بين المعارف الإسلامية الجديدة.

إن أسس وأجزاء هذا الفرع من العلوم متناثرة في الوقت الحاضر في الفلسفة والكلام وأصول الفقه، وهي بحاجة إلى مفکرین ومبدعين يقومون بتأليف البحوث المتناثرة لأسلافهم العلماء »(9).

وقد اعتبر البعض أن « فلسفة الفقه » هو المصطلح الحديث لعلم الأصول:
« ان البحث في دور العلوم الخارجية في الاجتهاد الفقهي بحت نظري تترتب عليه الكثير من النتائج ، ولذا يمكن اعتباره من هذه الناحية – من المباحث المهمة لعلم الأصول أو بالمصطلح الأحدت : فلسفة الفقه (10).

ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض الباحثين من أبناء العامة، كابن عاشور وعلال الفاسي توصلوا في السنوات الأخيرة الى ضرورة وجود علم آخر غير علم الأصول وعلم الفقه هو علم المقاصد(11).

وإذا تأملنا جيدأ فسنرى أن علم المقاصد هو جزء ما يسمى في الوقت الحاضر بـ ” فلسفة الفقه “.

ويلاحظ من خلال هذه الكلمات، حداثة وضرورة هذا العلم و غموض حدوده(12)، ولا يوجد شك في حداثة وضرورة ايجاد هذا العلم.

ويبدو لي انه يمكن القول في مقام تحديد معالم « فلسفة الفقه »:
أن فلسفة الفقه هو علم يبحث في الأصول الموضوعة للفقه والاجتهاد الفقهية ويتعرض لحل نوعين من المسائل:

أ- المسائل المتعلقة بالفقه بصورته العامة والكلية، ويقع الفقه أمامها بصفته علماً من العلوم ، كأهداف الفقه، وحدود دائرة الفقه، والعلاقة بين الفقه والزمان، ومصادر الفقه، ومنهج التحقيق التاريخي في الفقه، ومناهج تفسير النصوص، والعلاقة بين الفقه والعلوم الأخرى و….

ب: المسائل المرتبطة بعمل الفقه والفقيه، والتي تعود الى كيفية عمل المجتهد، کالعوامل المؤثرة في الاجتهاد، ومعرفة الاجتهاد، وموجبات اختلاف الفقهاء و ..

في هذا الموجز حاولت بیان صورة عن فلسفة الفقه، و عن ماضيه وضرورة الاهتهام به، وفي بقية هذا المقال سأتعرض لزوايا أخرى في هذا المجال.

 

عناوين الموضوعات:

أولا: فلسفةُ الفقه علم حديث

ثانياً: علاقة فلسفة الفقه بالعلوم الأخرى

ثالثاً: منهج فلسفةِ الفقه

رابعاً: موضوعات فلسفةِ الفقه:

1- مقاصد الشريعة

2 – دائرة نفوذ الفقه

3 – مكانة الفقه بين العلوم الأخرى

4- علاقة الفقه بالعلوم الأخرى

5- العلاقة بين الفقه والزمان

6- طريقة التحقيق في الوثائق

7 – مناهج تفسير النصوص

8 – منهج التحقيق الفقهي

9- مصادر الفقه

10 – معرفة الاجتهاد

تحميل المقالة بصيغة بي دي اف

 

الهوامش

* تعريب: تعريب سجاد رضا

(1) قرآن شناخت: بهاء الدين خرمشاهي (بالفارسية)نشر طرح نو ۱۳۷۵ ص 67- ۷۰ .

(2) مجلة، آینه پژوهش (بالفارسية) السنة السادسة العدد ۳۳، طرح پژوهش علم حدیث ص ۷۹.

(3) المعالم الجديدة، محمد باقر الصدر – مكتبة النجاح , طهران، ص 46 – 47

(4) تأسيس الشيعة، السيد حسن الصدر ص 310

(5) کشف الظنون ، حاجي خليفه ، ج ۱، ص ۱۱۱,
(6) نهاية الأصول، حسين علي منتظري، ص ۲ – ۳، القواعد الفقهية، ناصر مکارم الشيرازي ج ۱، ص 8. الوسائل الإمام الخميني ج ۲، ص97 – ۹۸.

(7) الفكر السامي في تأريخ الفقه الإسلامي ، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي.
(8) مجلة ، نقد و نظر (بالفارسية) العدد الأول شتاء عام ۱۳۷۲ش، ص۱۹

(9) المصدر نفسه ص43.

(10) مجلة، نقد و نظر (بالفارسية العدد الخامس ، شتاء عام ۱3۷4ش ص ۱۰۰ صادق لاريجاني

(11) مجلة الاجتهاد ، السنة الثالثة . العدد 9، ص ۱۹۸، صلاح الدين الجروشي

(12) إن مصطلح « الرؤوس الثمانية بين العلماء المسلمين كان يشير الى نوع من فلسفة العلم ، وكانوا يعتقدون أن على أي مؤلف أن يتعرض في بداية كتابه الى تلك المباحث الثمانية ، وهي : الغرض، المنفعة ، مكانة العلم، العلاقة مع سائر العلوم، الأسلوب و… (الكشاف اصطلاحات الفنون ج ۱، ص 10 – 11 ) وهذا العمل يؤدي الدور الكبير الذي تقوم به فلسفة الفقه في الوقت الحاضر.
وبالتدريج حل في الغرب مكان ذلك مصطلح معرفة المنهج وفلسفة العلم.
إن (فلسفة العلم) من العلوم المستقرة اليوم، والتي أثبتت فائدتها في شرح ونقد العلوم وتقدمها. “فلسفة العلم” بصورة عامة علم يتعرض لمكانة العلوم التجربية. وقد ذكروا له معان مختلفة ، « در آمدی تاريخي به علم فلسفه فقه . (بالفارسية). ص 1 – 4. فلسفه علم (بالفارسية) مهدي دهباشي، ص 27 – 30 .

فلسفه علم (بالفارسية) محمد تقی الجعفري، ص۱4۱ والى جانب ذلك ازدهرت الفلسفات المضافة کفلسفة الفيزياء. فلسفة الرياضيات، فلسفة الحقوق، فلسفه علم التاریخ، فلسفة الكلام. فلسفة العلوم الاجتماعية و… والقاء نظرة على الكتب التي ألفت عن هذه العناوين يؤيد هذه الحقيقة.
ومما يؤسف له أن « فلسفة العلوم الإسلامية” بشكل عام والفلسفات المضافة كفلسفة الفقه. وفلسفة الأصول و … ما زالت مفقودة ويجب على المفكرين الإسلامين أن يهتموا بهذا الأمر ويملؤوا هذا الفراغ.

 

المصدر: مقالة بعنوان ” إطلالة على فلسفة الفقه ” في العدد المزدوج (18 – 19) من مجلة الفكر الإسلامي السنة الاخمسة 1418هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky