الاجتهاد: خلال زيارة البابا فرنسيس الأخيرة للسيد علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق، ظهرت عدة تعليقات صحافية تروج لفكرة مفادها؛ أن زيارة البابا تدعم موقف مرجعية السيستاني في النجف، في مواجهة قم وولاية الفقيه في إيران،
وقد نشرت إحدى المؤسسات الإعلامية الأمريكية الناطقة بالعربية، عنوانا عريضا يصف السيستاني بـ»رجل الدين الشيعي الذي عارض ولاية الفقيه» قبل أن تقوم بحذف هذا العنوان لاحقا، في ما يبدو أنها محاولة لاستثمار الزيارة في إطار الرغبة الأمريكية بفصل «الشيعة المعتدلين» عن النظام الإيراني الشيعي الأصولي، والمنظور نفسه تحدّث به باحث أمريكي مهني في مركز بروكينغ، معتمدا على معلومات غير دقيقة عن العلاقة بين المراجع الشيعة وولاية الفقيه.
الحقيقة أن المرجع الشيعي السيستاني، وكل المراجع الشيعة في النجف وقم، يجمعون على إقامة ولايةِ الفقيه، الاختلاف بينهم هو تفصيلي فقط في حدود تطبيقها، أي «الولاية العامة» كما هو التعبير الفقهي، وحسب كل المختصين في الفقه الشيعي، واستنادا لكتب السيستاني نفسها، فإن ولاية الفقيه هي ركن أساسي في الفقه الجعفري.
يقول المختص في المرجعية الشيعية العراقية، الدكتور علي المؤمن في أحد كتبه: «جميع الفقهاء من دون أي استثناء يؤمنون
بولاية الفقيه، ويطبقونها عملياً؛ لكنهم يختلفون في مساحتها. ومساحة الاختلاف هي نقطة واحدة فقط، وهي المتعلقة بمساحة النظام العام؛ فمنهم من يوسعها لتشمل موضوع الدولة والحكم، وهم القائلون بولاية الفقيه العامة أو المطلقة، ومنهم من يضيقها لتقتصر على الحسبة وحفظ النظام الاجتماعي العام، وهم القائلون بولاية الفقيه الخاصة».
ويرى الدكتور المؤمن، أن السيستاني يقترب من مبدأ الولاية العامة بتوسيع الحسبة، فيقول «السيد السيستاني يستعيض عن ولاية الحكم، بخيار توسيع دائرة ولاية الحسبة؛ لتكون بديلاً يستوعب جميع الشؤون العامة التي لا يجوز تركها، أي أن السيستاني أحد أكثر الفقهاء الذين يوسعون مصاديق الحسبة، ويوسعون صلاحيات الفقيه بصددها؛ بما يساوق ولاية فقيه شبه عامة، كما تدل أبحاثه».
المرجع الشيعي السيستاني، وكل المراجع الشيعة في النجف وقم، يجمعون على إقامة ولاية الفقيه، الاختلاف بينهم هو تفصيلي فقط
ومن فتاوى السيستاني الكثيرة عن ولاية الفقيه، يقول في إحداها عند إجابته على سؤال رقم 90، في كتاب «الفوائد الفقهية طبقاً لفتاوى السيد السيستاني» ما نصه: «هل أن الأحکام الولائية للولي الفقيه نافذة علی جميع مسلمي العالم؟ أم هي خاصة بمنطقة نفوذه وولايته؟ الجواب: ولاية الفقيه فيمن تثبت له مواردها لا تتحدّد ببقعة جغرافية. (كتاب الفوائد الفقهية، ج1 ص 53).
ثم إن محاولة تصوير وجود عداء أو تضارب بين مرجعية السيستاني والنظام الإيراني، أو مصالحه في العراق لا تدعمه شواهد صلبة، بل على العكس، فالسيستاني لم يصدر أي موقف صريح معارض للقوى الشيعية المرتبطة بإيران، وهو من دعم القائمة الشيعية الموحدة في انتخابات عام 2006، القائمة الشهيرة بـ555 المشكّلة من الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران، على رأسها المجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر وحزب الدعوة، والسيستاني أفتى بتأسيس الحشد الشعبي، أكثر القوى المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري، وأصدر وكلاءه مواقف شاجبة لاستهداف قوى الشيعية على الحدود السورية العراقية بالقصف الأمريكي، ولا ننسى أنه أيضا كتب رسالة تعزية رسمية لخامنئي بعد مقتل قاسم سليماني. أيضا الأدبيات الإيرانية المقربة من المرشد الأعلى الإيراني تمتدح السيستاني، ويطلقون على السيستاني وخامنئي (سيدنا العليين).
ومن اللافت أن مراجع قم الكبار هم من طلاب السيد الخوئي في النجف، وهي مدرسة السيد السيستاني نفسها، كما أن المرجع الشيعي البارز في النجف بشير النجفي، وهو من المراجع الأربعة الرئيسية للعراقيين، وهو من حوزة النجف، ويؤمن بولايةِ الفقيه المطلقة.
عموما، لا تثير المسألة الوطنية حساسية كبيرة لدى المراجع الشيعة وعائلاتهم، فثلاثة من المراجع الاربعة الكبار؛ النجفي والفياض والسيستاني ليسوا عراقيين، ومعظم العائلات الشيعية العراقية مختلطة النسب بشكل لافت، فعائلة الصدر الشهيرة أصولها من لبنان، والمرجع الشيعي محمد باقر الصدر العراقي، ولد جده في قم الايرانية، وابن عمه هو موسى الصدر اللبناني، وزوجة باقر الصدر هي شقيقة موسى الصدر، وعائلة الحكيم العراقية ترتبط بعلاقات نسب مع عائلة فضل الله الشيعية في لبنان، وهكذا معظم عائلات المراجع الشيعية الكبرى، لا تحمل صفة قطرية محددة، إنما هي منتمية للطائفة العابرة للحدود.
«القدس العربي»