الاجتهاد: أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث كتابه الشهري الخامس بعد المئة لشهر سبتمبر (أيلول) 2015، بعنوان الإسلام والمسلمون في الصين والذي اختص ببحث أوضاع الإسلام والمسلمين في الصين، وأحوالهم الراهنة.
يتناول الكتاب الطوائف الإسلامية في الصين، وأسباب ظهورها، والعلاقة بين الإسلام والشيوعية، والمؤسسات الإسلامية التقليدية، والسلفية التقليدية والسلفية الجهادية التكفيرية، وثنائية الإثنية والإسلام، ونشاط حركة الاستعراب التي فتحت المجال أمام حركة نشطة للترجمة، وحضور الإعلام الصيني في المنطقة العربية، إلى جانب موضوعات أخرى على درجة عالية من الأهمية.
يعتبر الكتاب من الكتب القليلة التي تؤسس لمعرفة معمقة وموسعة بشؤون المسلمين في الصين.
تقديم
يتناول الكتاب أحوال الإسلام والمسلمين في الصين من زوايا عدة: تاريخية وسياسية ومجتمعية ودينية واقتصادية. قلّما اهتم الباحثون العرب ومراكز الدراسات بهذا الموضوع الحيوي، نظراً لما تتميز به الصين من تعقيد على المستويين الإثني والديني، في بلد يصل عدد القوميات فيه إلى (56) قومية وتبلغ مساحته (9,6) ملايين كيلو متر مربع، أي ما يعادل (15%) من إجمالي مساحة اليابسة في العالم، ويساوي حجم قارة أوروبا.
يسلط «الإسلام والمسلمون في الصين» (الكتاب الخامس بعد المئة، سبتمبر/ أيلول 2015) الضوء على الطوائف الإسلامية في الصين، وأسباب ظهورها، والخلافات المذهبية وتأثيرها في حاضرها ومستقبلها. ولا يمكن دراسة راهن المسلمين الصينيين دون مناقشة العلاقة بين الإسلام والشيوعية المتأرجحة بين التوتر والمواءمة، هذا إلى جانب المؤسسات الإسلامية التقليدية التي تميط اللثام عن دور المسجد والتصوف والتعليم الديني في تشكيل الهوية الدينية. على الضفة الأخرى أثارت السلفية التقليدية والسلفية الجهادية التكفيرية في الصين أسئلة متداخلة، سعت إحدى الأوراق البحثية المدرجة في الكتاب إلى الإجابة عنها، دون إهمال أصولها التاريخية واختراقها الإسلام الصيني.
يعالج الكتاب في دراساته، ثنائية الإثنية والإسلام في الصين وما تفرضه من توتر هوياتي، وحدود التلاقح الثقافي على صعيد الأدب الشعبي، التي واكبها نشاط في حركة الاستعراب فتحت المجال أمام حركة نشطة للترجمة، أدت إلى نقل عدد لا بأس به من الأدب العربي الكلاسيكي والحديث إلى اللغة الصينية، دون أن نغفل عن حضور الإعلام الصيني في المنطقة العربية.
تُعد العلاقة بين الويغور والدولة في الصين من أكثر الملفات تشنجاً في المرحلة الراهنة؛ فهو تشنج يرتبط بجذور تاريخية بدءاً من فترة أسرى تشينغ الكبرى، وصولاً إلى حكم الشيوعيين الصينيين، والتي دفعت –لاحقاً- باتجاه اتخاذ إجراءات لمقاومة التطرف الديني والأنشطة غير القانونية في منطقة شنجيانغ الويغور المستقلة، والتي تبدت بصورتها الأوضح من تهديد الإسلام السياسي.
أفادت الحضارة الصينية من العلوم الإسلامية في الرياضيات والفلك والطب. وانتشرت حكايات شعبية ذات أصول عربية أو إيرانية بين الصينيين، مثل شخصية الأفندي الصيني وجحا العربي، أصبح بعضها جزءاً من الإنتاج التلفزيوني والمسرحي، فراكمت من التبادل الثقافي.
أسس المسلمون الصينيون هوية انبثقت من تفاعل تبادلي بين التقاليد المشتركة للإسلام مع السياقات الاجتماعية والسياسية. وهي هوية متحركة يُعاد تشكيلها حسب التحوّلات في الواقع الصيني بطريقة جعلت من المسلمين الصينيين مكوِّناً رئيساً من النسيج الاجتماعي والسياسي الصيني، مع الحفاظ على هويتهم الدينية الخاصة.
وعلى الرغم من أن الصين دولة متعددة القوميات والأديان (الطاوية، البوذية، الإسلام والمسيحية) وتتمتع بالتمايز الإيجابي في العادات والتقاليد، لكنها ترابطت في ما بينها بأواصر مشتركة بسبب دروس التاريخ والاندماج والانصهار الوطني، والسعي إلى التطور والتقدم بخطى كبيرة نحو المستقبل، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي دفع الصين إلى انتهاج دبلوماسية ناعمة وهادئة تجاه العالم الخارجي والمنطقة العربية.
لعب التنوع الإثني في الصين –عموماً- وبين المسلمين الصينيين –خصوصاً- دوراً في بلورة الهوية الخاصة بالإسلام الصيني. وأثارت ثنائيات: الوطن والدين، الشيوعية والإسلام، إشكاليات معقدة حُسمت لصالح الهوية الوطنية الصينية العابرة للطوائف والأديان، والاتجاه بها عبر التركيز على الحياة الاقتصادية والنشاط العملي وصرف الاهتمام عن الأديان.
تعتبر قضية الويغور القضية الأكثر تعقيداً في علاقة المركز بقوميات الصين المسلمة، نتيجة الطموح التركي للامتداد شرقاً وسط آسيا، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. وقد شجعت تركيا الويغور على الوقوف أمام المركز في بكّين، لدرجة أن أول مجلس وطني ويغوري تشكّل في إسطنبول عام 1992. أدى الصراع بين قومية الويغور والحكومة الصينية -في بعض المراحل- إلى عنف متبادل بين الطرفين، دفع السلطات الرسمية -أحياناً- إلى حظر الأنشطة الدينية العادية، والتشديد على الحرّية الدينية بغرض مكافحة التطرّف الديني، وتحديداً إثر انتشار الإسلام الراديكالي في المحيط المباشر لجمهورية الصين الشعبية، وبعد إعلان تنظيم القاعدة بأنه يعمل على استعادة تركمانستان الشرقية (شنجيانغ) وضمّها إلى الخلافة الإسلامية. هذه العلاقة المتوترة بين الحكومة الصينية ومسلمي غرب الصين انعكست على نظرة بعض العرب والمسلمين للصين.
باتت الصين –اليوم- مرشحة للقيادة العالمية، فتعد من أكبر القوى الاقتصادية في العالم. كما تشهد الدبلوماسية الصينية تفاعلاً إيجابياً على المستويين الإقليمي والعالمي، مما يعزز من دورها السياسي، لا سيما في العالم العربي، خصوصاً أنها ليس لها تاريخ استعماري في المنطقة العربية، مما يفتح لها آفاقاً واسعة نتيجة اعتمادها على ثنائية: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة. وتخلص دراسات عدة إلى أن الصين تملك المؤهلات اللازمة كي تصبح المُنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2025، عدا عن أنها مرشحة للتمتع بمركز يفوق الاتحاد الأوروبي خلال الخمسين سنة القادمة.
طوائف المسلمين في الصين.. الوجود والاختلافات
فاتحة الدراسات كانت مع الباحث والأكاديمي المصري: أسامة عبدالسلام محمد منصور الذي تناول طوائف المسلمين في الصين.
تعتبر الصين دولة متعددة القوميات، فهي تضم (56) قومية بينها عشر قوميات مسلمة، تنقسم إلى قسمين: الأول: قوميات من جنس تركي كانت تسكن منطقة تركستان الشرقية، التي ضمتها الصين إليها وغيرت اسمها إلى شنجيانج ومعناه “الأرض الجديدة”. أما القسم الثاني، فهو يشمل أربع قوميات هي: هوي، سالار، دونغشيانغ، وباوآن، وهؤلاء أصولهم عربية وفارسية، وقد جاء أجدادهم قديماً إلى الصين واستوطنوا فيها.
وتتنوع طوائف المسلمين في الصين ما بين سنية وشيعية، وفي كل منها تقسيمات أخرى كالسلفية والصوفية، إلا أن السلفية تعتبر المذهب الأكثر انتشاراً لأسباب تتعلق بزيادة عدد الحجاج إلى مكة والمدينة، وجهود السلفيين أنفسهم في نشر ورعاية الدارسين لفكرهم واستقطابهم. أما الشيعة فلا يزيد عددهم على (30) ألفا، وهم –فعليا- منصهرون بين المسلمين السنة على الرغم من أنهم يسعون –أيضاً- لاستقطاب الشباب الصيني المسلم عبر توفير فرص للدراسة في إيران.
تعاني الطوائف الإسلامية في الصين، أسوة بطوائف المنطقة العربية، من صراعات وتنافس، فعلاقة السلفية بالصوفية شبه مقطوعة، فهؤلاء لا يصلون في مساجد هؤلاء، وفيما يصف الإخوان السلفية بـ”المتشددين”، يصفهم السلفيون بـ”المنافقين المبدلين”.
وعلى الرغم من أن الخلافات المذهبية موجودة، فإن أتباعها حريصون على ألاّ تظهر على السطح، حتى لا تجر عليهم ويلات كالتي حدثت لأسلافهم. كما أن المسلمين الصينيين –اليوم- شديدو الولاء للحكومة الصينية، والوازع الوطني لديهم مقدم -أحياناً- على الوازع الديني، كما أن الوسيلة المثلى لنيل ثقة الحكومة وتقلد المناصب الحكومية، تكمن في الانتساب إلى الحزب الشيوعي الصيني والالتزام بمبادئه، وكثير منهم بارعون في ذلك.
المؤسسات الإسلامية التقليدية في الصين
“المؤسسات الإسلامية التقليدية في الصين” لجيان بينغ وانغ، رئيس برنامج الدراسات الدينية في جامعة شانغهاي للمعلمين في الصين، نقلتها للعربية المترجمة العراقية: رشا العقيدي، وراجعها الباحث المصري المختص في الشؤون الصينية: حسين إسماعيل.
يمثّل المسجد قلب المجتمع المسلم في الصين، وهو يلبي متطلبات مجتمعه في التنظيم الإداري والمناسبات الاحتفالية والحشد المجتمعي والتربية والتعليم، وتقديم الخدمات الدينية للمؤمنين فضلاً عن التجارة، أمّا المدرسة فهي التي تقدم التعليم والزخم الروحي وتنقل الأعراف الإسلامية إلى الجيل الجديد.
وإلى جانب المدرسة والمسجد، توجد “القباب” باعتبارها مركزاً للمجتمع الصوفي، والذي يشكّل حوالي ثلث المجتمع الإسلامي في الصين. وتضم القباب أضرحة يُدفن فيها مشايخ الصوفية، وبعضها بمثابة مجمّع ديني يضم المسجد والمدرسة والضريح الذي يعتبر مزاراً محلياً لأتباع الصوفية.
تشير الورقة –أيضاً- إلى أن عدد مسلمي الصين قد تجاوز (24) مليون مسلم، وفقاً للإحصاءات التي قدمتها الجمعية الإسلامية الصينية عام 2009.
الإسلام والشيوعية في الصين بين التوتر والمواءمة
الإسلام والشيوعية في الصين بين التوتر والمواءمة”، للباحث الصيني المختص في قضايا الإسلام في الصين: إسحق ما جيان فو، نقلها للعربية المترجم السوداني: بابكر الوكيل، وراجع الترجمة الباحث المصري المختص في الشؤون الصينية: حسين إسماعيل.
تشرح الورقة كيف تَشَكل مسلمو “هوي” كمجموعة عرقية عرفت لاحقاً بمسمى الأقلية القومية (مينتسو)، وكيف أن المسلمين الصينيين تفاعلوا مع الحكومات المركزية في مختلف الأسر الإمبراطورية. فبعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949 تحت حكم الحزب الشيوعي، عاش المسلمون فيها فترة من الحرية والراحة لم تطل سوى سنوات قليلة، قبل أن تتحول إلى علاقة من التوتر، وأصبح الفضاء العام للإسلام فيها غير قانوني.
تسهب الورقة في الحديث عن مراحل التقارب والتصادم بين الإسلام والشيوعية وكيف دفعت سياسات التنمية منذ عام 1978 الصين للمواءمة بين الإسلام والشيوعية، فقد فرضت الحكومة المركزية التنمية الاقتصادية، كخطاب لتشجيع المواطنين على التركيز على الحياة الاقتصادية والنشاط العملي، وصرفت الاهتمام عن الأديان.
حوار الحضارات؟ الإثنية الارتباطية والإسلام في الصين
حوار الحضارات؟ الإثنية الارتباطية والإسلام في الصين” للأنثروبولوجي الأمريكي المختص في القوميات والأعراق والثقافة في آسيا والصين: درو. سي. غلادني، ونقلها للعربية المترجم الفلسطيني: عمر الأيوبي.
تحاجج الورقة في اعتبار الهوية في أوساط المسلمين في الصين، بمثابة نتاج تفاعل تحاوري للتقاليد المشتركة للإسلام مع السياقات الاجتماعية السياسية، ويُعاد التفاوض بشأنها باستمرار في كل وضع سياسي اقتصادي، وهو بذلك يعارض تأويلات صموئيل هنتنجتون حول صدام الحضارات، وكأن الكاتب يعارض التوجه الذي تبنته غالبية دراسات الكتاب.
ولتأكيد ذلك، تشير الورقة إلى المعايير الماركسية الستالينية لاعتراف الدولة بالجماعات الإثنية، حيث كان يتوجب على كل جماعة أن “تقنع” الدولة بأنها تشترك في: اللغة، أو الموطن، أو الاقتصاد، أو التكوين السيكولوجي، وهو ما أسماه ستالين لاحقاً “ثقافة”.
السلفية التقليدية والسلفية الجهادية التكفيرية في الصين
“السلفية التقليدية والسلفية الجهادية التكفيرية في الصين” لروحان جونارانتا، رئيس المركز الدولي للعنف السياسي وبحوث الإرهاب (ICPVTR) بسنغافورة، وقد نقلتها للعربية المترجمة العراقية: رشا العقيدي، وراجعها الباحث المصري: حسين إسماعيل.
ترى الورقة أن مسلمي الصين قد تأثروا بثلاثة أجيال من السلفية القادمة من الشرق الأوسط وجنوبي ووسط آسيا: مذهب “الإخوان” المعروف في الصين باسم إخواني (Ikhwani) جاء إلى الصين أواخر القرن الثامن عشر، بينما جاء المذهب السلفي أواسط القرن العشرين، وجاءت السلفية الجهادية التكفيرية نهاية تسعينيات القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة.
تركيا –بدورها- حاضرة في صلب مسألة مسلمي الصين، حيث يؤمن الأتراك بأن أصول الويغوريين تعود لهم، وقد ساندوا جهود وحدة التنظيمات الويغورية المهاجرة وويغور الشتات. كما أن تركيا، وبدفع من تفكك الإمبراطورية السوفيتية، وظهور دول آسيا الوسطى، أرادت أن تمد نفوذها من تركيا مروراً بآسيا الوسطى إلى شينجيانغ. وقد شكل نخبة الويغور أول مجلس وطني ويغوري في إسطنبول عام 1992، وبينما ظلت تركيا مركزاً رئيساً، امتد النشاط السياسي إلى ألمانيا، وظهر جمع الأموال في الخليج، وامتد النشاط من باكستان إلى أفغانستان.
العلاقة بين الويغور والدولة في الصين
“العلاقة بين الويغور والدولة في الصين” لـهايون ما، الأستاذ المساعد بشعبة التاريخ في جامعة ولاية فروستبورغ في ماريلاند، ونقلها للعربية المترجم السوداني: بابكر الوكيل، وراجع الترجمة الباحث المصري: حسين إسماعيل.
تقدم المقالة لمحة عامة للعلاقات بين المسلمين الويغور والحكومات الصينية، داخل ما يُسمى بمنطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم، منذ ضم المنطقة حتى الوقت الراهن. فمنذ القرن التاسع عشر، أصبحت العلاقات الداخلية بين الويغور والحكومات الصينية متأثرة بالتوجهات والنزعات القومية الصينية والويغورية، فضلاً عن العوامل الجيوسياسية الإقليمية.
وقد مثلت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهوية الويغور، وموقعهم الجغرافي، فرصة للصين لنيل تعاطف ودعم الولايات المتحدة الأمريكية لمهاجمة “الإرهابيين” الويغور.
كما تناقش الورقة وتحلل السياسات الصينية والجغرافيا السياسية الإقليمية لمختلف الفترات، من ناحية، ومن ناحية أخرى، الأشكال المختلفة لمقاومة عنف الويغور، بغرض الكشف عن علاقة التعايش المعقدة بين الحكومات الصينية والويغور.
منطقة شنجيانغ الويغور المستقلّة: تهديد خفي للمسلمين التركمان
“منطقة شنجيانغ الويغور المستقلّة: تهديد خفي للمسلمين التركمان” لجوليا فامولارو، زميلة دراسات الأمن الدولي ما قبل الدكتوراه في مؤسسة سميث ريتشارسون بجامعة يال، ونقلها للعربية المترجم الفلسطيني: عمر الأيوبي.
ترى فامولارو أن الإسلام الراديكالي يشكّل تهديداً متنامياً في المحيط المباشر لجمهورية الصين الشعبية وما وراءه، خصوصاً بعد أن انشغلت وسائل الإعلام بإعلان القاعدة أنها تسعى “لاستعادة” تركمانستان الشرقية (شنجيانغ) وضمّها إلى الخلافة الإسلامية. فمثل هذه الدعوات للأسلمة الصارمة لمجتمع شنجيانغ، تعتبر بمثابة لعنة على الويغور والأقليات المحلية الأخرى التي تتسم بإسلامها المعتدل والتوفيقي.
تبحث الورقة -أيضاً- في اللائحة التنظيمية للشؤون الدينية في منطقة شنجيانغ الويغور المستقلّة لسنة 2015، وفيها ما يتعلق بالممارسات والسلوكيات الدينية والطقوس والملبس، وفيها من النصوص ما يقيد المسلمين كمنع القاصرين من المشاركة في الطقوس الدينية، أو منع مظاهر معينة من اللباس.
وتختم الورقة بالتنويه إلى أنه، وعلى الرغم من أن الصين تواجه مخاوف أمنية مشروعة في المنطقة، فإن حظر الأنشطة الدينية العادية والشديد للحرّية الدينية باسم مكافحة التطرّف الديني، لن يؤدي إلا إلى زيادة التوتّر بين الإثنيات، وتعزيز احتمالات الاضطراب المجتمعي.
نشاط الاستعراب في الصين
” نشاط الاستعراب في الصين“، لتشونغ جيكون، المستعرب الصيني، وأستاذ اللغة العربية وآدابها في كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين.
يرى جيكون أن تاريخ الاستعراب في الصين كان قد بدأ فعلياً أواخر عهد أسرة مينغ الملكية (1368-1644)؛ وأوائل عهد أسرة تشينغ الملكية (1644-1911)، أي منذ القرن السادس عشر الميلادي، إذ ظهر في الصين التعليم المسجدي، أي تعليم المسلمين في الكتاتيب الملحقة بالمساجد، لتدريس اللغة العربية، والقرآن الكريم والحديث النبوي وتفسيرهما، وعلم التوحيد وعلم الفقه والمبادئ الأخلاقية وغيرها لإعداد الأئمّة.
وعلى الرغم من أن ترجمة النصوص العربية إلى الصينية كانت قد بدأت في القرن الـ(18)، لكن العلماء المسلمين الصينيين لم يتمكنوا إلا من ترجمة القليل. ومن بين ما تم ترجمته إلى الصينية كتب: ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، والنبي لجبران خليل جبران… إلخ، وعلى الرغم من أهمية ما تم ترجمته، فإنه محدود بالمقارنة مع ما تزخر به مؤلفات الثقافة العربية والإسلامية.
جحا والأفندي: شخصية من طريق شينجيان إلى أنحاء الصين
وإلى جانب دراسة حركة الاستعراب، قدم رئيس قسم اللغة العربية في جامعة بكين: لين فنغمين، ورقة بحثية حملت عنوان: “جحا والأفندي: شخصية من طريق شينجيان إلى أنحاء الصين“.
تبحث الورقة في حكايات “الأفندي” التي تتشابه مع نوادر “جحا”، والتي كانت قد انتشرت شفوياً كأدب شعبي أو أدب فلكلوري في منطقة شينجيان ذاتية الحكم للقومية الويغورية في شمال غرب الصين منذ الزمن القديم، ثم جمعت وترجمت إلى اللغة الصينية.
وبحسب فنغمين، فإنه إذا قارنّا حكايات الأفندي الصيني ونوادر جحا العربي، وقصص الملّا نصر الدين الإيراني وغيرها، فسنجد أن معظم القصص والحكايات والنوادر متشابهة للغاية. وإذا بدلت اسم الأفندي إلى اسم حجا، أو الخوجة أو نصر الدين، فلن تجد فوارق كبيرة بينها إلا في بعض التفاصيل الصغيرة.
ومن ضمن ما طرحته الورقة أن وجود آثار للثقافة الإيرانية والثقافة التركية في نصوص حكايات الأفندي، يدل على أن حكايات الأفندي الصيني تتأثر بالثقافة الإيرانية والتركية مباشرة. كما أن شهرة قصص الأفندي تحولت -في ما بعد- إلى أعمال تلفزيونية ورسوم متحركة ومسرحيات.
الإعلام الصيني في اللغة العربية
“الإعلام الصيني في اللغة العربية” عنوان ورقة الباحث المصري المختص في الشؤون الصينية: حسين إسماعيل.
يرى إسماعيل أن إطلاق النسخ العربية لوسائل الإعلام الصينية الرئيسة ارتبط بتطور العلاقات الصينية- العربية وأحداث صينية لها تأثير عربي- إسلامي، فبعد الزيارة الشهيرة التي قام بها رئيس مجلس الدولة الصيني تشو إن لاي إلى مصر نهاية عام 1963، أطلقت مجلة بناء الصين (الصين اليوم حالياً) نسختها العربية عام 1964، كما جاء إطلاق محطة التلفزيون الصينية المركزية (CCTV) لقناتها العربية في أعقاب أحداث العنف التي شهدتها منطقة شينجيانغ الويغورية ذات الأغلبية المسلمة عام 2009 وهي الأحداث التي كانت لها أصداء واسعة في المجتمعات الإسلامية والعربية، وتناولتها وسائل الإعلام الغربية بطريقة رأت فيها الصين تحيزاً واضحاً وتحاملاً عليها.
تتحدث الورقة بإسهاب عن وسائل الإعلام الصينية الناطقة بالعربية، ويقيم مضمونها وظروف إطلاقها ونوعية خطابها الموجه للمنطقة العربية، ومن أبرز هذه الوسائل مجلة “الصين اليوم”، و”مجلة الصين المصورة” (رنمين هواباو)، ووكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) وإذاعة الصين الدولية.
ويخلص إسماعيل للقول بأن وسائل الإعلام الصينية تواجهه تحديات جمة في مخاطبة الجمهور العربي، أبرزها: ضعف أدائها ومضامينها وافتقارها للعناوين الجذابة، وكأنها مجرد ناطقة رسمية بلسان السياسيين.
نفوذ اقتصادي ولين سياسي: السياسة الخارجية الصينية تجاه العالم العربي
“نفوذ اقتصادي ولين سياسي: السياسة الخارجية الصينية تجاه العالم العربي” لعاصم أبو حطب، الباحث والأكاديمي المصري في قسم الاقتصاد، جامعة قناة السويس، ونقلها للعربية المترجم الفلسطيني: عمر الأيوبي.
يرى أبو حطب أن العلاقات الصينية- العربية قد شهدت تغيّرات جوهرية عدة منذ النصف الثاني من القرن الماضي، ففي العقود الباكرة، كان الالتزام الأيديولوجي بمناهضة الإمبريالية وتأييد التحرّر الوطني يسيطر على العلاقات الثنائية، غير أن عقوداً من النموّ الاقتصادي الذي يزيد على عشرة في المئة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، دفع الصين إلى إعادة توجيه سياستها الخارجية تجاه العالم العربي بمنح الأولوية للتعاون الاقتصادي والتجاري.
وفعليا، نمت التجارة الصينية- العربية نموّاً كبيراً خلال الفترة (1992-2013) فارتفعت من (2.8) مليار دولار سنة 1992 إلى أكثر من (234) مليار دولار سنة 2013. كما أن مصالح الصين الاقتصادية دفعتها للنأي بنفسها عن التدخّل في الصراعات والنزاعات في المنطقة العربية، فيما كان التعاون الاقتصادي آخذاً في التوسّع.
ومن بين توصيات الورقة أنه يتوجب على البلدان العربية أن تركز في تعاونها مع الصين على نقل التكنولوجيا والتوطين التقني، بحيث تتمكّن من تطوير صناعاتها المحلية لتحسين الإنتاجية والمنافسة على الصعيد الدولي.
الإسلاميون في الصين.. حدود التأثير على العلاقة مع العالم العربي
“الإسلاميون في الصين.. حدود التأثير على العلاقة مع العالم العربي” لنادية حلمي، باحثة مصرية في الشؤون الصينية، نقلتها للعربية المترجمة الفلسطينية عادلة عبدالله، وراجعها الباحث المصري المختص في الشؤون الصينية حسين إسماعيل.
تتتبّع الدراسة أصول قومية الويغور المسلمة وإلقاء نظرة على الناشطين والمتطرفين بينهم، أي الأيديولوجيين الذين يدعمون حركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM)، ومناقشة الموقف الرسمي وغير الرسمي للعالم العربي تجاه الإسلام السياسي في الصين.
ووفقاً لدراسات عدة، فإن الصين لديها ما يمكنها أن تصبح المُنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية بحلول 2025، والتمتع بمركز يفوق الاتحاد الأوروبي خلال الخمسين سنة القادمة. لذلك فإن التخوفات الأمنية الصينية تستوجب إقرار الصين بحرية ممارسة الشعائر الدينية وتوفير الوظائف للويغور المسلمين.
أثر الإسلام والمسلمين في الصين
خاتمة الدراسات كانت مع أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة قناة السويس بمصر: كرم حلمي فرحات أحمد، والتي حملت عنوان “أثر الإسلام والمسلمين في الصين”.
تسهب الورقة في تفصيل إفادة المجتمع الصيني من علماء الإسلام في مختلف الحقول، خصوصا: الرياضيات والفلك والهندسة المعمارية والصيدلة. ما يميز هذه الورقة -أسوة بمختلف أوراق الكتاب- هو أنها لا تستند فقط على مصادر إسلامية وعربية، بل تستشهد بأقوال علماء صينيين ومؤلفات صينية.
ففي علم الرياضيات، أفاد الصينيون من علماء المسلمين في اكتشاف المثلث المتساوي الساقين، وشكل القوس والسهم في حساباته ومعلوماته الرياضية، أما في مجال علم الفلك، فقد كانت إفادة الصينيين من المسلمين في تصحيح الأخطاء الشائعة في علم الفلك، وإبداع التقويم الجديد على غرار التقويم الهجري، ونقل عدد من المؤلفات الإسلامية في علم الفلك إلى اللغة الصينية.
أما في علم الطب الإسلامي، فقد كانت إفادة المجتمع الصيني في شقين: تعلم علم الطب على يد العلماء المسلمين، وفي تأليف الكتب التي تهتم بالوصفات الطبية، أو تأليف الكتب الطبية وترجمتها إلى اللغة الصينية، كما نقلوا عن علماء المسلمين تقسيمهم الأمراض إلى تسعة أقسام: الباطنية والأعصاب والأطفال والعيون والأورام والولادة والأسنان والحلق والجراحة، والقيام بعمليات جراحية، وإنشاء المدارس الطبية، وإظهار براعة العرب في طب التجبير والمعالجة بالكي، وغيرها من الأمور الطبية.
لمحة عن الثقافة في الصين
وفي زاوية عرض الكتاب، قدمت الباحثة اللبنانية في مركز المسبار ريتا فرج قراءة في كتاب: “لمحة عن الثقافة في الصين“ لمؤلفه: تشنغ يوي تشن، وهو بروفيسور وعميد معهد التبادلات الدولية التابع لجامعة اللغات الأجنبية في بكين، ونقله للعربية المترجم والأكاديمي المصري: عبدالعزيز حمدي عبدالعزيز.
ترى فرج في قراءتها للكتاب أن من عوامل نهوض الحضارة الصينية عامل الاندماج بين السياسة والأخلاق، والذي تبدى -بشكل واضح- في سياق الفلسفة الكونفوشية، خصوصاً مقولة “الحكم القائم على الأخلاق الفاضلة”.
وعلى الرغم من أن الصين تحتوي على (56) قومية تختلف في عاداتها وتقاليدها، فإن ثمة روابط مشتركة بين هذه القوميات أبرزها: التراكم التاريخي والتعددية، بمعنى أن العادات والتقاليد تتجلى في تعدد القوميات وتعدد المناطق والأنظمة. وكذلك الاندماج المتبادل، أي إن العادات والتقاليد في القوميات كافة تشهد التأثير المتبادل والاندماج المتبادل، وتتمتع بميزة السعي وراء التطور المشترك.
السبل المقدسة لتاريخ الويغور
وفي زاوية قراءة الكتب أجرى الباحث والكاتب السعودي، عضو هيئة التحرير في مركز المسبار: عبدالله حميد الدين عرضاً لكتاب: “السبل المقدسة لتاريخ الويغور” لمؤلفه: ريان ثوم، الأستاذ المساعد في التاريخ في جامعة لويولا- نيو أورليانز.
يرى ثوم أن الهوية الويغورية لم تظهر إلا في بداية القرن العشرين، في حين أن الشعوب التي شملتها تلك الهوية عاشت في المنطقة من قبل. فأول استخدام لهذه الكلمة بمعناها السياسي الحالي كان في 1911، عندما عرّف أحد الإصلاحيين نفسه بأنه طفل الويغور، مدعياً انتساب قومه إلى الحضارة البوذية التركمانية التي أسست ممالك قوية عدة في القرن التاسع الميلادي. يتناول الكتاب المساهمة المجتمعية في صناعة التاريخ الويغوري. وقد تمثل ذلك في طقوس الزيارات التي يقوم بها الويغور لمواقعهم المقدسة، على اعتبار أن هذه الزيارات خلقت مجالاً مرتبطاً بعمق الصناعة وتناقل التاريخ. وقد لعبت المقامات دوراً مركزيا في حفظ الرواية التاريخية الويغورية، الأمر الذي عزز من قداسة الرواية التاريخية، والحضور المتواصل والمستمر للرواية التاريخية.
كما يبحث الكتاب –أيضاً- في التحولات التي حصلت في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث بدأ النفوذ الثقافي الصيني يهيمن على صناعة التاريخ الويغوري.
الكتاب: الإسلام والمسلمون في الصين.
الكاتب: مجموعة من الباحثين (ريتا فرج وآخرون).
الناشر: مركز المسبار، دبي، 2015. في 388 صفحة.