الاجتهاد: انتشرت حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي تنال من السيد رشيد الحسيني بسبب نقله لفتوى عن التلقيح الصناعي يقول فيها: (يجوز تلقيح بويضة المرأة بحيمن رجل اجنبي ويكون ولداً شرعياً).
والأمر المؤسف ليس بانتقاد عامة الناس له بل لأنتقاد بعض المعممين الذين شابت لحاهم في الحوزة العلمية ولا زالت عقلياتهم كعقليات المراهقين والصبيان!!
ولأجل توضيح هذه المسألة اذكر نقاط:
• النقطة الأولى
يتفق الفقهاء على أنّه إذا لقُحت بيضة المرأة بحيمن رجل اجنبي وكان هذا التلقيح عن طريق صناعي خارج الرحم فهم كلهم يقولون أنّ هذا الأمر ليس بزنا والمولود الناتج عنه يكون شرعياً وملحقاً بصاحب الحيمن.
إلا أنّه بعد فرض كون الولد شرعياً اختلف الفقهاء إلى كون أصل عملية التلقيح الصناعية المذكورة جائزة أم لا؟ فهناك فرق بين كون الولد شرعياً وكون العملية التي نتج عنها هل هي شرعية أم لا.
ومثال ذلك: ما اذا ساحقت امرأة بامرأة أخرى وكانت احدهما تحمل شيء من مني زوجها فأولجته في فرج المرأة الأجنبية عنه ففي هذه الحالة يكون الولد شرعياً لصاحب النطفة وامه هي التي أولدته بينما العملية التي حدث فيها الحمل محرمة شرعاً.
وليست مسألة إلحاق الطفل بابيه صاحب النطفة من دون الممارسة الجنسية المباشرة من المسائل المستحدثة بل هي مذكورة في زمن الأئمة (عليهم السلام)
فقد روي عن محمد بن مسلم بسند صحيح قال: (سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) يقولان: بينما الحسن بن علي في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين، قال: وما حاجتكم؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة، قال: وما هي تخبرونا بها؟ قالوا: امرأة جامعها زوجها، فلما قام عنها قامت بحموته [أي شدته] فوقعت على جارية بكر فساحقتها فوقعت النطفة فيها فحملت، فما تقول في هذا؟
فقال الإمام الحسن (عليه السلام): يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة، لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنها محصنة، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد الجارية الحد) [وسائل الشيعة ج ٢٨ ص ١٦٨].
وقد استدل الفقهاء قديماً بهذه الرواية وإلى غيرها بالمضمون نفسه لكون الولد شرعياً؛ لأن ولد الزنا شرعاً لا يلحق بأبيه من ناحية الميراث وغيرها من الأحكام.
• النقطة الثانية
يفتي السيد السيستاني بأنّه إذا كان الرجل سليماً غير عقيم وكانت الزوجة عقيماً ففي هذه الحالة يجوز أن يؤخذ بويضة من مرأة اجنبية وتلقح بمني زوج المرأة العقيم ثم ترد هذه البويضة إلى رحم المرأة العقيم فيكون ولداً للزوج شرعياً فهنا لُقحت بويضة الاجنبية بماء الأجنبي وهو زوج العقيمة ثم بعد التلقيح ردت البويضة الملقحة لرحم زوجة صاحب المني ولا اشكال في هذا الفرض.
إلاّ أنّ السيد السيستاني حفظه الله متوقف في مسألة الأم.. هل هي صاحبة البويضة أم التي حملت وأولدت؟
توضيح ذلك: إن الفقهاء في المسألة المذكورة اختلفوا في تحديد الأم فالسيد الخوئي مثلاً والسيد الشهيد يقول الأم هي التي اولدته ويستدلون بقوله تعالى: {إِنۡ أُمَّهَـٰاتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰۤـِٔی وَلَدۡنَهُمۡ} [سورة المجادلة 2] وبعض المراجع يقول لا بل الأم صاحبة البويضة والآية الكريمة هذه غير ناظرة لمسألة الأمومة بل الأمومة أمر عرفي والعرف يرى أن الأم صاحبة البويضة دون غيرها..
أما اذا كان الرجل عقيماً فالأمر كما وضحه السيد رشيد الحسيني في المقطع المعروف وهو تطبيق لنص مسألة منهاج الصالحين للسيد السيستاني ج ١ ص ٤٢٧ مسألة ٦٧ : (لو أُخذت بويضة المرأة وحويمن الرجل فلُقِّحت به ووضعت في #رحم_صناعية أو نحوها وفرض انه تيسّر تنميتُها فيها حتى تكوّن إنسان بذلك فالظاهر أنّه ينتسب إلى صاحب الحويمن وصاحبة البويضة، ويثبت بينه وبينهما جميع أحكام النسب حتى الإرث، نعم لا يرث ممّن مات منهما قبل التلقيح)… أما غيره من المراجع كالسيد الشهيد والشيخ الفياض لا يجيزون ذلك.
• النقطة الثالثة
بدل أن يثقف بعض رجال الدين الناس إلى تقبل رأي الآخر لا سيما في الأمور الفقهية الخلافية وكون مسألة ما اذا كانت حراماً عند فقيه وحلالاً عند آخر فهذا أمر ليس بمعيب بل الاجتهاد الشيعي كله قائم على ذلك وأنّه ليس بفساد ومن امثلة ذلك:
١ـ أن السيد محمد الصدر يفتي بجواز العقد المؤقت على الباكر من دون إذن وليها من دون إدخال… بينما الفقهاء الآخرون يقولون بالحرمة… وليس من حق من يقلد غيره اتهام السيد الشهيد الصدر ومن يقلده بنشر الفساد بسبب هذه الفتوى لأنه من بديهيات فقه الإمامية أن كل مكلف يعمل برأي مرجعه وكفى الله المؤمنين شر الجدال.
٢ـ أن السيد محمد الصدر قدس سره مثلاً يفتي بأن التدخين غير مفطر في الصيام بينما الآخرون يفتون بكونه مفطراً وهذا لا يعني أننا ننتقد السيد الصدر لأنه افتى بذلك ونؤيد المراجع الآخرين الذين قالوا غيره بل كل شخص يعمل برأي مرجعه.
٣ـ أن السيد السيستاني حفظه الله أفتى بأنّ الارتماس في الماء في شهر رمضان غير مفطر بينما الفقهاء الآخرون يقولون بكونه مفطراً وليس من حق من لا يقلد السيد السيستاني ان يعترض عليه.. فإن لكل مكلف مرجع مكلف بتنفيذ مسائله من دون داعي لنقاش الآخرين واتهامهم وطعنهم.
• النقطة الرابعة
إن لمسألة التلقيح الصناعي المذكورة جانب اجتماعي مهم.. وهو أن المرأة التي كان زوجها عقيماً بعضهم يفكرون بتبني ولداً من الأولاد ولكن في التبني عادة ما تكون مشاكل فقهية من جهة الرجل والمرأة تكون حسب تبني الولد او البنت.
فإن تبنت هذه الأسرة ولداً فهذا الولد إذا كبر سيكون ملامسة الأم التي ربته حراماً والنظر إليها من دون حجاب كذلك حراماً بينما لو كانت هذه الأم تبنته بالطريقة الصناعية المذكورة لكان ولدها شرعياً وارتفعت كل تلك المحاذير.
وإن تبنت بنتاً فالحرمة تكمن في زوجها لأن البنت إن كبرت حرم على زوج الزوجة لمسها والنظر إليها من غير حجاب وغيرها من المحرمات بينما لو كانت هذه البنت ولدت بالطريقة الصناعية المذكورة لكان بنت الزوجة ويجوز للأب أن يرى بنت زوجته من دون حجاب لأنها ستكون من محارمه وربائبه التي يجوز لمسها ورؤيتها من دون حجاب.
التلقيح الصناعي