تبويب علم الأصول

تبويب علم الأصول وتقسيمه .. آية الله السيد أحمد المددي

الاجتهادما هي مؤشِّرات سماحتكم في تقسيم البحوث الأصولية؟ وما هو مقدار اعترافكم بالتقسيمات الموجودة؟ لقد طرح مجموعة من الأصوليين هذا الموضوع، ولستُ الوحيد في هذا الميدان.

يوجد في كتب أهل السنة بحثان أساسيان:

أحدهما: مصادر التشريع، مثل: الكتاب والسنة و…؛ والحجة الأخرى تأتي بمعنى الأمارات والطرق(1) والأصول العملية، والأصول عبارة عن لفظ قابل للسعة والضيق. لذا فإن هذه الحجة تتّخذ أحياناً بمعنى مصادر للتشريع، مثل الكتاب.

ومن الطبيعي أن أهل السنة يعتبرون الإجماع مصدراً للتشريع، وذلك يعني أن علماء أحد الأزمنة لو اجتمعوا واتّفقوا على أنه بسبب وجود بعض المشاكل التي تكتنف الحجّ تلغى الأضحية، فهذا يعتبر حجّة، أي إنه مصدر تشريع، مثل الكتاب، وهذا يعني أن فقهاء ذلك الوقت لهم الحقّ في أن يجتمعوا، وإذا قرَّروا شيئاً يعتبر قرارهم إجماعاً، وهو بنفسه حجّة، وبإمكانه أن يتقدّم على الكتاب والسنّة.

طبعاً هناك مَنْ بحث في هذا الموضوع، وجعل الأمر في التخصيص أو التقييد أو في عدم وجود نصّ أو….

البحث الآخر الذي يدور حول الحجّية هو بحث الأمارات، مثل: الظواهر والدلالات، وكذلك بحث حجية خبر الواحد في الطرق، والذي يعني هل أننا نلتقي مع سنّة رسول الله أم لا؟

فبحثا المصادر هذان والطرق الأخرى والأمارات يوجد بها اختلاف من الناحية التاريخية، حيث إن بحث مصادر التشريع قد تمّ تناوله في القرن الأول من الإسلام، منذ زمان الخلفاء، وعلى الخصوص في أيام عمر، وأصل مشكلته التي وجد على أثرها هي التوسّع الإسلامي، واستحداث أمور جديدة غير موجودة في الكتاب والسنّة.

فما كان من عمر ومجموعة من المسلمين معه إلاّ أن عرضوا نقطتين في هذا الموضوع؛ كي يجدوا له حلاًّ: إحداها أن يتّخذ عمر مجلساً استشارياً يتكون من ثلاثين شخصاً: خمسة عشر من المهاجرين، أمثال: أمير المؤمنين”علیه السلام” وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص و…؛ ومثلهم من الأنصار، يعرضون عليهم المسائل المهمة، وهؤلاء يعلنون النتيجة النهائية على المنبر.

وهذا الأمر شبيهٌ بمجمع تشخيص مصلحة النظام. وهذا أصبح متعلّقاً بالإجماع، وقد اعتبره أهل السنة أحد مصادر التشريع، وبدأت فكرته من هنا.

وأحياناً يبدي الخليفة رأيه في القضايا والمناسبات المختلفة، «وأقول فيها برأيي»، ويقال: إنّه أطلق عليه اسم الرأي. وأهل السنة أنفسهم لديهم هذا أيضاً. وفي أوائل القرن الثاني أصبح اسمه (قياس).

لذا فإن القياس والرأي شيءٌ واحد. هذان العنصران أضيفا بواسطة عمر في مصادر التشريع، وكلاهما يستندان إلى قاعدة واحدة، رغم أن حكمهما لم يرِدْ في الكتاب والسنّة.

وهذا الأمر يعتبر بالنسبة إليهم بسيطاً جدّاً؛ لأنهم يقولون: إذا كان موجوداً ونحن الصحابة فمَنْ منا قد سمعه من النبيّ(ص)؟ لذلك هم يقولون لم يسمعه أحدٌ، والمسألة تنتهي إلى هذا الحدّ، والأمر ليس مثل زماننا، بحيث نرجع إلى الكتب، ونقول: من الجائز أن هناك روايةً لم تصل إلى أيدينا، وأشياء من هذا القبيل(2).

والشافعي ينقل في كتابه المعروف الرسالة، والذي يعتبر أول كتاب أصول، ويوجد لدينا نسخة منه، أنّ أعرابياً أو غير أعرابي جاء إلى عمر يسأله عن مسألةٍ فقال عمر: هل منكم مَنْ كان حاضراً عند رسول الله| ليقول أنه سمع مَنْ يسأل رسول الله| مثل هذا السؤال، وكان جوابه بهذا الشكل.

ويستطرد عمر: هل سمعته أنت؟ فيجيب الرجل: نعم، فيقول: حسن ليكن الجواب ما سمعه الرجل من رسول الله”صلى الله عليه وآله”، ودَعُوا قولي الذي قلتُه.

فأهل السنّة لا يعتقدون اعتقادنا بأمير المؤمنين”علیه السلام”؛ إذ كيف يعقل أن عمر الذي كان مع النبيّ”صلى الله عليه وآله”في مكّه ووالد زوجته لم يسمع بموضوعٍ مثل هذا مع أن شخصاً عاديّاً قد سمع به، وهم لا يعدّون هذا عيباً، بالرغم من أنه قد حسم الأمر بسرعة، وبعد ذلك إذا قيل: إن رسول الله”صلى الله عليه وآله” قد قال هكذا يرجع عمّا قاله، أو التبرير الذي أبداه، أو… هم أيضاً لا يرَوْن أن هذا عيباً. وعلى أيّ حال فإن هذا الأمر يعدّ دهاءً، ويحتاج إلى توخّي الحذر.

قسم آخر من الأصول هو بحوث الأمارات. فالطرق والأصول العملية التي وجدناها بناءً على البحوث التي قمنا بها أن هذه المسائل قد تمّ تناولها أكثر في القرن الثاني؛ لأنه في أواخر القرن الأول ـ سنة 80هـ، وفي زمان الإمام السجاد”علیه السلام” ـ، تمّ تناول الفقه في العالم الإسلامي.

لم يكونوا ينقلون الحديث، ولكنْ برز الفقه والفقهاء، واشتهر فقهاء أهل السنة من ذلك الزمان إلى حدود 200 ـ 230 (أوائل القرن الثالث)،

وعلى سبيل المثال: زمان الإمام الجواد”علیه السلام”. ففي سنة 90هـ بدأ الفقه، وفي حدود سنة 180 ـ 190هـ بدأ العمل بالأصول. فهذه الأصول شاؤوا أم أبوا انتشرَتْ بين فقهاء أهل السنة.

والشيعة بطبيعة الحال كانوا على علمٍ بما توصل إليه أهل السنة، وكان لديهم قبل ذلك مقدارٌ كبير من المسائل الأصولية على هيئة روايات متفرقة، قد استوفوها من الأئمة”علیه السلام”.

ومن غير الواضح إن كان يوجد لدينا كتاب أصولي مدوّن. وعلى الرغم ممّا نقله السيد حسن الصدر فإنّه من غير المعلوم أنّه يوجد كتاب مدون وموجود يمكن أن يرتكز عليه بحثٌ علمي.

طبعاً كان مصدر جميع العلوم الإسلامية هم أهل البيت (عليهم السلام)، ولا مجال للبحث في هذا الأمر. أما كتاب مدوَّن موجود بين أيدينا فليس إلاّ رسالة الشافعي، والموجودة بين أيدينا.

لذا فإن المصادر والموارد كانت في عهد الصحابة، وتشكَّلت الطرق والأمارات في عهد الفقهاء. وعليه فإن الفقه كان مدوَّناً، وهم جاؤوا وأخذوا الأمارات منه، وقاموا بفصل هذه البحوث.

واليوم بما أن بحوثنا تراقب عادة ما يقدِّمه أهل السنة، حسب ما أعتقد؛ طبق البحوث المتعلقة بمصادر التشريع، فمن العسير أن نصل إلى اتّفاقٍ مع أهل السنة.

فنزاعنا ليس له حلٌّ؛ لأنهم يقولون: إنكم تقولون: إن علي بن أبي طالب كان يدّعي أن جميع الأحكام قد جاءت في القرآن والسنة.

ومن ناحية أخرى يعتقد عمر أنه لم يأتِ، وبما أنه لم يأتِ يجب علينا أن نجد حكمه في القياس والإجماع، ونحن نعتبر الاثنان صحابيّين، وأيضا نجلّ عمر ونحترمه، وكذلك أمير المؤمنين.

من الطبيعي أن عمر هو الرجل المعظَّم عندهم، ويقدِّمونه على غيره. وإذا كان هناك مَنْ يقول بالعكس فإنهم بالمحصِّلة الأخيرة يقولون: كلاهما من الصحابة. لذا ففي المذهب الشيعي على خلاف ما يعتقده أهل السنّة، وهو أن القياس والإجماع ليس حجةً بنفسه.

أما ما وقع من مسائل في القرن الثاني فيمكن التوافق عليه؛ لأنهما ليسا من أطر المذهب، وهم أيضاً يختلفون في هذا، ولهم آراء متعددة؛ لأنه بين السنّة مَنْ يقول: إنّ للأمر دلالة على الوجوب، وآخرون لا يقولون ذلك.

هناك نقطة أخرى مهمة جدّاً، وهي في هذه المواضيع التي هي اختلاف الفقهاء، فإنهم انتزعوا أصولهم من فقههم؛ لأنهم بقوا يكتبون الفقه ما بين خمسين إلى ثمانين سنة، وبعد ذلك جاؤوا وفصلوا كلّ ما هو مؤثر في الاجتهاد بالكامل، حيث قالوا:

إن القول في هذه المسألة مبنيّ مثلاً على نقطتين، ومن تلكما النقطتين يأتي الموضوع الذي يرد في هذه المسألة، ولا يأتي في الأخرى، والنقطة الأخرى ليست موضوعاً في المسألة، وجاؤوا إلى النقاط التي ليست داخلة في المسألة فاحتفظوا بها وجعلوها أصولاً.

ولذا ففي بحث المعاملات قد بيَّنتُ للسادة مؤخَّراً، وفي هذه الدورة قد نبهت على ذلك، وفي الدورة السابقة لم أقُلْه، أن هذا هو الإنصاف، حيث إن المجموعات التي لدينا في الشريعة ليست موحَّدة.

مثلاً: عندنا في الفقه «لا تبِعْ ما ليس عندك»، وعندنا أيضاً مثل ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، ومثل ﴿وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾، ولم يقُلْ هنا «لا تنكحوا». طبعاً يوجد عندنا ﴿وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾، ولكن السابقين لم يُحملوا على «العزيمة»، بل على «النية»، أي أنه لا تنووا النكاح البتة.

ولهذا فإنني قد بينت في بحث المعاملات بأحد المعاني، لأوّل مرّة، أن ما يطرح في نهي المعاملات فقهيٌّ، وليس أصوليّاً؛ حيث إنّي رأيته لا يعطي الحالة المرجوّة، وذلك يعني أن بعض العلماء قد أشاروا، ومن ثم لاحظت أنا ذلك. لذا ﴿وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ أمر فقهيّ، وليس أصوليّاً؛ لأنه لم يأتِ في كلّ أمرٍ جاء في النكاح فقط.

لذا في أي موضع يوجد هناك نقطة استنباط وضعنا له اسم النقطة الفقهية، وفي أي مكان تكون هذه النقطة سارية في عدّة أماكن أسميناها نقطة أصولية. وهذا التقسيم عملنا به للمرة الأولى.

الملاحظة المهمة الأخرى هي أن في ذلك الزمان الذي قد كتب فيه الفقه كان المقدار منه في زمن بني أمية، ولكن بعد سنة 132هـ، وعندما جاء بنو العباس فصل فقهاء أهل السنة ـ الذين كانوا في العهدين ـ البحوث الفقهية عن البحوث الحكومية، وعرفوا مكانة الفقيه على أنها استنباطية، ولا يحقّ لأيّ فقيه أن يتدخل في الأمور الحكومية؛ لتنصيب حاكم أو إعطاء نفسه صلاحيات الحاكم وغيرها من المسائل.

ولهذا فقد أصبح الفقه استنباطياً وأصولياً، أي أصول الفقه الاستنباطي. ومن الطرف الآخر فقد كان فقه أهل البيت”علیهم السلام” نوعاً من الفقه الولائي. أساساً طبيعته ممزوجة بين الاستنباط والولاية.

ومن الطبيعي فإن الشيعة قد كتبوا الأصول في القرون الأخرى، ومن حيث لا يشعرون فقد كتبوا أصول الفقه الاستنباطي، وحسب ما أعتقد فإنه يجب أن تأتي في الأصول مثل تلك المسائل،

يعني إذا ما ارتأينا أن نضع في المسائل الولائية التي لها بعض الصبغة العمومية يجب أن نبيِّن أصول وقواعد الولاية، والقواعد الفكرية للولاية وإدارة المجتمع. هذا كله يجب أن يندرج ضمن الأصول، ولا نمتلك نحن هذا الآن، والعلماء لم يقوموا بالتنبيه عليه.

ماذا تقصدون بدقّة من اصطلاحَيْ «الفقه الاستنباطي» و«الفقه الولائي»؟

إن فقهنا الاستنباطي هو جميع المواضيع والأحكام التي نستخرجها مباشرة من الكتاب والسنّة. والفقه الولائي هو الأحكام المطابقة بمقتضى الزمان وخصوصيات الساعة ووفق حسابات المصالح المؤقَّتة أو غير المؤقتة.

والبحث في الفقه الولائي يكون إذا ما ابتلي أحد الأحكام الإسلامية جرّاء بعض الخصوصيات الزمانية بمشكلٍ ما فهل بإمكان الحاكم المتولّي للحكم في ذلك الزمان أو الوليّ الفقيه أن يسقط ذلك الحكم؟

وعلى سبيل المثال: الحكم الذي أصدره عمر، الذي نهى به عن المتعة. فقد كان المطهري يعتقد أن السنّة إذا تعاملوا معها فإنهم سوف يكوِّنون حكماً ولائياً، ولن يحدث عندها أيّ إشكال. وقد تناولنا هذا البحث الذي قد تناولته بإسهابٍ في بحوث ولاية الفقيه.

العلماء الآخرون لا يملكون ذلك. أو افترض أن في روايتنا المشهورة دية أهل الكتاب 1/12 الدية الكاملة، والدية الكاملة عشرة آلاف درهم، ودية أهل الكتاب ثمان مائة درهم، وإذا ما أردنا الآن إجراء هذا الحكم فإن الدول الغربية تتعامل معنا بنفس الطريقة.

لذا فإن هذا الحكم سوف يواجه تحدّياً. والآن هل بإمكان الحاكم أن يزيل هذا الحكم؟ هذا هو المراد من الفقه الولائي.

هل يعني ذلك أن دائرة كلا الفقهين مختلفة؟

نعم، هما مختلفان. وهناك قولان في هذا الأمر؛ أحياناً يكون الفقه الولائي لتلك المنطقة التي لا يحكمها الإسلام أصلاً، ويعدّ حكماً ولائياً وحكومياً؛ وأحياناً حتّى في هذا القسم يوجد لديهم حكم، ولكنّه يواجه تحدّياً، وهؤلاء لم يبحثوا في أصولنا.

ليس من الضروري أن يكون هذا البحث في بحوث الفقه الولائي. فعلى سبيل المثال: لم يكن للدم في وقتٍ من الأوقات فائدة تذكر، ولكنْ الآن أصبحت له فائدة، ويباع ويشترى؛ وذلك لأن موضوعه قد تغيَّر.

هذا البحث لا يصنَّف في الفقه الولائي، بل في الفقه الاستنباطي.

مسألة الزمان والمكان في الاستنباط

وبعبارةٍ أخرى: أيرد بحث الزمان والمكان في الفقه الاستنباطي؟

نعم من الجائز أن يكون له تأثيرٌ في الفقه الاستنباطي؛ أي إنه من الممكن بتأثير الزمان وحَسْب قول البعض: إن عنوان الموضوع قد تغيَّر، وإنْ لم يتغيَّر فإن لهذا الحكم بعض الملامح قد تغيَّرت الآن.

هذا هو الحكم الفقهي الذي يستنبط. افترض أن الشطرنج تغيَّر موضوعه، ولكن أيضاً هذا عمل الفقهاء، وليس فقهاً ولائياً. هدفنا ليس أن يكون حتماً في الزمن القديم.

وفي الأساس إن معنى الفقه هو أن يوجد هناك عنوانان لموضوعٍ واحد لا يتّفقان مع بعضهما، وذلك مثل تأكيد الروايات على استعمال المسواك، ومن ناحية أخرى ـ وفقاً لبعض الروايات ـ أن الله سبحانه يحبّ خلوف فم الصائم.

وبالتالي فإن مجموعة من علماء أهل السنّة يعتبرون استعمال المسواك مستحبّ، ما عدا الصائم. هذا الحكم لا ينحصر بزمانٍ ومكان. وبناءً على هذا الدليل قالوا: إن هذه الروايات التي تقول باستحباب استعمال المسواك لا تشمل الصائم. أو في مسألة اجتماع الأمر والنهي، التي يرى الشارع من ناحية وجوب الصلاة، ومن ناحية أخرى نهى عن الغصب.

هناك ينشأ الفقه؛ عندما تجتمع الصلاة والغصب. لذا ليس بالضرورة أن الفقه الاستنباطي لا يتأثّر بمسألة الزمان والمكان، فهو نفسه الفقه الذي يستخرج من مجموع الكتاب والسنّة.

فاجتماع الأمر والنهي لا يدخل في عمل الحكومة، إنما هو عمل الفقهاء، ولا يعدّ من الفقه الولائي. فالفقه الولائي بزوغ حكم اقتضائيّ في المجتمع. لذا «متعتان محلَّلتان في عهد رسول الله أنا أحرِّمهما» فقهٌ ولائي.

ويظهر الفقه الولائي في كثيرٍ من النظريات التي تعرض في زماننا الحاضر، أي في منطقة الفراغ. ولكنْ حسب ما أراه فإن الفقه الولائي لا يختصّ في منطقة الفراغ، بل هو أوسع من هذا.

ونفس منطقة الفراغ بذلك المعنى الذي ليس للشارع حكمٌ في هذا الجزء. هذا أصلاً مبنيٌّ على أن ليس للشارع في موضعٍ ما حكم أساساً.

فيجب على الفقهاء أن يقوموا بشرح بعض هذه البحوث. لقد تناولوه في بحث البراءة، ولكنّه غير متماسك، أي إنهم لم يتمكَّنوا من تحقيقه في مكانٍ من الأمكنة.

موقف من نظرية منطقة الفراغ

حسب رأيكم ما هي دائرة منطقة الفراغ؟

أحياناً تكون منطقة الفراغ بحيث لا يكون لها لسان أدلّة حكمية أو حكم إلزامي، إنما لها حكم ترخيصي، وإنْ كان استحبابياً. هذه أيضاً نعتبرها منطقة الفراغ، ونفسرها بهذا المعنى. والآن لماذا نتبنى هذا الرأي، ونختلف مع ذاك الرأي؟ هذا له بحثٌ مستقلّ، ليس وقته الآن.

علاوةً على ذلك لا يوجد نقطتان في الفقه الولائي تختصّ بمنطقة الفراغ. فللفقه الولائي دائرة واسعة، وعلى الخصوص في مسألة ولاية الفقيه. أحدهم قال: إن ولاية الفقيه مثل ولاية فرعون؛ لأنه قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى﴾، وهذا الإنسان لم يفهم الولاية المطلقة على الإطلاق.

فالولاية المطلقة التي قد أطلقها السيد الإمام هي أن ولاية رسول الله| ثابتة للفقيه بدون قيدٍ؛ لأنه في السابق كانت هناك قيود على ولاية الفقيه، حتّى الإمام نفسه في تحرير الوسيلة في الجهاد الابتدائي وضع قيداً عليها، ثم تراجع عن ذلك الحكم.

لذا في الفقه الولائي تكون المسألة بهذا الشكل، أن رسول الله| له ولاية حتّى على الصلاة والصوم، وبإمكانه القول: لا تحجّوا. هذا هو الفقه الولائي، وهذه حدود الولاية التي لديه.

ويتمسّك أيضاً بقصّة مسجد ضرار، وذلك عندما أمر رسول الله بهدمه، وهذه هي الولاية التي كانت لرسول الله|. كذلك تثبت في الأمور الاجتماعية نفسها، ولا يوجد أيّ قيد عليها.

إنما هناك فارق بين الفقيه والنبيّ والوصي، وذلك في الصفات الشخصية التي ترجع إلى العصمة مثلاً. ففتواه لم تتغيَّر، وأنا سمعتها منه في النجف، وبعد ذلك. لذا لم يأمر بالحجّ لمدّة ثلاث سنين، ويقول: إن الصلاة مقدّمة، ولها الأولوية.

وقد كان رأيه في كتاب البيع بخطّ يده، وليس تقريراً، هو: «الإسلام هي الحكومة بشتّى أشكالها، والأحكام عرض لها». وهذا يعتبر كلاماً ومدّعى كبيراً جدّاً. يظن البعض أن خطبته هذه من الخطب التي أوردها في أواخر أيامه، والسيد الخامنئي ذكرها في صلاة الجمعة في طهران، ويتوهّم أن رأيه تبدّل بعد ذلك، بينما قد كتب كتاب البيع قبل أن يقدم إلى إيران، وفي الوقت الذي كان فيه في النجف.

فهو يقول: إن الأصل الحكومة، وحتّى الصلاة تعتبر فرعاً. طبعاً تناولت هذه النقطة في بحث لي، وردَدْتُها ولم أقبل بها. فالكلام هذا يعدّ من المشاكل الجسام، حتّى بالنسبة لك؛ فإنّ سماعه ثقيل على مسمعَيْك.

لذا نحن أوضحنا في بحث مسجد ضرار أن هذا الفكر لم يكن كما قد تصوَّر. فالآية المباركة تقول: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً﴾ بنوا هناك مسجداً، عبارة عن غرفة أطلقوا عليها اسم مسجد، وشرعوا بالتجسُّس على المسلمين، واتصلوا بالروم.

لذلك أمر سول الله(ص) بخرابه، فلم يكُ مسجداً، وقد أوضحنا ذلك في بحث ولاية الفقيه في درس الأصول، وإلاّ فمن المسلَّم أنه مسجد مثل المسجد الحرام ولا يجوز تخريبه. وفي الأساس يجب أن يسهب الحديث في مسألة الحكم الولائي، وهو بحث طويل ولطيف، ولا يمكن اختصاره.

برأيك كيف يمكن جعل أصول الفقه ولائياً أو حكومياً؟

طريقته هي إدخاله في الأصول، وفي المكان المناسب الذي أدخلناه فيه، ويخضع لبحث الاجتهاد والتقليد.

 

————–

(1) من الجائز أنها (الطرق)، بدلاً من (الطرف).
(2) الرسالة: 426، ح1172.

 

المصدر: جزء من مقابلة مع سماحة الأستاذ المددي بعنوان” مناهج الاجتهاد  وطرائق المحدّثين”

موقع دروس و آثار سماحة آية الله السيد أحمد المددي الموسوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky