لباس

التأمل في ما يُستفاد من كلمة “لباس”

إنَّ تشبيه الرجل والمرأة باللباس للآخر قد يكون بلحاظ هذا الدور المهم للباس وهو الحماية، بأن يكون كلٌّ من الزوج والزوجة المحاميَ والمدافعَ عن الآخر، لا سيَّما أن القرآن الكريم اعتبر أنَّ الزوجة من نفس الزوج.

موقع الاجتهاد: قال تعالى: ﴿هنَّ لباس لكم، وأنتم لباس لهنَّ﴾1 من اللافت أن يعبِّر الله تعالى عن المرأة بأنها لباس للرجل، وعن الرجل أنه لباس للمرأة، فإنّ هذا يدعو إلى التدبُّر والتأمل في ما يُستفاد من كلمة “لباس” من معانٍ تفتح آفاقاً في مسيرة الحياة الزوجية، نذكر منها ما يلي:

الملاءمة

من الأمور المهمة لمن أراد اختيار لباس له هو مقاسه وحجمه الملائم لجسده، وعليه فإنَّا نستفيد من تشبيه المرأة بأنها لباس للرجل وبالعكس، أنَّ على كلٍّ منهما أن يلتفت حين الاختيار إلى مدى الملاءمة مع الآخر، وعلى رأس ذلك تأتي الملاءمة العقائدية في النظرة إلى الكون والحياة. من هنا كانت الصفة الأولى التي أكَّدت عليها النصوص الدينية هي الدين، فعن الرسول الأكرم “إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب(إليكم) فزوّجُوه”2.

ولعلَّ من أسباب منع الإسلام زواج غير المسلم من المسلمة هو عدم تحقق هذه الملاءمة المهمَّة والتي لها انعكاسات كثيرة في حياة الزوجين. وهكذا على كلٍّ من الرجل والمرأة حينما يريد اختيار الآخر في مشروع الزواج أن يلتفت إلى مدى انسجامه وملاءمته معه في الأمور المؤثرة في سعادة الحياة الزوجية لا سيَّما العقائدية منها.

وقد مرَّ الحديث عن الصفات المطلوبة في الزوج والزوجة في كتاب “دليل العروسين” بما ينفع في تطبيق عنوان الملاءمة، والتي يمكن تلخيصها في الجدولين الآتيين اللذَيْن حذف منهما ما سيأتي في المعاني المستلهمة للِّباس في ما بعد:

صفات الزوجة الصالحة في الأحاديث الشريفة

صفات الزوجة الصالحة في الأحاديث الشريفة

الرقم الصفة الحديث
1 عاقلة

 عن الإمام علي عليه السلام: “إياكم وتزويج الحمقاء، فإنَّ صحبتها بلاء، وولدها ضياع”3

2

متدينة

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لمستنصح في الزواج: “عليك بذات الدين”4

3 خلوقة

عن الإمام علي عليه السلام: “خير نسائكم…الهيِّنة، اللينة، المؤاتية، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمَّال الله وعامل الله لا يخيب”5

4 عفيفة

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “خير نساءكم العفيفة”6

5 مدبرة

عن الإمام علي عليه السلام: “خير نساءكم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ، التي إن أنفقت أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عُمَّال الله، وعامل الله لا يخيب”7

6 مُعينة

عن الإمام الصادق عليه السلام لمستنصح في الزواج “… وهنَّ ثلاث: فامرأة ولود، ودود، تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ولا تعين الدهر عليه…”8

  صفات الزوج الصالحة في الأحاديث الشريفة

الرقم الصفة الحديث
1 متديّن

عن الإمام الحسن عليه السلام لمستنصح في الزواج: “زوِّجها من رجل تقيّ، فإن أحبَّها أكرمه، وإن أبغضها لم يظلمها”9

2 خلوق

عن الإمام الرضا عليه السلام: “إن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوِّجه”10

3 أمين

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته يخطب (إليكم) فزوجوه”11

4 كُفء

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في جواب من سأله: من نزوِّج؟ أجاب صلى الله عليه وآله وسلم: “الأكفاء”، فقال: يا رسول الله، ومن الأكفاء؟ فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: “المؤمنون بعضهم أكفاء بعض”12.

 

الرغبة

قد يجد الإنسان لباساً يلائمه في مقاسه وحجمه، إلا أنّ قلبه لا يميل إليه، بل قد يحصل العكس فينفر منه، فإنَّ ذلك قد يكون مُسوِّغاً لرفضه حينما يُعرض عنه، وهكذا حال من يريد اختيار زوجة له، فإنَّ الرغبة من الدواعي التي أقرَّها الإمام الصادق عليه السلام لذلك السائل الذي قال له: إني أريد أن أتزوج امرأة، وإن أبوَيَّ أرادا غيرها. فأجابه عليه السلام: “تزوج التي هويت، ودع التي يهوى أبواك”13. نعم لا يعني هذا أنَّ الهوى شرط أساس في قبول الزوج أو الزوجة، إذ سيأتي في بحث الكلمة المفتاحية الثانية “المودَّة” أنَّ جملةً من المواصفات والخُلقيات تشكِّل أرضيَّة خصبة لانبثاق الحبِّ في ما بعد بين الزوجين.

الجودة

إضافة إلى الملاءمة والرغبة، فإنَّ من يريد اختيار لباس له يلتفت إلى جودته ونوعيته، والتي كثيراً ما تُعرف من خلال منشأ المادة التي يُنسج منها الثوب، وهكذا الحال بالنسبة إلى من يريد زوجة المستقبل، فإنَّ من العوامل الأساسية التي تحدِّد حسنها، منبتَها ونشأتَه، فكم من فتيات يَلفِتُ إليهنّ جمالُهنّ، وأناقتهنّ، وحديثهنّ إلخ…، ولكن الصدمة بهنَّ تحصل بعد الزواج حينما يتعرَّف الزوج على خصال طالما جهدْن على عدم إظهارها في بداية مشوار الحياة الزوجية، وما ذلك إلا نتيجة المشكلة في تربية هؤلاء في البيت والمنبت الذي نشأنَ فيه. ومن هنا ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قام ذات يوماً خطيب، فقال: “أيها الناس إياكم وخضراء الدّمن”، قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟، أجاب صلى الله عليه وآله وسلم: “الفتاة الحسناء في منبت السوء”14. وخضراء الدمن في اللغة تعني الوردة التي تنبت في مكان قذر كمكبّ النفايات.

الجمال

إنَّ من دواعي اختيار اللباس، جمالَه، فَيُلبَس لأجل التجمُّل الممدوح في قول أمير المؤمنين عليه السلام: “الحمد لله الذي كساني من اللباس ما أتجمَّل به في الناس…”15. وهكذا بالنسبة إلى الزوجة، فإنّ ملاحظة جمالها من الأمور التي دعا إليها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: “إذا أراد أحدكم أن يتزوج، فليسأل عن شعره، كما سأل عن وجهه، فإن الشَّعْر أحد الجمالين”16.

الستر

إضافة إلى ما مرَّ فإنّ من مواصفات اللباس أن يكون ساتراً للعيوب والعورات، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ…﴾17، وعليه فلعلّ من الرسائل التي يريد الله تعالى إيصالها من خلال كلمة “لباس” أن تُبنى الحياة الزوجية على مبدأ الستر، وهذا يعني أن يُحاط اختلاف وجهات النظر بالكتمان بين الزوجين، ومحاولة علاج ذلك بينهما بدون تدخل الآخرين. نعم حينما يقتضي الأمر تدخل، فالنصيحة أن لا يراجعا أهليهم، بل يُراجعا من خارج العائلتين من كان معروفاً بالحكمة والتجربة ليساعد في حل المشكلة.

وفي حال الاضطرار إلى الأهل فالنصيحة أن لا يراجع الزوج والديه، بل يرجع في ذلك إلى أمّ زوجته، وأن لا تراجع الزوجة والديه، بل ترجع في ذلك إلى أبيه. فهذا أفضل لمعالجة المشكلة، وأبعد عن تدخلات قد تغلبها عاطفة أمِّه وعزَّة أبيه، فتكون على حساب سعادة الزوجين.

الحماية

إنَّ من دواعي اختيار اللباس حماية لابسه من ضررٍ قد يصيبه، ففي فصل الشتاء يختار الإنسان لباساً يحميه من البرد، وفي المعركة يختار الإنسان لباساً يحميه من العدو، وفي معمل الكيمياويات يختار الإنسان لباساً يحميه من المواد السَّامة، من هنا قال تعالى عن نبيِّه داود عليه السلام الذي كان يصنع ألبسة الحرب الواقية: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ﴾18.

وعليه فإنَّ تشبيه الرجل والمرأة باللباس للآخر قد يكون بلحاظ هذا الدور المهم للباس وهو الحماية، بأن يكون كلٌّ من الزوج والزوجة المحاميَ والمدافعَ عن الآخر، لا سيَّما أن القرآن الكريم اعتبر أنَّ الزوجة من نفس الزوج، فينطبق عليهما قول الشاعر:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حَلَلْنا بَدَنا

والإنسان مفطور على الدفاع عن نفسه، ألا ترى أن أحدنا لو وقع عن الدرج -مثلاً- فإن المخَّ يُعطي أمراً مباشراً سريعاً بوضعية خاصة للجسد بحيث تُحفظ فيها المواضع الحساسة منه؟ وأيضاً لو هاجم أحدهم إنساناً بالكلام، فإنه كثيراً ما يجد المُهاجم نفسه في مورد إعداد ردٍّ سريع على الهجوم عليه.

وهكذا ينبغي أن يكون حال الزوجين أحدهما بالنسبة إلى الآخر، أي أن يكون المدافع والمحامي عنها، كما يُدافع ويُحامي عن نفسه، وهي تكون كذلك. وأعطي على ذلك بعض التطبيقات:

أ- لو أخبر أحدهم الزوجة بأنه رأى زوجها مع امرأة في حالة مريبة، فإنّ عليها أن تكون المحامية عنه، ولا تسمح للآخرين أن يتدخلوا في حياتهما الخاصة، فإنّ الناقل -حتى على فرض صدق ما يقول- هو نمَّام مفتن. وحتى لا يبقى شكٌّ سلبي في قلب الزوجة فلا بأس أن تفاتحه بالموضوع بشكل هادئ لا ينطلق من تهمة الزوج، إذ الأصل أنه بريء مما قيل فيه.

ب- لو أخبرت إحداهن الزوج أنها سمعت من زوجته كلاماً مسيئاً بحقِّه، فعليه أن لا يتوتَّر بسبب ذلك، بل يكون المحامي عنها بدون أن يسمح للآخرين بالتدخل في حياتهما الزوجية على نفس القاعدة السابقة، وما أعقبها من كلام.

الصيانة

من آداب التعامل مع اللباس أن يصونه ويحفظه وأن لا يرميه بمجرد فتقٍ أصابه،أو عطل طرأ عليه، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: “من رقَّع جيبه،… فقد برئ من الكبر”19.

هكذا ينبغي أن يكون حال الزوجين:

فأولاً: على كلٍّ منهما أن يصون نفسه بما يعزِّز ثقة الآخر به، وهذا ما أكَّد عليه الإمام الصادق عليه السلام: “لا غنى بالزوجة في ما بينها وبين زوجها عن… صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه”20. وعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:”إنّ خير نسائكم…الحَصانُ على غيره (أي غير الزوج)”21.

وثانياً: على كلٍّ منهما أن يصون الآخر عن الخطأ ابتداء بمعنى أن يدفع عنه السوء قبل أن يفعله.

وثالثاً: على كل منهما أن يصون الآخر بمعنى إصلاحه بعد الخط، فإذا أخطأ أحدهم، فهذا لا يعني أن يتركه بسبب خطئه، بل عليه أن يحاول إصلاحه ليستمرّا بعد ذلك في حياتهما بسعادة وهناءة.

النظافة

من الأمور التي يُحبُّها الإنسان في اللباس نظافتهُ التي لها آثار نفسية عبَّر عنها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: “غسل الثياب يُذهب الهمّ والحزن”22. وعليه فلعلَّ تعبير القرآن الكريم عن كلا الزوجين باللباس هو رسالة في مراعاة النظافة والمداومة عليه، فإنَّ ذلك من المرغِّبات الأساسية في الحياة الزوجية.

الطهارة

إضافة إلى دعوة الإسلام إلى نظافة اللباس فقد دعا بشكل آكد إلى طهارته، وهو ما نفهمه من خلال اشتراطه طهارة اللباس في الصلاة والطواف. والطهارة في هذا اللباس مطلوبة حتى لو كان نظيفاً من الأوساخ، إذ لا تكفي النظافة الظاهرية إن لم يكن الثوب طاهراً بالشروط الشرعية.

من هنا نستفيد من التعبير باللباس ما يتعلق بطهارة الروح في كلٍّ من الزوج والزوجة، فإذا وفّق الله تعالى الزوجَ بزوجةٍ طاهرة الروح عليه أن يسعى دائماً للحفاظ على نقائها الروحي وتكاملها فيه، والتحرُّز من عدم تلويث ذلك من خلال إدخالها في بيئة ملوّثة وما شابه ذلك، وهكذا هو دور الزوجة بالنسبة إلى زوجها.

الزينة

من طبيعة الإنسان أنه يحبّ الزينة، فتراه يعلّق اللوحات الجميلة في منزله لما تمثّل من زينة للمنزل، ويضع وروداً اصطناعية لا رائحة جميلة لها، وذلك لكونها تزيِّن المنزل، ولذا فإنه حينما يريد اختيار اللباس فإنَّه يهدف إلى أن يتزيَّن به. ومن هذا نستفيد من تشبيه الزوجين باللباس أنه ينبغي لكل منهما أن يكون زينة للآخر. والزينة على نوعين:

أ- زينة من الناحية الشكلية: بأن تتزيَّن له ويتزيَّن لها وهذا ما تقدّم سابقاً.

ب- زينة من الناحية المعنوية: فكما يحبّ الإنسان أن يرى الزينة، فعلى الزوجة أن تعمل كي يحبَّ زوجها أن يراها، لتكون مصداقاً حيًا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معرض حديثه عن المرأة الناجحة: “.. إذا نظر إليها تسرّه..”23 وكذلك على الزوج أن يعمل كي تحبّ الزوجة أن تراه.

وأعطي لهذا بعض التطبيقات:

أ- أن تلتفت الزوجة إلى أن لا تكون منفِّرة لزوجها، إذ نجد بعض النساء يبادرن أزواجهنّ – أول دخولهم المنزل – بلائحة المشاكل من غلاء الأسعار، والمشكلة مع الجار، وتقاعس الناطور… إلخ، مما يؤدِّي إلى نفورٍ لدى الزوج.

ب- أن يلتفت الزوج أن لا يأتي إلى منزله حاملاً مشاكل عمله وضغوطاته، فيعكس ذلك في تعامله مع زوجته التي قد يجعلها – وللأسف – محلاً لـ “فَشّة خلقه”، وعندها قد تشعر عند قدومه بنوع من الانزعاج، بدل الشعور بالأُنس الذي ينبغي أن يجلبه قدوم الزوج الحبيب.

الراحة

من محاسن اللباس أن يكون مريحاً للابسه،ومن محاسن الزوجة أن تكون مريحة لزوجها، وكذا العكس،من هنا فإنَّ أمير المؤمنين عليه السلام حينما عدَّ صفات خير النساء كانت الصفة الأولى هي بحد تعبيره: “خير نسائكم…الهيِّنة اللينة”24. نعم إنَّ من سعادة الزوج – وكذا الزوجة – أن تكون زوجته خفيفة المؤونة، مريحةً في تصرفها،فلا تلاحقه كالكاميرا المتحركة أينما حلَّ، والمسجِّل المتنقِّل معه لأيّ كلمة ينطق بها،إذ سيشعر حينها بثقل الزوجة،وهذا ما قد يؤدي الى مشاكل لا تُحمد عقباها. أتذكر أحد أصدقائي البلغاء، حينما أراد ذات يوم أن يمدح زوجته، قال عنها: “إنها خفيفة”.

الإحكام

من خصائص اللباس الجيِّد كونه متيناً قد نُسِجَ وخيط بإحكام. ومن المهامّ المحبوبة عند الله تعالى والتي قد تصل إلى مرحلة الوجوب، أن يحصِّن الزوج زوجته التحصين الثقافي بإحكام بحيث يؤمِّن حاجاتها الثقافية لا سيَّما الدينية منها.

من هنا كان تخصيص الله تعالى للزوج أن يأمر زوجته بالأحكام الأساسية الواجبة، إذ قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾25، ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾26. وفي خطاب الله تعالى للمؤمنين -بشكل عام- قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾.27

التأقلم

من صفات اللباس أنه قابل للتكيُّف والتأقلم من ناحية شكله ولونه مع طبيعة الحدث، وهذا ما سار عليه عرف الناس في اللباس، فثوب العروس يختلف في العرف العام عن أثواب بقية النساء، ولباس الحزن يختلف لونه بحسب العرف عن لباس الفرح، وهكذا.

والزواج الناجح هو الذي تتكيَّف فيه الزوجة بحسب أحوال زوجها وبالعكس. وقد أكد الإمام الصادق عليه السلام على أهمية مبدأ التكيُّف والتأقلم والموافقة بين الزوج والزوجة بقوله عليه السلام: “لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي:”الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها…”28.

الهويَّة

كثيراً ما يُعبِّر اللباس عن هويَّة لابسه، كما نلاحظ ذلك في لباس الطبيب والجندي والطبّاخ وعالم الدين، وقد يدلُّ على هويَّة البلد الذي ينتمي إليه اللابس، كما نرى ذلك في لباس أهل الهند واسكتلندا وأفغانستان…إلخ، وقد يعبِّر اللباس من خلال هويته عن مدلول ثقافي له تأثيره في الفرد والمجتمع، من هنا اهتمّ التشريع الإسلامي بهذا الجانب من تعبير اللباس، فعن الإمام الصادق عليه السلام: “أوحى الله تعالى إلى نبيٍّ من أنبيائه، قل للمؤمنين: لا تلبسوا لباس أعدائي”29. ومن وحي هذا المعنى ينبغي للزوجين-إضافة إلى تحقق الهويَّة الإيمانية بينهما – أن يتقاربا من بعضهما البعض إلى الدرجة التي يكون فيها كلٌّ منهما مصداقاً واضحاً لهويَّة الآخر، بحيث يدلُّ التجانس الكبير بينهما على وحدة الهويَّة.

التواضع

دعا الإسلام إلى أن يتجنب المؤمن من اللباس ما يدل على التكبُّر، فقد ورد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى رجلاً من بني تميم فقال له: “إياك وإسبال الإزار والقميص، فإنّ ذلك من المَخيلة، والله لا يُحبّ المَخيلة”30.

ويُراد من الإسبال الإرخاء، ومن المَخيلة الكِبْرُ مُقابلَ التواضع. ومن الواضح أنّ الإسبال هو نوع خاص من هيئة الثوب كان يدلُّ في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الكِبْر، وليس من الضروري أن تستمرّ هذه الدّلالة في كل العصور.

ويُفهَم من هذا المعنى أن يتعامل الزوجان مع بعضهما بتواضع بعيدٍ كلّ البعد عن التكبر على الآخر.

الاحترام

إنّ اللباس سواء بنفسه أو بطريقة ارتدائه قد يعبِّر عن مدى كون لابسه محترماً. من هنا نلاحظ أنّ التعامل الأوليَّ لكثير من الناس مع الآخرين – وبغض النظر عن مدى صحة ذلك- يبدأ من النظرة إلى لباسه وهندامه، فإنهما – عند هؤلاء – المحدِّدان الأوليَّان لمدى كون الشخص محترماً في المجتمع.

ومن هذا المعنى وعلى قاعدة تشبيه الزوجين باللباس، ندخل في موضوع مهمّ في حياة الزوجين يتعلق باحترام كلٍّ منهما للآخر سواء كانا منفردين أو أمام المجتمع، فإنَّ هذا الاحترام يؤكِّد أواصر المحبَّة بينهما.

وهذا مقابل ما نجده من بعض الأزواج الذين يقلِّلون من احترام الآخر – زوجاً أو زوجة – أمام الناس لا سيَّما أمام بعض الأقرباء، وقد تنطلق بعض هذه التصرفات اللا أخلاقية من الرغبة في إثبات الحاكمية على الآخر، مما يؤدي إلى حساسيَّات نفسيَّة لا تُحمد عقباها.

الدفء

من وظائف الثوب المحبّبة في موسم البرد، تأمينُه الدفء للابسه، من هنا منَّ الله تعالى علينا في القرآن الكريم بالدفء الناتج من جلود الأَنعام فقال عز وجل: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾31 ومن أهمّ الأمور التي توطِّد العلاقة بين الزوجين، الشعورُ بالدفء المعنوي بينهم، فالزوجة الناجحة هي التي تعمل لأجل إشعار زوجها بالأنس والدفء حينما يجلسان مع، وكذلك بالنسبة إلى الزوج.

الدوام

شاء الشرع الحنيف أن يبقى الإنسان في الدنيا مع اللباس دائماً حتى في الممات حيث يكون الكفن لباس جسده الساكن.
وهكذا أراد للزوجين أن يفكّرا بدوام العلاقة، وأن يبتعدا عن التفكير بالانفصال والطلاق، فالطلاق في النصوص الدينية سببٌ لهزّ العرش الإلهي.

منع المعيب

من وظائف اللباس منعُه من ظهور المعيب من الإنسان كالعرق والرائحة، وقد يضع الطاهي لباساً على رأسه حتى يمنع من نزول الشعر على الطعام. ومن هذا المعنى وعلى قاعدة تشبيه الزوجين باللباس، فإنَّ من الآداب المطلوبة من كلا الزوجين بالنسبة إلى الآخر أن يغطِّي عيبه ويستره أمام الآخرين.

التقوى

ونختم المعاني المستفادة من الثوب بالتقوى لقوله تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾32. والتقوى تجتمع في مادتها اللغوية والمعنوية مع الوقاية، وهي تعني الصيانة الداخلية التي هي غاية العبادة التي تحقق هدف الخلق، فالله تعالى يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾33 و يقول عز وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾34.

والتقوى هي من صفات القلب إذ يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾35، والقلب سُمي قلباً لتقلّبه، فأراد الله تعالى أن يحصِّنه من التقلُّب السلبي. وقد طرح القرآن وسيلة لذلك، ألا وهي تعظيم الشعائر الإلهية، أي العلامات الظاهرة المنتسبة إلى الله تعالى كالكعبة الشريفة والصفا والمروة، فكانت هذه الآية تُمازج بين الظاهر والباطن، إذ جعلت تعظيم الظاهر تحصيناً للباطن، واللباس هو ظاهر يحبّ الله أن يكون وسيلة لتحصين الباطن.

من هنا كان الزواج فعلاً ظاهراً لأجل تحصين الجوهر الإنساني المحقِّق لكمال الإنسان.، فما أجمل أن تكون الزوجة ويكون الزوج عاملاً أساسياً في تقوى الإنسان وتكامله في مساره نحو الله تعالى، فيكون كلٌّ من الزوجين لباس التقوى للآخر، ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾36!.

 

مصادر البحث

* السعادة الزوجية في ثلاث كلمات، الشيخ أكرم بركات

1- سورة البقرة، الآية 187.
2- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط2، بيروت، 2003م، ج2، ص 62.
3- المصدر السابق، ج20، ص 84.
4- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تصحيح محمد مهدي الموسوي الخرساني، (ل،ط)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1369ه، ج18، ص 204.
5- المصدر السابق، ج20، ص29.
6- المصدر السابق، ص 30.
7- الاحسائي، ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي، ط1، قم، سيد الشهداء، 1404 هـ، ج3، ص 293.
8- الصدوق، محمّد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تحقيق علي أكبر الغفاري، ط2، قم، جماعة المدرسين، 1404 هـ، ج3، ص 386.
9- الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، ط6، قم، الشريف الرضي، 1972م، ص 204.
10- ابن بابويه، علي، فقه الرضا، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط1، قم، 1406، ص 237.
11- الميرزا النوري، حسين، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام، لإحياء التراث ط2، بيرون، 1988م، ص 188.
12- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تحقيق حسين الأعلمي، (لا، ط)، بيروت، الأعلمي،1984، ج2، ص260.
13- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج14، ص 220.
14- المصدر السابق، ج20، ص 48.
15- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ط3، بيروت، دار الأضواء، 1985، ج6، ص 458.
16- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج100 ص 237.
17- سورة الأعراف، الآية 26.
18- سورة الأنبياء، الآية 80.
19- الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقابه، تحقيق محمد مهدي السيد حسن الخرسان، قم، منشورات الرضي، 1368ه، ص 178.
20- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج75، ص 237.
21- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص 324.
22- الحر، العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج5، ص 14.
23- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، (ل،ط)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي،(ل،ت)، ج20، ص 52.
24- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج20، ص 29.
25- سورة طه، الآية 132.
26- سورة مريم، الآية 55.
27- سورة التحريم، الآية 6.
28- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1185.
29- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج4، ص 385.
30- المصدر السابق، ج5، ص 41.
31- سورة النحل، الآية 5.
32- سورة الأعراف، الآية 26.
33- سورة الذاريات، الآية 56.
34- سورة البقرة، الآية 21.
35- سورة الحج، الآية 32.
36- سورة الأعراف، الآية 26.

المصدر : شبكة المعارف الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky