الاجتهاد: يحرم على المريض بالايدز ـ وبكل مرض معدٍ كجملة ما اسميناها في المطلب العاشر من المسألة السابقة(مثل الملاريا والتيفوئيد والكوليرا والحمى الشوكية والسل (الدرن) والتهاب الكبد الفيروسي وغير ذلك من الامراض الجلدية الاَُخرى.) ـ نقل مرضه إلى غيره من المسلمين وأهل الذمة والمعاهدين لحرمة الاضرار بهم جزماً، ويعاقب المخالف المتعمد بما يراه الحاكم الشرعي صلاحاً، ويمكن تحريم نقل الجرثومة إلى الغير وان لم تكن بالفعل مرضاً له.
وعلى كل الاِضرار حرام بأي وجه اتفق حتى بمثل السحر ونحوه، بل العقل يقبّح حرمة الاضرار بالجن والحيوان وكل ما يحس الاَلم، وبمقتضى قاعدة الملازمة يمكن أنْ نقول بحرمة ذلك شرعاً، وكذا باطلاق قوله صلى الله عليه وآله « لا ضرر ولا ضرار » فيحرم الاِضرار مطلقاً إلاّ فيما دل الدليل الشرعي على الجواز كذبح الحيوان واستثماره.
٢ ـ إذا نقل المريض فيروس الايدز ـ أو أي مرض معد آخر ـ إلى غيره فمات به ذلك الغير ولو بعد مدة وثبت علمياً استناد موته إلى نقل العدوى، فان كان الناقل متعمداً جاز لولي الميت قصاص الناقل إذا كان المرض مهلكاً، وإذا كان الناقل جاهلاً أو غافلاً يجب عليه الدية على ما تقرر في كتاب الديات.
٣ ـ يستحق المنتقل اليه أخذ الغرامة عن الناقل وحيث إنّه لا دية مذكورة له ففيه الارش، وتكميل البحث فيه بذكر فصول ثلاثة :
قال صاحب الجواهر رضي الله عنه في بحث ديات الاَعضاء (١) في شرح قول ماتنه (كل ما لا تقدير فيه ففيه الارش): المسمّى بالحكومة، وفيه يكون العبد أصلاً للحر كما هو ـ أي الحر ـ أصل له (أي للعبد) فيما فيه مقدر بلا خلاف أجده فيه ، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى إمكان استفادته من النصوص بالخصوص فضلاً عن استفادة عدم بطلان الجناية وكونها هدراً حتى ارش الخدش من الكتاب والسنة، فليس مع عدم تقديره إلاّ الحكومة، وإلاّ كانت جناية لا استيفاء لها ولا قصاص ولا دية، وهو مناف لما يمكن القطع به من الادلة كتاباً وسنةً وإجماعاً.
أقول: فليكن حكم الارش مقطوعاً بما ذكره، وببناء العقلاء عليه، وما ورد من عدم سقوط حق مسلم(٢)، وما في أحاديث الجامعة المذخورة عند الائمة عليهم السلام من ثبوت الارش حتّى على الخدش والغمز.
(الثاني) في كيفية الارش:
في الشرائع والجواهر: كل موضع قلنا فيه الارش أو الحكومة فهما واحد اصطلاحاً، والمعنى أنّه يقوّم المجروح صحيحاً لو كان مملوكاً تارة ويقوّم مع الجناية أُخرى وينسب إلى القيمة الاَُولى ويعرف التفاوت بينهما ويؤخذ من الدية للنفس لا للعضو بحسابه، أي التفاوت بين القسمين …
وكيف كان، فهذا في الحر الذي يكون العبد أصلاً له في هذا الحال ضرورة توقف معرفة الفائت على ذلك بعد عدم التقدير من الشارع له والفرض كون الجملة مضمونة بالدية فتضمن الاَجزاء منها، فيستكشف بذلك كما يستكشف تفاوت المعيب والصحيح ثم يرجع بعد إلى ثمن الذي ضمن به المبيع، فكذلك هنا، وهو واضح (3).
(الثالث): ما يمكن أن يقال في المقام وبالله الاعتصام:
لا يبعد أنْ يلزم الجاني بدفع جميع ما يحتاج المريض إلى صرفه في علاجه من ثمن الاَدوية وأجر الاَطباء وما يصرف في مقدمات التداوى حتّى أجرة السيارة وكذا ما يفوت على المريض من منافعه اليومية لاَجل المرض، وهذا هو طريق العقلاء في أخذ الغرامة من المعتدي، ولاحظ الفصل الثالث من كتاب إجارة العروة الوثقى (المسألة الثالثة)، ولا يحصل لنا علم من اجماع الجواهر، فلا يكون حجة لنا.
على انّه لا سبيل لنا في مثل هذه الاعصار إلى قيمة العبد ولا وجود له في بلادنا (4). ولا أدري رأي أهل الاستنباط ـ أيدهم الله ـ في هذا العصر، غير أن ما ذكرنا هو الارجح.
واما في الاَمراض التي لا علاج لها فتعيين ارشها موكول إلى نظر الحاكم بمشورة أهل الخبرة منهم الاَطباء ، مضافاً إلى غرامة منافع المريض اليومية الفائتة لاَجل المرض عليه.
ويمكن أنْ نقول في نقل فيروس الايدز إنّه يهدم مناعة البدن وهي واحدة ، فاتلافها يوجب الدية كاملة. لكن قيل : إنّ هذه القاعدة في خصوص الاعضاء دون المنافع ، ففي صحيح هشام بن سالم المروي في الفقيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كلما كان في الانسان اثنين ( اثنان ـ يب) ففيهما الدية في احداهما ( احدهما ـ يب ) نصف الدية، وما كان ( فيه ئل ) واحداً ففيه الدية (5).
أقول: تقييد الخبر أو انصرافه إلى خصوص الاعضاء محتاج إلى دليل قرينة كقوله عليه السلام في أولّ الخبر: «اثنين»، وإلاّ فالخبر يشمل الصفات النفسية أيضاً مضافاً إلى قواه البدنية، لاَنّ الموضوع هو الانسان، وهو مركب من البدن والنفس دون خصوص البدن.
وربما يورد على ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً، أنّ الاَجزاء في الحر ليست قيمتها منسوبة إلى قيمة الانفس كما هو كذلك في السلعة فتشبيه السلعة بالنفس غير ظاهر الوجه بل قد يكون قيمة الاجزاء عشرين أضعاف قيمة الكل، واللازم في الارش هو التقدير حسب المناسبات العرفية المستفادة من حكم الشارع بمقادير الدية، ويمكن أنّ يجاب عنه بأنّه أهمل في باب الديات، مثلاً يد الخطاط الماهر وبعض اهل الصنعة لها منافع كثيرة مع عدم الاختلاف في دية قطع اليد.
٤ ـ على الحكومة أنْ تراقب كل المرضى بالاَمراض المعدية على أنْ لاينقلوا العدوى إلى الاصحاء مراقبة بمقدار اللازم لا أزيد، والاَمراض في العدوى مختلفة، وقد تقدم في المسألة السابقة أنّ مرض الايدز أخف الامراض المعدية ، فلا بأس بذهاب المريض به إلى معاهد التعليم والتعلم والمعامل والمؤسسات الحكومية وغيرها ، وإنما يراقبون في خصوص الطرق الاَربعة الناقلة إلاّ إذا ثبتت العدوى بغيرها أيضاً ، فتتسع المراقبة.
٥ ـ إذا احتمل الطبيب عند نقل دم أحد ولو بتوسط زرع عضو منه في بدن الغير إنّ صاحب الدم مبتلى بالايدز أو مرض معدٍ آخر فهل يجب عليه الفحص حتّى الاطمئنان بعدمه أو لا يجب عملاً باصالة الصحة أو إصالة عدم حدوث المرض المعدي أو إصالة البراءة عن وجوب الفحص؟
فيه وجهان.
وربما يقال: إنّ الاَصل في النفوس والفروج والاَموال الكثيرة هو الاحتياط دون البراءة ومقامنا داخل في الاَوّل فانّ مرض الايدز مهلك لا علاج له لحدّ الآن، لكن هذا القول باطلاقه لا دليل له ويجري الاستصحاب وإصالة البراءة في كثير من جزئيات تلك الموارد الثلاثة كما أوضحه سيدنا الاستاذ الحكيم رحمه الله في الجملة في بعض مجالس دروسه المباركة.
نعم إذا اشترط عليه المريض أو الحكومة الاسلامية الفحص وجب لقوله عليه السلام: « المؤمنون عند شروطهم » (7) ولقوله تعالى: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الاَمر منكم ) ، وأمّا إذا علم الطبيب بأنّه في فرض ترك الفحص يبتلى جمع من المرضى بفيروس الايدز لا محالة ، فلا يبعد وجوب الفحص عليه ، فتأمل.
٦ ـ لا يجوز للمريض بالمرض المعدي التزويج أو التزوج بالصحيح الغافل فإنّه إضرار به وهو واضح ، وإذا كان المرض مهلكاً ولا يتيسر التحفظ منه للسالم من الزوجين لا يجوز للسالم إجابة المريض للزواج ـ بل لكلّ مصاحبة مؤدية إلى انتقال المرض المهلك إليه ـ لاَنه من الالقاء في التهلكة. نعم إذا تباينا على ترك المجامعة ـ في مثل مرض الايدز ـ جاز النكاح ولم يحرم (8) ، وعلى كل إذا رضيا بالنكاح صح النكاح وان حرم إنْ أوجب الاضرار بالنفس ، فالحكم الوضعي غير الحكم التكليفي ، فتدبّر فيه.
٧ ـ إذا تزوّج أو زُوّج جهلاً، بالمريض المعدي ثمّ علم فهل له فسخ العقد إذا كانت العدوى مهلكة أو مضرة إلى درجة كبيرة ولم يتيسر التحفظ منها إلاّ بحرج شديد؟
ج : أما للزوج فثبوت الخيار له في غاية الاشكال لما يستفاد من الحصر الوارد في بعض الروايات الواردة في العيوب على ما يأتي في المسألة الآتية ، فإنها ظاهرة في نفي الخيار في غير العيوب المذكورة في الرواية ، نعم له أنْ يطلقها بل يجب عليه في الفرض المذكور. وأما للزوجة فلا يبعد ثبوت الخيار له لقاعدة لا ضرر التي استدل بها لثبوت بعض الخيارات في باب المعاملات ، ولقاعدة نفي الحرج (9).
وأي ضرر من ابتلائها بالمرض المهلك أو تدهور صحتها شديداً وفي مرض الايدز بحرمانها من لذّة الجماع ما دام العمر ، إلاّ أنْ تلتذ بالدخول ولو مع استعمال الزوج الرفال والعازل الذكري ، وقلنا بكفاية ذلك لحقها ، فلا خيار لها حينئذٍ. إلاّ أنْ يقال : إنّ زوجها في معرض الموت فلها الخيار من هذه الجهة ويلحق بالايدز كل مرض مهلك سريع ، فتأمل.
وغاية ما في الباب أنْ يأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق احتياطاً فان عصى تفسخ هي النكاح ويطلقها الحاكم ولاية احتياطاً.
وعدم ذهاب مشهور فقهائنا إلى ثبوت الخيار بالاَمراض المعدية أولاً غير ثابت ، لاَنّ كثيراً منهم لا تصنيف لهم أو لم تصل إلينا مصنفاتهم وتأليفاتهم. وثانياً أنّ ضرر الاَمراض المعدية لم يكن واضحة للناس والفقهاء.
وثالثاً أنّه غير مانع عن الفتوى بالدليل ، وهو قاعدتا نفي الحرج والضرر الرافعتان للزوم العقد بالنسبة إليها وأمّا ما في الجواهر من قول مؤلفه الكبير رحمه الله : على أنّ العدوى مع اقتضائها التعدية إلى كل مرض معدٍ مما لا يقول به الخصم يمكن رفعه بايجاب التجنب (10) ، فهو ضعيف فإنّ الزوجية التي يجب تجنب أحدهما عن الآخر فيهما حرجية أشد الحرج ، وأي فائدة لهذا الزواج الفاقد للسكون والمودة والرحمة؟! وليس هو من الامساك بالمعروف.
وربما يتمسك لخيارها بقوله تعالى: ( الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان ) (11).
وبمكن أنْ نتمسك له أيضاً بقوله تعالى: (وإذا طّلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ) (12). إذ لا فرق بين الامساك المسبوق بالطلاق بعد الرجوع وبين الامساك الابتدائي المسبوق بالنكاح في الحكم ، ومعلوم أنّ إمساك الزوجة من قبل الزوج المبتلى بالعدوى أو المريض بالمرض المهلك قريباً في أول الزواج ليس بمعروف. وإذا قصد الزوج المريض بامساكها إضرارها فهو مدول قوله تعالى : ( ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ).
لكن الكلام أولاً أنّ هذا كله يوجب الخيار لها أو أنه يسبب جواز إجبار الحاكم الزوج على الامساك بالمعروف وعدم الامساك للاعتداء، وثانياً في أنّه لو لم يقبل الزوج أمر الحاكم ولم يطلقها أو لم يصلح شأنه ـ إذا كانت المشكلة اختيارية غير قهرية كالامراض المعدية ـ فما هو الموقف؟ هل يثبت الخيار للزوجة أو يطلقها الحاكم ولايةً عليه؟
ثمّ إذا لم يتم الاستدلال بالآيات ولا بقاعدتي نفي الضرر والحرج بل ولا بقاعدة نفي العسر على ثبوت الخيار لها يمكن أنْ نثبته لاَجل التدليس، فإنّ المرأة لو علمت بحال خاطبها وأنّه مبتلى بالعدوى والمرض المهلك لما رضيت بالزواج منه قطعاً (13)، اللّهم إلاّ بعض النساء لاغراض خاصة ، وهو نادر، والسلامة من مثل هذه الامراض وان لم تشترط صريحة في العقد لكنها مما يبنى الزوجان عليها ويجريان عقد النكاح عليها، ولا فرق على الاَظهر بين الشرط المذكور صريحاً في العقد وبين الشرط المبني عليه العقد ، وسيأتي في المسألة الآتية بعض الكلام حول التدليس إن شاء الله.
٨ ـ لا يجب على الزوجة التمكين من الزوج المريض إذا احتملت الضرر المهم بالمباشرة وربما لا يجوز إذا كان الضرر مهلكاً أو شبهه ، كما لا يجب على الزوج وطء الزوجة المريضة بالايدز ونحوه لذلك إذا كان احتمال الضرر بعد تثبيته راجحاً عند العقلاء ،
وبالجملة : حرمة الاضرار بالنفس أهم من وجوب أداء حق الزوجين، فتقدم عليه عند التزاحم ، نعم لا مانع من سائر الاستمتاعات في مرض الايدز لما سبق من عدم نقل العدوى بها. وكذا يجب أداء حق الزوجين في الوطء إذا اطمأنا بقول الطبيب الثقة الماهر بعدم العدوى مع استعمال الرفال والعازل الذكري.
وعلى الجملة : ليس البحث في الصغريات وكيفية العدوى وإنّما البحث في أصل كلي وأنّ حفظ الضرر المهم مقدم على حقوق الزوجين ، وتشخيص الضرر كماً وكيفاً موكول إلى الطب.
٩ ـ لا يجوز دخول المرضى بالامراض المعدية في المدارس والمعامل والدوائر، ويجب على أولياء الاَطفال منعهم عن المدارس ، وأما المصابون بالايدز فلا بأس بذهابهم بين الناس مع الرقابة على مسألة الدم والمباشرة.
١٠ ـ لا يجب عزل الصبي عن أُمه المصابة بالايدز، بل لا يجوز، لحق الحضانة، وذلك لما مر من عدم نقل العدوى باللبن مع التحفظ على مسألة الدم، والاَحسن عدم إيجار المرضعة المصابة بالايدز ، نعم يجب عزله عن الاَُم المصابة بمرض يعدي باللبن أو بالتماس الجسمي ويسقط حق حضانتها.
١١ ـ لا يجوز إجهاض الجنين المصاب بالايدز بعد تعلق الروح به قطعاً، واما قبله فان كانت الاصابة به مظنونة فكذلك، وإنْ كانت مقطوعة طباً فالحكم بجواز اجهاضه مشكل جدّاً، وان فرض موته أثناء سنة بعد ولادته.
١٢ ـ إذا فرضنا قيام فئة ـ من الرجال أو النساء ـ بأمر حكومات كافرة عدوة للمسلمين بنشر الايدز بين المسلمين، فحكم هؤلاء الفئة حكم الساعين في الارض فساداً.
١٣ ـ ليس كل مصاب بالايدز مجرماً، لاَنّه قد ينتقل المرض إليه من دون تقصير له ولا تخلف عن حكم شرعي، فلا يجوز بهم سوء الظن.
١٤ ـ هل يجوز اشتراط السلامة من الايدز وكل مرض معدي في النكاح؟ الظاهر عدم المانع منه.
١٥ ـ هل يحق للدولة تحتم الفحص عن الايدز بل عن كل مرض معد عن كل من يريد التزويج والتزوج، وان استلزم مؤنة كثيرة على الزوجين؟ الاَُولى إحالة هذا الحكم إلى الحاكم الشرعي فيحكم باللزوم أو عدمه حسب شرائط الظروف والوضع الصحي، وقيل: إنّ في خلال الاشهر الثلاثة الاَُولى من العدوى يمكن أنْ لا يظهر الايدز.
١٦ ـ قيل: إنّه لا مانع من زواج المصاب والمصابة بالايدز لعدم الضرر عليها حنيئذٍ ، وقيل: إنّ جماعهما يمكن أن يساعد على اضعاف صحة كل منهما، وبالتالي يمكن ان تظهر ذرية جديدة مصابة بالايدز، وتظهر وحدات جديدة للفيروس، إنّ فيروس الايدز يغير جلده من آن إلى آخر (14).
أقول: إذا كان احتمال الضرر المزيد ثبت طبياً وكانت الزيادة خطيرة فلا يبعد تحريم الوطء عليهما.
ثم إنّه يمكن أنْ يقال: إنه لا فرق في الحكم بين نقل فيروس الايدز إلى انسان سالم وبين توليد انسان مريض بالايدز من الاَوّل، فإنّ العقل يقبّح كليهما، وعليه فلا يحل للزوجين ما يوجب حمل الزوجة بجنين يعلمان ابتلائه بالايدز ونحوه من الامراض المهلكة، والله العالم.
١٧ ـ هل يضمن الطبيب إذا نقل العدوى إلى سالم عمداً أو سهواً؟ تقدم بحثه مفصلاً في المسألة الثالثة في أوائل الكتاب فلا نعيده هنا ، فلاحظ.
١٨ ـ هل يجوز للمصاب أو المصابة الاحبال والحمل إذا لم يعلما بابتلاء الجنين بالمرض والاَصل عدم ابتلائه به بعد ما تقدم في المسألة السابقة من كون نسبة إصابة الجنين بالايدز غير عالية؟ فيه وجهان.
١٩ ـ ولو اختلف الزوجان فرغب أحدهما في الحمل وامتنع الآخر عنه ، فالظاهر أنّه لا وجه لاجبار الممتنع لا سيما في مثل الايدز ، فتفطر القلب حزناً وأسىً على الوليد الذي يتمزق ويحترق ، ولا علاج له ولا دواء.
٢٠ ـ هل مرض الايدز مرض الموت؟ ومرض الموت يمنع فيه المريض عن التبرعات المنجرة الزائدة عن الثلث في ماله عند جمع كثير من فقهائنا المحققين رضي الله عنهم (15) ، فتشخيصه مهم ومفيد.
قال بعض الفضلاء من أهل السنة (16) : إنّ الفقهاء اختلفوا في التعريف بمرض الموت اختلافاً كثيراً لا يرجع إلى نصّ من كتاب وسنة وإنّما مردّه إلى الاجتهاد والنظر، فقال بعضهم: مرض الموت هو الذي يقعد الانسان عن عمله المعتاد في حال الصحة … وعن ابن عابدين ـ إنْ علم أنّ به مرضاً مهلكاً غالباً وهو يزداد إلى الموت فهو المقبر، وإنْ لم يعلم أنه مهلك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح… (رد المختار ٢/ ٧١٦) وقيدته مجلّة الاَحكام العدلية (١٥٩٥م ) بأنْ يموت المريض قبل مرور سنة من الاصابة به، وقيل غير ذلك.
وقال أيضاً : والذي يستخلص من كلام جمهور الفقهاء وتقريرات محققيهم أنّ مرض الموت هو المرض المخوف الذي يتصل بالموت ولو لم يكن الموت بسببه (الام للشافعي ٤ / ٣٥ ـ مغني المحتاج ٣ / ٥٠ )
فعلى هذا يشترط لتحققه أنْ يتوافر فيه وصفان :
أحدهما : أنْ يكون مخوفاً ، أي يغلب الهلاك منه عادة أو يكثر … ويكفي الآن وقد تقّدّم علم الطب أنْ يرجع إلى الاَطباء الخبراء في طبيعة المرض وأعراضه.
ثانيهما : أنْ يتّصل المرض بالموت سواء وقع الموت بسببه أم بسبب آخر خارجي عن المرض كقتل أو غرق أو حريق أو تصادم أو غير ذلك.
وألحقوا بالمريض مرض الموت في الحكم اشخاصاً في حالات مختلفة ليس فيها مرض أو اعتلال صحة وإنما توافر فيها الوصفان المشترطان.
١ ـما إذاكان الشخص في الحرب والتحمت المعركة واختلطت الطائفتان في القتال، قالوا: فإنّ توقع التلف هنا كتوقع المرض أو أكثر.
٢ ـ ما إذا قدم الشخص للقتل سواء أكان ذلك قصاصاً أو غير ذلك.
٣ ـ الاسير والمحبوس إذا كانا من العادة أنْ يقتلا.
٤ ـ ما إذا ركب البحر وتموج واضطرب وهبت الريح وخاف الغرق فهو مخوف.
أقول : يلحق به راكب السيارة والطائرة في بعض الحالات.
٥ ـ المراة الحامل إذا اتاها الطلق ( بناء على شرائط الظروف القديمة ).
ويشترط في هذه الحالات كلها وما أشبهها أنْ يتّصل حال خوف الهلاك الغالب أو الكثير بالموت حتّى تلحق بمرض الموت.
وقال: بناء على هذا فإنّه يمكننا اعتبار المصاب بمرض الايدز في مرض الموت نظراً لتوفر مناط التعليل فيه ( كونه مخوفاً واتّصاله بالموت ).
وقال بعض آخر من أهل العلم من أهل السنة (17) : مرض الموت هو المرض الذي يعقبه الموت … ومرض الايدز يمر بمراحل مرحلة الاصابة ، مرحلة الكمون ، مرحلة التهيج والقضاء … وفي هذه المرحلة فقط يمكن اعتباره مرض الموت ( فإنّه يصل إلى حد انهاك الجسم وقتل قوة المناعة في الجسم أو ظهور أمراض عصبية قاتلة ).
أقول : الظاهر أنّ كل مَن يقول بأنّ مرض الايدز مرض الموت يقصد هذه المرحلة ، ولا بد أنْ يكون كذلك.
وأما إلحاق الاشخاص الآخرين الذين ذكرنا اسماءهم في الموصوفين بمرض الموت ففيه بحث فان ما استدل به لمنع نفوذ التبرعات الزائدة عن الثلث في المال من الاحاديث الواردة من طريق الشيعة ليس الموضوع فيها مرض الموت ، بل في جملة منها « عند موته » ، وفي بعضها « حضره الموت » وفي بعضها ـ في حق المرأة ـ « في مرضها » وعلى هذا فلا يبعد شمول قوله عليه السلام « عند موته » أولئك الاَشخاص ومن يشابههم بلا حاجة إلى الالحاق. والعمدة في المقام هو البحث عن دلالة تلك الاَحاديث على منع التبرعات المذكورة ولكنها لا تخلو عن نظر ، ولذا ذهب الآخرون إلى صحتها ، وتحقيقه لا يناسب هذا الكتاب فارجع إلى الكتب المبسوطة.
وعلى كلّ ليس عنوان مرض الموت مذكوراً في الاَحاديث المعتبرة ظاهراً ، فإنْ قلنا بحجر المريض عن التبرعات المذكورة فلابدّ من الاكتفاء على القدر المتيقن ، وفي غيره يرجع إلى صحتها لبطلان القياس عندنا.
الهوامش
(١) ص ٣٧٨ ج ٢٦ جامع احاديث الشيعة.
(2) لاحظ ج ٤٣ من الجواهر.
(3) بل المسلمون اليوم اسراء بيد الكفار في العالم وثله منهم يسعون لفكاك رقابهم منهم.
(4) ص ١٦٨ ج ٤٣.
(5) الكافي ج ٧ ص ٣٠٢ والتهذيب ج ١٠ ص ٢٣٢ والفقيه ج ٤ ص ١١٤ نسخة الكامبيوتر.
(6) ص ١٤٥ رؤية اسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز.
(7) تقدم مصدره.
(8) ويمكن أنْ يقال بعدم حرمة النكاح في مثل الايدز دائماً وانما المحرم هو الجماع فإنه الطريق إلى الانتقال ، نعم هو من مقدمات الحرام.
(9) هذا بناء على عدم شمول صحيح الحلبي الآتي المروي في الفقيه في المسألة الآتية لعيوب الرجل كما عن جماعة ، وعليه فالحصر فيه ثابت في الرجل وانه لا يرد النكاح إلاّ من عيوب ، وأمّا بناءً على الارجح من شموله لعيوب كل من الزوجين وجواز رد النكاح لكلّ منهما فالحصر ثابت لكليهما ، فيمكن أنْ يرفع اليد عنه هنا لقاعدتي نفي الحرج والضرر كما رفع اليد عنه في بعض الموارد الاَُخر كما ستعرف ، وهاتان القاعدتان جاريتان في حق الرجل والمرأة. إلاّ أنْ يقال : إنّ جواز الطلاق من طرف الزوج يمنع عن جريان قاعدة الحرج والضرر ، فتأملّ.
(10) الجواهر ج ٣٠ ص ٣٣٠.
(11) ويحتمل أنّ المراد من الامساك بالمعروف هو الامساك لسكون النفس اليها لا لاخذ المهر منها كلاً أو بعضها كما قال تعالى بعد ذلك ( ولايحل لكم أن تاخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) ، إلاّ ان يقال ان الاطلاق لا يقيد بالاحتمال وقوله لا يحل لكم حكم آخر لا عين الامساك بالمعروف فانه خلاف الظاهر.
(12) البقرة آية ٢٣١.
(13) وسكوت الزوج عن مرضه مع بناء الناس على اصالة الصحة وغفلة الزوجة عن احتمال مرضه تدليس.
(14) ص ٣٢٧ رؤية اسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز.
(15) الجواهر ج ٢٦ ص ٦٣.
(16) ص ٤٦١ رؤية اسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الايدز.
(17) ص ٥٢٣ نفس المصدر.
المصدر: كتاب الفقه والمسائل الطبيّة الشيخ محمد آصف المحسني
الفقه والمسائل الطبية ؛ لآية الله الشيخ محمد آصف المحسني + قراءة وتحميل
شکرا لکم ولتزویدکم هذا الکتاب القیّم… رحم الله فقهائنا الماضين وحفظ الباقین… اللهم آمین