كربلاء

كربلاء الجمال والجلال / الباحث هادي قبيسي

الاجتهاد: سؤال واحد يجول منذ أمد لماذا أمسك الإمام في كربلاء بيد نافع بن هلال وسار معه في تلك الليلة ؟ إي نافع … كلّمنا نحن التائهون في الظلام ماذا فعلت حتى أمسك بيدك وسرتما معًا …. متى تجيب ؟؟! متى تعطي السجناء هنا بعضًا من الماء متى تعطي الساكنين في الثلج سر دفء تلك اليد … اعذر جرأتي يا نافع … اعذر طمعي … ظلام يلف صحراءنا …..

حادثة كربَلاء باستثنائيتها تعد موضوعًا قابلًا للبحث، فهي حادثة إنسانية، فبالطبع متعددة الأبعاد، وهي حادثة للمقدس فيها موقع أساس، فلذا لها بعد ما فوق أرضي يتخطى المستوى التاريخي، وبذلك تنفتح لهذه الأسباب الثلاثة صفحات هذه الحادثة أمام البحث والتفكير بشكل واسع جدًا يصعب الإحاطة به. تعامل الشيعة، أصحاب القضية، مع هذه الحادثة كأثر تاريخي تراجيدي، ثم كمحفز ثوري، ولاحقًا كشعار سياسي ومدماك لرؤية سياسية استراتيجية قائمة على إمكانية تحدي القوى المتفوقة بأضعاف عديدة.
في المخيلة العامة، وفي عاطفة الجمهور الشيعي يقع الحزن في الأساس موقعًا شاملًا في النظر إلى الحادثة، فيغطي على أبعادها المترامية المنفتحة على كل صعيد وجانب، ليقتعد منزلًا أحاديًا يختصر أغلب مساحة التخيل والتفاعل والاستفادة.
بعد استلهام الحادثة الإستثنائية في الواقع التاريخي المعاصر، وبعد تحولها إلى أمثولة بنى عليها الشيعة رؤيتهم لإعادة تموضعهم السياسي والتاريخي في العالم الإسلامي والعالم بأسره، وأصبحو قوة محركة على مستوى القارات الخمس، رغم صغر مساحتهم وقلة عددهم،
بعد كل هذا لا بد من إعادة النظر فيما يمكن أن نطل عليه من أبعاد جديدة، فقد انتقلت عاشوراء من طقس افتجاعي حزين، يرثي المقدس المظلوم، إلى طقس ثوري كامل، يستطيع أن ينقل الأمة الضعيفة المستفرد بها إلى مستوى التحدي والمجابهة والنصر في النهاية.
هنا لا بد لنا من أن نعيد النظر، فهل نحن الآن في مرحلة اختزال أخرى، كتلك التي مرت على المخيلة الشيعية قبل ثورة الإمام الخميني، وهنا في هذا التحديد التاريخي طبعًا نتحدث بالإجمال، إذ كان ثمة استلهامات عديدة في التاريخ، ولكن لنتحدث عن المحطة البارزة على صعيد الخط البياني الشيعي، فهل نحن الآن نختصر عاشوراء في مفردتين: الحزن والثورة ؟ ألا يمكن أن تنطوي على أبعاد أخرى تضاف إلى هذين البعدين المركزيين؟
هنا كان لا بد من إعادة الحفر حول الحادثة وحول النص المعصوم الذي حاول تفسيرها وموضعتها من الحوادث التاريخية الأخرى، ليضعها على رأس تل لا يصله السيل. وكان إسم وارث، هو مفتاح رمزي للتفكير في مطاوي الحادثة ومجاهل أنوارها، فإن كان قطب الحادثة هو الحسين عليه السلام يرث كل الرسالات السماوية، فكيف حصل هذا التوريث ؟ ولماذا ؟ وبأي ظروف ؟ ولماذا انحصر التوريث بهذا الإمام دون غيره؟
إذا بدأنا من هذه الدلالة سينفتح أمامنا ألف باب، فالرسالات السماوية بأجمعها مدفونة في تراب كربلاء الدامي، فلذا كان علينا أن نذهب إلى هذا التراب، ونحفر قليلًا قليلًا على مهل، لنعرف أي دم أريق هناك، بل أي نور أريق في تلك الصحراء.
كربلاء إذن مفتاح الإرتباط بالرسالات السماوية، وهي خلاصة الوحي إذن، فهل يكفي أن تكون نظرتنا إليها محصورة في بعدين اثنين بشكل مركزي، فيما تبقى كل الأبعاد الأخرى قائمة بشكل هامشي ؟ إذا كان مفتاح الرسالة الإلهية للإنسان ذائبًا في تلك الحادثة فلا بد لنا، إذا أردنا أن نستفيد منها كما يليق بها وبنا، أن نفتش عن الأبعاد الأخرى، فثمة غاية قائمة بذاتها من هذا التلخيص للرسالات الإلهية، وهو ليس أمرًا ثانويًا بالتأكيد، بل دفع لأجله دم العترة وسبيت لأجله نساء الرسول صلوات الله عليه.

التحميل الكتاب

عن الكاتب:

هادي قبيسي؛ باحث في القضايا الإسلامية، له كتاب “جدلية المعرفة الزمنية والحضورية عند الإمام الخميني”، و”حركة التشيع، قراءة في تاريخ الإجتماع السياسي”، ومجموعة مقالات في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky