الاجتهاد: نعرض لكم بعض فتاوى العلماء في مجال حقوق الطبع والنشر، وقد ندر من الفقهاء من تعرّض لهذا البحث؛ لحداثة موضوعه، فلم نجد لهذا الموضوع أثراً في كتب قدماء الفقهاء. نعم، قد تعرّض المعاصرون من الفقهاء لهذا الموضوع من خلال أسئلة واستفتاءات قد وجّهت إليهم.
وأمّا بصورة البحث الاستدلالي فقد تعرّض له السيّد صادق الروحاني في كتاب المسائل المستحدثة تحت عنوان «حقّ التأليف» (1)، ووجدنا إشارات لهذا البحث في كتاب الحقوق للسيّد محمّد الشيرازي (2).
وتعرّض لهذا البحث حقوق الطبع والنّشر الدكتور فتحي الدريني من جامعة دمشق تحت عنوان « حقّ الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن » (3).
وأمّا ما وجدناه في الاستفتاءات فقد ورد في أجوبة الاستفتاءات للسيّد علي الخامنئي ـ دام ظلّه ـ ما يلي:
سؤال رقم (257): ما هو حكم إعادة طبع الكتب والمقالات التي تستورد من الخارج أو المطبوعة في داخل الجمهورية الإسلامية بلا إذن من ناشريها؟ وعلى فرض وجود الإشكال فيها، فما هو حكم بيع وشراء الكتب التي تمّ تجديد طبعها سابقاً من غير علم بهذا الموضوع ؟
وكان جوابه بهذه الصورة حيث قال سماحته: مسألة إعادة الطباعة أو التصوير بالاُوفسيت بالنسبة للكتب المطبوعة خارج الجمهورية الإسلامية خاضعة للاتّفاقيات المعقودة بشأنها بينها وبين تلك الدول، فإن كانت هناك اتّفاقية مع الدول التي طبع فيها الكتاب فلابدّ من الالتزام بمفاد الاتّفاقية، وإلا فليست هناك أيّة قيود أو التزامات في هذا المضمار.
وأمّا الكتب التي طبعت في داخل البلاد فالأحوط رعاية حقّ الناشر بالاستجازة منه في إعادة وتجديد طبعها. وعلى كلّ حال، فلا مانع من بيع وشراء الكتب التي اُعيد طبعها ولا في الانتفاع بها وإن كانت إعادة طبعها من دون إجازة (4).
وأنت ترى أنّ المناط في الفرع الأوّل من المسألة قد أوكله السيّد إلى الاتّفاقيات بين الدول، وهذه الاتّفاقيات العقلائية قد أمضاها الشارع وقد اعترف بما اعترف به العقلاء من ثبوت الحقوق للمؤلّفين، وعلى أيّ حال فهذه الاتّفاقيات هي الحافظة لحقوق الطبع والنشر . وأمّا ما يخصّ الاحتياط بالنسبة للكتب المطبوعة داخل البلاد فلعلّ سماحته احتاط من باب عدم وجود الدليل القطعي على حفظ الحقّ للمؤلّف ، وعلى هذا فلا بأس به ؛ لأجل إمكان الاحتياط .
وجاء في السؤال (258): يرى البعض أنّ الاختراعات والآثار الفنّية والفكرية إذا صدرت من فكر أصحابها فلا تعود بعد الانتشار ملكاً لهم ، فما مدى صحّة هذا الرأي؟ وهل يجوز أن يتقاضى المؤلّفون والمترجمون وأصحاب الآثار الفنّية مبلغاً من المال كعوض لأتعابهم أو كحقّ للتأليف إزاء ما بذلوه من جهد ووقت وأموال لإعداد ذلك العمل ؟
وكان جوابه ـ دام ظله ـ : يحقّ لهم مطالبة الناشر بما يشاؤون لقاء منحهم النسخة الاُولى أو الأصلية لذلك الأثر العلمي والفنّي لغرض النشر والطبع .
سؤال(259): لو استلم المؤلّف أو المترجم أو الفنّان مبلغاً من المال إزاء الطبعة الاُولى، واشترط مع ذلك لنفسه حقّاً في الطبعات اللاحقة ، فهل يجوز له مطالبة الناشر بشيء في الطبعات اللاحقة ؟ وما هو حكم استلام هذا المبلغ ؟
الجواب: على فرض اشتراطه ذلك على الناشر ضمن الاتّفاق معه عند تسليم النسخة الاُولى إليه فلا إشكال فيه، ويجب على الناشر الوفاء بشرطه .
سؤال ( 260): لو لم يذكر المصنّف والمؤلّف في إذنه للطبعة الاُولى شيئاً بشأن الطبعات اللاحقة، فهل يجوز للناشر المبادرة إلى إعادة الطبع بلا استجازة منه من جديد ومن غير إعطائه مبلغاً من المال ؟
الجواب: إن كان الاتّفاق المعقود بينهما في إجازة الطبع مقصوراً على الطبعة الاُولى فقط فالأحوط مراعاة حقّه واستئذانه في الطبعات اللاحقة أيضاً .
وهنا نقول: الاحتياط وإن كان حسناً على كلّ حال ، إلا أنّه ـ على الظاهر ـ لا وجه لهذا الاحتياط، اللهمّ إلا أن يكون السيّد ـ دام ظلّه ـ من القائلين بعدم سقوط الحقّ في الطبعة الاُولى .
سؤال (261): في حالة غياب المصنّف لسفر أو وفاة أو ما شابه ذلك، فهل يجب أن يستأذن منه في إعادة الطبع؟ ومن الذي يستلم المال؟
الجواب: يرجع في ذلك إلى ممثّل المصنّف أو قيّمه الشرعي أو إلى وارثه بعد وفاته .
ويظهر من جوابه ـ دام ظلّه ـ أنّه من القائلين بأنّ هذا النوع من الحقوق يصل إلى الورثة .
سؤال (262) : هل يجوز طبع الكتب من غير إذن صاحبها مع وجود عبارة «جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف» ؟
الجواب: مجرّد قيد العبارة المذكورة لا يثبت حقّاً لأصحاب الكتب، ولكنّ الأحوط مع ذلك مراعاة حقوق المؤلّف والناشر بالاستئذان منهما في تجديد الطبع.
ولعلّ الظاهر من عبارته ـ دام ظلّه ـ أنّ الحق ثابت للمؤلّف ومحفوظ له في مقام الثبوت، لكنّ العبارة المكتوبة على ظهر الكتاب « حقوق الطبع محفوظة للمؤلف » لم يكن لها كاشفية عن المطالبة بهذا الحقّ .
سؤال (263): يوجد على بعض أشرطة القرآن والتواشيح عبارة «حقوق التسجيل محفوظة» فهل يجوز في هذه الحالة استنساخها وإعطاؤها للراغبين فيها ؟
الجواب: الأحوط الاستئذان من الناشر الأصلي في استنساخ الشريط .
سؤال (264): هل يجوز استنساخ الأشرطة الكمبيوترية؟ وعلى فرض الحرمة فهل تقتصر على الأشرطة المدوّنة في إيران أو تشمل الأشرطة الأجنبية أيضاً؟ علماً أنّ بعض الأشرطة الكمبيوترية ـ نظراً لأهمّية محتواها ـ لها أثمان باهظة جدّاً .
الجواب: الأحوط في استنساخ الأشرطة الكمبيوترية أيضاً مراعاة حقوق أصحابها بالاستئذان منهم في ذلك .
سؤال (266): يأتي بعض الأشخاص إلى محّل تصوير الأوراق والكتب فيطلب تصوير ما لديه، ويرى صاحب المحلّ ـ وهو من المؤمنين ـ أنّ هذا الكتاب أو الورقة أو المجلة تنفع المؤمنين، فهل يجوز له تصويرها من دون استئذان صاحب الكتاب ؟ وهل يختلف الحال لو علم أنّ صاحب الكتاب لا يرضى بذلك؟
الجواب: الأحوط أن لا يبادر إلى تصويرها بلا إذن صاحبها، ولا يترك الاحتياط فيما لو علم بعدم رضا صاحبها بذلك .
سؤال ( 267): بعض المؤمنين يستأجرون أشرطة فيديو من محلات تأجير الأشرطة، وإذا نال الشريط إعجابهم يقومون بتسجيله أو نسخه من دون إذن صاحب المحلّ؛ من باب أنّ حقوق الطبع غير محفوظة عند كثير من العلماء، فهل يجوز لهم ذلك ؟
وعلى فرض عدم جوازه وقام أحدهم بالتسجيل أو النسخ، فهل عليه الآن إعلام صاحب المحلّ أو يكفيه محو المادّة المسجّلة على الشريط ؟
الجواب: الأحوط ترك استنساخ الشريط بلا إذن صاحبه، ولكن لو بادر إلى الاستنساخ بلا استئذان لم يجب عليه الإمحاء ولا إعلام صاحب الشريط بالأمر .
وقد يتبادر إلى الذهن السؤال عن علّة عدم وجوب المحو وعن عدم وجوب إخبار المالك الأصلي بالاستنساخ .
ونقول في مقام الجواب: قد يكون الدليل موجوداً على المنع من الاستنساخ، لكن لا يوجد ما يدلّ على لزوم إخبار المالك الأصلي بذلك، ولا ما يدلّ على المحو ، وإتلاف ما استنسخ ، مخالف لسيرة العقلاء .
وقد يكون من قبيل ما ورد في الفقه من حرمة صنع التماثيل وحرمة بيعها وعدم حرمة اقتنائها، كما هو واضح لمن راجع الرسائل العملية.
وفي تحرير الوسيلة للإمام الخميني (قدس سره): ما يسمّى عند بعضٍ بحقّ الطبع ليس حقّاً شرعيّاً، فلا يجوز سلب تسلّط الناس على أموالهم بلا تعاقد وتشارط، فمجرّد طبع كتاب والتسجيل فيه بأنّ حقّ الطبع والتقليد محفوظ لصاحبه لا يوجب شيئاً، ولا يعدّ قراراً مع غيره، فجاز لغيره الطبع والتقليد، ولا يجوز لأحد منعه عن ذلك .
وما تعارف من ثبْت صنعة لمخترعها ومنع غيره عن التقليد والتكثير لا أثر له شرعاً، ولا يجوز منع الغير عن تقليدها والتجارة بها ، وليس لأحد سلب سلطنة غيره عن أمواله ونفسه (5).
ويظهر من كلامه (قدس سره) أنّ حقوق الطبع والنشر محفوظة لأصحابها بالتعاقد والتشارط ، ويظهر أيضاً أنّه لا قيمة للعبارة المكتوبة « حقوق الطبع محفوظة » ولا تعدّ شرطاً ضمنياً .
وفي صراط النجاة: هل يجوز طبع أيّ كتاب بكمّيات تجارية ـ في بيروت مثلاً ـ بدون إذن مؤلّف الكتاب أو ناشره في صورة وجود عبارة « حقوق الطبع محفوظة للمؤلّف أو الناشر » أو عدم وجودها ؟
الجواب: نعم يجوز ذلك، والله العالم (6).
وفي إرشاد السائل للسيّد الكلبايكاني (قدس سره): هل إنّ حقوق الطبع ثابتة للمؤلّف ؟
باسمه تعالى: ليست ثابتة شرعاً، والله العالم (7).
وتوضيحه نظير ما تقدّم في فتوى السيّد الخوئي (قدس سره) .
وفي الفتاوى الميّسرة للسيّد علي السيستاني ـ دام ظلّه ـ : بعض دور النشر تقوم بطبع كمّيات تجارية من كتابٍ ما بدون إذن مؤلّف الكتاب أو ناشره رغم وجود عبارة: حقوق الطبع محفوظة للمؤلّف أو الناشر ؟
الجواب: لا أثر للكتابة المذكورة إلا في إطار قانون ينظّم حقوق المؤلّفين والناشرين ونظرائهم ويكون ممضى من قبل الحاكم الشرعي (8).
ويفهم من كلامه ـ دام ظلّه ـ أنّ المؤلّف أو الناشر يحقّ له المطالبة ـ فيما إذا خالف الغير ونشر الكتاب ـ بشرطين:
الأوّل: وجود قانون عقلائي ينظّم حقوق المؤلّفين والناشرين .
الثاني: أن يكون ذلك القانون ممضى من قبل الحاكم الشرعي .
السؤال: ما هو المقدار الذي امضاه سماحة السيد السيستاني (دام ظله) من قانون حقوق الطبع و النشر وفي اي البلدان؟
الجواب: سماحة السيد لا يسمح بمخالفة القوانين المذكورة المتبعة في البلاد الاسلامية.
السؤال: ما هوالحكم الشرعي لمن اخذ الابحاث العلمية لجميع المستويات لاجل التزود بالعلم او فائدة المجتمع من الباحث او العالم الذي يعلم عدم رضاه باعطاء بحثه العلمي بشكل عام او يرضي بذلك لكن مقابل اموال مع عدم اطلاع الباحث بهذا الامر؟
الجواب: لا يجوز اذا استلزم تصرفا في ممتلكاته.
سماحة السيّد علي السيستاني:
سؤال: هل يجوز نسخ الأشرطة؟ علماً بأنّ بعض الأشرطة غير متوفّرة داخل البلد، أو الحصول عليها صعب(موجود داخل الجمهورية)،ومكتوب على بعض منها: «حقوق الطبع محفوظة» لشركة موجودة داخل الجمهورية وخارجها، وبعضها تكون أساساً نسخاً فتمسح كلمة «حقوق الطبع محفوظة» لكي يتمّ بيعها بسعر زهيد، وإذا كانت لديّ أشرطة فماذا أفعل؟ نوع الأشرطة (فيديو ،كاست، العاب تسلية، الكمبيوتر).
الجواب: إذا كان القانون لا يسمح بالنسخ فيما كتب عليه ذلك فسماحة السيّد لا يجيز ذلك، ويجوز النسخ فيما لم يكتب عليه ذلك (9).
وفي أجوبة الاستفتاءات للسيّد علي الخامنئي ـ دام ظلّه ـ: وهب شخص في وصيّته جميع ما في البيت لزوجته، وكان في البيت مؤلّف بخطّ الموصي، فهل الزوجة ـ مضافاً إلى امتلاكها هذا الكتاب ـ تملك أيضاً الحقوق الناتجة عنه كحقّ الطبع والنشر، أم أنّ للورثة الآخرين نصيباً في ذلك أيضاً ؟
الجواب: حقوق طبع ونشر الكتاب المؤلّف تابعة لمالك الكتاب، فمن وهبه المؤلّف كتابه في حياته وأقبضه إيّاه أو أوصى به له فصار له بعد وفاته تختصّ به جميع الامتيازات والحقوق المتعلّقة به (10).
وجاء في توضيح المسائل للشيخ حسين علي المنتظري: الظاهر اعتبار حقّ الطبع؛ بمعنى أنّ ما يكتب على الكتاب ـ مثلاً ـ « حقّ الطبع محفوظ » لا يجوز نسخه أو طبعه بلا رضا صاحبه ، وكذا الاختراع لو كان مسجّلاً باسم المخترع ، أو كان قد باع ما ابتكره بشكل مشروط (11).
وقال السيّد محمّد الشيرازي (قدس سره): حقوق الطبع، الترجمة، نقل التأليف، كلّها من حقوق مبتكريها الخاصّة بهم لو كان ذلك في نظر العرف حقّاً، ولابدّ من مراعاته شرعاً أيضاً (12).
وجاء في سؤال في جامع المسائل للشيخ النكراني (قدس سره) ما نصّه: هل تبيح الضرورة والحاجة لتدريس كتاب في المؤسّسات العلمية نسخ وطبع كتاب الغير بدون إذن مؤلّفه لو جعل الطبع حقّاً من حقوقه الخاصّة به ؟
فكان جوابه (قدس سره): حقّ الطبع من الحقوق العقلائية الثابتة والمنحصرة بالمؤلّف أو الناشره، وعليه فلا يجوز تكثيره ونسخه بلا إذن أصحابه (13).
وجاء في استفتاءات الشيخ الصانعي (ص: 306) بعد السؤال عن حفظ حقوق الطبع والنشر ما نصّه: له حقّ المنع؛ لأنّ الإنسان مسلّط على ماله، والتصرّف في مال الغير (الطبع من غير إذنه يستلزم تصرّف) بدون الرضا حرام .
الهوامش
1. المسائل المستحدثة ( للسيّد صادق الروحاني ) : 220 .
2. كتاب الحقوق ( للسيّد الشيرازي ) : المجلّد المئة .
3. حق الابتكار ، طبع ونشر مؤسسة الرسالة .
4. أجوبة الاستفتاءات 2 : 91 ، ط ـ الدار الإسلامية .
5. تحرير الوسيلة 2 : 625 .
6. صراط النجاة 1 : 252 ، ومثله ورد في منية السائل : 208 .
7. إرشاد السائل : 191 ،سؤال 712 .
8. الفتاوى الميسرة : 412 .
9. استفتاءات السيد علي السيستاني : 1759446 .
10. أجوبة الاستفتاءات 2 : 245 ، السؤال 683 .
11. توضيح المسائل ( الفارسي ) : 517 ، م 2881 .
12. توضيح المسائل ( للسيّد الشيرازي ) : 547 .
13. جامع المسائل : 476 .
المصدر: مقالة بعنوان ” حقوق الطبع والنشر محفوظة أم لا ؟ / القسم الثاني.. الأستاذ عبد الحليم عوض الحلّي – نشرت في العدد: 48 من مجلة فقه أهل البيت.
حقوق الطبع والنشر محفوظة أم لا ؟ (1) / الشيخ عبد الحليم عوض الحلي