القيادة السياسية لعلماء الدين

القيادة السياسية لعلماء الدين: وظيفة ثانوية أم ولاية ثابتة بالاصالة؟ /العلامة عفيف النابلسي

الاجتهاد: مع اطروحات الصدرين والامام الخميني أصبحت المسؤولية القيادية السياسية جزء لا يتجزأ من وظيفة عالم الدين. وهنا يجب أن أؤكد أنه عندما نتحدث عن القيادة السياسية لعلماء الدين او للولي الفقيه فإننا لا نتحدث عن وظيفة ثانوية وإنما عن ولاية ثابتة بالأصالة.

في هذا المسار التصاعدي لمدرسة الفقه والفقهاء والعلماء التي قادت صحوة إسلامية معاصرة تجلت محركيتها وفاعليتها بشكل خاص على الساحتين الايرانية واللبنانية, شكلت ظاهرة علماء الدين وحضورهم البارز في الحياة العامة وتأثيرهم على المجريات والوقائع السياسية في بيئاتها المتعددة شروط التوازن الحركي الجديد في مسيرة المواجهة الصارخة بين الإسلام والإستكبار.

وقد رسم علماء الدين الإطار العام لحركة الجماهير المسلمة التي كانت تعاني من مشاكل عدم اكتمال قوالبها التنظيمية وهياكل عملها المؤسسي، في ظل تجربة ميدانية معقدة تحتاج إلى أصول وقواعد ومستندات نصوصية بأبعادها الفقهية ـ السياسية.

ولكن أهم ما يمكن ملاحظته خلال الفترات الأولى من عمر هذه الصحوة الإسلامية في ايران ولبنان أنّ آليات العمل وأدواته لم تكن محددة ومشخصة لتحقيق الفعالية الوظيفية المطلوبة بل كانت تتراوح بين التلقائية العفوية, والذاتية البحتة التي تقف عند حدود ما هو واقع وما هو مأمول.

وهذا ليس عيباً على المشروع الاسلامي النهضوي الذي حمله فقهاء الحوزات وعلماؤها وإنما هو نتاج أمر بشري يخضع لطبيعة الظروف الحاكمة على التجربة داخلياً وخارجياً. بيدَ أنه يمكن الادعاء خصوصاً منذ ستينيات القرن الماضي ومن خلال فقهاء ثلاثة هم الامام موسى الصدر في لبنان والامام محمد باقر الصدر في العراق والامام الخميني في ايران، أن محتوى المشروع الاسلامي بمضمونه الفكري والعقائدي والفقهي والسياسي كان واضحاً عندهم في أهدافه وغاياته الإجتماعية والإنسانية.

فهؤلاء الثلاثة قدموا أُطروحات تتعلق بالأسس والمباني التي تلعب دور الدعامة النظرية والمشروعية الدينية المرتبطة بالأشكال التطبيقية للعمل السياسي سواء على مستوى الثورة وحركة الجماهير أو على مستوى الدولة وبناء السلطة السياسية الإسلامية.

فرسموا في واقع الأمة اتجاهات جديدة تمثل إيجابية هامة على صعيد النص السياسي وحالة من حالات الدينامية التي كان يحتاجها المسلمون في حياتهم الفردية والإجتماعية.

وأظهروا ان مهمة الفقهاء وعلماء الدين لا تنحصر فقط في الشؤون العبادية والاخلاقية المحدودة, وإنما تشمل النظر في أحوال الناس وأوضاعهم حراسة وتوجيهاً وإرشاداً, وتتصل اتصالاً وثيقاً بتنظيم الحياة الفردية والاجتماعية للمسلمين ضمن الدوائر المكانية التي تسمح أرضيتها مزاولة النشاط والعمل فيها.

ولكن هذا المسار المعقد لهذا المنهج الذي يعتبر السياسة عين الدين والدين عين السياسة وأنه لا فصل بينهما بل هما كلُ واحد, قابله منهج أخر تسرب إلى الحوزة العلمية وإلى العديد من علماء الدين.

وقد عكست بعض التيارات الغربية العلمانية التي كانت على خلاف حاد مع الكنيسة ورجال الدين المسيحيين أراءها وأفكارها القائمة على فصل الدين عن السياسة، إضافة إلى التجارب القهرية والقاسية التي مر بها فقهاء وعلماء الشيعة على بروز قراءات فقهية وكلامية تطلب من علماء الدين الاكتفاء بالواجبات العبادية وعدم التدخل في أي شأن عام لأن ذلك يعرض صورتهم المتعففة للنقد وهالتهم القدسية للتشويه الى غير ذلك من الأسباب.

ومع الوقت تحول هذا المنهج إلى منهج انعزالي انطوائي انكفائي ترك للمستأثرين والمستكبرين والمتسلطين أن يستحوذوا على مساحة الحياة بكل أبعادها.

وهناك نصان للامام الخميني رضوان الله تعالى عليه يدلل فيه على هذه الحالة فيقول: “المستعمرون أشاعوا في المناهج الدراسية ضرورة فصل الدين عن السياسة وأوهموا الناس بعدم أهلية علماء الإسلام للتدخل في شؤون السياسة والمجتمع”.

وعلى هذا الأساس نسمع اليوم من كثير من المفكرين العلمانيين أو المثقفين والكتاب المتأثرين بمقولة فصل الدين عن السياسة يطلبون من رجال الدين الكف عن التدخل في هذا الحقل الذي هو حصراً لأهل السياسة.

وخصوصاً ان مثل هذا الموقف الحاد من هؤلاء هذه الايام، في العالم الإسلامي ولبنان على وجه التحديد، يترافق مع سلوك محاط بالالتباسات للعديد من رجال الدين سنة وشيعة الذين خرجوا من دائرة الممارسة القيمية والأخلاقية للدين إلى دائرة المصالح الذاتية والمكاسب الشخصية، وانخرطوا في لعبة حسابات أهل السياسة وأقاموا تحالفاً مصلحياً معهم من دون أن يميّز هؤلاء المثقفون والمفكرون والكتاب بين تجار الدين أو ما نسميهم في عرفنا وعّاظ السلاطين وبين العلماء الربانيين الذين يحاولون جهدهم لإشاعة القيم السماوية بين الناس.

أما النص الآخر للإمام الخميني فيقول فيه: “عندما انتشر مفهوم فصل الدين عن السياسة وأصبحت الثقافة في منطق الأغبياء تعني الغرق في الاحكام الفردية والعبادية أصبح الفقيه تلقائياً عاجزاً عن كسر هذا الحصار ليدخل في السياسة والحكومة، وأصبحت حماقة الروحاني في معاشرة الناس فضيلة… يزعم البعض ان الروحانيين يستحقون الاحترام عندما يقطر وجدهم حماقة وإلا فلن يكون أحدهم سياسياً وروحانياً وعالماً والأكثر تديناً”.

وهذا النص موجه بشكل خاص إلى هذه الحالة المشيخية التي لا تريد أن تتحمل أي مسؤولية اجتماعية وترى أن أي تدخل في شؤون السياسة هو من خارج الوظيفة والمهمة الدينية.

ما يعني تضييق نفوذ الدين وإبعاده عن مجالات التدخل في شؤون الحياة العامة، وهذا الفهم يفضي إلى ان يكون الدين الإسلامي مقصوراً على الأحكام الفردية والعبادية من دون أن تكون له القدرة على تقديم تصورات وأُطروحات لتنظيم الامور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, وأن تكون له الادوات والوسائل العملانية لحل المعضلات والأزمات التي يعاني منها الانسان.

وما واجهه الامام الخميني(قدس) في ايران واجهه الشهيد الصدر في العراق، وكنت وقتها على اطلاع دائم نتيجة قربي من الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه، على الكثير من العقد التي كانت تحول دون أن ترى الحركة الإسلامية على يديه منجزات مصاحبة لطموحه الكبير.

ولا شك أن الضواغط والكوابح التي برزت من قبل علماء الدين إضافة إلى طبيعة النظام الديكتاتوري الدموي عاملان أساسيان في إخفاق التجربة العراقية.

أما في لبنان فإن جدلية السياسة والدين لم تنجُ من التباسات على أكثر من مستوى ودخول الامام الصدرإلى معترك الحياة العامة منذ بدايات الستينيات أحدث هزة داخل الجسم الديني والحوزوي، وانقساماً فكرياً بين مؤيد لحركة الامام ومعارضٍِ لها خصوصاً أنها أطاحت بكثير من الاعراف والتقاليد التي غدت مع الزمن قوالب جامدة يصعب اختراقها وتجاوزها.

وإذا كنّا نقر أن الوعي الديني لا يأتي دفعة واحدة بل ضمن مسار تراكمي من العمل الدؤوب. إلا أن ما أنجزه الامام موسى الصدر في فترة زمنية قياسية وفي ظل تركيبة لبنانية طائفية معقدة يفوق قدرتنا على تقديره والاحاطة بأبعاده.

وقد لاحظت أن الامام الصدر لم يكن يقيد نفسه بنماذج وتجارب لم تجد سبيلها الى النجاح أو الاكتمال بسبب ما أحاط بها من أوضاع وظروف، وإنما كان يرى أنه ملزم بخلق نموذج جديد وتجربة جديدة وتقديم صيغ وأشكال لحركة ضمن إطارها التاريخي والزماني والمكاني الواقعي.

وهكذا كان، حيث اجتهد ليعيش ويخوض تجربته هو، وأن يستفيد من خلال التواصل مع التجارب الماضية والحاضرة المحيطة به ما يعزز من موقعية تجربته وحضورها وفاعليتها في الأوساط الاسلامية العامة.

ولا شك ان ما قام به الامام موسى الصدر هو عمل تأسيسي ضخم شمل مختلف الميادين السياسية والفكرية والاجتماعية والتربوية والدينية والجهادية. ونحن ورثنا منه هذا الإرث الكبير وهذه الانجازات المباركة التي كانت جواباً لتساؤله وتساؤل علمائنا الاعلام عن غياب أو تغييب الدين عن ساحة الحياة.

فكان سعيه هو في استخراج الدين من الحصار المفروض عليه سواء كان هذا من قبل أعداء الدين الذين لا يريدون للاسلام أن يخرج ليسهم في سعادة الانسان وكرامته ورقيه، أو من قبل بعض علمائنا الذين نجل ونحترم، حيث أنهم فضلوا الابتعاد عن المجالات السياسية وأن يوجّه مسار الوعي الى الأمور الثقافية والمعرفية.

وأن تبقى الحوزات الدينية مهتمة حصراً بالشؤون التدريسية ورعاية مصالح طلابها. وهو فهم فقهي رسم دور عالم الدين ووظيفته والميدان الذي يجب أن يعمل فيه من دون ان تأخذ السياسة حيزاً ولو جزئياً في هذه الوظيفة وهذا الدور. وهذا ما أدى في لبنان على وجه الخصوص الى حرمان طائفة كبيرة من المشاركة في الحياة السياسية وأن يكون لها التأثير الفاعل في القرار الوطني.

ولكنَّ الامام موسى الصدر والامام الخميني والامام محمد باقر الصدر قاموا بتغيير المعادلة السائدة واستبدالها بأخرى تجعل عالم الدين منفتحاً على واقعه ومتفاعلاً معه ومطّلعاً على أحوال وهموم وشجون الناس والأمة، ومتابعاً لكل المتغيرات والتطورات التي لها صلة بوجود المسلمين وحضورهم وثقافتهم ومرتكزاتهم العقيدية.

وتصاعدت شيئاً فشيئاً قيادة علماء الدين واثبتت هذه القيادة قدرتها على مواكبة الجماهير المسلمة وعلى ملء الفراغات الفكرية والايديولوجية.

وهنا في لبنان كان لعلماء الدين دور بارز في ساحات العمل الديني والفكري والجهادي والسياسي على ضوء توجيهات ائمة هذا العصر الثلاثة الذين أعادوا إحياء الاسلام في النفوس والعقول وارجعوه الى زخمه وحرارته.

وأذكر بكثير من الاعتزاز الجهود التي بذلت في هذا السبيل من قبل علمائنا إبان الاحتلال الاسرائيلي، الذين التحق قسم منهم بالرفيق الأعلى، والتي نجحت في ايجاد ظاهرة جديدة من الوعي الاسلامي وأسست لجيل من المفكرين والمثقفين والجامعيين والمقاومين والاستشهاديين حيث شاهدنا وإياهم أعظم انتصارين في تاريخ الأمة ضد العدوين الطاغوتين الاسرائيلي والأمريكي في العامين 2000 و2006م.

ولأننا في لبنان، ومنذ اصطناع الكيان الصهيوني العنصري وحشره على حدود وتخوم وطننا وأرضنا، كنا نتعرض للتنكيل والاضطهاد والعدوان ومن ثم الاحتلال المباشر. فالواجب كان يحتم علينا أن ندافع عن هذا الدين وهذا الوطن وهذه الأرض وهذا الشعب، كما أن معادلة الوجود والحضور كانت تقتضي منا الكثير من التضحيات والدماء.

وبما أن العرب والمسلمين في قسمهم الأعظم كان مستسلماً ومتخاذلاً وقاعداً عن أداء أي دور في وجه الارهاب الصهيوني فاستوجب ذلك من العلماء أن يحركوا الواقع في سياق مواجهة العدو وصده بكل السبل والامكانات المتاحة.

فكانت الاعتصامات وحركات الاحتجاج تحت قيادة علماء الدين والتي امتدت من الجنوب مروراً ببيروت الى البقاع والتي حولّت لبنان الى بؤرة ثورية وساحة جهاد مفتوحة.

وإذا كانت الكثير من الأسئلة قد وجهت الى الامام موسى الصدر في حينه حول طبيعة وخلفيات ومشروعية تصديه للشأن العام من قبل بعضٍ من علماء الدين في لبنان، فإن أمثال هذه الأسئلة توجه اليوم الى السيد حسن نصرالله.

وإن ما تعرض له المسلمون الشيعة بشكل خاص اثناء الاحتلال الاسرائيلي من ضغوطات شديدة، ومن آلام ومآسي وتهجير وحرمان ضاعف من هذه الأسئلة. فبدءً من جدوى التحركات المطلبية والتظاهرات المعيشية والاحتجاجات السياسية الى جدوى العمل المقاوم المسلح وصولاً الى جدوى استمرار هذا العمل؟

ثم تتالت الأسئلة حول من يتحمل مسؤولية دماء وأرواح هؤلاء الشباب الذين يقاتلون بمفردهم عن الأمة؟ وكفى الشيعة هدراً لطاقاتهم واستنزافاً لقدراتهم؟ وأنه، من ناحية شرعية، لا يجوز القتال في ظل انعدام موازيين القوى ففيه اضرارٌ للنفس وإلقاءٌ لها في التهلكة.

ثم يجارى هذا المنطق بمنطق آخر يقول فيه اصحابه انه لا يجوز الجهاد والقتال وحمل السلاح في ظل غياب الامام المعصوم. ثم وفي كثير من التبسيط يقول هذا البعض كيف يسمح هذا السيد وذاك السيد بوضع نفسه في موضع الامام المعصوم؟

وكيف يحق له دفع الشباب الى الحرب من دون أن يستحصل على إذن الامام المعصوم؟ ومن أعطاه الرخصة لكي يقوم بهذا العمل وذاك، الى غيرها من الأقاويل العجيبة التي للأسف يستسيغها بعض العوام ويفتتنون بها ويقعون في حبائلها من دون دراية أو تبصر.

وكلما سمعت مثل هذا الكلام أجدني أعود سريعاً لمدرسة كربلاء وما حل بالامام الحسين(ع) والظروف التي رافقت ثورته ولأُذَكِّرَ من يحدثني بذلك بقول الشهيد محمد باقرالصدر في أيام محنته التي تُرِكَ فيها وحيداً: “إذن لا بد من حسين جديد لهذه الحركة، ولا بد من زينب، فلا يمكن لأي إنسان أن يمتلك كل هذه المواصفات التي يمتلكها الحسين(ع) ولا مقومات ثورته بالكامل، وإذا كان الأمر مستحيلاً فلا بد من قطار من الدماء ورتل ضخم من التضحيات تشكل بمجموعها جزءً من مقومات مأساة الطف لتحرك ضمير هذه الأمة الميتة وتوقظ مشاعرها وأحاسيسها، وعلى المسلمين أن يكونوا دائماً على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الاسلام متى استنصرهم لنصرته، لعل في قطار الدم عودة الى الواقع الرسالي الكريم”.

وهذا بالفعل والحقيقة ما قام به الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه حينما سمح لهذه الدماء أن تلبي وتنصر الاسلام، وهذا ما فعله الامام موسى الصدر ومن بعده الشهيد السيد عباس الموسوي وما يفعله اليوم قائد هذه المسيرة المباركة سماحة السيد حسن نصرالله.

أما كل هذه الأسئلة السالفة فإنها لا تبدو لي إشكاليات علينا أن نُعمل العقل لنجيب عنها، بل إنها أقرب الى المغالطات التي لا تصمد أمام اي نقاش جدي. فمباني الاسلام واضحة وإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن الدين والنفس أمور لا تستلزم أن نكثّرها بتعقيدات نستفرغ المعنى والمحتوى منها.

وكأنّ إقامة العدل والدعوة الى الحق والمطالبة بالمساواة ولقمة عيش المحرومين والدفاع عن النفس تستجلب مفسدة عظيمة أو توهن على أقل تقدير بعالم الدين الذي يعمل لذلك.

وقد يقرَّ البعض أن لا خلاف على هذه العناوين ولكن عندما نستحضر المفردات، كمفردة الدفاع عن النفس أمام العدو الاسرائيلي تُستحضر أنواع غريبة من التأويلات الفقهية والتفسيرات الكلامية، كل ذلك للهروب من الواجب الجهادي والحفاظ على السلامة الشخصية التي تحتجب بأثواب وأردية لا ارى أنه يمكن بعد اليوم الاحتماء أو التستر وراءَها، خصوصاً في بلدان مثل ايران ولبنان والعراق.

يتضح المجال أخيراً بواسطة بعض المعطيات التي اتيت على ذكرها، وعلى الرغم من الجدل المستمر حول العلاقة بين الدين والسياسة ومدى مشروعية وأحقية رجال الدين التدخل في الشؤون السياسية. أنّ شبهة سرت الى العقل والسلوك الحوزويين وأدت الى قصر دور الفقيه والعالم في مجرد التصدي للأحكام الفردية.

ولكن مع اطروحات الصدرين والامام الخميني أصبحت المسؤولية القيادية السياسية جزء لا يتجزأ من وظيفة عالم الدين. وهنا يجب أن أؤكد أنه عندما نتحدث عن القيادة السياسية لعلماء الدين او للولي الفقيه فإننا لا نتحدث عن وظيفة ثانوية وإنما عن ولاية ثابتة بالأصالة.

وانطلاقاً من هذه الرؤية التي تستند الى اعتبارات قيمية ـ دينية ـ إنسانية تدخل الكثير من القضايا المرتبطة بالشأن العام ضمن الشؤون التدبيرية لفقهاء الاسلام وعلمائه الربانيين الذين يملكون ورعاً يحجزهم عن معاصي الله وحلماً يملكون به غضبهم وحسن ولاية على من يلون.

ويصبح الرجوع إليهم لكفايتهم الوظيفية وأهليتهم التدبيرية ولعدالتهم وأمانتهم وخشيتهم من الله عز وجل أمراً يتعلق بالحفاظ على الرسالة الاسلامية.

وأعود الى لبنان لأقول إنّ قيادة علماء الدين لهذه المسيرة شقت الطريق أمام خروج الاسلام الى الضوء ولا شك أن قائدين فذين كالامام موسى الصدر والسيد حسن نصرالله أعادا الاعتبار للهوية الجمعية للمسلمين في لبنان، وترجما انجازات عظيمة سيكتبها التاريخ بحروف من نور، فتمتعهما بقدرات قيادية وسياسية وتوجيهية وتحريكية وتعبوية يعتبر من أهم الشروط المطلوبة لتغيير المعادلة لصالح الإسلام.

الإسلام الذي لا يقبل التقادم بل يشع من خلال العلماء الربانيين قيماً وأخلاقاً ومعرفة وحرية وعزة وكرامة ورحمة واسعة للعالمين.

ونحن وعلى مسافة أيام من عدوان تموز2006 يجب على علماء الدين العاملين أن يفخروا بما تم انجازه على الساحة اللبنانية، وأن يفخروا أن الحوزة العلمية أنجبت قيادات ملهمة استطاعت أن تعيد الاسلام الى توهجه وحيويته وثوريته على الرغم من حملات التشويه والتضليل، وأن ترسم بارقة أمل للأجيال المقبلة بأن الاسلام سيكون قوة الدفع الأساسية في هذا العصرالتي ستغير العالم وتحقق فيه الأمن والسلام.

 

1. المصدر: جريدة الديار:الاثنين 30 حزيران 2008,العدد7013 ,السنة 21 الصفحة 7. جريدة السفير:الأربعاء 2-7-2008 ,العدد 11038, السنة 35, الصفحة 19 سماحة الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky