شمس الدين

التطورات الملحوظة في الحياة الفكرية للشيخ شمس الدين.. حوار مع الشيخ شفيق جرادي

خاص الاجتهاد: يُمكن أن يقول أنّ الذي كان يَشغَل بال وأفكار الشيخ محمد مهدي شمس الدين، هي المسألة الاجتماعية للناس، ولِلمُسلم. وهو أمر لعلّه لم يقتصر على الشيخ شمس الدّين. بل كلّ أبناء جيله كانوا على مثل هذا الحال، سواءً من الشيعة كالسيد محمد باقر الصدر” رحمه الله” أو السيد محمد حسين فضل الله “رحمه الله ” أو.. آخرين من أهل الفقه وأهل الفكر. كذلك رجالات كبار من علماء ومفكّري أهل السنة الأعزاء، كانوا أيضاً على نفس المنوال.

يتحدث رئيس معهد المعارف الحكمية (للدراسات الدّينية والفلسفية) سماحة الشيخ الدكتور شفيق جرادي في هذا الحوار عن زوايا وخصائص أفكار الشيخ محمد مهدي شمس الدين التي لم يتطرق بها من قبل. يعتقد خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان أن من خصائص الشيخ شمس الدين كانت “المعاصرة.” فهو دائماً كان يسعى من أجل أن يجعل من الفكر الإسلامي والهوية الإسلامية عند معالجته لأي قضيّة من قضايا المجتمع والحياة والأفكار والمفاهيم، أن يُقدِّمها بلَبُوسٍ معاصر.

وفي ما يلي نقدم لكم الحوار الذي أجرينا مع فضيلته بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين”رحمه الله”

ما هي خصائص أفكار الشيخ محمد مهدي شمس الدين؟

لقد حَمَلَتْ أفكار الشيخ محمد مهدي شمس الدين منذ بداياته الأولى إلى حياته الأخيرة تطوّرات ملحوظة.
إلا أنَّ العامل المشترك ما بين جملة هذه الأفكار والتحقيقات والأبحاث، هي اتصافها أولاً بالرّصانة العلميّة والمَنهجيّة التي تقوم على الدّراسة الواعية والمُتأنيّة والعميقة في نفس الآن.

ثانياً: لقد كان الشيخ “رحمه الله” يسعى جاهداً على الدّوام أن يأتي بما هو مُبْتَكَرٌ في أفكاره. كان نُزوعُهُ نحو الابتكار في الأفكار. خاصيّة يُمكن أن يَلحَظُها أيّ قارئٍ لسماحة الشيخ شمس الدّين.

ثالثاً: اعتمدَ على عقلٍ أصوليّ فيه شيءٌ من المَنهجِ الفلسفي، عند نظرته إلى الأمور وتقييمِها. بحيث أنَّ أيِّ معنى وأي مفهوم، يريد أن يعالجه، كان يستحضره بعمق، تلك الأصولية الحوزوية التي يعتمدها على الدَّوام، وهذا العقل النَّقدي الفلسفي الحُرّ.

بعد ذلك يمكن لي أن أقول أنه من خصائصه أيضاً هي:” المعاصرة “. هو دائماً كان يسعى من أجل أن يجعل من الفكر الإسلامي والهوية الإسلامية عند معالجته لأي قضيّة من قضايا المجتمع والحياة والأفكار والمفاهيم، أن يُقدِّمها بلَبُوسٍ معاصر، يحاكي العقل الحَدَاثَوي، ويُحاكي أيضاً طُمُوحات المُسلم في زَمَنِه الذي يعيش فيه.

الخاصية الأخيرة أريد أن أذكرها هي أنّه “رحمه الله” كان يسعى دوماً نحو مراجعة تاريخ الفكرة وتاريخ الأفكار وتاريخ القضايا.

حينما عالج على سبيل المثال، ثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، لم يُعالجها كمجردِ حدثٍ تاريخي، بل تعامل معها كقضية يُمكن أن يُطبِّقَ عليها مَنهجية البحث التاريخي، الذي يَستَحضر تلك المرحلة في وعينا المعاصر اليوم. وهذا الشّأن المرتبط بالتحقيقات التاريخية، كانتْ أساساً من الأُسُس التي يَشتَغِل عليها الشّيخ شمس الدين.

في المرحلة الأولى لحياته يُمكن لي أن أقول أنّ الذي كان يَشغَل بال وأفكار الشيخ محمد مهدي شمس الدين، هي المسألة الاجتماعية للناس، ولِلمُسلم. وهو أمر لعلّه لم يقتصر على الشيخ شمس الدّين. بل كلّ أبناء جيله كانوا على مثل هذا الحال، سواءً من الشيعة كالسيد محمد باقر الصدر” رحمه الله” أو السيد محمد حسين فضل الله “رحمه الله ” أو.. آخرين من أهل الفقه وأهل الفكر. كذلك رجالات كبار من علماء ومفكّري أهل السنة الأعزاء، كانوا أيضاً على نفس المنوال.

ولعلّ المحور في تلك المعالجة هي ضرورة حضور الإسلام في حياة الناس على ثابتٍ، هي مفهوم الأمة. الأمة ببعدها العقائدي وبامتداداها العقائدية السياسية، بنَظْرَتها للإدارة، ونظرتها للحكم وللثورة، ونظرتها للأزمات الاجتماعية والسياسية .. إلى آخره. كلّ ذلك من هذه الزاوية ومن هذا البُعد.

لكن في مراحله الأخيرة، حينما دخل المُعتَرَك السّياسي من موقعٍ مُشرِفٍ على كثير من الحِراك السياسي والشأن العام، لُوحِظَ أنَّ الإطار الذي ينتمي للخصوصية القُطرية، أخذ تَنحوا منحاً خاصاً في فكر سماحة الشيخ، واعتبر أنّ الامتداد الذي يمكن أن يَدخُلَ في كل ثنايا حركة الأمة والامتداد الذي يرتبط بالفقه نفسه وبالقانون، وممازجة هذا القانون مع الأفكار.

إما حينما إذا نريد أن نمارس فَعلاً رسالياً أو سياسياً، البُعد القُطري أو البُعد الوطني دعوني أقول، كان هو الغالب على نمط تفكيره، حينما عالج مسألة الاجتماع السياسي، أو حينما عالج مسألة الأحوال الشخصية، أو حينما عالج مسألة ولاية الأمة على نفسها.

وأخيراً وتحديداً عندما عالج مفهوم الدَّولة المدنيّة، وإن كانت معالجته لمفهوم الدولة المدنيّة، لم تَدخُل إلى مرحلة التفاصيل إذ عاجله الموتُ ولم يُكمِل مشروعه في البحث من مسألة المجتمع المدني.

إذاً حصل تطّور ما أو حصل تبدّل ما جعله على مسافةٍ بعيدة عن أطروحة ولاية الفقيه من جهة، وعن الحديث حول وحدة الأمة على الامتداد العقائدي، وتعامَلَ مع وحدة المسلمين، كأنّما هي قِيمَة من القِيَمِ الأخلاقية التي لابدّ منها والتي يمكن أيضاً أن تُضاهي في معنىً من المعاني، مفهوم الإمامة.

يعني أثار إشكالية أنّنا لو تَضارَبَت لدينا تبنّينا لوحدة المسلمين أو مبدأ الإمامة، لقدَّمنا فكرة وحدة المسلمسن على مبدأ الإمامة.

ما يشير إلى ما كنت أقوله وهو أنّ مفهوم الأمة بالمعنى العقائدي والذي يؤسس لي ثابت للإمامة، ولكن حينما تلحظ الأمة بحيثيتها السياسيّة التي تدخل في هذا القطر أو ذاك وفي هذا البلد أو ذلك، فمسألة المعالجة الاجتماعية السياسية التي يدخل فيها مبدأ وحدة المسلمين، كانت هي مورد الاهتمام في حياته الأخيرة وهي الأصل الذي بنا عليه أفكاره.

من أين بدأت التعارضارات العلمية بين الشيخ شمس الدين والعلامة محمد حسين فضل الله؟

أنا أعتقد أن كلاً من السيد المرحوم محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، كانا في البداية من مدرسةِ واحدة ومن مَشرب إسلامي واحد.

كلاهما درسا في النجف وكلاهما عاشا حياةً عَمَليّةً وانتظاماً فكرياً سياسياً مبنى على أفكار الحركات الإسلامية آنذاك من الإخوان المسلمين إلى حزب التحرير إلى حزب الدعوة. وكلاهما كانا في نفس مَشرب معالجة المشكلة الاجتماعية للمسليمن. وكلاهما إهتم بتسيير أمور المسلمين في الحياة .

لكنّ الفوارق هي في طريقة المعالجة .

كان فكر السيد محمد حسين فضل الله أقرب إلى استحباب النص على النظام ولمخاطبة الوجدان المسلم. حتى حينما يحاكي العقل، يحاكيه بلغة وجدانية وبخطاب وجداني.

أما الشيخ محمّد مهدي شمس الدين قد كان ميّالاً دوماً للبحث عن طبقات الفكرة في التاريخ وفي الدِّلالة وفي فقه المُصطلح ويلجأ إلى كثير من الدّراسات المعاصرة من أجل أن يُقيّم تلك المطالب.

واختلفا فكريّاً، بأن السيد محمد حسين فضل الله حافَظَ على ولاية الفقيه وإن كان آمَنَ بتعدُّد الولي الفقيه. أما الشيخ محمد مهدي شمس الدين فأطلّ على الناس من مذهب في علم الاجتماع السياسي كما يقول. وهو مبنى فقهياً على ولاية الأمة على أنفسهم.

لما ذا لم يُقدَم الشيخ شمس الدين على مشروع لكتابة المتون الدروس الحوزوية رغم أنه كان من المجددين في الفقه والدين؟

للشيخ محمد مهدي شمس الدين بعض الدّراسات الفقهيّة التي كان قد كتبها في مرحلة حياته الدّرسيّة في النّجف.

ويمكن لي أن أذكر هذين الكتابين:

الكتاب الأول “نظام الحكم والإدارة في الإسلام” ولعلَّه الكتاب الأول للشيخ شمس الدين الذي كَتَبه في مُقتَبل العمر ثم أعاد تجديده في عُمُره الأخير.
الكتاب الثاني : “الاحتكار في الإسلام” وهو معالجة فقهية اقتصادية.

بعد ذلك يمكن لنا أن نتلمّسَ بعض التّوجّهات الفكرية التي أشار لها بابعادٍ فقهية وإن لم يَدرسها على نحو تفصيلي، لأن حلقته الدّرسية لم تستمر كثيراً …

جُمع له في فترة تدريسه للخارج كتاب “الاجتهاد والتقليد” وبعد ذلك يبدو أنه قد توقّف عن التدريس ولم يُكمل. وهذا كان سبباً واضحاً لعدم وجود متون دراسية له..

ما هي النشاطات الاجتماعية والسياسية للشيخ شمس الدين؟

الفعاليات الاجتماعية السياسية للشيخ شمس الدين: في لبنان منذ أن أتى إلى لبنان، أسّس الجمعية الثقافية وكان لها مركز في منطقة ببيروت اسمها ” الشَيّاحْ”. وكان يدرس مجموعة من المتدينين المؤمنين ويُصلّي في مساجد تلك المنطقة. بعد ذلك برز نجمه وكان موجودٌ في “مسجد العاملية” ببيروت الغربية في العاصمة بيروت، كإمام للمسجد ويتصدّى للحياة العامة وقضايا الناس.

إلى أن بدأت رحلته السياسية، خاصة بعد تغييب الإمام موسى الصدر ويتصدّى لرئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. كما أنه كان يمثّل المرشد الديني لحركة “أمل” وهناك خاض قِمار السياسة والتنظير السياسي والنشاط السياسي.

وخاض بعض المجالات التي ترتبط بموضوع وحدة المسلمين أو حوار الإسلامي المسيحي سواءً على مستوى لبنان أو الإقليم والمنطقة، بل كانت له مشاركات ومساهمات مشهودة في عواصم عالمية، وكان تُقَدِّم مؤتمرات ومشاريع كبرى في هذه الشؤون إلى أن توفّاه الله “رحمة الله تعالى عليه”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky