الصوم

الصوم في الإسلام والمسيحية واليهودية / وفاء حريري

الاجتهاد: لقد أنزل الله تعالى الديانات السماوية بهدف خدمة الإنسان وتطهيره روحيا من كافة الأمراض الدنيوية. وجعل لهذه الأديان فرائض واجبة، قد تتشابه بالاسم ولكن تختلف من حيث الممارسة، منها فريضة الصوم، وقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ”(1). سنتحدث في هذا المقال عن الصوم عند الديانات السماوية اللذين أجمعوا على أنه فترة الانقطاع عن الشهوات الجسدية والنفسية قربة لله تعالى.

الصوم في الإسلام: يعتبر شهر رمضان شهرا مباركا، لأنه شهر العبادة والاستغفار والتوبة. وصوم هذا الشهر فريضة على كل مسلم ومسلمة قد بلغ سن البلوغ، وزال عنه المانع، إذ لا صوم للطفل، والمجنون، أما المريض والمعذور فيسمح لهما بالإفطار شرط قضاء صيامه بعد زوال المانع، وذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في القرآن الكريم: ” أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ”(2).

ويحق للصائم الأكل والشرب من غروب الشمس حتى الفجر، من ثم يمسك عن أي مأكل أو مشرب النهار كله، فقد جاء في القرآن الكريم: “وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ”(3).

وجاء في خطبة رسول الإسلام محمد (ص) الشهيرة حول شهر رمضان: ” شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة..”(4).

ومن عادات المسلمين في هذا الشهر أنهم لا يتعبون أنفسهم في أعمالهم، ويجتمعون في بيوتهم قبل الغروب لتناول الفطور مع عائلاتهم أو من يدعونهم من أصدقائهم وجيرانهم. وفي بعض المناطق العربية مازالوا محافظين على عادة قديمة وهي إطلاق مدفع رمضان. وهناك فترة السحور حيث كان الناس يعتمدون على “المسحراتي”، وهو شخص متطوع يتنقل من حي إلى آخر من بعد منتصف الليل وفي يده طبلة يقرع عليها ليوقظ النائمين من أجل السحور، أما اليوم بعد التطور الحاصل فنسبة قليلة ما زالت محافظة على هذا التقليد(5).

وفي شهر رمضان تقع ليلة القدر وهي عند المسلمين من أفضل الليالي، فيها أنزل القرآن الكريم على نبي الإسلام محمد (ص)، فتفتح أبواب السماء وتستجاب الأدعية وفيها يفرق كل أمر حكيم.

الصوم في المسيحية:

إن فترة الصوم المسيحي خمسين يومًا، (40 يومًا هي أيام الصوم التي تسبق أسبوع الآلام فضلًا عن أسبوع الآلام بما فيه سبت النور بالإضافة إلى أربعة أيام تعويضية عن أيام الآحاد التي يتم الإفطار فيها وهذا هو المتعارف عليه في أغلب الكنائس). ويختلف موعد هذا الصوم من عام إلى آخر بحسب تاريخ يوم عيد القيامة المجيد الذي يحدد في أي سنة من السنين بحسب قاعدة حسابية مضبوطة(6).

كان الصوم عند المسيحيين من قبل أشد صرامة مما هو اليوم، إذ كانوا يقتصرون فيه طوال الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس على وجبة واحدة في المساء مؤلفة من الخبز والملح والماء، ويمتنعون امتناعا باتا عن كل مطعم ومشرب في يومي الجمعة العظيمة وسبت النور. بعدها قرر الصوم كما هو الآن من نصف الليل إلى نصف النهار، ثم درجوا على الإفطار أيام الآحاد والسبوت وأعياد البطالة، ما عدا سبت الأسبوع المقدس، المعروف بسبت النور.

ويمتنع المسيحيون عن المآكل الزفرة لحوما وبياضا، ويفهم من بعض النصوص التاريخية الباقية من العصور القديمة أن القطاعة كانت تشمل أولا اللحم والسمك والبيض والألبان والسمن والزيت والخمر ثم أضيف إليها التدخين. ولكن تطورات الأيام أوجبت عليهم تخفيف هذه الأثقال والإنتهاء بالقطاعة إلى ما هي عليه في الزمن الحاضر(7).

وقد نص على الصيام في بعض رسائل النصارى القديمة نذكر بعض ما جاء فيها:

“ففرضوا علينا الصيام وأمرونا به عن سيدنا ومخلصنا، وسنوا لنا استعماله، وشرعوا أن نصوم في كل حول أربعين يوما، ونتبعها بعيد ألم المسيح وصلبه، ونختمها بعيد قيامته التي هي موضحة للقيامة العامة التي تكون عند فناء الدنيا وابتداء الآخرة بالإيمان”.

“وقال الحواريون كما عهدوه إلينا من شرائعهم التي أمرهم بها سيدنا المسيح بوساطة روح القدس: صوموا في كل عام أربعين يوما واحتلموا فيها من المآثم والمآكل المهيجة للمرح والبطر، واقتنعوا من اللذات الباعثة على اقتراف الزلات، ولا تجعلوا صيامكم على السبيل التي كان سفهاء بني إسرائيل ومردتهم يصومون عليها ومن أجلها كلها”(8).

الصوم في اليهودية:

بالنسبة لليهود، نجدهم يعتمدون أيام صيام فردية على شكل قربات وعبادات تطوعية. إن الصيام المفروض، كما يظهر من نصوص أسفار التوراة، ورد في سفر اللاويين أو الأحبار وهو صيام يوم الغفران، وهو اليوم العاشر من شهر تشرين حسب التقويم العبري، ففي النص: “هذه تكون لكم فريضة أبدية في اليوم العاشر من الشهر السابع، تذللون أنفسكم (تصومون) ولا تعملون، عملا لا ابن البلد ولا النزيل المقيم فيما بينكم”.

وهناك صيام اليوم الثامن عشر من شهر تموز، ويرتبط عندهم هذا الصيام بحوادث جرت أو مزعومة كتحطيم ألواح التوراة أو إحراقها، أو ذكرى مهاجمة تيتس الروماني ليهود أورشليم سنة 70هـ.

ويصومون يوم التاسع من آب، وهو ذكرى تخريب معبدهم الأول والثاني من قبل نبوخذ نصر. ففي سفر إرميا يقولون: “وفي اليوم التاسع من الشهر الرابع، اشتد الجوع في المدينة، ولم يبق خبز لشعب تلك الأرض”.

ويصومون لذكر أستير التي أنقذتهم بتسليم نفسها للملك الفارسي يوم قرر وزيره تشريدهم في أنحاء البلاد، وهذا الصيام يكون أوائل شهر آذار، وفي النص: “فقالت أستير مجيبة مردكاي: اذهب، واجمع كل يهود الذين في شوشن، وصوموا لأجلي، ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا، وأنا ووصيفاتي نصوم كذلك”.

وعندهم أنواع من الصيام تكون قبل عيد الغفران لمدة عشرة أيام، وبعض أيام الخميس في السنة الكبيسة، وأيام في النصف الثاني من شهر تموز وأوائل آب. وهناك صيامات فردية كالعروسين قبل الزفاف، والصيام اليهودي يكون على البالغين المقتدرين، ويعفى منه الصغار والمرضى والعاجزون والمسنون(9).

ويتبع اليهود في صيامهم طقوس التقشف، كالإمتناع عن الأكل والشراب والنساء، وعدم تمشيط الشعر وغسل الجسم، ويقومون بشق الثياب الى الحد المسموح وذر التراب والرماد على الرؤوس. ويتم إعفاء الأطفال والمرضى والنساء الحوامل والمرضعات من الصيام(10).

هكذا يعد الصيام عاملا مشتركا بين الأديان، وإن اختلفت الطرق والطقوس المتبعة من ديانة لأخرى، ويبقى الهدف منه واحدا هو التقرب من خالق السماوات والأرض من خلال الابتعاد عن الشهوات الدنيوية في سبيل طاعته، وطلب رضوانه.

المصادر:

(1) سورة البقرة، آية 183.

(2) سورة البقرة، آية 184.

(3) سورة البقرة، آية 187.

(4) كتاب عيون أخبار الرضا/ للمحدث الأكبر أبي جعفر الصدوق، ص265.

(5) كتاب الأعياد الشعبية اللبنانية/ أميل ناصيف، ص114،113.

(6) موقع دراسات مسيحية:

http://www.massi7e.com/drasat/Fasting-in-Christianity-when-where-and-how

(7) كتاب العادات والتقاليد اللبنانية/ لحد خاطر، ج1-ص130.

(8) كتاب نصوص مختارة من كنيسة المشرق/ الأب جان ماريا جانتسا السالسي، ص40،37.

(9) كتاب اليهودية: عقيدة وشريعة/ أسعد السحمراني، ص87،86.

(10) كتاب العبادات في الأديان السماوية/ عبد الرزاق رحيم صلال الموحي، ص103.

 

المصدر: شفقنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky