دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية

دور الفقه في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية / د. حسين مهربور

الاجتهاد: ينصّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مادّته الخامسة علی مبدأ ولاية الفقيه، حيث يقول “في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية ايران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، العالم بأحوال العصر، الشجاع المدير المدبّر وذلك وفقًا للمادّة السابعة بعد المئة.

تکفل دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية المصدّق عام ١٩٧٩م والمعدّل عام ١٩٨٩م ببيان شکل الحکم وبينيته وتحديد سلطة الدولة وحقوق الشعب، وکمعظم الدساتير الإسلامية الأخری، تبنّی هذا الدستور المعايير والمبادئ العرفية الموجودة في الأنظمة القانونية الأخری، کأشکال الانتخابات المختلفة من رئاسية وبرلمانية والشوری المحلية، ومجلس خبراء، وتعيين القيادة والسلطات الثلاث واستقلال الواحدة عن الأخری و تشکيل الحکومة ومنح الثقة بها من قبل البرلمان… وقضايا أخری کسؤال واستجواب الوزراء ورئيس الجمهورية وما شابه هذه الأمور.

ومن الممکن إيجاد الموجِّه والمبرر الشرعي لهذه الأمور لکّنها علی أقلّ تقدير لم تحظ باهتمام فقهي مباشر من حيث النقاش وإبداء النظر في السابق وقد تمت صياغتها وفق الدساتير العرفية الموجودة علی وجه المعمورة، ورغم هذا الغياب فهناك حضور مکثف وبصمة واضحة للفقه الإسلامي في صياغة بعض مواد الدستور في الجمهورية الإسلامية الايرانية.

ويمکن متابعة هذا الأمر من ناحيتين

1- القيد الموجود في بعض مواد الدستور : « مراعاة المعايير الإسلامية »

صرَّحت بعض مواد الدستور بالإجمال والتفصيل علی مراعاة المعايير الإسلامية في أرکان الحکم واتّخاذ القرار، وشرعية البُنی والقرارات المتّخذة تأتي من مراعاة المعايير الإسلامية عند صياغتها، كما في مواد الدستور التالية:

أ – تنصّ المادة الثانية من الدستور أنّ بنية نظام الحکم التحتية ومبدأها الأيديولوجيّ يستند علی خمسة أصول عقائدية إسلامية ومذهبية بالإضافة إلی أصل بمبدأ حقوق الإنسان من منظور إسلامي، حيث جاء في المادّة الثانية:

يقوم نظام الجمهورية علی أساس:
١. الإيمان بالله الواحد وتفرده بالحاكمية والتشريع، ولزوم التسليم لأمره.
٢. الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الرئيسي في بيان القوانين.
٣. الإيمان بالمعاد ودوره الخلاق في مسيرة الإنسان التكاملية نحو الله.
٤. الإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع .
٥. الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرّة، ودورها في مواصلة الثورة الإسلامية.
٦. الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله.

ب – المادّة الرابعة وتنصّ علی اعتماد المعايير الإسلامية في سنّ وإجراء القوانين والأحکام والقرارات كافة (1)

ج – المادة الثامنة وتنصّ علی الدعوة إلی الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر کواجب جماعي ومتبادل بين الشعب والحکومة (2)، وذلك استنادًا للآية الشريفة من سورة التوبة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (3)

د – المادة الحادية والستّون، وتنصّ علی تشکيل المحاکم القضائية وفقًا للمعايير الإسلامية وتوکل واجب إقامة الحدود الإلهية، للسلطة القضائية ” تمارس السلطة القضائية عن طريق محاكم وزارة العدل التي يجب تشكيلها وفقًا للموازين الإسلامية وتقوم بالفصل في الدعاوی، وحفظ الحقوق العامّة، وإجراء العدالة ونشرها، وإقامة الحدود الإلهية”.

هـ – تمنع المادة الثانية والسبعون، البرلمان من سنّ قوانين تعارض مبادئ وأحکام المذهب الرسمي ” لا يحقّ لمجلس الشوری الإسلامي أن يسنّ قوانين تعارض مبادئ وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو المغايرة للدستور.. “.

و –المادّة السابعة والستّون بعد المئة، يکلف القاضي علی أن يسعی لاستخراج حكم كلّ دعوى من القوانين المدونة، فإن لم يجد فعليه أن يصدر حكم القضية اعتمادًا علی المصادر الإسلامية المعتمدة أو الفتاوی المعتبرة (4)

ز – المادّة السبعون بعد المئة، تمنع قضاة المحاکم عن تنفيذ القرارات واللوائح الحكومية المخالفة للقوانين والأحكام الإسلامية، أو الخارجة عن نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية، وبإمكان أي فرد أن يطلب من ديوان العدالة الإدارية إبطال مثل هذه القرارات واللوائح (5)

ح – المواد ٤٣ ، و ٤٥ و ٤٩ ، تتحدّث عن الحيلولة دون استقطاب الثروة وتداولها من قبل فئة خاصّة، ومنع الإضرار بالغير والانحصار والاحتکار والربا وسائر المعاملات المحرّمة، ووضع الأنفال والثروات العامّة بحيازة الحکومة الإسلامية، وضبط واسترجاع الأموال المکتسبة من السبل اللامشروعة کالربا والغصب والرشوة وغيرها إلی أصحابها أو لبيت المال.

وإضافة لما أوردناه، الکثير من مواد الدستور تقيد بعنوان: “مراعاة المعايير الإسلامية” عندما تتحدّث عن حکم أو تکليف وحق.

فمثلاً جاء بالمادة العشرون من الدستور ” تشمل الرعاية القانونية جميع أفراد الشعب – نساءً ورجالاً – بصورة متساوية وهم يتمتّعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق المعايير الإسلامية”.

کما قرر الدستور وفي مادّته الحادية والتسعين، تشکيل مجلس صيانة الدستور (6) والمکوّن من اثني عشر عضوًا (ستّة من الفقهاء وستّة من الحقوقيين) للمحافظة علی الأحکام والمعايير الإسلامية وعدم المصادقة علی قوانين تتعارض والمبادئ الإسلامية، وتحديد عدم التعارض هذا، يکون ضمن . مهام فقهاء هذا المجلس وفق المادة ٩٦.(7)

٢. الدستور الايراني وتعيين ولي الأمر وفقًا للمعايير الإسلامية

ويمکن القول وبمعزل عمّا أوردناه من مواد الدستور التي استشفت مضامينها من الفقه الإمامي، أنّ ما يميّز دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية من سائر دساتير الدول الإسلامية، هو التمهيد الخاصّ الذي اتّخذه بالاستعانة من المصادر الفقهية وآراء الفقهاء حول شکل الحکم وأهمّ أرکانه ومصدر سلطته، ألا وهو عنوان ” ولاية الفقيه”.

فقد تصدر هذا المبدأ هرم السلطة والحکم في الدستور، وخضعت لإشرافه السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وقد نصّت المادة السابعة والخمسون ما يلي ” السلطات الحاكمة في جمهورية ايران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس صلاحياتها بإشراف ولاية الأمر المطلقة وإمام الأمة وذلك وفقًا للمواد اللاحقة في هذا الدستور، وتعمل هذه السلطات مستقلة عن بعضها البعض”

وقد جعل الدستور، أهم القرارات والتدابير التنفيذية ضمن صلاحيات ولي الفقيه حتّی أنّ شرعية مقام رئيس الجمهورية والذي يُنتخب من قبل الشعب وفق نفس الدستور، أنيطت بتوقيع وتنفيذ ولي الفقيه (البند التاسع من المادّة ١١٠ يجعل التوقيع علی حکم الرئاسة ضمن صلاحيات القائد).
هذه التمهيدات أخذت مبادئها النظرية من آراء فقهاء الإمامية في خصوص شکل الحکم ومواصفات الحاکم وصلاحياته بعد عهد النبي والإمام المعصوم.

إنّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية عرفيّ من جهة، حيث أقرّ بجمهورية النظام إلی جانب إسلاميته، وقد نصّ في المادّة الأولی علی نوعية الحکم وهي الجمهورية الإسلامية الايرانية، وفي المادتين السادسة والسابعة علی إدارة شؤون البلاد بالاستناد علی أصوات الشعب (8) وأدخل مجالس الشوری المنتخبة من قبل الشعب في عملية صنع القرار (9) واعترف بمشارکة عموم الشعب في تقرير مصيرهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وألزم الحکومة في المادّة الثالثة (10) بالإعداد لهذه المشارکة، کما أّنه ديني من جهة أخری فقد أوکل في المادة السابعة والخمسين، ولاية الأمر وإمامة الأمة، تحت مسمّی الولاية المطلقة، إلی الفقيه العادل.

وينصّ الدستور في مادّته الخامسة علی مبدأ ولاية الفقيه، حيث يقول ” في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية ايران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، العالم بأحوال العصر، الشجاع المدير المدبّر وذلك وفقًا للمادّة السابعة بعد المئة”

وما يظهر جليًا من المادّة الخامسة، أنّ ولاية الأمر هي لإمام الزمان الحيّ الغائب، فهو من مصاديق أولي الأمر الذين أشار إليهم القرآن في الآية الشريفة من سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ (11).

وکما أشرنا فإنّ علماء الشيعة يرون أنّ أولي الأمر الذين فرض الله طاعتهم إلی جانب طاعته وطاعة الرسول، أشخاص محددون يتحلون بملکة العصمة، عينهم الله ورسوله وهم الأئمة الاثنا عشر (12)، أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم الغائب المنتظر الذي يملأ بولايته الأرض قسطًا وعدلاً کما ملئت ظلمًا وجورًا.

 

الهوامش

1 – ذكرنا نصّها في المقدمّة.
٢- المادة الثامنة: في جمهورية ايران الإسلامية تعدّ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية جماعية ومتبادلة بين الناس فيتحملها الناس بالنسبة لبعضهم بعضًا. وتتحملها الحكومة بالنسبة للناس، والناس بالنسبة للحكومة والقانون يحدد شروط ذلك وحدوده وكيفيته.«والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ».
٣- سورة التوبة: ٧
4- المادة ١٦٧ : علی القاضي أن يسعی لاستخراج حكم كلّ دعوی من القوانين المدونة، فان لم يجد فعليه أن يصدر حكم القضية اعتمادًا علی المصادر الإسلامية المعتمدة أو الفتاوي المعتبرة. ولايجوز للقاضي أن يتذرع بسكوت، أو نقص، أو إجمال، أو تعارض في القوانين المدونة فيمتنع عن الفصل في الدعوی وإصدار الحكم فيها.
5- المادّة ١٧٠ : على قضاة المحاكم أن يمتنعوا عن تنفيذ القرارات واللوائح الحكومية المخالفة للقوانين والأحكام الاسلامية، أو الخارجة عن نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية وبإمکان أي فرد أن يطلب من ديوان العدالة الإدارية إبطال مثل هذه القرارات و اللوائح.
6- المادّة ٩١ : يتمّ تشكيل مجلس باسم: مجلس صيانة الدستور، بهدف ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشوری الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور ويتكون علی النحو التالي: ١- ستّة أعضاء من الفقهاء العدول العارفين بمقتضيات العصر وقضايا الساعة، ويختارهم القائد. ٢- ستّة أعضاء من الحقوقيين المسلمين من ذوي الاختصاص في مختلف فروع القانون، يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويصادق عليهم مجلس الشوری الاسلامي.
7- المادة ٩٦ : مهمّة تحديد عدم تعارض ما يصادق عليه مجلس الشوری الإسلامي مع أحكام الإسلام تقع علی عاتق فقهاء مجلس صيانة الدستور، أما مهمة تحديد عدم التعارض مع مواد الدستور فتکون علی جميع أعضائه.
8 – المادّة السادسة: يجب أن تدار شؤون البلاد في جمهورية إيران الإسلامية بالاعتماد علی أصوات الأمة الذي يتجلی بانتخاب رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشوری الإسلامي وأعضاء سائر مجالس الشوری ونظائرها، أو عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي نص عليها الدستور.
9 – المادة السابعة: طبقًا لما ورد في القرآن الكريم : {وامرهم شوری بينهم} و{شاورهم في الامر} تعتبر مجالس الشوری من مصادر اتّخاذ القرار وإدارة شؤون البلاد، وتشمل هذه المجالس: مجلس الشوری الإسلامي، ومجالس شوری المحافظة والقضاء والبلدة والقصبة والناحية والقرية وأمثالها. مجالات وكيفية تشكيل مجالس الشوری ونطاق صلاحياتها ووظائفها تتحدد في هذا الدستور والقوانين الصادرة بموجبه
10 – المادة الثالثة – “علی دولة الجمهورية الإسلامية ولتحقيق ما ورد في المادة الثانية، توفير الإمکانيات کافة للأمور التالية: .. المشارکة العامة في تقرير المصير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي”
11 -سورة النساء: الآية ٥٩
12 – أنظر: الطباطبائي، الميزان: ج ٤،ص ٤١٥ – وبعد استعراضه لآراء المخالفين وفي معرضتقديمه لمعنی أولي الأمر في الآية… فَلَيسَ إلا أنَّ المرادَ بأٌولي الاَمرَ آحادٌ منَ الأُمَّة مَعصُومونَ في أقوالهم مُفتَرَضٌ طاعَتِهم فَتَحتاج مَعرفَتِهم إلى تَنصِيصٍ مِن جانِبِ الله سُبحانَهُ مِن كَلامه أو بِلِسان نَبيه فَيَنطَبقُ عَلى ما رُوِىَ مِن طُرُق أئِمَةِ أهل البيت عليهم السلام أَنَّهُمْ هُمْ.

 

المصدر: مقتطف من مقالة بعنوان: علاقة الفقه والقانون الدستوري والخاصّ في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية للدكتور حسين مهربور، أستاذ القانون بجامعة الشهيد بهشتي في إيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky