خاص الاجتهاد: بعد مضي اكثر من عقدين أقدّمُ المجموعة الاولى لكلمات الجُمع تحت عنوان “جامع الكلمة”، التي كنت القيها في المسجد، وذلك استجابة للإخوة الاعزاء، لتعميم الفائدة المرجوة منها، وهي قبل كل شيء، تجربة دونتها سعياً مني في تقديمها لأخواني القراء المهتمين بالتبليغ الديني، مع لحاظ أن لكل مبلغ خبرته الشخصية، ولكل عامل خطته، ولكل مجتمع مشخصاته وضروراته، حين نريد تحقيق الغاية والوفاء بالمسؤولية.
صدر عن دار الابرار للطباعة والنشر / بيروت لبنان / الجزء الاول من كتاب جامع الكلمة في ٦٢٥ صفحة ويحتوي على ٨١ كلمة من احاديث الجمعة مابين عام ١٤٢٢ – 1424 هـ للشيخ علي المعلم
المقدمة
يشكل المسجد في الاسلام بُعداً حضاريا وانسانيا في حياة الانسان المسلم ،إلى جانب دوره الديني العبادي والروحي، فهو مركز إشعاع علمي ومعرفي وثقافي، يهدف إلى تثقيف الأجيال وتوعيتها على المفاهيم الإسلاميّة الأصيلة التي تعمل على رفع مستوى وعي النّاس وإعدادهم على الصّعد كافّةً، من أجل نشر رسالة الاسلام، وهو المنطلق والمدرسة الاسلامية لتأهيل الإنسان وتربيته وتوجيهه، وتغديته بالفكر الاسلامي من ينابيعه الصافية النقية حيث يساهم بشكل فعّال في إصلاحه وتغييره، ويتسامىٰ فيه فكراً وعاطفة ثمّ سلوكاً،
كما جاء في الرواية عن الامام الحسن عليهالسلام: « من أدام الاختلاف إلىٰ المسجد أصاب إحدىٰ ثمان : آية محكمة ، وأخاً مستفاداً ، وعلماً مستطرفاً ، ورحمة منتظرة ، وكلمة تدلّه علىٰ الهدىٰ أو تردّه عن ردىٰ ، وترك الذنوب حياءً أو خشية » .تحف العقول / الحرّاني : ص ١٦٦
كما يساهم الخطاب الديني في علاج البنية الفكرية للمجتمع المسلم وترسيخ المعارف الاسلامية، وتقديم الرؤية المعرفية للقيم الاخلاقية والسلوكية في حياة الأنسان المسلم، ونحن نشهد اليوم نسخاً لتلك القيم والمبادئ والنتائج التي أفرزها الخطاب الديني المتطرف الذي اتسم بثقافة التعبئة والتحريض ضد الآخر، وإيغار الصدور بالأحقاد.
والمسلم اليوم بأمس الحاجة الى معرفة الحقيقة الدينية المجردة عن التعصب المقيت ، التي تستهدف بناء الفكر والروح والجسد ، والخطاب الديني المرن، الذي يعيش المفاهيم الدينية بعمق، ويواكب روح العصر بمسؤولية، ويفهم تطلعات الشباب بوعي، الخطاب الذي يتقبل ويعالج شكوكهم برحابة صدر، ويحاورهم بحكمة، ويعرض الأدلة بموضوعية، ويواجه تحدّياتهم بمحبة…
ومجتمعاتنا المؤمنة تترقب من الانسان المبلغ خطاباً يفتح لهم افاق المعرفة ويستوعب كل جوانب الحياة ، ويحمل المعارف الإسلامية سلوكاً وعقيدة على السوء ، وليست ترفا فكريا او لذة اّنية ،أو خطابا حماسياً وقضايا هامشية يتذوقها متى شاء ، وإنما هي بصائر هدى يحملها لعباد الله ، وأصول فضلى للحياة يتعهّد تعليمها وغرسها للأجيال المسلمة من اجل ان تتم القوة والمنعة في كيان المجتمع المسلم .
وفي السياق نفسه تأتي خطب المساجد في بلورة التوجيه الديني والمعرفي وترسيم المنهج الإسلامي والمعارف الحقة ، والاخلاق الفاضلة ، وهي بمثابة الغرس الذي يرجو ثماره في أفكار من يتلقى خطابه ويسمع كلماته ، فمن موقع المسؤولية الكبرى لخطيب المسجد كونه الداعي الى الله ورسالته والرصيد الاول الذي تعتمده الامة المؤمنة في كل ما يصدر منه من تعاليم وتوجيهات وارشادات ، باعتباره هادياً وموجهاً للمجتمع المسلم الذي يعيش فيه ، ومثلا تربويا ً لرسالته التي التزمها في الجيل الذي تعهّد هدايته ، والمعلم الامثل في كلماته وتعاليمه .
فمِنَ خطاب المسجد تشع الثقافة الإسلامية الأصيلة، ويُعزَّز التقدم المعرفي، وينبعث الوعي الديني، ويُعرَف الحلال والحرام، وبخاصة مع كثرة وسائل الإعلام المضللة، ومنه تنبعث الثقافة القرآنية وأحاديث أهل البيت (ع) التي هي من أهم الحواجز أمام تمدُّد أصابع التأثير المعادية إلى عقول وقلوب شبابنا ، فإن قلوباً وعقولاً امتلأت بالقرآن وبكلام الله ورسوله (ص) وبخطب الإمام علي (ع) وسائر أئمة أهل البيت(ع) لا يستطيع العدو أن ينفذ إليها بسهولة. ومن هنا ينبغي العمل على ترسيخ وتعزيز هذه الثقافة، بما يتناسب مع متطلبات المرحلة .
وبعد مضي اكثر من عقدين اقدم المجموعة الاولى لكلمات الجُمع، التي كنت القيها في المسجد، وذلك استجابة للإخوة الاعزاء، لتعميم الفائدة المرجوة منها، وهي قبل كل شيء، تجربة دونتها سعياً مني في تقديمها لأخواني القراء المهتمين بالتبليغ الديني، مع لحاظ أن لكل مبلغ خبرته الشخصية، ولكل عامل خطته، ولكل مجتمع مشخصاته وضروراته، حين نريد تحقيق الغاية والوفاء بالمسؤولية.
وقد حاولت قدر المستطاع أن اقوم بمراجعة النص ومضمونه، بما يتناسب وعمره الزمني، حيث ان بعض هذه الكلمات حكمتها بعض الاحداث والمناسبات الخاصة التي مضى عليها الزمن، أو تكرر مضمونها أحياناً، لمعالجة فكرة او الاشارة الى حدث فرضته الظروف الاجتماعية او العالمية
واما في مقام البحث العلمي والفكري، في معالجة الفكرة والمسائل التاريخية والعقدية، فإني لا أستغني عن الرجوع الى مصدرنا الغنية التي هي نتاج بحوث أعلامنا ومفكرينا، ونقل كلامهم وخصوصا في بلورة الخطوط العامة للفكر الإسلامي، وخاصة ما تركه أستاذ الجيل ومربيه المفكر الإسلامي فقيد العلم والتقوى الامام الشيخ محمد امين زين الدين رحمه الله .
وفي الختام أتقدم لقارئي الكريم ، العذر والتقدير ، إذا وجد في هذه المجموعة التي بين يديه، نقصاً، وخللا، وتقصيراً، وقانا الله وايكم العثرات ، وجنّبنا المعاصي والخطيئات، وجعلنا ممن سمع القول فاتبع أحسنه، ووعى كلمة الهدى واستنار ببصائرها ، انه سميع مجيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتاب جامع الكلمة