النص

منهج علم أصول الفقه في تلقّي النص .. الأستاذ محمد بنعمر

الاجتهاد: إنّ أغلب الدراسات والأبحاث التي اختارت منهج المقارنة والموازنة بين المنهج الأصولي ومناهج تحليل الخطاب المعاصرة في علم اللغة المعاصر ومناهج تحليل الخطاب،خرجت باستنتاج عام، مفاده أنّ علماء أصول الفقه في تعاملهم المباشر مع النص، حاولوا أكثر من غيرهم بناء وتشييد نظرية دلالية متماسكة، ومنسجمة، ومتناسقة، تكشف عن مستويات اشتغال الدلالة، وحضور المعنى، وتلقّي هذا المعنى في النص عامة، والنص الشرعيّ خاصة, لغاية جعل هذا المعنى مقدّمة في الاستمداد والاستنباط والبيان.

فقه النصّ الشرعيّ في الثقافة العربية الإسلامية

يُعدّ مشكل تفسير النص من أبرز المشاكل المعرفية والمنهجية التي أثارها كثير من الثقافات والحضارات الإنسانية، بما في ذلك الحضارة العربية الإسلامية التي استحضرت هذا الإشكال بشكل كبير وفي وقت مبكر. ومما زاد من أهمية هذا الموضوع في العصر الحديث، هو التطور الكبير الذي مس اللغويات المعاصرة بشكل عام، ومناهج تحليل الخطاب بشكل خاص.

ونظراً لأهمية النص في بنية الثقافة العربية الإسلامية، فإن الهاجس الذي شغل هذه الثقافة، هو هاجس تفسير النص، وبيان دلالته اللغوية والشرعية، ووضع الشروط المؤهلة لتلقيه، والقيود والمقتضيات والشروط القابلة لتأويله, بحيث إن أغلب العلوم الإسلامية التي نشأت وتطورت في أحضان الحضارة العربية الإسلامية، إنما نشأت انطلاقاً من تعاملها المباشر مع النص القرآني تفسيراً واستنباطاً واستمداداً، مما أدى إلى نشأة كثير من العلوم الضابطة لبيان النص وفهمه وتفهّمه، وتلقّيه وفق المقتضات الموجبة للفهم والتلقّي.

وبمقتضى هذه المرجعية التي نالها النص في فضاء الثقافة العربية الإسلامية، فإن كثيراً من الدارسين والمشتغلين بمناهج تحليل الخطاب، اختاروا وصف الثقافة العربية الإسلامية. ونعتها بأنها ثقافة نصّ.

وهذا الوصف يعود إلى أن الثقافة الإسلامية قامت في أصولها الكبرى على النص المؤسِّس الذي هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

إن هذا الموقع الذي حظي به النص في التراث العربي الإسلامي جعل علماء الإسلام يندفعون بقوة إلى حماية النص وصيانته حتى لا يتحول هذا إلى مطية للمزايدة ومعبر لإسقاط الذات لقصد تحريف المعاني التي يحملها النص.

النص ومحوريته في الثقافة الإسلامية

إن محورية النص في فضاء الثقافة الإسلامية، قاد جميع العلوم خاصة البيانية والدلالية منها إلى خدمة النص في عدد من مستوياته، ومكوناته، ومجالاته، ومن أبرز هذه الخدمات ما تعلق بمستوى التوثيق والتحقيق، وبمستوى البيان والتفسير والقراءة والتأويل.

فهذه المحورية التي كانت للنص في فضاء الثقافة العربية الإسلامية، ساهمت في تشكّل وتكوّن شبكة متكاملة. ومتداخلة من العلوم، من فقه وأصول، وحديث، وسنّة، وتفسير وقراءات، وعلوم القرآن، وغيرها من العلوم الشرعية، التي تلاحمت مع علوم الآلة، أو العلوم المساعدة: من نحو، وصرف، وتصريف ومعجم، وفقه لغة، وبلاغة، واشتقاق. لتكون هذه العلوم خادمة للنص في جميع مستوياته.

وإذا كنا نقرُّ بأن تفسير النص شكّل قطاعاً مشتركاً بين كثير من النظم والمعارف، التي شكّلت المحاور المعرفية الكبرى في التراث العربي الإسلامي, فإنّ ما قدّمه علم أصول الفقه في محور التفسير والبيان والتأويل، بشهادة الكثير, فاق وتميّز على ما قدمته النظم المعرفية الأخرى، فحضور هذا العلم في محور القراءة والتأويل. والتفسير معترفٌ به ومشهود له.

فعلم أصول الفقه من أهم العلوم التي استطاعت أن تحمل في مباحثها نظرية متكاملة ومنسجمة في تفسير النص و قراءته وتأويله، باعتبار علم أصول الفقه علماً قائماً بذاته، يختص بمنهج الاستنباط والاستدلال، ويتعلق بضبط عملية الاجتهاد، ويعمل على تسديد الفهم، ويتصل مباشرة بتقويم النظر في الفهم وفق قانون علمي.

إضافة أن علم أصول الفقه علم قائم على أسس متكاملة في التعامل مع نصوص الوحي، انطلاقاً من الألفاظ المركبة والمحمولة في هذه النصوص، وهو ما يفسّر لنا عناية علماء الأصول بالدلالات بشكل كبير، بحيث جعلوها المدخل والأساس في منهجهم القائم على تفّهم النص القرآني والحديثي.

لقد كان مسعى الأصولي هو تقعيد قواعد الفهم، وإرساء شروط التفسير، وعرض مقتضيات البيان، وتحصيل المعنى المحمول في الخطاب القرآني، ليكون هذا المعنى مدخلاً وسبيلاً لاستنباط الحكم الشرعي(1).

والمرجع في هذا القانون الذي يشكّل المنهج الأصولي في الفهم والبيان والتفسير والاستمداد هو التعلق بضوابط اللغة العربية، وأعرافها في الأداء، ومعهودها في التخاطب، ومقتضياتها في تصريف المعنى، وتحويله من المواضعة اللغوية إلى الشرعية، أو في تأويله. وصرفه عن معناه الظاهر بحيث لا تظهر ثمرة الاستدلال، إلا بفهم النص كما صرح بذلك الإمام الشاطبي (ت٧٩٠هـ) عندما قال في الموافقات: «لا تظهر ثمرة الفهم إلا في الاستنباط»(2).

فتوجُّهُ علم أصول الفقه نحو التفسير والقراءة والبيان شيء معترف به بين جميع الباحثين والدارسين والمشتغلين بهذا العلم. وهو توجه يجد مبرّره، وسنده في توقّف الاستدلال على فهم النص، وإدراك حمولته اللغوية، ومعانيه الشرعية، وانتقال معاني هذه الألفاظ من المواضعة اللغوية إلى المواضعة الشرعية. لأن الفهم لمحتوى النص في دلالته وفي معانيه بأقسامها ومقاصده بأنواعها هو الطريق الأول والسبيل إلى الاستنباط، باعتبار أنه «لا استنباط بدون فقه للنص الشرعي» كما يقول علماء الأصول.

وهذا ما جعل مصنّفات ومدوّنات علم أصول الفقه مثقلةً بالمباحث اللغوية، وحاملةً لكثير من المباحث البلاغية، وجامعةً للقضايا الدلالية، والمسائل المعجمية. وهي مباحث من أهدافها. وغاياتها فهم النص القرآني فهماً منسجماً مع طبيعة اللغة العربية، ومتوافقاً مع معهودها في التخاطب، وواقعاً على أصولها في التفسير، ومنطقها ومقتضياتها في البيان والتأويل، دون حجب أو تحريف أو إبعاد للمعنى الحقيقي عن النص.

في حين أنّ الاعتبار العلمي، كان من آثاره نزوع الاتجاهات الفقهية واللغوية والنحوية والبيانية في التراث العربي الإسلامي، وتوجّهها نحو الاشتغال على النص، وسعيها في الوصول إلى معنى النص القرآني وفق ما تشهد له اللغة العربية وأعرافها في تحصيل المعنى. وهو ما يسَّر لعلماء الأصول أن يؤصلوا نظرية دلالية متماسكة، ومنسجمة ومتكاملة في الفهم والتأويل والقراءة، مستثمرين علوم اللغة العربية بجميع أنواعها وفروعها(3).

لقد كان من مقدمات ما عني به علماء الإسلام على اختلاف تخصصاتهم، وتعدّد اشتغالهم بعلوم اللغة، توجّههم نحو إرساء أسس التفسير، ومقوّمات البيان المؤدّي إلى فهم القرآن الكريم بوضع ضوابط الفهم، وشروط التلقي لغاية استمداد المعنى من النص الشرعي سواء أكان هذا المعنى منطوقاً، أم مفهوماً أم معقولاً(4).

النص وعلوم الفهم في الثقافة العربية الإسلامية

لقد سبقت الإشارة الى أن النص يحظى بموقعٍ خاص في التراث العربي الإسلامي، لأن النص الشرعي الذي يتحدّد في القرآن الكريم والسنة النبوية يشكّل الإطار المرجعي في معرفة أحكام وقيم وتعاليم ومبادئ الإسلام.

هذا الموقع الخاص الذي يحتلّه النص في الثقافة الإسلامية، هو الذي كان وراء التحام كثير من العلوم، واجتماعها من أجل خدمة النص الشرعي سواء في مستوى التوثيق والضبط، أو في مستوى الفهم والتفسير والتأويل.

فكل الاتجاهات الفكرية والعلمية التي نشأت في أحضان التراث العربي الإسلامي تدور في فلك النص من أجل محاولة تفهمه، واستمداد معانيه اللغوية والشرعية لغاية تنزيل هذه المعاني على أرض الواقع، وعلى تصرفات المكلف في هذا الواقع الذي يعيش فيه، باعتبار أن المكلف هو المحور المخاطب بالنص الشرعي.

من هنا يمكن القول والاعتراف مبدئيا بأن هناك خلفية دينية تحكمت في توجيه الدراسات اللغوية والقرآنية في التراث العربي الاسلامي، وجعلت العلماء على اختلاف تخصصاتهم ومنازعهم يلحّون جميعاً على الصلة القوية التي يجب أن تكون قائمة وحاضرة وجامعة بين كل نشاط علمي وبين القرآن، فقد ترسخ في وعي العلماء قديماً وحديثاً على اختلاف تخصصاتهم وتوجهاتهم، أصل معرفي ثابت، وحقيقة مطلقة راسخة، وهي: «أن جميع العلوم التي ظهرت في الإسلام، إنما وضعت لخدمة القرآن الكريم والسّنة النبوية توثيقاً وتفسيراً واستمداداً»(5).

لقد كانت الحضارة العربية الإسلامية حضارة نص تقوم في مجملها على مقاصد استثمار الخطاب لتأسيس علوم الفهم والبيان والإفهام، فقد استثمرت كثيراً من العلوم والمفاهيم في قراءتها للنص الشرعي(6).

وكان من نتائج هذا الاستثمار تحقّقُ نوع من التداخل والالتحام القائم بين النص الشرعي والمعارف الشرعية والعربية والبيانية الخادمة والمحققة له. وهو ما يعني أن أغلب العلوم البيانية واللغوية استوت أسسها وتأصلت عناصرها ومكوناتها في أحضان النص الشرعي، مثل علم التفسير، وعلم البلاغة، وعلم الدلالة، وعلم المعجم. ويمكن توزيع خدمات العلوم العربية والبيانية للنص الشرعي إلى قسمين أساسيين:

مستوى التوثيق والتحقيق والضبط

مستوى التفسير والتأويل والفهم.

مقومات المنهج الأصولي في القراءة والتفسير

إنّ مما عني به علماء الإسلام على اختلاف تخصصاتهم، هو تأسيس البيان المؤدّي إلى فهم القرآن الكريم، ووضع الضوابط العلمية، والشروط المنهجية المتصلة بالفهم والبيان والتفسير، من خلال استدرار المعاني من مفردات النص، وتحصيلها من منطوقه، واستمدادها من مفهومه، واستكشافها من معقوله، مع الالتفات إلى العلل، والأمارات، والقرائن والسياقات، والمقتضيات المحيطة بالنص.

لقد كان الأصولي مندفعاً برغبة أكبر، وباختيار أكيد، على صيانة النص، وحمايته من أن يصير مجالاً للتزيد، وممراً لإقحام الذات، ومعبراً من أجل تصريف الاختيارات الشخصية والتمكين للأهواء الذاتية والشخصية، وتمرير الرغبات التي يحملها قارئ النص، وهي الرغبات التي لا تحكمها المعايير العلمية، ولا تستند إلى الضوابط المنهجية، ولا القيود اللغوية التي تنأى بطبيعتها عن الحياد العلمي، وتتعارض مع الموضوعية(7).

وهو ما يعني بشكل صريح أن المنهج الأصولي يتأسس في قراءة النص على مجموعة من الضوابط، وعلى عدد من الآليات. ويُعدّ التقيد والالتزام بهذه الضوابط والشروط والآليات عملاً ملزماً، وسبيلاً معيناً، وقيداً هادياً وطريقاً ضرورياً لكل قراءة تتوخّى الضبط، وتلتزم بالدقة، وتختار السلامة في ممارسة التفسير، وتتوخّى الحياد في إعمال التأويل.

بالمقابل فإنّ تخطّي هذه الشروط، والتحلل من هذه المقتضيات، والتجرد عن هذه الضوابط سيقضي لا محالة إلى قراءة تحريفية للخطاب مبعدة للمعنى الأصلي ومتخطية للمعنى القصدي المحمول في النص.

والقراءة التحريفية هي كل قراءة تُبعد النص عن دلالته الحقيقية, وتعمل على جعل النص خادماً لاختيارات القارئ الشخصية، ومناصراً لتوجهاته الفكرية، ورؤاه الذاتية، حتى وإن كانت هذه المناصرة على حساب ما يحمله النص من معانٍ ودلالات ومقاصد.

ومما يجب ذكره في سياق حديثنا على مقومات المنهج الأصولي في قراءة النص الشرعي، تزايد الاهتمام ومتابعة هذا المنهج في مكوناته وأسسه، وضوابطه وقواعده بين الباحثين في الآونة الأخيرة، بحيث ظهرت عدة دراسات، وبرزت مجموعة من الأبحاث الجامعية حاول فيها أصحابها تشخيص وعرض مكونات هذا المنهج في أسسه ومكوناته وعناصره, مع إجراء مقارنة بين هذا المنهج والمناهج المعاصرة المهتمة خاصة بمشاكل القراءة وتحليل الخطاب، وبقضايا التفسير والتـأويل، وهي مقارنة توخّى القائمون بها إدراك نقط التقاطع، ومحاور التلاقي وأسس التقارب بين المنهج الأصولي والمناهج المعاصرة التي تشتغل في محور القراءة، والبيان والتفسير والـتأويل(8).

ولا بد من الإشارة في هذا السياق الى أنّ أغلب الدراسات والأبحاث التي اختارت منهج المقارنة والموازنة بين المنهج الأصولي ومناهج تحليل الخطاب المعاصرة في علم اللغة المعاصر ومناهج تحليل الخطاب، خرجت باستنتاج عام، مفاده أنّ علماء أصول الفقه في تعاملهم المباشر مع النص، حاولوا أكثر من غيرهم بناء وتشييد نظرية دلالية متماسكة، ومنسجمة، ومتناسقة، تكشف عن مستويات اشتغال الدلالة، وحضور المعنى، وتلقّي هذا المعنى في النص عامة، والنص الشرعيّ خاصة, لغاية جعل هذا المعنى مقدّمة في الاستمداد والاستنباط والبيان.

ضوابط القراءة والتفسير عند علماء أصول الفقه

أـ توثيق النص

فيما يتعلق بهذا المستوى فإنّ علماء الإسلام بذلوا جهوداً مضنية في خدمتهم للنص القرآني على مستوى التوثيق والتحقيق، قاصدين من كل هذا صيانة النص القرآني من كل أشكال التحريف والتصحيف والتبديل. فسلامة النص القرآني أمر مجمع عليه بين جميع علماء الإسلام قديماً وحديثاً رغم تعدّد مذاهبهم، وتنوّع نزعاتهم.

إذ لا خلاف «بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنّة والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن»(9). وحتى ينقل القرآن الكريم كما أنزل إلى جميع الأجيال فقد قيّض الله حفظة بحيث – كما قال أبو إسحاق الشاطبي (٧٩٠)هـ: «لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر فضلاً عن القّراء الأكابر, وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة»(10).

أما السنّة النبوية فلقيت هي الأخرى عناية كبيرة واهتماماً أوسع لأنها «راجعة في معناها إلى الكتاب. فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله وبسط مختصره»(11). ولتحصين السنّة من كل دخيل، وحمايتها من المسّ والوضع،

فقد وضع علماء الإسلام علماً يُعرف بعلم مصطلح الحديث. وهو من العلوم التي اختصت بها الحضارة الإسلامية دون غيرها من الحضارات. فقد حاز علماء الحديث السبق والريادة في نقد النص داخلياً وخارجياً فهم «سبقوا إلى إنشاء ما نسمّيه اليوم بالنقد الخارجي والنقد الداخلي للخبر. فالصنف الأول قد أحكموا أسسه وقواعده في ما سموه بعلم الرجال أو علم نقد السند»(12).

من هنا نقول إنّ إسناد النص، وضبط رجاله وإحكام اتصال رواته من الأوصاف التي «خصّ الله تعالى بها المسلمين دون سائر أهل الملل كلها»(13).

ومن هنا كان علم المصطلح علماً فريداً عند المسلمين بحيث لا «نجد له في الحضارات الأخرى شبيهاً ولا نظيراً له»(14). فهو المعيار الذي تقوم به الروايات والميزان الضابط للرواية الصحيحة من السقيمة، والمقبولة من المردودة.

ب ـ فهم النص مجالاته وامتداداته

سبقت الإشارة الى أنّ تفسير النص، وفهم الخطاب الشرعي شكّل قطاعاً مشتركاً بين كثير من النظم البيانية التي ظهرت في التراث العربي الإسلامي، فكل الاتجاهات النحوية واللغوية والدلالية والبيانية، كانت تهدف إلى الاقتراب من دلالة النص الشرعي، واستجلاء المعنى، وتحصيل الدلالة من هذا النص بشكل صارم ومضبوط. لكن تبقى مساهمة علماء أصول الفقه مساهمة رائدة في بابها، متميزة في توجّهاتها، ومنفردة في اختياراتها(15).

ومما يدلّ على نزوع علم أصول الفقه نحو تفسير النص وقراءته، استحضار علماء الأصول لكثير من المباحث ذات الصلة بالمنحى اللغوي.

فأغلب المباحث التي دُوّنت في هذا العلم، هي مباحث تنتمي الى علم اللغة والدلالة، والتركيب، وعلم المعجم. فهي مباحث في أصلها كانت تنزع إلى وضع القواعد والأصول والضوابط التي تسعى إلى تحقيق الفهم السليم للنص الشرعي

انطلاقاً من استثمار علوم اللغة العربية. وهذا المعطى يعود الى أنّ «الحقّ سبحانه خاطب العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها»(16).

ولقد تحدّث الإمام أبو حامد الغزالي ت (٥٠٥هـ)، عن هذه المقدمات اللغوية المحمولة في كتب الأصول فقال: «إن المقدمات اللغوية كعلم اللغة والنحو فإنها آلة لعلم كتاب الله، وسنّة نبيّه(صلى‏ الله ‏عليه ‏وآله)». والسبب في الخوض في قضايا اللغة هو أنّ الشريعة جاءت بلغة العرب وكل شريعة لا تظهر إلا بلغة «فيصير تعلم تلك اللغة من الضروريات…»(17).

ومما قرره اللغويون وعلماء الأصول أن سبب الخطأ في العلوم الشرعية، وعدم إدراك معاني الوحي, إنما يرجع إلى ضعف الاهتمام باللغة العربية، والقصور عن امتلاك ناصيتها، والضعف في علومها. يقول ابن جني في هذا الموضوع: «ذلك أن أكثر من ضلّ من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلى إليها، فإنّما استهواه، واستخلف حلمه ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة»(18).

وبحكم توجّه علماء الأصول ونزوعهم نحو تفسير النص وفقه الخطاب فقد قاموا بمتابعة واسعة، ورصد كبير لتراكيب اللغة العربية، وأساليبها، واستمدوا من هذا الاستقراء مجموعة من القواعد والضوابط, واعتبروا التقيّد بها شرطاً ملزماً، وقيداً ضرورياً، وطريقاً معيناً في عملية التفسير والبيان، وسبيلاً عاصماً عن سوء الفهم والتأويل.

فلقد كان طبيعياً «-والعربية لسان شريعة الإسلام- أن توضع قواعد التفسير في ظل هذه الحقيقة. وهكذا وُضعت تلك القواعد بعد استقراء لأساليب العربية، وإدراك لطبيعتها في الخطاب، ومعرفة ما يمكن أن تؤدّيه تلك الألفاظ والتراكيب من مدلولات ومعانٍ»(19).

 جهة اللفظ والمعنى في البحث الأصولي

من أبرز الجهات اللغوية التي كانت موضوع استقراء علماء أصول الفقه جهة الألفاظ في علاقتها بالمعاني. فقد رصد «علماء الأصول دلالات الألفاظ من مختلف الزوايا والجهات. وحتى تتوفر لهم تلك المعرفة رصدوها من زاوية ما وضعت له الألفاظ من حقائق. فوجدوها لا تخرج في دلالتها عن العموم والخصوص والاشتراك. كما رصدوها من زاوية ما تستعمل فيه، فوجدوها لا تخرج في دلالتها عن الحقيقة والمجاز»(20).

فالعناية بالألفاظ مردها الى أنه لا سبيل إلى تمثّل المعاني وتحصيل الدلالات كما قال ابن حزم «إلا بتوسط الألفاظ التي هي طريق المعاني…(21)». فثنائية اللفظ والمعنى شكلت سلطة معرفية حاضرة بقوة وبشكل واسع في الدرس الأصولي بجميع مدارسه، واتجاهاته، بحيث اعتنى بهذه الثنائية جميع الأصوليين على اختلاف مدارسهم واتجاهاتهم المذهبية(22)، بحيث إن الاشتغال بثنائية اللفظ والمعنى فيه قاسم مشترك واحد، وهو استمداد المعنى من النص الشرعي، ليكون هذا المعنى مقدمة في استنباط وتحصيل الحكم الشرعي.

وهذا الحضور للبحث اللغوي والدلالي في الدرس الأصولي يجعلنا ندرك أن علم أصول الفقه هو بحث في دلالة اللفظ في النص الشرعي من أجل رسم الضوابط، وإرساء المعايير الحاكمة لفهم النص، وتحصيل القواعد، وهو ما كان دافعاً للأصوليين إلى استقراء جميع أنواع وأشكال العلاقات والأنساق التي تقوم بين اللفظ والمعنى في النص الشرعي(23).

بل إن البحث عن المعنى الذي يحمله اللفظ في التركيب، كان هو الأصل والقصد في عمل الأصوليين وهم يشتغلون على اللغة، ويستحضرون مباحثها، ويناقشون قضاياها. وهذا ما صرّح به الإمام الشاطبي عندما قال: «إن الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم. بناء أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني. وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية»(24). وبعبارة الإمام بدر الدين الزركشي إن إرادة المعنى آكد من إرادة اللفظ. فإنّ المعنى هو المقصود، واللفظ ما هو إلا وسيلة إلى المعنى(25).

ولقد أفصح إمام الحرمين الجويني (٤٧٨هـ) عن هذا التوجه فقال: «اعلم أنّ معظم الكلام في الأصول يتعلّق بالألفاظ والمعاني. أما المعاني فستأتي في كتاب القياس إن شاء الله. أما الألفاظ فلا بد من الاعتناء بها. فإن الشريعة عربية»(26).

وهناك جهة أخرى لقيت اهتماماً أوسع وعناية فائقة من لدن علماء أصول الفقه، وهذه الجهة هي جهة حروف المعاني، التي تسمى بالروابط. «ذلك أن الخطاب الشرعي – كما يقول أبو الحسين البصري – تتغير دلالته تبعاً للحروف الداخلة عليه. ويقصد بالحروف حروف المعاني»(27). وهي المسماة عند المناطقة بالروابط.

وتوصف هذه الحروف عند الأصوليين بأنها «مدار المسائل الفقهية، وتشتّد الحاجة إليها»(28)

وقد كشف ابن حزم الأندلسي عن قيمة هذه الحروف فقال: «فمنفعة هذه الحروف في البيان عظيمة، فينبغي تثقيف معانيها في اللغة…».(29)فمعرفة هذه الحروف تعد «من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها، ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها…»(30).

وتُعّد المعرفة بحروف المعاني أساسية للمجتهد وللفقيه، «فهو يحتاج إلى معرفة معانيها الكثيرة، لوقوعها في الأدلة الشرعية…»(31).

وبمقتضى هذه الأهمية التي اكتسبتها حروف المعاني في توجيه دلالة الخطاب, فقد أفرد لها علماء الأصول لدراسة هذه الحروف فصولا خاصة، وأبحاثاً ودراسات مستقلة في كتبهم(32).

وتتفق كلمة علماء الأصول على شدّة الحاجة إلى حروف المعاني؛ لأنها من جملة كلام العرب، وتختلف الأحكام بسبب اختلاف معانيها، ومواقعها في الخطاب, فكانت الضرورة تتحدّد في «حاجة الفقيه لمعرفة أصولها…»(33).

ومما شارك به علماء الأصول علماء التفسير في الاشتغال بهذا القسم هو رصدهم لحروف المعاني شارحين معانيها، ومحددين مواقعها ودلالتها في النصوص الشرعية. وما تؤديه هذه الحروف من معان، تبعاً للسياق، والمقتضيات التي ترد فيها.

ومما يميّز حروف المعاني من الدلالة، هو أن بعضها يحل محل البعض الآخر في أداء المعنى. وهذا أحد أشكال تبادل الوظائف الدلالية بين حروف المعاني -الروابط- مما يساهم في اتساع دلالة الخطاب في إفادة المعاني(34).

الدلالة في مباحث الأصوليين

بناء على هذا فالثابت أنّ التلقّي السليم للنص الشرعي وفهمه والوصول إلى مقاصده، لا يتيسر إلا بتجميع مجموعة من الضوابط والشروط، والتقيد بعدد من القواعد، فإنّ وجهة علماء الأصول اتجهت إلى الدلالات.

ومن ثم فمن أهمّ الجوانب اللغوية التي كانت موضوع دراسة الأصوليين الجانب الدلالي. والذي حدا بالأصوليين على العناية بهذا الجانب هو توقف التفسير والتأويل والاستنباط على معرفة دلالة اللفظ على المعنى من جميع الجهات والزوايا والمستويات.

فالدلالات هي الطريق التي تعين الفقيه على استخراج واستنباط الأحكام الشرعية من المنطوق, وهي القضية المصرح بها. كما تعينه على استنباط الأحكام من غير المصرح به أي من النص غير المصرح به. وهذا الشكل في الاستدلال يُعرف عند المناطقة بقواعد التوليد والاستدلال(35), وبتحصيل المسكوت من المنطوق. ومن هنا عدّت جهة الدلالات عمدة علم الأصول.

فلا بد في التفسير من إدراك سليم ومعرفة عميقة بدلالات الألفاظ على المعاني، وبالتغير الذي يطرأ على دلالة هذه الألفاظ في الخطاب تبعاً للسياق المحيط بالخطاب. ولهذا الغرض نظر علماء أصول الفقه في الألفاظ في علاقتها بالمعاني في جميع الجهات. كما انصرفت عنايتهم إلى الإلمام بالمقتضيات المحيطة بالخطاب؛ لأن الكلام الواحد تختلف دلالته تبعاً للمقتضيات المحيطة به.

فدلالة الألفاظ تابعة لقصد المتكلم وإرادته ومن ثم لا بد من معرفة القصد والإرادة في التخاطب بين المتخاطبين، بتحكيم السياق، وإعمال القرائن المحيطة بالنص؛ لأن السياق حاكم كما صرح بذلك علماء الأصول.

ويعّد مبحث الدلالة عند الأصوليين الأساس الذي يتأسس عليه بناء علم أصول الفقه. وقد كشف عن هذا الإمام الغزالي (ت٥٠٥هـ) عندما قال في المستصفى: «اعلم أن هذا القطب هو عمدة علم الأصول, لأنه ميدان سعي المجتهدين في اقتباس الأحكام من أصولها واجتنائها من أغصانها»(36).

ومما حفز الأصوليين على التوسع في المباحث اللغوية والدلالية درجة التفاوت الحاصل في الألفاظ من حيث درجة الوضوح والخفاء. فالألفاظ التي جاءت في الخطاب الشرعي ليست في مستوى واحد من حيث الوضوح والإبانة والخفاء. بل إن اللفظ الواحد قد «يدل على الحكم بصيغته ومنظومه, أو بفحواه ومفهومه أو بمعناه ومعقوله»(37).

كما أن اللفظ إذا كانت دلالته «على تمام مسماه فهو مطابقة، وعلى جزئه فهو التضمن، وعلى لازمه فهو الالتزام…»(38).

إضافة أن البيان مقصور على الدلالة اللفظية، وهو ما أكده الأصوليون في نقولهم حيث ذكروا «إن البيان لا يكون إلا بالألفاظ المعبرة عن المعاني التي أوقعت عليها في اللغة…»(39). والسبيل والطريق في هذه المعرفة هو وجهة اللسان العربي، وهو المقصود بالمواضعة اللغوية(40).

 ومن ثم فلما كان النص الشرعي يدل على أكثر من دلالة بطرق مختلفة، فقد أضحى ضرورياً البحث في دلالة النصوص على معانيها, التي تعتبر قواعد أصولية لغوية ترسم منهج الاجتهاد في استثمار كافة طاقات النص في الدلالة على معانيه، وهو من أهم البحوث التي يقوم عليها استنباط الأحكام(41).

والنظرة الأصولية للبحث الدلالي تسعى إلى تحديد معالم البيان، والتفسير والتأويل. وذلك بوضع المعايير المنضبطة، والضوابط الحاكمة التي توزن بها النصوص والمتون اللغوية في حالة إذا ما شابها لبس، أو مسها غموض، أو اعترضها إبهام أو أصابها التباس. كل هذا العمل كان من أجل الوصول إلى تحقيق هذا الهدف النبيل، الذي يتحدّد في ضبط عمليتي القراءة والتأويل.

وعلم أصول الفقه في مجمله، إنما هو بحث في الدلالات لفظاً ومعنىً ونصاً وسياقاً. وذلك عن طريق مبدأ التلازم القائم بين قوانين اللغة في فهم الخطاب، وضوابط السياق في تحديد المعنى المتعدد والمحتمل على نحو مخصوص(42).

والاهتمام بالدلالات بجميع أقسامها وفروعها وأنواعها جعل علماء الأصول يتجهون إلى البحث في السياق، باعتبار أن السياق أداة إجرائية لتحديد المعنى، ووسبب معين في الترجيح بين الدلالات المحتملة، والأقوال المتعددة التي يحتملها المعنى المحمول في النص الشرعي(43).

أسس التفسير وشروطه في الدرس الأصولي

عربية الخطاب القرآني

من المبادئ الأساسية التي ينبني عليها تفسير الخطاب الشرعي الانطلاق من اللغة العربية التي دوّن بها هذا الخطاب، فالدراية باللغة العربية في جميع مكوناتها، والتمكن من عناصرها مقتضى منهجي لازم في تفسير الخطاب القرآني وقراءته. ذلك أن الخطاب القرآني خطاب عربي في ألفاظه وتراكيبه وأساليبه، وهذا ما يُلزم مفسّر الخطاب أن يكون على علم باللغة العربية، وبمنطقها في التخاطب، وبسننها في الأداء والبيان والتفسير.

وعربية الخطاب القرآني تؤكده كثير من النصوص القرآنية من ذلك قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم ٤), وقوله سبحانه {إِنَّا أَنزَلْنَهُ قُرْءَنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٢} (يوسف ٢) وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ١٩٥} (الشعراء ١٩٥). فهذه النصوص القرآنية تؤكد جميعا على هذا الثابت، وهو أن القرآن الكريم «نزل بلسان عربي مبين، وبالعربية خاطبنا رسول الله(صلى‏ الله ‏عليه ‏وآله)»(44).

والمرجع اللغوي القائم في القرآن الكريم يحمل صورة واضحة عن مشاركة القرآن الكريم للغة العربية وتوافقهما في الجانب الدلالي التركيبي والأسلوبي والمعجمي. وهذا يعني أن القرآن الكريم جارٍ على سنن العرب في مخاطبتهم ومحاورتهم، ومعهود تعبيرهم ومألوف مجاري تخاطبهم القائم على اللغة العربية.

والقرآن الكريم يحمل كل خصائص اللغة العربية من وصل وفصل وإيجاز وإطناب وتقديم وتأخير، وحقيقة ومجاز، وتصريح وكناية، وهو أمر مشهود ومعترف به بين جميع علماء اللغة العربية(45).

ومن المعرفة بالعربية لمن قصد التفسير والفهم لكتاب الله معرفة مقاصد العرب في كلامهم، وعاداتهم في تخاطبهم، وتصريف أقوالهم، أما العربية فالمراد بها معرفة مقاصد العرب من كلامهم وأدبهم ولغتهم… فالقرآن الكريم كلام عربي، فكانت قواعد اللغة العربية طريقاً لفهم معانيه، وبدون ذاك يقع الغلط، ويسوء الفهم لمن أراد الفهم وهو ليس بعربي، أو غير متمكن من اللغة العربية وعلومها.

والذي عليه جميع المفسرين والأصوليين، وعلماء الدراسات القرآنية أن الضابط اللغوي يعتبر ضابطاً مرشداً ومعيناً مساعداً على فهم وتفهّم نصوص القرآن الكريم.

وبصيغة أخرى فإنه لا يمكن أن يقوم أي تفسير أياً كان نوعه وطبيعته، إلا بالاعتماد على اللغة العربية، واستثمار علومها، وتصريف هذه العلوم في فهم القرآن: «فلا يمكن الوصول إلى معنى جزئي في النص فقهياً كان أو شرعياً أو أصولياً إلا بالانطلاق من اللغة التي دُوّن بها هذا النص»(46).

ولذلك كان أول ما يجب وما «يحتاج أن يُشتغل به من علوم القرآن، هو العلوم اللفظية»(47)؛ لأن القرآن الكريم جاء بلسان عربي مبين، وجاء حاملاً لأسلوب متميز في تراكيبه ودالته.

ويُعّد علم النحو من العلوم المعينة على فهم الخطاب الشرعي واستجلاء الدلالة وإظهار المعنى، ومن ثم «ففرض على كل فقيه أن يكون عالماً بالنحو الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي به نزل القرآن»(48)، فهو من العلوم الضرورية للفقيه والمجتهد «بحيث لو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن الكريم»(49). وهذا يعني أن علم النحو ضروري..(50). فلا بد للمتعامل مع النص الشرعي أن يكون خبيراً عالماً بقواعد علم النحو؛ لأن فهم النص بشكل صحيح وكامل مرتبط ارتباطاً كلياً وعميقاً بمعرفة موقع الكلمة في الجملة العربية, ومعرفة إعرابها. وهذا لا يتيسر إلا لمن هو متمكن في هذا العلم الذي هو علم النحو…(51).

تبعاً لما سبق من النقول والنصوص والشواهد التي عرضناها، كان لا بدّ من تقرير هذه الحقيقة التي تحمل خطاباً صريحاً، وإعلاناً واضحاً، ونصاً مباشراً، وهو ضرورة تمكن المفسر من اللغة العربية ومن علومها، ومن تراكيبها ومن دلالة ألفاظها، ومواقع هذه الألفاظ في سياق الخطاب. ومن ثم فإن الجهل بهذه المقتضيات والتغاضي عن هذه الشروط سيجنّب صاحبه الصواب ويؤدّي به إلى تحريف معاني النصوص، وإخراجها عن دلالتها الحقيقية. «فمن لا يعرف اللغة لا يمكنه استخراج الأحكام من الكتاب والسنّة»(52)

وقد تأسس على هذا الضابط العلمي مجموعة من المعطيات والشروط من أبرزها:

ـ إن اللغة العربية وعلومها هي الحاضنة والكاشفة لمعاني القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.

ـ إن كل تفسير لا يستند إلى منطق اللغة العربية في الأداء، وقواعدها في الإفهام، وضوابطها في التخاطب فهو تفسير غير سليم.

ـ إن كل تأويل يتعارض مع قانون اللغة العربية، ويخل بمقتضياتها، وبمنطقها في التخاطب، واستمداد المعنى فهو تأويل فاسد.

وعليه فالسلامة في التفسير يلزم منها تحكيم مسبق لمعايير اللغة العربية، وضوابطها في التفسير؛ لأن الخطاب الشرعي عامة والقرآني خاصة خطاب بلغة عربية تحكمه قواعد اللغة العربية. فكان من الطبيعي أن يجري على هذا الخطاب ما يجري على اللغة العربية من قواعد وظواهر، ومقتضيات لغوية ونحوية وصرفية ومعجمية وتركيبية.

ومن متعلّقات السلامة في تفسير الخطاب القرآني، ضرورة التحقق من معنى الألفاظ عن طريق الفصل بين الألفاظ في بعدها المعجمي والبياني والأصلي والتبعي، والحقيقي والمجازي وما يعتري هذه الألفاظ من تغير تبعاً للسياق الذي وردت فيه. وإن صرف الألفاظ من دلالة إلى أخرى لا بد من أن يكون قائماً على أدلة تقرها اللغة العربية، وتشهد لها قوانينها في الأداء، ومنطقها في النقل.

بناء على هذا الاعتبار فالمقرر في أصول الفقه أن اللفظ المتداول في الخطاب القرآني لا بد أن يكون في إطلاقه فائدة, وألا يكون من قبيل الألفاظ المهملة، أو المبهمة، وهي الألفاظ غير المستعملة التي لا معنى لها، ولا تحمل أية فائدة في التخاطب. وهذا ما تؤكده هذه القاعدة الأصولية التي تقول: «بخلوّ القرآن من المهمل» الذي يعني اللفظ الذي لا يدل على أي معنى لا حقيقة ولا مجازا»(53)؛ لأن من مقتضيات التكليف البيان في الخطاب، من حيث هو محل التكليف.

قال إمام الحرمين: «إن من شرط التكليف، إفهام المكلَّف ما كُلِّف به….»(54). وهذا التصريح والتقرير تقرره هذه القاعدة المقررة بين الأصوليين التي تنص بصريح العبارة أنّه لا تكليف بالمجمل».

حمل الخطاب على الظاهر

من الأسس والثوابت التي ينبني عليها تفسير الخطاب حمل الخطاب على الظاهر، والذي يتحدّد في إيقاع الأسماء على مسمّياتها، كما دل على ذلك الوضع اللغوي، واصطلاح التخاطب ومعهود اللغة العربية في الإبلاغ والأداء.

والظاهر في الخطاب بمعناه العام، أو كما هو متعارف عليه عند كثير من علماء أصول الفقه, هو المعنى المتبادر من تداول الخطاب, أو هو المعنى المكتسب من النص وفق الوضع اللغوي، واصطلاح التخاطب وقصد المتكلم من الخطاب، بناء على أن الأصل في الخطاب البيان، ولا بيان إلا بالظاهر الذي هو المعاني والدلالات المستفادة من الوضع(55).

وبعبارة أبي الحسين البصري فإن الظاهر هو الحقيقة الأصلية التي ترجع إلى المواضعة اللغوية(56). ويترتب على هذا المقتضى المنهجي مجموعة من الاعتبارات والمعطيات من أبرزها:

ـ إن الظاهر هو التقيد بأعراف اللغة العربية، وسننها في التخاطب ومنطقها في الأداء والتعبير، باعتبار أن الظاهر هو المعنى المتبادر للّفظ داخل التركيب.

 ـ إن الأصل في وضع الكلام هو تحقّق البيان والإفهام. ولو كان التخاطب بخلاف ذلك لجرى مجرى العبث واللغو(57), ولانعدمت الفائدة من التخاطب، ولما تحقق البيان بين المتخاطبين.

ـ إن كل تفسير إن كان يلغي المعنى الظاهر في النص بدون دليل هو من قبيل التأويل الفاسد، والتفسير المردود، الذي لا أصل له، ولا سند له لا من النص ولا من اللغة، وبالتالي فهذا التفسير مردود على صاحبه وعلى مدّعيه. فكل من ادّعى «فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر, فهو كمن ادّعى البلوغ إلى صدر البيت قبل تجاوز الباب. فظاهر التفسير يجري مجرى تعلم اللغة التي لا بد منها للفهم»(58).

في هذا السياق شدّد الأصولي ابن حزم الأندلسي النكير على من أوقع الألفاظ على غير مسمّياتها, لما في هذا الإيقاع من توجيه المعنى على غير قصد المتكلم، ومراده من الخطاب، ولما في هذا من أثر على تحريف الخطاب الشرعي، وإبعاده عن دلالته الحقيقية. قال ابن حزم في الإحكام: «فالأصل في كل بلاء وعماء، وتخليط وفساد اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معانٍ كثيرة متعددة»(59)

وفي نفس السياق قال في موضع آخر: «من أراد أن يوقع شيئاً منها (الألفاظ) على غير موضوعها، فهو مجنون وقاح، وهو كمن أراد أن يسمّي الحقّ باطلاً والباطل حقاً، وأراد أن يسمّي الذهب خشباً، وهذا غاية الجهل والسخف…»(60).

إن التحقّق من دلالة الألفاظ هو مقتضى منهجّي في سلامة التفسير، والسداد في التأويل، بحكم أن الظاهر هو العلاقة الجامعة والمتبادلة بين التحقق من دلالة الألفاظ في الخطاب، والمعنى التي تحمله هذه الألفاظ حسب السياق. انطلاقاً من هذا المبدأ فإن كلّ تأويل يلغي المعنى الظاهر للنص فهو تأويل مردود.

كما أنّ الأصل حمل الخطاب على الظاهر، وعليه فإنه لا مطمع للوصول إلى المعنى الباطن للخطاب قبل المرور والعبور وتحكيم المعنى الظاهر الذي هو الأصل في حمل الألفاظ.

قال الإمام الغزالي (ت٥٠٥هـ) في هذا السياق: «ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن ادعى البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاورة الباب ويدّعي فهم مقاصد الأتراك… وهم لا يفهم لغة الترك»(61).

وعلى العموم فإن الالتزام بالظاهر يقيّد المفسّر من اللجوء، أو المصير إلى التأويل إلا إذا حصل على دليل، أو مقتضى لغوي يعينه ويساعده على صرف المعنى الظاهر. لأن الأصل في التأويل أنّه جاء بخلاف الأصل، ولا يصار إلى التأويل إلا بعد تعذر حمل الخطاب على معناه الأصلي الذي هو الظاهر.

ويراد بالمعنى الباطن هو المعنى الذي يُلغي ظاهر النص الذي هو المقصود من تداول الخطاب، ولا يقيد بالمواضعة اللغوية ولا الشرعية، ولا يحتكم إلى مقتضيات التأويل، ويعمد عمداً إلى رفع المعنى المتبادر المقصود أصالة من دلالة الألفاظ مما يقتضيه اصطلاح التخاطب وأعراف اللغة في أداء المعنى.

ضابط وحدة الموضوع في التفسير

من أهم الآليات والضوابط التي استعان بها علماء أصول الفقه في تفسيرهم للخطاب الشرعي ضابط وحدة الموضوع. والمضمون العام لهذا الضابط أن الخطاب الشرعي وحدة دلالية متماسكة في معانيها اللغوية والشرعية, ومن هنا وجب على مفسّر الخطاب الشرعي أن ينطلق من وحدة الموضوع في الخطاب، وذلك بجمع جميع النصوص التي تشترك في الموضوع الواحد. فالنص الشرعي وحدة دلالية متماسكة تشترك في مجموعة من المقومات اللغوية والدلالية، والسياقية، رغم سعة الفضاء الدلالي في القرآن الكريم وامتداد زمانه وتنّوع مواضيعه وتعّدد قضاياه.

والدارس لخطاب الأصوليين والمفسرين يجد أنهم قد اهتموا بوحدة النص في القرآن الكريم واعتبروها شرطاً منهجياً في التفسير، وضابطاً أساسياً في التأويل وهذا ما يستلزم من مفسر الخطاب «أن يضم كلامه تعالى بعضه إلى بعض»(62), وأن يستغلّ جميع النصوص ذات الموضوع الواحد «وأن لا يترك شيئاً منها على حساب النصوص الأخرى».

وهذا المبدأ المنهجي في التفسير هو محل اتفاق بين جميع علماء التفسير, فهم متفقون على حمل النصوص بعضها على بعض في جميع النواحي في استدلالهم واستنباطهم للحكم الشرعي، ومن ذلك الربط بين العام والخاص، والمجمل والمبين والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والأصلي والتبعي.

فمن متعلقات هذا الضابط أن البيان موقوف على مدى حمل: «العام مع الخاص، ثم محاولتهم الجمع بينهما عن طريق التخصيص بإعمال الخاص فيما دل عليه، وإعمال العام في وراء ما دل عليه الخاص، وحملهم المطلق على المقيد، وتفسير المجمل بالمبين، ورد المتشابه إلى المحكم للكشف عن المراد منه».

ومما ترتب على هذا الضابط المنهجي في التفسير اعتبار «الحديث والقرآن كله كلفظة واحدة. فلا يحكم بآية دون أخرى ولا بحديث دون آخر بل يضم بعضه على بعض»(63).

ومن شأن الجمع بين النصوص ذات الموضوع الواحد أن يزيل ويبعد التعارض الذي يتوهمه المتعامل المبتدئ، ويرفع الالتباس الذي قد يتوهمه مفسر الخطاب في بادئ أمره، وهو يتعامل مع القرآن الكريم تفسيراً واستمداداً. فالأصل أنه لا تعارض في النصوص الشرعية، وهذا مبدأ متفق عليه بين جميع الأصوليين.

قال ابن حزم: فقد «علمنا ضرورة أن كلام الله تعالى لا يتعارض»(64). وحتى إذا وقع التعارض بين الآية والحديث حسب ظن المفسر، فإن عليه الجمع بين النصوص عملاً بهذه القاعدة: «استعمال النصوص أولى من إهمالها». فلا بد من الجمع واستعمال الكل. فمن المعلوم، بالضرورة: «أن القرآن الكريم والحديث الصحيح متفقان وهما شيء واحد لا تعارض بينهما ولا اختلاف…»(65)؛ لأن القرآن الكريم كالسورة الواحدة فما أُجمل في موضع فقد فُصّل في موضع آخر وما أطلق في جهة فقد قُيّد في جهة أخرى وما جاء عاماً فقد خُصّص في موضع آخر.

وقد حذر علماء الأصول والتفسير على حد سواء من خطورة التمسك بنص واحد في التفسير. وكان ابن حزم الظاهري الأندلسي شديد اللهجة على من اعتمد على نص واحد في استمداده للحكم الشرعي، وأهمل باقي النصوص، قال في الإحكام: «فمن أراد أن يجد جميع الأحكام كلها في آية واحدة، فهو عديم العقل معلل بإفساد الشريعة»(66).

جاء في كتاب التقريب لحدّ المنطق: «فلا تأخذ بعض الكلام دون بعض فتفسد المعاني وأحذرك من شغب قوم في هذا المكان. إن ناظروا ضبطوا على آية واحدة أو حديث واحد وهذا سقوط شديد وجهل مفرط»(67).

فهم لا يستجيزون الاستدلال بالنص الواحد من القرآن الكريم والحديث الشريف منفرداً أو معزولاً عن غيره من النصوص التي تشترك معه في وحدة الموضوع. ولكن لا بد من ضم النصوص بعضها الى بعض إلا أن يضم إليه غيره مما يدخل في معناه ويتعلق بموضوعه(68).

ويعد أبو إسحاق الشاطبي الأندلسي من أبرز علماء الأصول تأصيلاً لهذا الضابط المنهجي، فقد اشترط في تلقي النص أن تؤخذ الشريعة الإسلامية كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها, وعامها المرتب على خاصها, ومطلقها المحمول على مقيدها, ومجملها المفسر ببينها إلى ما سوى ذلك من مناحيها(69).

ومما ترتب على هذا الضابط وجوب النظر في الخطاب الشرعي في جميع مستوياته الكلية, وذلك برد أوله إلى آخره والجمع بين متقابلاته وعناصره، وذلك بحمل العام إلى الخاص والمطلق إلى المقيد والمجمل إلى المبين: «فلا محيص للمتفهم عن رد الكلام على أوله. وأوله إلى آخره. وإذا ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف, فإن فرق النظر في أجزائه فلا يتوصل به إلى مراده. فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض»(70).

والتعامل مع النص في بعده الشمولي والكلي يكاد يكون موضع اتفاق بين جميع المشتغلين بالتفسير. فلا بد للمتعامل مع النص الشرعي من «حسن إدراك العلاقة الترابطية والتكاملية بين مختلف النصوص التي يجمعها الموضوع الواحد, بحيث يتيسر للمفسر أن يعمد إلى الجمع بين النصوص التي تعالج قضايا موحدة ومماثلة, وتحاول تقديم تفسير متزن. كما أن هذه الخاصية تستلزم التجرد والموضوعية عن القبليات، والابتعاد عن الاختيارات المذهبية عند التعامل مع النص الشرعي؛ لأن هذه القبليات والاختيارات من عواقبها أن تكون هدفاً من أجل ضرب النصوص بعضها ببعض، وذلك بتحميلها على معان بعيدة لا تحتملها ولا تطيقها بطبيعتها؛ لأنها بعيدة عن منطق اللغة العربية في الإبلاغ والدلالة، وذلك بادعاء وقوع التناقض أو التضارب أو التنافر بين الأحكام التي تنتظمها وتجمعها وحدة النصوص الشرعية»(71).

ومن الأمثلة التطبيقية المجسدة لهذا الضابط قوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة ٢٢٨). فهذه الآية عامة في كل مطلّقة لكن خص منها الآيسة والصغيرة وخص منها التي لم يدخل بها لقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } (الأحزاب ٤٩)(72), كما خص بها الحامل لقوله تعالى: {وَأُوْلَتُ ٱلْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (الطلاق ٤).

 خاتمة

إن هذا البحث يكشف للدارس والمتابع أن علم أصول الفقه من أهم العلوم التراثية التي استطاعت أن تضع نظرية متكاملة في تفسير النص، وتأويله وقراءته.

والذي أهّل علم أصول الفقه لأن يقوم بهذه المهمة التفسيرية هو كونه علماً مشيداً على أسس متينة، وقائماً على مباحث واسعة مستمدة من اللغة العربية، ومن علومها ومباحثها.

ومن ثم وحتى يفهم التراث العربي الإسلامي من حيث المضامين والمحتويات والطبيعة الابستمولوجية، فإن الضرورة العلمية تلزم الباحث استحضار الإشكال التأويلي الذي يعدّ من مكونات النسق المعرفي والابستمولوجي في العلوم الإسلامية، والذي ننتهي إليه هو أنه لا ينبغي تجاهل أو تجاوز التراث الأصولي الكبير في قراءة النص، لأن من شأن تجاهل هذا الإرث الأصولي أن يتم التعاضي عن مناهج التفسير، وآليات تحليل الخطاب التي كانت حاضرة في التراث العربي الإسلامي.

إضافة إلى هذا فإن اشتغال الأصولي على النص اتّصف بالدقة المتناهية، والصرامة المنهجية؛ لأن الأمر يتعلق بنص يحمل مضامين شرعية محددة في القرآن الكريم، والحديث النيوي(73). علماً أن الرغبة التي كانت تحدو علماء الأصول في اشتغالهم على النص هي لصيانة هذا النص من أن يصير مجالاً لإقحام رغبات المتعامل مع النص، في حين يجب القول إن التقيد بالشروط والالتزام بالمقتضيات في التفسير قد يعني اغتيال النص، وإفراغه من جماليته اللغوية والأسلوبية التي يتصف بها.

لقد كان اختيار الأصوليين هو الرغبة في تشييد وتأسيس منهج في الاستنباط، ليكون مقدمة في عملية الاجتهاد، وفي حماية النص من كل قراءة لا تلتزم بشروط القراءة، ولا تتقيد بمعايير التفسير، وضوابط الفهم، ولا تأخذ بقانون للتأويل.

(*)أستاذ التعليم العالي، من المغرب.

الهوامش

(1)الدلالة اللغوية عند العرب لعبد الكريم مجاهد، ص ٩.

(2)الموافقات للشاطبي، ج ٤، ص ١١٧.

(3)ملامح التفكير التداولي البياني عند الأصوليين لنعمان بوقرة، مجلة إسلامية المعرفة، العدد ٥٤، ٢٠٠٨.

(4)التأويل وآفاق المعرفة القرآنية للدكتور محمد المنتار، مجلة التأويل، العدد ١، ٢٠١٤.

(5)اللغة والنحو لمحمد عون، ص ٣٢. يراجع كذلك: قواعد تفسير النصوص الشرعية للدكتور عبد الهادي الفضيلي، دار الانتشار العربي، بيروت: ٢٠٠١؛ المناهج الأصولية في تفسير الخطاب الشرعي للدكتور يعقوبي خبيزة، رسالة جامعية مرقومة بكلية الآداب، فاس، ١٩٩٨.

(6)في أصول الحوار وتجديد علم الكلام لطه عبد الرحمان، ص ٣٩.

(7)إسهام الأصوليين في دراسة صلة اللفظ بالمعنى لمصطفى بن حمزة، ص ١٢.

(8)من قبيل هذه الدراسات والبحوث: علم التخاطب اللساني: دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النص، للدكتور محمد يونس، دار المدار: ٢٠٠٦؛ المعنى وظلال المعنى: أنظمة الدلالة في اللغة العربية للدكتور محمد يونس، دار المدار ٢٠٠٧؛ مقدمة في علمي الدلالة والتخاطب، للدكتور محمد يونس، دار الكتاب ٢٠٠٤؛ تفسير النصوص وحدود التأويل عند ابن حزم: قراءة في أعراف الفهم الظاهري للخطاب القرآني، للدكتور نعمان بوقرة، دار المدار ٢٠٠٦؛ التصور اللساني عند الغزالي في ضوء النظرية الأصولية لنعمان بوقرة. منشورات جامعة عنابة: ٢٠٠٨؛ القراءة عند الأصوليين لرمضان يحى عالم الكتاب الحديث الأردن: ٢٠٠٠؛ النص بين التفسير والتأويل عمل مشترك بتنسيق رمضان يحى، ومحمد مقبول عالم الكتاب الحديث: ٢٠١٦؛ منهج تلقي النص عند علماء الأصول لمحمد بنعمرمركز نور ناشرون:٢٠١٧.

(9)الإحكام في أصول الحكام لابن حزم، ج ١، ص ٩٢.

(10)الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي، ج ٢، ص ٥٩.

(11)المصدر نفسه، ج ٤، ص١٢.

(12)المناظرات في أصول الشريعة لعبد المجيد التركي، ترجمة عبد الصبور شاهين، ص ١٩، دار الغرب الإسلامي، ١٩٨٦.

(13)الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، ج ٢، ص ٨٢.

(14)تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، ج ١، ص ٢٣٠.

(15)للوقوف على حقيقة هذا المنهج في مكوناته وعناصره وأسسه يستحسن الرجوع إلى: طه جابر العلواني: أصول الفقه الإسلامي: منهج بحث ومعرفة، طه، ١٩٩٥، منشورات المعهد العالمي؛ د. السيد صدر الدين طاهري: أصول الفقه الإسلامي والهرمونيوطيقا، مجلة المنهج، س ٦، ٢٠٠٢؛ مصطفى سانو: قراءة ابستمولوجية في تشكل المنهجيات الأصولية، مجلة دراسات عربية، ع ١١ و ١٢ أكتوبــــر ١٩٩٨؛ المنهج الأصولي في تفسير النص الشرعي للدكتور يعقوبي خبيزة، أطروحة جامعية في ثلاثة أجزاء مرقومة بكلية الآداب ظهر المهراز فاس: ١٩٩٩؛ آليات قراءة النص الديني ليحى محمد، كلية المنهاج، ع ٣٠، شتاء ٢٠٠٥.

(16)الموافقات، ج ٢، ص٦٢.

(17)إحياء علوم الدين، للإمام لغزالي، ج ١، ص ٢٢.

(18)الخصائص لابن جني، ج٣، ص ٣٤٥.

(19)تفسير النصوص لأديب صالح، ج ١، ص٩.

(20)الخطاب الشرعي وطرق استثماره للدكتور إدريس حمادي، ص ٤٧٦.

(21)التقريب لحد المنطق لابن حزم، ص ١٢١.

(22)يراجع: من قضايا اللفظ والمعنى بين اللغويين والبلاغيين. لمليكة حفان، موقع ديوان العرب على الشبكة العنكبوتية.؛ مفهوم المعنى دراسة تحليلية، د. عزمي إسلام حوليات كلية الآداب، جامعة الكويت، الحولية السادسة، الرسالة الحادية والثلاثون ١٤٠٥، هـ ١٩٨٥، م.س، ص.٢٩؛ دراسة المعنى عند الأصوليين، طاهر سليمان حمودة، الدار الجامعية للطباعة والنشر، الإسكندرية، ص: ٨٧-٨٨

(23)بنية العقل العربي للدكتور محمد عابد الجابري، ص ٥٦

(24)الموافقات للشاطبي، ج ٤، ص ١١٤

(25)البحر المحيط لابن حيان الأندلسي، ج ١، ص ٤٥٨

(26)البرهان في علم أصول الفقه للجويني، ج ١، ص١٦٩

(27)المعتمد لأبي الحسين البصري، ج ٢، ص ٩٨، جاء في الإتقان: “اعلم أن معرفة ذلك من المهمات المطلوبة… ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها”، ج ٢، ص ١٤٠.

(28)فواتح الرحموت بهامش المستصفى، للسهالوي الأنصاري اللكنوي، ج ١، ص ٢٢٩؛ من أهم المؤلفات المخصصة للحروف: اللامات للزجاجي ( تـ ٣٣٧ هـ) كتاب الأزهية في علم الحروف للهروي (تـ ٤١٥ هـ)، وأحمد بن النور المالقي (تـ ٨٠٢ هـ) في كتابه: “رصف المباني في شرح حروف المعاني”. وكتاب: الداني في حروف المعاني “للمرادي (تـ ٩٤٩ هـ). – فواتح الرحموت بهامش المستصفى :١/٢٢٩؛ نهاية السول: ١/٢١٧، الإبهاج: ١/٢١٨، اللمع: ٣٦، – العدة: ١/١٩٤، أصول السرخسي: ١/٢٠٠. قواطع الأدلة: ٨٤

(29)التقريب لحد المنطق، ص ١٩٠.

(30)الاتقان للسيوطي، ج ١، ص ١٤٢.

(31)جمع الجوامع بشرح جلال المحلى، ج ١، ص ٣٣٥.

(32)من المؤلفات الأصولية التي درست الحروف منها: فواتح الرحموت بهامش المستصفى، ج ١، ص ٢٢٩؛ نهاية السول، ج ١، ص ٢١٧؛ الإبهاج، ج١، ص ٢١٨؛ اللمع، ص ٣٦؛ العدة، ج ١، ص ١٩٤، أصول السرخسي، ج ١، ص ٢٠٠؛ قواطع الأدلة، ص ٨٤؛ شرح الكوكب المنير، ج ١؛ ص ٢٢٩؛ البحر المحيط، ج ٣؛ ص ٤٤٤؛ جمع الجوامع بشرح جلال المحلى الشافعي، ج ١، ص٣٣٥.

(33)البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، ج ٢، ص ٢٥٣٢.

(34)أثر حروف المعاني في تعدد المعنى لعرابي احمد، مجلة التراث العربي، دمشق، ٢٠٠٣.

(35)المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني للدكتور حمو النقاري، ص ٤٢.

(36)المستصفى للغزالي، ج ٢، ص ٧٢.

(37)المصدر نفسه، ج ١، ص ٧٣.

(38)التحصيل من المحصول لسراج الدين الارموي، ج ١، ص ٢٠٠.

(39)الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي، ج ١، ص ٣٣.

(40)المعتمد لأبي الحسين البصري، ج ٢، ص ٩١٠.

(41)المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي لفتحي الدريني، ص ٢٦٨، يراجع كذلك: الدلالة وتفسير النص أحمد الكبيسي: مجلة كلية الشريعة العراقية ع ٦، السنة ١٩٨٦؛ البحث الدلالي عند الأصوليين حبلص محمد يوسف، مكتبة عام الكتب، مصر ١٩٩١.

(42)الدلالات وأثرها في تفسير القرآن لمحمد سالم أبو عامي، دار علي للطباعة والنشر، ١٩٩٧.

(43)أهمية اعتبار السياق في المجلات التشريعية. عمل مشترك من إصدار الرابطة المحمدية للعلماء المغرب.

(44)المحلى لابن حزم، ج ٥، ص ١٨٩.

(45)مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ج ١، ص ١٧.

(46)دراسة الطبري للمعنى للدكتور محمد المالكي، ص ١٢١.

(47)المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني، ص ٦.

(48)الإحكام لابن حزم، ج ٥، ص ١٢٦.

(49)رسائل ابن حزم، ج ٣، ص ١٢٣.

(50)النحو والتفسير: أصول نظرية ونماذج تطبيقية، للأستاذ الدكتور مولاي مصطفى أبو حازم، ص ١٢.

(51)قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله لعبد الرحمان حبنكة الميداني، ص ٨٩.

(52)شرح مختصر الروضة لنجم الدين الطوفي، ج ٣، ص ٤٦٩.

(53)فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، ج ٢، ٢١.

(54)البرهان لإمام لحرمين، ج ٢، ص ١١٦٧.

(55)مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم، ص ٢٠.

(56)المعتمد لأبي الحسين البصري، ج ٢، ص٩١١.

(57)قواطع الأدلة للإمام السمعاني الشافعي، ج ٢، ص ٥٠.

(58)البرهان في علوم القرآن للزركشي، ج ٢، ص ٢١٤.

(59)الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الأندلسي، ج ٨، ص ١٠١.

(60)الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم، ج ٢، ص ٢٧٩.

(61)إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، ج ١، ص ٣٧١.

(62)المحلى، ج ٩، ص٤٤٩.

(63)الإحكام في أصول الأحكام، ج ٩، ص ١٤، وفي موضع آخر من الإحكام، ج ١، ص ٩٨: “والقرآن والخبر الصحيح بعضهما مضاف إلى بعض وهما شيء واحد في أنهما من عند الله تعالى وحكمهما حكم واحد في باب وجوب الطاعة…”

(64)المحلى، ج ٩، ص ١٧٧.

(65)المصدر نفسه، ج ١، ص ١٠٠.

(66) الإحكام في أصول الأحكام، ج ٢، ص ٢١. لمزيد من التفصيل في موضوع قراءة الخطاب عند الأصوليين يراجع: القراءة في الخطاب الأصولي للدكتور يحى رمضان، عالم الكتب الحديثة ٢٠٠٧؛ علم التخاطب الاسلامي: دراسة لسانية لمناهج علماء الأصول في فهم النص للدكتور محمد يونس :٢٠٠٨؛ الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي للدكتور عبد الحميد العلمي. منشورات وزارة الأوقاف المغربية: ٢٠٠٠.

(67)التقريب لحد المنطق لابن حزم، ج ٤، ص ٢٨١.

(68)نظرية الاعتبار في العلوم الإسلامية لعبد الكريم عكوي، ص ٢٣، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي ٢٠١٠.

(69)الاعتصام للإمام الشاطبي، ج ١، ص ٣٨.

(70)الموافقات للإمام الشاطبي، ج ٣، ص ٤١٣.

(71)ضوابط منهجية في التعامل مع النص الشرعي للدكتور قطب سانو مصطفى، ج ١، ص ٤٤.

(72)يراجع تفسير ابن العربي المعافري للآية في كتابه أحكام القرآن، ج ١، ص ١٨٣.

(73)إسهام الأصوليين في دراسة صلة اللفظ والمعنى للدكتور مصطفى بنحمزة، ص ٢٥١، ضمن كتاب: من قضايا الفكر واللغة. منشورات دار الأمان الرباط المغرب: ٢٠١٣.

المصدر: مجلة المنهاج العدد 82

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky