الاجتهاد: حاول هذا البحث الوقوف على تاريخ نشأة وتطور بقعة هي من أشرف بقاع الأرض على الإطلاق وهي الحائر الحسيني المقدّس. وقد قسم البحث على ثلاثة مباحث تناول الأول: أصل تسمية الحائر الحسيني والثاني: التطور التاريخي للحائر الحسیني الشريف والثالث حد الحائر الحسيني الشريف، وختم البحث بأبرز النتائج.
وكانت دراسات سابقة قد اعتنت بهذه الموضوعة من قبل، يأتي في مقدمتها دراسة السيد عبد الجواد الكليدار في كتابه (تاريخ كربلاء وحائر الحسين)، ودراسة السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء)، ودراسة السيد تحسين آل شبيب في كتابه (مرقد الإمام الحسين “ع” عبر التاريخ)، ومؤخراً رسالة ماجستير في (جامعة الكوفة – كلية الآداب) للباحث أمير جواد كاظم بعنوان (الحائر الحسيني-دراسة تاريخية 61 – 656 هـ ).
وقد تنبه البحث لبعض الإشكالات أو الأخطاء التي وقع فيها سابقاً السيد عبد الجواد الكليدار، وللأسف لم يلتفت لها أو لم يقف عندها الباحث أمير جواد كاظم، على الرغم من تخصص دراستيهما الدقيق بهذه الموضوعة، وهذا ما رجح إعادة بحثها بشكل موجز لتصحيح تلك الإشكالات أو الأخطاء، دون الإسهاب بتفصيلات الموضوعة الأخرى، فهي مبثوثة بشكل مستفيض في تلك الدراسات الأربع.
ارتبط تاريخ كربلاء عموماً بالبقعة المباركة التي تشرفت باحتضان الجثمان الطاهر لسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين “عليه السلام”، وهي التي عرفت لاحقاً بالحائر الحسيني، وقد استحوذت هذه المساحة الصغيرة التي لا تبلغ سوى بضع مئات من الأمتار على الإرث التاريخي للمنطقة كلها، فاندكت تسميات قراها المتعددة والمأهولة بالسكان قبل حلول الإمام الحسين “عليه السلام” بها في حائر قبره الشريف حاكية تحقّق نبوءة محمدية أرسلها التاريخ على لسان عقيلة الطالبيين عليها السّلام، وهي في قمة اللوعة والألم لذلك المصاب الرهيب، عندما رأت بقية العترة الإمام السجاد “عليه السلام” يجود بنفسه حزناً على أبيه وأهل بيته وأنصاره: ” مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟…، لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة…، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها…، وينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورًا وأمره إلا علوًا”.
بل إنّ الحائر الحسيني – بما يمثله من عقيدة ومبدأ وقيمة وموقف- كان قد استحوذ على المسار التاريخي لحركة الإسلام الأصيل والرسالة المحمدية النقية، والرغبة الإنسانية في تحقيق العدل والحرية، عبر بقائه شاهداً حياً على تلك المواجهة الحاسمة بين الإسلام والجاهلية والحرية والعبودية، والتي ابتسرها قول الإمام”عليه السلام”: إني لم أخرج بطرا ولا أشرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنّما خرجت أطلب الصلاح في أمة جدي محمد، أريد آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وسيرة أبي علي بن أبي طالب.
وقوله: ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك مني، هيهات منا الذلة، أبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت وجدود طابت أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
كما أتم ذلك الموقف تشكل المذهب والعقيدة الشيعية على وجه الخصوص، ومنحها هذا الثراء المبدئي المستمر والمتجدد على الدوام، عبر استلهام المُثل والمواقف الثاوية خلف الضريح الأقدس للإمام الحسين “عليه السلام” وصحابته الطاهرين.
وعليه فمن الحري بالاهتمام البحث في نشأة تلك البقعة المباركة ( الحائر الحسيني ) وتاريخ تسميتها وتطورها، لما تمثِّله من زخم إيماني واعتقادي وفكري ومعنوي، لما يزال يجتذب إليه قلوب الملايين من البشر من كافة أرجاء الأرض، على اختلاف اعراقهم وأصولهم ومتبنياتهم العقدية والفكرية والفلسفية، ولاسيّما أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي، إلا في محاولات أربع سابقة، وهي على تخصصها في الموضوعة قد وقعت بإشكالات،
حاول البحث التنبيه عليها وتصحيحها وقد قسمنا البحث على ثلاثة مباحث تناول الأول: أصل تسمية الحائر الحسيني وتناول الثاني: التطور التاريخي للحائر الحسيني الشريف و تناول الثالث حد الحائر الحسيني الشريف، وختم البحث بأبرز النتائج.
المصدر: العدد الثالث ( من السنة الرابعة / ذي الحجة 1438 / 2017 ) من مجلة تراث كربلاء ( مجلة فصلية محكمة تعنى بالتراث الكربلائي ) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة.
تحميل المقالة