الدراسة الفقهية

مركز الدراسة الفقهية عند الشيعة .. آية الله الشيخ علي كاشف الغطاء ( 1331 – 1411هـ)

الاجتهاد: إن الدراسة الفقهية عند الشيعة الاثني عشرية قد كان مركزها هو البلد الذي يسكنه الإمام من الأئمة الاثني عشر ثم بعد غيبة الإمام الثاني عشر الكبرى سنة 329هـ في سامراء كانت تدور مدار سكنى الزعيم الشيعي لأنه هو المَرجِع لهم ولذا لو تعدد الزعيم الديني لهم في بلاد مختلفة تعدد مركز الدراسة بحسبها. وانتقلت من سامراء وصار لها مركزان: أحدهما: قم وثانيهما: بغداد.

إن الدراسة الفقهية عند الشيعة الاثني عشرية قد كان مركزها هو البلد الذي يسكنه الإمام من الأئمة الاثني عشر ثم بعد غيبة الإمام الثاني عشر الكبرى سنة 329هـ في سامراء كانت تدور مدار سكنى الزعيم الشيعي لأنه هو المَرجِع لهم ولذا لو تعدد الزعيم الديني لهم في بلاد مختلفة تعدد مركز الدراسة بحسبها. وانتقلت من سامراء وصار لها مركزان:

أحدهما: قم حيث كانت مربضاً لقادة الفكر الديني الشيعي فقد كان فيها الصدوق مؤلف من لا يحضره الفقيه وغيره وكان من أهم المراجع للشيعة.

وثانيهما: بغداد حيث كان فيها مرجعاً للشيعة ابن جنيد والاسكافي ثم انحصر مركزها في بغداد حيث كان مربضاً لقادة الفكر الديني الشيعي ومهبطاً لطلاب العلم الفقهي ومنهلاً عذباً لمعرفة الحكم الشرعي لانحصار المرجعية العامة والزعامة الدينية الكبرى بالشيخ محمد العكبري المفيد المتوفى سنة 413هـ وهو يسكن بغداد ثم من بعد وفاته انتقلت الزعامة الدينية لتلميذه علم الهدى السيد المرتضى المتوفى سنة 436هـ

ثم من بعده انتقلت الزعامة الدينية لتلميذه الشيخ محمد الطوسي رحمه الله ، ولم يزل رحمه الله في بغداد مرجعاً للطائفة في الفتوى ومأوى لهم ولغيرهم في البحث والتدريس حتى ثارت الفتن من دعاة الفرقة وانشقت عصا الجماعة من المستهزئين بالدين والفضيلة فتعدّوا على كرامة العلم والعلماء باحراقهم للكتب العلمية وهدمهم للجوامع الإسلامية وهتكهم للمقدسات الدينية على عهد العتل الارعن الاهوج (طغرل بيك السلجوقي)([929]) الذي شق عرى الوحدة بين المسلمين وفصم عقد الاخوة بين أهل الدين حتى احترقت دار الشيخ الطوسي رحمه الله ومكتبته وكرسيه الذي يجلس عليه للتدريس سنة 448هـ.

فانتقل رحمه الله للنجف الأشرف خوفا على نفسه ومتعلقيه حيث كانت النجف المكان الأمين والبقعة المقدسة وفي المبيت بها الثواب الكثير وليس فيها إلا الشيعة وبانتقاله إليها انتقل مركز الدراسة إليها وأصبحت جامعة علمية مهمة يقصدها طلاب العلوم الدينية من كل حدب وصوب لوجود مَرجِع التقليد الأعلى فيها ثم في القرن السابع بعد سقوط بغداد بأيدي المغول التتر سنة 655هـ انتقل مركز الدراسة من النجف إلى الحلة لأنها كانت في مأمن من نكبة المغول للعراق واقرب مركز لبغداد وتتوفر فيها متطلبات السكنى والحياة فانتقل لها علماء بغداد وأوجب ذلك قوة النشاط العلمي مما دعا ان تكون هي المركز العلمي للدراسة الفقهية

وكان ذلك في عصر الشيخ نجم الدين المعروف بالمحقق الحلي المتوفى سنة 676هـ صاحب شرائع الإسلام وكان مجلسه العلمي يحوي اكثر من أربعمائة مجتهد ثم انتقل مركزها من الحلة للنجف مرة ثانية في القرن العاشر نتيجة لوقوع الاضطرابات في الحلة بسبب الحروب التي وقعت فيها بين المشعشعين وبين التركمان وكان ذلك في عهد المقدس الأردبيلي([930]) المتوفى سنة 993هـ عندما أقام في النجف.

وفي سنة 1156هـ عقد في النجف بواسطة نادر شاه الاتفاق(2) بين الشيعة والسنة بالغاء الطائفية والتمسك بالوحدة الإسلامية ووقع على هذا الاتفاق علماء السنة والشيعة.

ثم انتقل مركزها لكربلاء في القرن الثاني عشر عندما جاء إليها المحقق محمد باقر بن محمد الوحيد البهبهاني المتوفى سنة 1208هـ والظاهر ان السبب في ذلك هو كثرة وجود الأخباريين في كربلاء مما أوجب ان يهذب علماء الأصوليين بزعيمهم الأعلى المحقق البهبهاني المذكور لرفع المذهب الاخباري عنها

ثم عاد مركز الدراسة للنجف مرة ثالثة بانتقال السيد بحر العلوم المتوفى سنة 1212هـ والشيخ الكبير كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228هـ والشيخ حسين نجف وغيرهم من جهابذة الفن وفطاحل العلم لوقوع الاضطرابات في كربلاء وحدوث الحوادث المخيفة منها كغارة الوهابيين عليها وسلب سلطان إيران فيها واشتدت الحال بها أيام داود باشا(1) سنة 1234هـ فاصبح الطالب لا يملك الأمان لنفسه وحيث إن النجف لا مطمع لأهل الصولجان والسلطان فيها لأنها وادٍ غير ذي زرع فكانت بمعزل عن العالم تصلح لأهل التقوى والإيمان مع ما فيها من مجاورة سيد الأوصياء التي ينال بها الثواب الجزيل والأجر العظيم وما في الدفن فيها من النجاة من العذاب الاليم.

ويقال ان ذلك كان باصرار من الشيخ جعفر كاشف الغطاء ولذا كان هو المتصدي لتمصير النجف وبناء سورها والمحافظة على شؤونها فأوجب هذا وذاك انتقال مركز الدراسة إلى النجف الأشرف مرة ثالثة ثم انتقال مركزها أيام السيد حسن الشيرازي صاحب تحريم التتن المتوفى سنة 1312هـ لسامراء لتوفر وسائل الحياة فيها ولحدوث سوء التفاهم بينه رحمه الله وبين رؤوساء النجف وحيث كان هو المرجع الأعلى للشيعة والدراسة الدينية تدور حيث ما سكن قائدها ومدير دفتيها الذي هو المرجع الأعلى للشيعة.

وبعد وفاته انتقل مركزها لكربلاء أيام ميرزا محمد تقي الشيرازي صاحب الثورة المتوفى سنة 1338هـ, وبعد وفاته انتقل مركزها للنجف الأشرف مرة رابعة ولا تزال باقية حتى الآن في النجف الأشرف نسأله تعالى بجاه من لذنا بجواره ان تبقى فيها ما بقي الدهر.

لكن لا يخفى على القارئ ان انتقال الدراسة من النجف في هذه المرات بعد الشيخ الطوسي ليس معناه زوالها عن اصلها وإنما هو انتقال مركزها ومحورها عنها بواسطة ان مركزية الدراسة تابعة للزعامة الدينية عند الشيعة فلما انتقلت الزعامة في هذه الفترات انتقلت المركزية للدراسة معها وإلا فالدراسة بقيت في النجف مستمرة إلا أنها أصابها الضمور والتقلص في تلك الحالات فإنا لا نعني بوجود مركز الدراسة الدينية الشيعية في بلد معناه هو انعدامها في باقي بلدانهم المهمة إذ لا يمكننا ان نتجاهل عظمة الدراسة الدينية في قم وخراسان وطهران واصفهان وغيرها من بلدان إيران من قديم الدهر حتى اليوم,

ولا يمكننا ان ننكر وجود الدراسة في كربلاء والكاظمية وغيرها من بلدان العراق منذ أمد بعيد حتى الآن ولا يمكننا أن نغض النظر عن الدراسة المذكورة في باقي المناطق الشيعية في المماليك الإسلامية كسوريا ولبنان والبحرين وافغانستان والسعودية وغيرها إلا أن الذي نعنيه كون البلد هي المركز هو ارتباط الدراسة الدينية الشيعية بذلك البلد باعتبار ما فيه من توفر أسباب التحصيل وسعة الدراسة وكثرة الفقهاء فيهاجر إليه لتحصيل المعارف الفقهية أو تكميلها أو تقويتها ولنيل شهادة الاجتهاد من الزعيم الديني الأعلى الذي حل فيه.

المصدر: كتاب: أدوار علم الفقه وأطواره -وباب مدينة علم الفقه – آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء ( 1331 – 1411هـ)

تحقيق مؤسسة كاشف الغطاء العامة -الشيخ تحسين البلداوي

http://www.kashifalgetaa.com/?id=114

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky