الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء

من مواقف العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء السياسيّة و الإصلاحيّة

الاجتهاد: لمّا زار السفير البريطاني العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء بمكتبه في النجف الأشرف بتاريخ: 20 جمادي الأولى سنة 1373 هـ (1953 م) صارحه بالأعمال المنكرة الّتي قام بها البريطانيون في شرق الأرض وغربها، وجابهه بدور الإنجليز في ضياع فلسطين، ومعاونتهم للصهاينة على فتح معاقل تلك الأرض المقدّسة واستعمار أرضها واستعباد أهلها، و أخيراً تشريدهم في كلّ صقع و ربع.

لقد كان العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء رضي الله عنه، الذي ولد في مدينة النجف الأشرف سنة 1294هـ / 1876م، عَلَماً بارزاً في جميع المجالات العلمية والاجتماعية، ولا عجب في ذلك، فالشيء لا يستغرب من معدنه، وهو جدير بأن ينشأ هذه النشأة العظيمة، إذ هو من عائلة علمية عريقة شاركت مشاركة فعالة في صنع تاريخ النجف العلمي، حيث تزعمت الحركة الدينية فيها نحو مائة وثمانين سنة منذ هجرة جدها الأعلى الشيخ خضر بن يحيى المالكي إلى النجف، والذي خلفه نجله الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب كشف الغطاء المعروف، حتى وصل الأمر إلى صاحب هذه الترجمة.

ولم يشغل الشيخ رحمه اللّه التأليف في الدين الّذي اتجّه إليه بكلّه عن حفظ ثغور المسلمين و كرامتهم، بل راح يسعى لحفظها أيضا. ففي عام 1916 م ذهب مع السيّد اليزدي قدّس سرّه و رعيل من العلماء إلى الكوت للوقوف ضدّ القوات البريطانيّة المحتلّة.

و لا عجب في ذلك و هو المصلح المؤمن بأنّ من أهم وظائف الرجل الديني و واجباته الأولى معالجة الشؤون السياسيّة و التدخّل فيها و فهمها حقّ الفهم. و كان يرى بأنّ المعني بمفهوم السياسة هو الوعظ و الإرشاد، و النهي عن الفساد، و النصيحة للحاكمين، بل لعامّة البلاد، و التحذير من الوقوع في حبائل الاستعمار و الاستعباد.

و يقول العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء  في انشغاله بالسياسة: (أنا غارق فيها إلى هامتي، و هي من واجباتي، و أراني مسؤولا عنها أمام اللّه و الوجدان) .

و بعد أن تأسّس الحكم الديموقراطي و تركّز كان شعوره يماشي حركة الإصلاح السياسي، و يحرص على إنمائها، و يساند الجيل الّذي تيقّظ لمسايرة النهضة الحديثة من فتح المدارس و بثّ العلوم و تنوير الأذهان.

و كان هو الّذي أخمد فتنة عبد الرزاق الحصّان 1 الّتي انبعثت من كتابه (العروبة في الميزان) ، فقد قام لها الجنوب و عشائره عام 1935 م، و قامت المظاهرات الّتي استمرت، فكان إخمادها على يده حفظا للمصلحة العامّة.

و مثلها إخماده لثورة عشائر الفرات على أثر استقالة جميل المدفعي و تشكيل وزارة ياسين الهاشمي 2 عند ما اجتمع عنده زعماء الديوانيّة و الرميثة و الناصريّة و سوق الشيوخ، و على رأسهم الحاجّ عبد الواحد سكر والسيّد محسن أبو طبيخ؛ لإبرام ميثاق يتضمّن تخفيض الضرائب والعناية بعمران البلاد ونبذ الطائفيّة بإنصاف الشيعة في الوظائف، فلمّا رأى توسّع رقعة الثورة و أنّها تعود على الشعب و الحكومة بالخسارة الفادحة طلب منهم الخلود إلى السكينة، فامتثلوا أمره، و كان ذلك بطلب من صالح جبر الّذي أرسلته الحكومة عند ما كان متصرّفا للواء كربلاء.

و كذلك موقفه من المظاهرات الّتي حدثت بالنجف في عهد وزارة نور الدين محمود عام 1952 م و الّتي أوجبت احتلال النجف من قبل الجيش، فكان منشوره و نداؤه البلسم الشافي للفريقين المتخاصمين.

ولمّا زاره السفير البريطاني بمكتبه في النجف الأشرف بتاريخ: 20 جمادي الأولى سنة 1373 هـ (1953 م) صارحه بالأعمال المنكرة الّتي قام بها البريطانيون في شرق الأرض و غربها، و جابهه بدور الإنجليز في ضياع فلسطين، و معاونتهم للصهاينة على فتح معاقل تلك الأرض المقدّسة و استعمار أرضها و استعباد أهلها، و أخيرا تشريدهم في كلّ صقع و ربع.

ثمّ اجتمع به السفير الأمريكي، فلم تكن صراحته بأقل من صراحته مع السفير البريطاني، و قد عنّفه كثيرا على مساهمة الولايات المتحدة الأمريكيّة في تثبيت أقدام الصهاينة بأرض فلسطين، و ما نجم عن جرّاء ذلك من الأعمال الوحشيّة المنكرة.

و كان يقول للسفير في هذا الخصوص: (إنّ قلوبنا دامية منكم معاشر الأمريكيين؛ لأنّكم طعنتمونا بالصميم طعنة نجلاء لا يمكن السكوت عنها و الصبر عليها) .

ثمّ يقول: (إنّ القلوب كلّها ضدّكم، وتقطر دما من فضاعة ضربتكم الّتي قصمتم بها ظهر العرب) . و كان يعني بذلك مأساة فلسطين و ضياعها من أيدي العرب والمسلمين.

و أخيرا توّج حياته الكريمة الحافلة بجلائل الأعمال والمواقف السياسيّة الإصلاحيّة برفضه حضور مؤتمر بحمدون الّذي عقد في بحمدون لبنان بتاريخ الثاني والعشرين من نيسان عام 1954 م، و الّذي روّجت له محافل الاستعمار الأمريكي، حيث وجّهت دعوة له من قبل كارلند إيفانز هوبنكز نائب رئيس جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية، فكان ردّه على دعوة الحضور حاسما بليغا جدا.

و ما اكتفى قدّس سرّه بذلك، بل شفعه بإصدار كتابه الّذي أسماه: (المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون) .

و قد جاء الكتاب آية في الجرأة و الغيرة على المصلحة العامّة و السعي لخدمة البلاد و تنوير أبنائها بما يحوطهم من أخطار الاستعمار و ما ينتابهم من شرور أذنابه.

لقد كانت الدعوة موجهة له من قبل نائب رئيس جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في أميركا لحضور مؤتمر لرجال الدين من المسلمين والمسيحيين يعقد في لبنان لبحث القيم الروحية في الديانتين والأهداف المشتركة وموقف الديانتين من الشيوعية، وقد كان موقفه رفض الحضور مع بيان مثالب الحضارة الغربية القائمة على ضرب القيم الروحية، لذلك خاطبه قدس سره في هذا الكتاب:
« ألستم أنتم أخرجتم تسعمائة ألف نسمة من العرب، أخرجتموهم من أوطانهم وبلادهم وشردتموهم بالصحاري والقفار يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء. وكانوا في أوطانهم أعزاء شرفاء، يكاد يتفجع لحالهم الصخر الأصم، ويبكي لحالهم الأعمى والأصم، وأنتم لا تزالون تغرون اليهود بالعدوان عليهم. فهل فعل نيرون كأفعالكم هذه، والعجب كل العجب أنكم في الوقت نفسه تطلبون من المسلمين والعرب الانضمام إلى جهتكم، والتحالف معكم، وإبرام المعاهدات لكم، فإنكم تضربون العرب بأرجلكم ورجالكم تصفعونهم على عيونهم بيد، وتمسحون رؤوسهم باليد الأخرى ».

الهوامش

[1] عبد الرزّاق بن رشيد بن حميد الحصّان البغدادي الكرخي، مؤرّخ للقوميّة العربيّة، أثار بعض كتبه نقدا شديدا في بغداد، و هو كتاب العروبة في الميزان الّذي قامت بسببه تظاهرات احتجاج، فسجن مؤلّفه أربعة أشهر، رحل إلى الكويت و إلى السعودية، و توفّي غريبا في فندق في الكويت. (الأعلام للزركلي 3: 352) .

[2] ياسين حلمي بن السيّد سلمان الهاشمي، زعيم العراق السياسي في عصره. ولد ببغداد سنة 1882 م، و تعلّم بها، ثمّ بالأستانة و برلين، و تخرّج برتبة ضابط أركان حرب سنة 1905 م، و خاض الحرب البلقانيّة، و دخل جمعيّة العهد، و اتّصل بالشريف فيصل بن الحسين سنة 1916 م، ثمّ دخل في جمعيّة العربيّة الفتاة، و نقل إلى رومانيا، و ظهرت مواهبه العسكريّة في ميدان غاليسيا دفاعا عن النمسا ضد الروس، و أعيد إلى سوريا. انتخب عضوا في المجلس التأسيسي ببغداد، و تقلّد رئاسة الوزراء مرّتين. قام ببعض الأعمال الإصلاحيّة إلى أن قامت ثورة-ق-بكر صدقي في عهد وزارته الثانيّة سنة 1936 م، فرحل إلى بيروت، فتوفّي فيها، و دفن في دمشق سنة 1937 م. (الأعلام للزركلي 8: 128-129) .

المصادر:

” تحرير المجلة ” الجزء الأول الصفحة: 63. رابط تحميل الكتاب

(http://shiabooks.net/library.php?id=3354 )

المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون.
شعراء الغري، لعلي الخاقاني 100:2.
الدين والإسلام، للمؤلف كاشف الغطاء قدس سره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky