خاص الاجتهاد: تحدث سماحة الأستاذ السيد منير الخباز في هذا الحوار عن مناشیء الحاجة إلی الانفتاح علی الفقه المقارن كتنقيح ضرورة الدین وفهم الأحاديث الواردة عن أهل البیت (ع) ومعرفة الروایات التي تخالف العامة و.. كذلك الحاجة إلى الفقه المقارن في الحوزات العلمية.. و أن السید البروجردی کان یقول أن روایات اهل البیت تحشیة علی فقه العامة. كما يرى سماحة السيد الخباز أنه لا إشكال في أن القدماء من فقهائنا مارسوا الفقه المقارن کالمفید والشیخ والعلامة و أن هناك ليس انفتاح على الفقه المقارن في المتأخرين من الفقهاء كالجواهر وكتب الشيخ الاعظم والمستمسك للسید الحکیم وبحوث سيدنا الخوئي.
سماحة السيد منير الخباز من اساتذة المرحلة العليا لدراسات الفقه الإسلامي المسمى بدروس الخارج في الحوزة العلمية في مدينة قم. وقد تلمّذ على جماعة من الأعلام كالسيد السيستاني في النجف الأشرف والشيخ التبريزي في مدينة قم. وكتب ما ألقاه السيد السيستاني على تلاميذه. وهو يدرّس الفقه والأصول منذ سنوات في مدينة قم.كما يعدّ من الباحثين في المسائل المعاصرة في العالم الإسلامي. وحاورنا معه في ما يتعلق بحاجة الأوساط العلمية والحوزوية إلى الفقه المقارن.
⬅ الوصول الی کون الحکم من الضروریات يتوقف فی کثیر من الموارد علی استیعاب فقه المذاهب الاسلامیة المختلفة
⬅ ذكر بعض فقهائنا أن موضوع الحجیة لیس خبر الثقة وانما موضوع الحجیة هو الوثوق بصدور الخبر، بناءاً علی مسلک الوثوق
⬅ کثیر من احادیثنا کما ذکر السید البروجردی قدس سره تعلیق علی احادیث العامة وفتاواهم، فهي إما اضافة أو حذف أو نقد علی احادیث العامة وفتاواهم
⬅: هناک حقیقه یجهلها کثیر من الحوزوین، أن کتاب «معالم الدین فی الاصول» للشیخ حسن صاحب المعالم ابن شهید الثانی الذی کان مقرراً دراسیاً في الحوزات العلمیة الی عهدٍ قریبٍ استفاد فی کثیرٍ منه من کتاب «التقریر علی التحریر» لابن امیر الحاج الذی سبق صاحب المعالم بمأة سنة.
اليكم نص الحوار:
الاجتهاد: هل هناك توجد ضرورة في الحوزات العلمية تستدعي الإنفتاح الى الفقه المقارن أم لا؟ وما هي؟
السيد منير الخباز : الحدیث عن الفقه المقارن الذی یراد به الفقه المستوعب لآراء المذاهب الاسلامیة لا خصوص مذاهب أهل السنة ویشمل أیضا المذهب الزیدیة والإسماعیلیة والأباضیة وغیرهم من مذاهب الإسلامیة. التساءل الأساسي أنه ما هی مناشیء الحاجة إلی الانفتاح علی الفقه المقارن؟ ونقول هناک عدة مناشئ تحوجنا إلی الانفتاح الی الفقه المقارن.
المنشأ الاوّل: تنقیح ضرورة الدین
ومن الاحکام المذکورة فی الفقه الإمامی أنّ مَن أنکر ضروریاً من ضروریات الدین ملتفتاً إلی کونه ضرورة، کان محکوماً بالارتداد. فعند ما نبحث ما هی الضرورة من ضرورات الدین؟ هنا نحتاج الی أن نطّلع علی فقه المذاهب المختلفة حتی نتحقق عما هو مصداق الضرورة. أننا اذا اطلعنا علی الفقه المذاهب الاسلامیة المختلفة ورأینا أن هذا الحکم من الأمور الواضحة المسلّمة لدی الجمیع، فاذن نعتبر هذا الحکم من الضرورات، مثلاً: هل أن حد المرتد من ضروریات الدین ام لا؟ هل أن حد الرجم من ضروریات الدین ام لا؟
فان الوصول الی کون الحکم من الضروریات يتوقف فی کثیر من الموارد علی استیعاب فقه المذاهب الاسلامیة المختلفة فی تحدید أنه حکم واضح لا شک فیه لدی مذاهب الاسلامیة المختلفة لیتحقق بذلک کونه ضرورة من ضروریات الدین.
المنشأ الثانی: تنقیح السنة القطعیة
ورد فی روایات ائمة اهل البيت علیهم السلام «وَلَا تَقْبَلُوا عَلَيْنَا مَا خَالَفَ قَوْلَ رَبِّنَا تَعَالَى وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ» أو ورد «مَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيُؤْخَذُ بِهِ».
علی الخلاف فی البحث الأصولی هل أن المراد بالسنة، خصوص سنة النبی (ص) أو تشمل سنة المعصومین (ع)؟ وهل المراد کل سنة قطعیة أو خصوص السنة الواضحة؟ ولا یکفی أن یکون الحدیث مقطوعاً به لیکون من السنة، بل المراد من السنة أن يكون الحدیث واضحاً لدی المسلمین. هناک خصوصیة للسنة وهی أن الحدیث المخالف للسنة اذا کان مخالفاً علی نحو التباین او علی نحو العموم من وجه، فإنه یطرح ولا یؤخذ به.
من أجل ذلك نحتاج فی کثیر من الموارد الی أن ننقح هذا الموضوع وهو هل أن هذا الحدیث من السنة کي یکون مخالفه مطروحاً ام لا؟ مثلاً عندنا من الأحادیث النبویة «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَه»، وعندنا من الاحادیث النبویة «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». هذا الحديث يعني «لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ» ورد عندنا في روایتین، في روایة عن عبدالله بن مَسکان وفي روایة عن ابن بکیر.
فاذا اقتصرنا فی ملاحظة طرق هذا الحدیث علی کتب الامامیة لم یکن من السنة الواضحة التی یردّ المخالف لها. واما اذا بحثنا فقه المذاهب الاسلامیة الاخری واحادیثهم ومسانیدهم ووجدنا أن هذا الحدیث متواتر عندهم أو أنه محفوف بقرائن قطعیة فی کل جیل، فيجعل من السنة الواضحة. وبالتالي أي الحدیث الذي يدل علی حلیة الاضرار بالنفس سوف يكون مخالفاً للسنة. إذن نحتاج الی الفقه المقارن فی تنقیح مصداق السنة لیردَّ المخالف لها.
المنشأ الثالث: إثبات صحة المستند
من مناشیء الحاجة الی الفقه المقارن هو اثبات صحة المدرک والمستند فی بعض الموارد، مثلاً عندما نأتي بالحدیث النبوی (ص): «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ». اي من کان ضامناً کان له الخراج، کما فی تعبیرات أخری «من له الغنم فعلیه الغرم». هذا الحدیث لیس ثابتاً من طرقنا؛ فهل یمکن أن نعتمد علی کتب العامة، فاذا وجدنا أن هذا الحدیث ثابت عندهم ولا کلام فیه یصلح أن یکون مستنداً بشرط أن لا یکون مخالفاً للاصول وأن لا یکون منافیاً لمضامین احادیثنا.
هنا ذكر بعض فقهائنا أن موضوع الحجیة لیس خبر الثقة وانما موضوع الحجیة هو الوثوق بصدور الخبر، بناءاً علی مسلک الوثوق، اذا ورد الحديث فی کتب العامة بنحو متواتر مستفیض، یؤدي الی الوثوق بصدور الحدیث، فیصلح أن یکون مستنداً للافتاء والاستنباط.
ولو افترضنا أن المدار علی حجیة خبر الثقة، لکن العامي الذي أخبر به فی کتب العامة، هو ثقة عندنا حیث أن لدینا کثیراً من العامة موثقون في کتبنا، کالسّکونی والنوفلي بناءا علی تمامیة توثیقهم، فاذا افترضنا هذا الراوي روی في الكتب العامة حدیثا فیوخذ به، اذاً من مناشیء الحاجة الی فقه العامة أو الفقه المقارن هو تحصیل مدرکٍ للافتاء فی بعض الموارد.
من هذه الموارد أیضا قاعدة المیسور التي ذهب کثیرٌ من فقهائنا المتأخرین الی عدم ثبوتها باعتبار أن الروایات الدالة علی هذه القاعدة من کتب العامة وما رواه ابن أبي جمهور الاحسائی في کتابه عوالي اللئالي ارسلها عن النبی صلّی الله علیه وآله، وهی أنما توجد مسندة فی کتب العامة کقوله صلی الله علیه وآله «إِذَا أُمِرْتُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُمْ»، او «مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ»، او «لَا يُتْرَكُ الْمَيْسُورُ بِالْمَعْسُورِ». فهذه الاحادیث اذا تمت دلالة و بقی اثبات سندها وصدورها وقلنا بان موضوع الحجیة خبر الثقة وافترضنا أن الراوي عندنا ثقة وسلسلة السند ثقاة الی النبي “صلی الله علیه وآله” أو ورد في کتب العامة بنحو المستفیض، فتصبح أن تکون مستنداً لقاعدة المیسور.
ولو قلنا بانّ المدار علی الوثوق فی تحقیق الحجیة، فلا نحتاج الی الراوي، المهم أن نستفید من القرائن ولو فی کتب العامة التي تؤدي الوثوق بصدور هذا الحدیث ما لم یکن مخالفاً للاصول عندنا او لمضامین الأحادیث الثابتة عندنا.
المنشأ الرابع: فهم الاحادیث الواردة عن اهل البیت (ع)
هناک کثیر من احادیثنا کما ذکر السید البروجردی قدس سره تعلیق علی احادیث العامة وفتاواهم، فهي إما اضافة أو حذف أو نقد علی احادیث العامة وفتاواهم. من هنا كي یمکن لنا فهم الاحاديث لا یمکن أن نعزل الحدیث عن فقه العامة بل لابد من قراءة الفقه المعاصر لصدور هذا الحدیث حتی یکون الحدیث مفهوماً. مثلاً من تلک الاحادیث صحیحة أبي عبیدة الحذاء «أَيُّمَا ذِمِّيٍّ اشْتَرَى مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضاً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْخُمُسَ». فإن کثیراً من فقهائنا المتأخرین افتوا بانّ الذمي إذا اشتری ارضاً من مسلم یثبت علیه الخمس بمجرد الشراء. وهذا یبقی علیه حتی لو دخل الاسلام فان هذا الحکم لا یزول عنه.
بینما فقهاء آخرون منا قال لابدّ من عرض هذا الحدیث علی الفقه العامة فاذا راجعنا الی فقه العامة وجدنا أن هذه المسألة المشار عندهم وهي اذا اشتری ذمي الارض العشریة ای الارض التی یوخذ العشر من ناتجها إما زکاتاً أو خراجاً، هذه الارض العشریة کان علی المسلم العشر قبل أن یوخذه الذمي منه، فاذا اخذه الذمي یباع العشر فیصبح الخمس؛
لذلک قال أبویوسف: أن علیه العشرین وقال ابوحنیفة تتحوّل إلی الارض الخراجیة یوخذ منه ضریبة الخراج. نلاحظ أن الشیخ الطوسي في الخلاف أیضاً عبّر بهذا التعبیر: إذا اشتری الذمي أرضا عشریة وجب فیها الخمس، فإما أن یشتری من الحاکم الشرعي، أو انّ المسلم تملکها بطریق صحیح ثم یبیعها علی الذمي.
ولذلک من نتائج هذه المسألة أنّ هذا الخمس لیس هو الخمس المعهود الذي یوزع علی سهمین الإمام” عليه السلام” والسادة الفقراء، وانما هذا الخمس هوالخمس الذی هو ضریبة الخراج المأخوذة علی هذه الأراضي أو أنه الزکاة الماخوذ من هذه الاراضي.
ولذلک لو أسلم الذمي بعد شرائه الارض یسقط عنه هذا الخمس، اذا کان لایراد به الخمس المعهود عندنا وانما الخمس فی معنی تبعیض الزکاة أو ضریبة الخراج.
اذاً من مناشیء الحاجة الی الفقه المقارن معرفة اجواء الروایة، لان هذه الروایة کانت تعلیقاً علی ما ورد فی روایات العامة أو في فقههم.
المنشأ الخامس: معرفة الروایات التي تخالف العامة
عندنا عدة روایات في باب تعارض الأخبار تدل على أن ما خالف العامة ففيه الرشاد مثل ما ورد: إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ- فَاعْرِضُوهُمَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ وَ مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَرُدُّوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاعْرِضُوهُمَا عَلَى أَخْبَارِ الْعَامَّةِ، فَمَا وَافَقَ أَخْبَارَهُمْ فَذَرُوهُ وَ مَا خَالَفَ أَخْبَارَهُمْ فَخُذُوهُ.
هذا البحث منقّح فی علم الأصول أنه ما هو المراد بما خالف العامة؟ هل المراد ما خالف أخبارهم؟ کما في بعض الروایات أو ما خالف فتاواهم؟ کما في بعض الروایات الأخری «مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ، فَفِيهِ الرَّشَادُ».
اذا افترضنا أن المراد به ما خالف فتاواهم، فهل المراد به ما خالف جمهورهم أو ما خالف الجمهور فی زمن صدور هذه الروایة؟ واذا کان المراد به ما خالف فقه الجمهور، فهل یراد به ما کان منشأه حکماً سیاسیاً کما ارشدت الیه مقبولة عمر بن حنظلة في ذیلها حیث قال: «يُنْظَرُ إِلىٰ مَا هُمْ إِلَيْهِ أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَقُضَاتُهُمْ، فَيُتْرَكُ، وَيُؤْخَذُ بِالْآخَرِ»، أو أن المنظور في ما خالف العامة هو أن طبیعة أو سنخ فقههم مبنیة علی القیاس والاستحسان وسد الذرایع والمصالح المرسلة وهذه طرق ظنیة لم یقم دليل علی حجیّتها عندنا، بل قام الدلیل علی عدم حجیّتها.
ولوقلنا بهذا، فهذا یقتضی اختصاص النظر بفقه الاحناف، لان الحنابلة لم یکونوا یعتمدون علی القیاس وسد ذرایع والمصالح المرسلة.
أو أن المراد بفقه العامة کل فقههم باعتبار ما ورد فی بعض روایاتنا أن العامة «عالوا علی انفسهم أنه ما قال علی علیه السلام بقول الا وذهبوا علی خلافه».
فهذا البحث المبحوث فی علم الاصول علی ايّ مسلک قلنا، بالنتیجة في تنقیح الصغری نحتاج الی مراجعة فقه العامة ونحتاج الی مراجعة کتب الحدیث لدی العامة؛ من هنا نقول بأنّ مناشیء الحاجة إلی فقه المقارن کثیراً جداً وبالتالی یصبح فقه المقارن أمراً ضروریاً لابدّ من ممارسته ورواجه حوزویاً لان له نتائج مهمة وکبیرة ومؤثرا فی الفقه الذی بین ایدینا.
الإجتهاد: ذکرتم ان السید البروجردی کان یقول ان روایات اهل البیت (ع) فی الواقع حاشیة علی فقه العامة، ونحن لم نجد هذا الکلام فی آثار السید البروجردی ولا عرض ابحاثه العلمیة بنحو الفقه المقارن؟
السيد منير الخباز:: المنقول عن الشیخ المنتظری رحمه الله عن السید البروجردی أنه کان یقول أن فقه العامة وسمعته أنا فی بحثه حضرته مدة قرر أن السید البروجردی کان یقول ان روایات اهل البیت تحشیة علی فقه العامة. علی ایّة حال تمت هذه الجملة او ما تمت، مصداقها موجود بنحو الموجبة الجزئیة یعنی کثیر من روایاتنا ناظرة الی فقه العامة معلقة علی الفقه المعاصر لها اما بالنقض او بالاضافة او بالحذف. هذا علی نحو الموجبة الجزئیة موجود، بالتالی لابد من مراجعة فقه العامة المعاصر لصدور هذه الروایات الشریفة.
الإجتهاد: إن العراق فیها علماء الشيعة والسنة هل استفاد علماءهم من اسلوب فقه المقارن فی مباحثهم العلمية؟
السيد منير الخباز : لا اشکال في أن القدماء من فقهائنا مارسوا الفقه المقارن کالمفید في المقنعة والشیخ في الخلاف والعلامة في التذکرة والشهیدین في کتبهما؛ إلا أنه تضاءل النظر والانفتاح إلى الفقه المقارن من بعد الشهیدین حتی أصبح معدوما لدى المتأخرين وليس هناك انفتاح على الفقه المقارن في مثل الجواهر للمحق النجفی وكتب الشيخ الاعظم والمستمسك للسید الحکیم وبحوث سيدنا الخوئي.
ولعله يتصور بعض بان هذا من تطورات الفقه الإمامي كتطور علم الأصول وعلم الحدیث وعلم الرجال، حیث أن معاضد الفقه فی العلوم الاخری تطور لدی الفکر الامامي بنحو لا نظیر له، استغنی العلماء الامامية عن الرجوع والانفتاح علی کتب العامه. هذا یعنی عدم التعرض للفقه المقارن لا یخص العراق بل حتی في ایران کذلک، یعنی لا فرق بین الحوزات في قم، و في مشهد، و في النجف، الفقه المقارن تضاءل في القرن الاخیر من الفقه الامامي.
الاجتهاد: هل العامة تعرض لفقه الشیعة؟
السيد منير الخباز: العامة لا یتعرضون علی فقه الامامیة حتی فی الکتب القدیمة سوی موارد نادرة یتعرضون فیها السید المرتضی والشیخ المفید لمعاصرتهما لعلماء العامة فی بغداد.
الاجتهاد: السید محمدتقی الحکیم والشیخ محمد حسین کاشف الغطاء کانا شدیدی الاهتمام إلی الفقه المقارن واصول الفقه المقارن، ماهي آثار هذه الجهود في الحوزة العلمیة في العراق وفي أوساط المجتمع حالیاً؟
السيد منير الخباز : بالنسبة إلی الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء رحمه الله فهو کتب کتباً في العقیدة وفي المسائل الإجتماعیة دعی فیها الی وحدة الکلمة بین الشیعة والسنة وکما هو المعروف عنه «کلمة التوحید توحید الکلمة»، ولكنه ما مارس الفقه المقارن فی فقه السلف وله کتاب استدلالي علی العروة الوثقى لم یمارس فیه الفقه المقارن.
اما السید محمد تقی الحکیم رحمه الله وهو علامة فقیه کتب کتاب اصول الفقه المقارن من اجل أن یکون مقررا دراسیاً فی کلیة الفقه فی النجف الاشرف حیث أن کلیة الفقه کان کلیة رسمیاً حکومیاً فکتب لاجل ذلک هذا المنهج وهو کتاب “أصول الفقه المقارن.
من هنا لو تعرضنا أصول الفقه نجد أنّ من مناشیء الحاجة النظر الی اصول العامة، فان علمائنا الاقدمین کانوا مستفیدین من کتب الاصول للعامة، مثلا عندما نلاحظ کتاب الفصول في علم الاصول للرازي استفاد منه السید المرتضی فی «الذریعة» واستفاد منه الشیخ الطوسی فی کتابه «العدة فی الاصول»، کانوا ناظرین الی هذا الکتاب. وایضا عندما ننظر الی العلامة في کتاب «مبادیء الاصول الی علم الاصول»، استفاد من کتاب «الاِحکام فی اصول الاحکام» للآمدی. وایضاً استفاد کثیر من علمائنا فی تلک الفترة من «مختصر الاصول» لابن حاجب وشرحه للآمدی.
بل هناک حقیقه یجهلها کثیر من الحوزوین، أن کتاب «معالم الدین فی الاصول» للشیخ حسن صاحب المعالم ابن شهید الثانی الذی کان مقرراً دراسیاً في الحوزات العلمیة الی عهدٍ قریبٍ استفاد فی کثیرٍ منه من کتاب «التقریر علی التحریر» لابن امیر الحاج الذی سبق صاحب المعالم بمأة سنة.
فاذا قارنّا بین المعالم وبین هذا الکتاب وجدنا أن ما قال به صاحب المعالم هو تهذیب ذلک الکتاب واختصار بعض مذاهب واضافة بعض الآراء الیه. بالنتیجة استفادة علمائنا السابقین من کتب علم الاصول للعامة کثیر جداً.
نعم بالنسبة إلی علمائنا المتأخرین من الوحید البهبهاني ومن بعده کشریف العلماء والشیخ الاعظم وصاحب الکفایة الی الآن، اصبح علم الاصول عندنا مستغنیا عن النظر الی کتب الاصول عند العامة بل لا نسبة ولا مقارنة بین مستوی الاصول عندنا ومستوی الاصول عندهم حیث انهم باقین علی مستوی کتاب مختصر الاصول لابن حاجب ولم یتطور فیه شیء. لکن عندما یرید أن یبحث الفقیه تاریخ المسألة الاصولیة وکیف تطورت واصبحت
بهذا النحو فانه یحتاج الی مراجعة اصول العامة لانّ کثیراً من کتب الأصولیة اعتمدت علی العامة.
وبالنسبة الی الفقه المقارن فإننا اذا اردنا فهم کلمات فقهائنا الاقدمین الذین انفتحوا علی الفقه المقارن کالشیخ الطوسي مثلاً في الخلاف او العلامة في التذکرة، لابد أن نراجع کتب العامة، کـ«المجموع فی شرح المهذّب للنووی» و«المغنی لابن قدامة» و«الفقه علی المذاهب الاربعة» للجزیری، «فتح الباری فی شرح صحیح البخاری»و… کل هذه الکتب کانت منظورة لعلمائنا عند ما کتبوا فی الفقه المقارن، فاذن اذا اردنا ان نعین سهم علمائنا الاقدمین فی مسائل الفقه المقارن یحتاج الی النظر الی الفقه المقارن.
الاجتهاد: الوحدة بین الشیعة والسنی امر ضروی فی البلاد الاسلامیة، هل أن منهج الفقه المقارن یساعدنا الی هذا المهم؟
السيد منير الخباز : لا اشکال أن وجود مقررات دراسیة تختص بالفقه المقارن فی الحوزات العلمیة لها آثار مهمة جداً، مضافاً لآثارها فی الفقه عندنا کما ذکرنا ان طائفة من الروایات لا تبين الا من خلال المراجعة الی فقه العامة، مثلا فی صوم یوم الشک عندنا طائفتان متعارضتان من الروايات: طائفة تقول اذا صام یوم الشک فهو یوم وفق له ولیس علیه قضاء. وطائفة تنهی عن صوم یوم الشک حتی وان تبین أنه من رمضان، تقول یجب قضائه.
هاتان الطائفتان متعارضتان باطلاقیهما، وهناک طائفة ثالثة تصلح للجمع بین هاتین الطائفتین مثل روایة محمد بن حکیم:
سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ صَامَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: «كَذَبُوا، إِنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهُوَ يَوْمٌ وُفِّقَ لَهُ، وَ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا مَضىٰ مِنَ الْأَيَّامِ». فلذلک قال بعض فقهائنا بان الروایات الناهیة جاءت ناظرة لموافقة ومجاریة لفقه العامة.
بالنتیجة وجود مقررات دراسیة تعنی بالفقه المقارن لها عدة آثار مهمة هي:
الأثر الاول: من آثارها فهم روایاتنا وفهم کتب علمائنا الاقدمین الذین کتبوا فی الفقه المقارن.
الاثر الثاني: ومن فوائدها معرفة مدی العمق لدی الفقه الامامیة کثیرا مما یقول نحن لا نحتاج الی الفقه العامة ولماذا نروج فقههم ولماذا نساهم نحن فی ترویج فقههم، نقول لیس المسألة ترویج فقههم، المسألة أن نتعرّف علی العمق الذی لدی علمائنا الامامیة بالمقارنة الی فقه المذاهب الاسلامیة الاخری.
والاثر الثالث: ان من يريد من خارج الاسلام أن یطلع علی فقه الاسلام وانه کیف تطور؟ وما هی مراحل تطوره، قد یحتاج الی کتب تستوعب الفقه الاسلامی بجمیع مذاهبه فیستفاد من هذه المقررات.
والاثر الرابع: کما تفضلتم یسهم فی التقریب بین الابناء المذاهب الاسلامیة فی هذه الفترة التی یحتاجون فیها الی مسألة التقریب بحاجة ناصة.
يرجى ذكر المصدر (الاجتهاد) عند الاقتباس ونشر الخبر في المواقع والصفحات