الاجتهاد: قال السيد البروجردي كنتُ قد سمعتُ عن شخصيّة رضا خان، و أنّ عينيه خاصّةً، تُوحيان الرهبةَ والرُعْبَ، ولكنّي لم أحسَّ في نفسي أمامَهُ بأدنى شيئ من الرعب، بالرغم من كثرة زمجرته وتهديداته.
في سنة 1345هـ.(1) توجّهَ السيد البروجردي إلى حجّ بيت الله الحرام، من طريق العراق فأقام في طريق الذهاب مدّة ثلاثة أشهر في النجف، فاستُقبِلَ من قِبَل زملائه بحفاوة وتكريم وأقامَ في طريق العودة كذلك في النَجَف مدّة ثمانية أشهر، وقد أصبح بيته في النَجَف مركزاً لتجمّع العلماء، فكانوا يجتمعون دائماً عنده، وخصوصاً السيّد أبو الحسن الأصفهانيّ، حيث كان ملازماً للمجلس ليليّاً، يتشاورونَ حولَ القضايا التي كانت تحدُثُ على ساحة إيران في عهد طغيان الطاغية رضا خان، وإقداماته غير المسؤولة ضدّ الدين والوطن والشعب، وقد كان السيّد البُروجِرديّ أفضلَ وسيلة لتوحيد صفوف العلماء داخل إيران، وتوجيه التحرّكات اللازمة لصدّ حركة الدولة الفاسدة.
ويحملُ السيد البروجردي هذه الرسالةَ الخطيرة، ولصعوبة الظروف، وخطورة المواقف داخل إيران، لم يكنْ من المتوقّع رجوعُ السيّد إلى إيران، فلذا كان في رجوعه نوعٌ من الدلالة الواضحة على كونه إجراءاً سياسيّاً، كما أنّ تلك الاجتماعات لم تَخْفَ على الدولة الإيرانيّة من خلال تسرّب الأخبار أو وجود عيون يترصّدونها.
فلمّا غادرَ السيد البروجردي العراقَ، اعتقلتْهُ أجهزةُ المخابرات عند دخوله الحدود الإيرانيّة في قصر شيرين، ونُقِلَ ليلاً وبكامل السرّية إلى طهران و سُجِنَ في مركز قيادة أركان الجيش.
ولم يطّلعْ على اعتقاله أحدٌ، حتّى جاء الطاغية رضا خان نفسه إلى بُروجِرد للاشتراك في مجلس اُقيم بمناسبة قتل أحد قوّاد الجيش الذي اُغتيل في منطقة لُرِستان، وبعد محادثته مع كبير العائلة الطباطبائيّة، صمّمَ الطاغيةُ إطلاق سراح السيّد، بشرط عدم خروجه من العاصمة طهران، فبقيَ فيها مدّة مائة يوم.
وقد التقى به الطاغيةُ عدّة مرّات، نُقِلَ عن السيّد أنّه رفضَ أن يطلب شيئاً منه، مع إصراره على ذلك، وبعدَ التكرار قالَ له السيّدُ: في الفترة التي بقيتُ في مركز قيادة الجيش، شاهدتُ أنّ الحصّة المحدّدةَ للجنود من الطعام غير كافية، فإذا أردتَ أنْ تعملَ شيئاً، فلتأمُرْ بزيادة الحصّة اليوميّة من الغذاء للجنود.
فنظر الطاغية رضا خان منبهراً، وقال:
«لأوّل مرّة، يطلبُ منّي عالمُ دين أمراً يخصُّ الجيشَ والجنود، وحتّى الآنَ كانت الطلباتُ كلُّها اُموراً خاصّة بأنفسهم.
وقال السيّدُ:
كنتُ قد سمعتُ عن شخصيّة رضا خان، و أنّ عينيه خاصّةً، تُوحيان الرهبةَ والرُعْبَ، ولكنّي لم أحسَّ في نفسي أمامَهُ بأدنى شيئ من الرعب، بالرغم من كثرة زمجرته وتهديداته.
وقال السيّدُ:
كنتُ أحسُّ عند مقابلته، بأنّه منقادٌ لي; فكنتُ أغتنمُ هذه الفرصةَ، فاُكثرُ له النصيحة، والتحذير من الاُمور المحيطة، أو المتوقّعة وقلتُ له: «حاوِلْ أن لا تُبعدَ الشُقّةَ بينك وبينَ رجال الدين، واستمعْ إلى نصائحهم وتحذيراتهم، فإنّما هي من أجل رعاية مصالح الشعب، وصيانة لاُصول الدين، ليسَ إلاّ(2)
(1) كذا في مقالة السيّد جواد علوي سبط السيّد لكن الشيخ آقا بزرك ذكر أنّ ذلك كان سنة 1344هـ.
2) جاءت هذه التفاصيل عن سفرالحجّ وما بعده في مقالة السيّدجواد علوي في مجلّة حوزة، ص333ـ 337.
المصدر: كتاب” المنهج الرجاليّ والعمل الرائد في (الموسوعة الرجالية لسيّد الطائفة آية الله العظمى البروجرديّ 1292 ـ 1380هجري) للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي