الدولة

مفهوم الدولة والتأسيس الفقهي في عصر الغيبة: الميرزا النائيني نموذجا / إيمان شمس الدين

خاص الاجتهاد: إن عدم فصل فقهاء المذهب الإمامي بين مفهوم الدولة بمعناه السياسي كتنظيم بشري، ومفهومه الكلامي العقائدي كنظام خلافة، دفعهم نحو سلب الشرعية عن كل أشكال الدولة، ووصفهم جميع الحكام بكونهم أئمة جور، وهو ما صرف جهودهم للتفكير بالدولة ك تنظيم للجماعة المؤمنة، وليس ك نظام يسوس الأتباع“.

جاء مبدأ التوحيد كأصل لكل أصول الدين يقع على قمة هرم الأهداف الدعوية لكل الأنبياء في الأرض، وتكمن أهمية هذا المبدأ في عدة أمور

أهمها:

التأسيس لمرجعية معرفية واحدة تشكل مصدرا للمعارف وأساسا لها، وتشكل القاعدة الفكرية التي تنطلق منها البشرية جمعاء.
تحرير الإنسان من كل أنواع العبوديات التي تقيد عقله وتحجبه عن الكمالات اللائقة بإنسانيته ووظيفته الاستخلافية.

تطوير القابليات البشرية لكل أنواع المعارف، والنهوض بالعقل ليكون حرا في مسيرته نحو الله، فإن جوهر الحرية الحقيقية هو العبودية الخالصة لله، والتحرر من كل القيود التي تقيد وتمنع تحقيق هذه العبودية، ومن كل الأهواء والغرائز التي تثقل كاهل الإنسان وتشده إلى الدنيا التي هي محطة من محطاته.

ولا تتحقق هذه الأبعاد الهامة والأساسية في مرجعية التوحيد المعرفية إلا بجعل الحاكمية لله وحده ونفي كل أنواع الحاكميات التي تقع في عرضه، وهو ما يتطلب تنمية قابليات البشر لتكون أهلا للاستخلاف الإلهي الذي يمهد لقيام حكومة الله و حاكميته على الأرض، وتحقق الأهداف الكبرى من خلق الإنسان وبعثة الأنبياء والرسل.

وتحقق الحاكمية الإلهية على الأرض منذ نبينا آدم إلى يومنا هذا أخذ أشكالا كثيرة من بعثة الأنبياء وإنزال دساتير إلهية توضح التشريعات التي توضح مصالح الإنسان وتبين له المفاسد، إلا أن الصراع على السلطة والثروات كان عبر التاريخ العقبة الكؤود أمام تحقق هذه الحاكمية، فتشكلت حكومات في عرض حاكمية الله أعاقت مسار الأنبياء وتسببت في هدر كثير من الدماء وإبعاد الناس عن مركز وجودهم، وتكبيلها بعيوديات عديدة من عبادة الأصنام إلى عبادة بشر إلى أشكال كثيرة حرفت الإنسان عن وظيفته وتحقيق الأهداف الكبرى التي أوكلت إليه.

مدخل:

يذكر لنا القرآن الكريم قصة نبي الله سليمان ويوسف وخاتم الأنبياء محمد ص وهم الأنبياء الذين تمكنوا من إما قيادة دولة أو رقامة دولة، ووضحت الآيات كيف تمكنوا من إنفاذ مشروع الله وتطبيق أحكامه و بسط حاكميته على الأرض، وتحقيق العدالة التي زللت كثير من العقبات أمام قبول الحق، وفتح نافذة المعارف واستنطاق التشريعات الإلهية حول ما واجهوه من إشكاليات على مستوى الفرد والمجتمع والدولة بكل أركانها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَومَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ 54 قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الاَْرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ55 وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الاَْرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ 56وَلاََجْرُ الاَْخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ يوسف – ٥٦

وقد تصدى نبي الله يوسف لإصلاح الجانب الاقتصادي في الدولة لرفع القهر والحاجة عن المستضعفين ونجح في إرساء حاكمية الله وإنفاذها بمجرد تهيؤ الظروف له.

ونبي الله سليمان ع أيضا حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ اتَيْنَـا دَاوُدَ وَسُلَيْمـنَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَـنُ دَاوُ ودَ وَقَـالَ يَـأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْء إِنَّ هَـذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ النمل – ١٥

ويشير آية الله ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره للآية قائلا :“ وما نجده من اختلاف بين تاريخهم وتاريخ الأنبياء الآخرين، هو أنّهما – ونتيجة للإستعداد الفكري وملائمة المحيط الإجتماعي في عهدهما – قد وفّقا إلى تأسيس حكومة عظيمة، وأن ينشروا بالاستعانة والإفادة من حكومتهم دين الله، لذلك لا نجد هنا أثراً أو خبراً عمّا عهدناه من أسلوب في تلك الآيات التي كانت تتكلم عن الأنبياء الآخرين، وهم يواجهون قومهم المعاندين، وربّما نالوا منهم الأذى والطرد والاخراج من مدنهم وقراهم.. فالتعابير هنا تختلف عن تلكم التعابير تماماً.

ويدلّ هذا بوضوح أنّه لو كان المصلحون والدعاة إلى الله يوفقون إلى تشكيل حكومة لما بقيت معضلة ولغدى طريقهم معبداً سالكاً.

وأخيراً، فإنّ الكلام عن مكافحة عبادة الأصنام عن طريق الدعوة المنطقية، ثمّ الإفادة من قدرة الحكومة!.

وهذه الأُمور هي التي ميّزت قصّة هذين النبيّين عن الأنبياء الآخرين.

الطريف، أن القرآن يبدأ من مسألة “موهبة العلم” التي هي أساس الحكومة الصالحة القوية، فيقول:) ولقد آتينا داود وسليمان علماً(.

وعلى كل حال، فالكلام هنا عن العلم والقدرة والعظمة، وعن طاعة الآخرين حتى الجن والشياطين لحكومة الله وعن تسليم الطير في الهواء والموجودات الأخرى لحكومة الله!. [1]

وقد سبق حكم داود وسليمان مسيرة موسى مع فرعون ومواجهته لأعتى قوة عرفها زمانه الذي استعبد بني إسرائيل واعتبر نفسه الرب الأعلى في الأرض، فجاء نبي الله موسى ع ليواجه هذا الشرك براية التوحيد رغم كل العقبات الموجودة أمامه، إلا أنه ذهب إلى فرعون وأعلن عن مشروع التوحيد في الأرض غير آبه بجيشه وسلطته وقد كفاه الله المؤونة بأخيه هارون وبنصر الله تعالى له وتسديده، وهو نصر وتسديد لا يقتصر على الأنبياء بل على الأمثل فالأمثل من الأوصياء والصديقين والعلماء الذين ينتهجون نهجا تأسيسيا لإرساء حكومة الله على الأرض، وكثيرج الآيات التي تناولت قصة نبي الله موسى وترد غالبا في القرآن لتوضح ضرورة مواجهة الطغاة وإعلاء حاكمية الله مع توفر الظروف والشروط لذلك.

وأيضا حينما لم يتمكن رسل وأنبياء آخرون من ذلك كيف ووجهوا من الحكام بالرفض والطرد والتنكيل وانحرفت بعد موتهم رسالتهم وحرفت كتبهم. وكيف أدى تحريف مسار الأنبياء والتقاعس عن القيام بمنهجهم وتوصياتهم إلى انتشار الظلم والاستضعاف واستعباد الناس وازدياد الأغلال ، وانحراف البشرية عن مسارها الاستخلافي.

إلا أن موضوع قيام الدولة أو الحكومة ومشروعيتها خاصة إذا كانت دولة مدنية وليست دينية، كان محل جدل كبير في الوسط الإسلامي وخاصة الشيعي، والذي بدوره يستنبط آراءه وأفكاره من مدرسة أهل البيت عليهم السلام،حسب ما ورد في دراسة للشيخ حيدر السهلاني بعنوان مشروعية البرلمانات في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة : “وكان اتجاهين كموقف فقهي للعلماء اتجاه شكل الدولة وسلطتها على الفرد والمجتمع في عصر الغيبة:

الإتجاه الأول: عدم مشروعية إقامة الحكومة في عصر الغيبة، بمعنى أن أي دولة لا يمكن إعطاؤها صفة الشرعية من الفقيه، وأن الشارع المقدس أبقى الدولة منوطة بالإمام الغائب صاحب الزمان (عجل الله فرجه)، ولهذا قال بعض علماء الإمامية بتحريم إقامة السلطة من قبل السلطان وبعدم مشروعيتها تحت عنوان أنها غصبية.[2]

وسبب رؤية الفقهاء الإمامية في هذا الاتجاه بعدم التصدي هو رؤية دينية ( أن إقامة نص الحكومة الإسلامية هو حق خاص بالإمام المعصوم عليه السلام فلا ولاية للفقيه على الحكم ولا شورى للأمة[3]. ولأن حقيقة السلطة قائمة على أساس العدل والمساواة، والمتصدون لها أمناء عليها بعدم التجاوز على تلك الحدود، فلا بد أن تتوافر في المتصدي العصمة (وأعلى وسيلة يمكننا تصورها في حفظ هذه الحقيقة -ـ السلطة ـ وأداء هذه الأمانة، الورع عن الارتكابات الشهوية، والاستئثارات الاستبدادية هي العصمة العاصمة [4].وبما أن هذه الملكة غير متوافرة في المتصدين فالنعت بالغصبية يصح بحقهم.

الإتجاه الثاني: مشروعية السلطة وإقامة الدولة في عصر الغيبة:

وهذا الاتجاه يؤمن بالنظريات التي تؤسس لشرعية الدولة في عصر الاجتهاد، ويجعل عدة نظريات أو أنظمة تجمع بين الاجتهاد والنظام النيابي، ويؤسس لعلاقة بين المجتهد والبرلمان، والفقهاء ينظرون لقيام تلك الدولة على أساس تنظيرين:

التنظير الأول: الدولة الدينية، وليس المراد منها الدولة الدينية التي تكون حكومتها الثيوقراطية ونظامها السياسي المستند على التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر، حيث يختار الله الرؤساء مباشرة لحكم الشعب، وإنما المراد هو النظام السياسي الذي يكون على رأس سلطة الفقيه الجامع للشرائط، وأشهرها نظرية ولاية الفقيه وهي النظرية التي منحت الفقيه الجامع للشرائط الفتوى أن يكون نائبا من قبل الأئمة عليهم السلام في حال الغيبة ليس في الأمور الحسبية المقيدة، بل في جميع ما للنيابة من أمور.

التنظير الثاني: الدولة المدنية وللمرجيعة الدينية أيضا عدة نظريات عالجت فيها قضية السلطة في عصر الغيبة عندما لا يكون على رأسها الولي الفقيه، ولكنهم في نفس الوقت أمضوا عمل السلطات بما فيها السلطة التشريعية ( البرلمان) اعتبرت على ضوء قراءتها التاريخية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام وما صدر عنهم من روايات، أن قيام حكومة ودولة من مختصات الإمام الثاني عشر، وهو المعني فقط بقيامها وتحقيق العدالة والحكومة الإلهية في الأرض، و هي ليست من شأن الفقيه في عصر الغيبة،

ومنها نظرية الحكومة المشروطة بإذن الفقهاء والتي يعتبر العلامة محمد حسين النائيني مفكرها والمنظر لها في كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة، والذي جمع فيه عشرات الأدلة على مشروعية الحكومة المشروطة ورد إشكالات المعارضين لها”. انتهى إلى هنا كلام الشيخ حيدر السهلاوي بتصرف، وهي النظرية التي سنركز عليها في محور هذا البحث وتناولها بقليل من التفصيل.

وتعتبر هي على أول نظرية واضحة في الفقه السياسي أسست لرؤية إسلامية فقهية حول مفهوم الدولة وأبعادها، و أحدثت انزياحا حقيقيا في المؤسسة الدينية و حركت المياه الراكدة في الفقه الشيعي وفتحت نوافذ قراءة جديدة لحركة الأئمة وأدوارهم وأهدافهم.

وهناك نظريات كثيرة حول مشروع الدولة في المؤسسة الدينية طرحت لكن هذه النظريات كانت لها الأثر في إحداث نقلة فقهية ومعرفية اختصرت الزمان معرفيا وعبرت بالمؤسسة لضفاف علمية أخرى في زمن قصير وفر جهدا وبحثا، وأثر في المسارات السياسية التاريخية وأحداثها.

النظريات السياسية ومفهوم الدولة:

الدولة في لسان العرب:

إن لفظة الدولة عند العرب تعني كما جاء في لسان العرب لابن منظور أنها ” الفعل والانتقال من حال إلى حال“، أما في القاموس المحيط للفيروزآبادي تعني :“ انقلاب الزمان من حال إلى حال“.

” ينظر إلى الدولة في منطق العرب كمدير شأن الناس في اجتماعهم واختلافهم، ولفظة التدبير عند ابن منظور تقال على معان كثيرة وأشهر دلالتها بالجملة تجري على ترتيب أفعال معينة نحو غاية مقصودة، ولذلك لا يطلقونها على من فعل فعلا واحدا يقصد به غاية ما، فإن من اعتقد فإن من اعتقد في ذلك الفعل أنه واحد لم يطلق عليه التدبير، وأما من اعتقد فيه أنه كثير وأخذه من حيث هو ذو ترتيب سمي ذلك الترتيب تدبيرا، لذلك يطلقون على الإله أنه مدبر العالم“ الدولة فلسفتها وتاريخها من الإغريق إلى ما بعد الحداثة.[5] ا

وكون الدولة تعتبر من مفاهيم علم السياسة وتشكلت حولها نظريات كثيرة، ”والنظرية السياسية هي فلسفة سياسية تنطبق على ظروف اجتماعية واقعية“[6].ا

وينقسم المنظرون في هذا المضمار الفلسفي إلى ثلاث مدارس رئيسية للفكر الفلسفي: المدرسة العقلية والمدرسة التجريبية، والمدرسة الدينية[7].

وكوننا في هذه الدراسة معنيين بالمدرسة الدينية ونظرياتها السياسية في تطور مفهوم الدولة، فسيكون تركيزنا عليها.

والمدرسة الدينية مرتكزها الفكري الأساس هو أن الله يقرر حقيقة الوجود كاملة، وأن هذه الحقيقة الأزلية يمكن استنتاجها كليا مما أنزله الله تعالى. فكل ما هو موجود في هذا الكون هو من فيض ذات الله سبحانه.. وأن الأيمان هو الآلية الوحيدة للمعرفة سواء في فهمنا لطبيعة الوجود أو اكتشاف الهدف من الخليفة“ [8]

فالإسلام كدين سماوي منزل من الله يعتبر حقيقة واقعية، ومن مصادر تشريعه المصونة من التحريف هو القرآن الكريم الذي يعتبر المرجعية المعرفية التي تقاس وفقها كل المعارف، وترفض أو تقبل وفق تطابقها أو تعارضها وظاهر القرآن.

وآيات القرآن قد تتضمن بيانات تأريخية أو نظما اجتماعية أو قيما أخلاقية أو معتقدات إيمانية، ولكنها تؤخذ بمجملها حقائق منزلة لا تتجاوز التشكيك في صحتها. وبطبيعة الحال الفكر الإنساني هو وليد حقبته الزمنية[9]. ولا يمكن عزل الإثنين بعضهما عن بعض. وفهم نظرية سياسية معينة هو أن نضعها ضمن ظروفها التاريخية التي يتفاعل معها واضع النظرية.[10]

وليست فقط الظروف التاريخية المحيطة بالمنظّر هي وحدها التي تؤثر على تشكيل فكره ورؤاه، بل أيضا هويته الفكرية التي يتبناها وينتمي إليها وما تحمله من رؤية كونية للإنسان والطبيعة والعلاقات الناظمة ، والمرجعيات المعرفية التي تنطلق منها.

قراءة التاريخ وفق بيئة الشخصية المستهدفة وتحدياتها التي واجهتها وأهم الإشكاليات التي واجهت عصرها.

إن استقامة الشرع والشريعة وأمور الناس لا تستوي إلا بالعدل، وهو ما يتطلب إقامة نظام سياسي يحقق هذا الهدف، كون الحكم حينما ثبت لسليمان مكنه ذلك في تفعيل حاكمية الله في كل مكونات الدولة، وبالتالي تسرية الأحكام الإلهية التي وحدها تفعّل مبدأ المصلحة والمفسدة، وهي قادرة مجتمعة على تحكيم العدل وإقامة القسط.

قراءة التاريخ: نظريات ورؤى:

”إن تفسير حركة التاريخ قد اتخذت أشـكالا متعـددة عنـد بعـض الفلاسـفة والمـؤرخين ولكـل منهم رأي في التاريخ من وجهة نظره ولكن نظريـة )ابـن خلـدو( تمثـل منحـي التفسـير الاجتمـاعي للتاريخ لما لـه مـن دور مهـم فيـه، لأن لـولا اجتمـاع البشـر مـا كـان هنـاك تـاريخ ومـا حـدث فيهـا مـن تغيـرات مختلفـة وهـذا مـا أكـده )ابـن خلـدون( فـي المقدمـة فـي أهميـة الاجتمـاع فـي التـاريخ حيـث يقــول: “أعلــم انــه لمــا كانــت حقيقـــة التــاريخ انــه خبــر عــن الاجتمــاع الإنســاني الــذي هــو عمـران العالم“ [11]ويقول أيضاً: “إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عـن هـذا بقـولهم الإنسـان مدني بالطبع أي لابد لـه مـن الاجتمـاع ”[12]

و كتب ريتشارد لوكس عالم الاجتماع الأمريكي محاولة معرفية لاستقراء فكرة التغيير التي طرحها العلامة الشهيد السيد محمد باقر الصدر في كتابه: “السنن التاريخية في القرآن الكريم”، بعنوان “ الأسس الكلامية الإسلامية للتغيير ـ مقاربة لنظرية “السنن التاريخية” عند العلامة محمد باقر الصدر.

أطل من خلالها على بعض وجوه هذه النظرية الاجتماعية محاولا تقديمها كفهم عميق ومعقد للساحة التاريخية، في ظل تشابكات في فهم تلك الساحة بين فهم قوانين الطبيعة وتعميمها على الساحة التاريخية، وعدم قدرة الإنسان صناعة التاريخ وكتابته، وهي قناعة الغرب في رؤيته للتاريخ وقوانينه.

وقد قال في تلك الدراسة: “إن رسالة السيد محمد باقر الصدر: “السنن التاريخية في القرآن”، لافتة للنظر بقدر ما هي قصيرة. فلقد حاول أن يصل إلى حل –في الإطار الإسلامي طبعاً- للمشكلة الكلامية القديمة المتعلقة بالقضاء والقدر وحرية الإنسان. ولربما كان الاختصار الذي امتاز به تصوره في هذا العمل هو سبب نجاح نموذجه المرسوم فيه.

ولكن قبل دراسة آليات هذا النموذج وطريقة الصدر الممتازة في عرضها، من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار الهدف العام الذي يسعى هذا الجهد إلى تحقيقه؛ فهذه الرسالة في الأساس هي إسلامية في أساسها ومنظورها يدور حول طبيعة التغير التاريخي حين تتزاوج الإرادة الإنسانية مع توجهات غائية نحو مثال أعلى في العقل الإنساني. وبهذا يصبح تغيير مسار التاريخ ممكناً، ويشكل هذا بحد ذاته “سنَّة إلهية” هي في نفس الآن السنَّة التاريخية.

باختصار شديد، إن عمل الصدر الفريد هذا يتركز على فهم معضلة التغيير في علم الكلام الإسلامي. وهكذا يبدأ الصدر عمله من دون كثير مناقشة للسنن الإلهية التاريخية هذه والنظريات حولها ومصادرها وتطوراتها“.

شكل موضوع الإرادة الحرة والاختيار موضوعا جدليا مع القضاء والقدر والجبر والتفويض، حيث تم تفسير هذه القضايا العقائدية بطريقة تعطيلية بحجة خلوص التوحيد، وسخرت هذه التفاسير في تعطيل التغيير الاجتماعي ونهضته، في تسليم المجتمعات الاسلامية للحكام تسليما مطلقا أدى لشيوع الظلم وغياب العدالة وهدر كرامات الناس، وتعطيل مسيرة التقدم البشري في المجالات العلمية والفكرية.

فكان تولي الحاكم الغير صالح للسلطة يتم تفسيره بأنه جبر إلهي لا خيار للإنسان فيه، وأي نهوض ضد ه مهما كان فاسدا أو منحرفا وظالما فهو نهوض ضد الله.

فتم توجيه اللاوعي البشري بشكل تعطيلي، راكم من عملية الصمت والقبول عبر التاريخ، وراكم القناعات في الأوساط العلمية حول تلك التفاسير المعطلة لإرادة الإنسان وقدرته في الاختيار الحر.

بالتالي انعدمت الهدفية وصناعة الحاضر والمستقبل من أفهام الناس وتطلعاتهم، وحينما تنعدم الهدفية تنعدم معها الإرادة ويخبو عزم الإنسان ليرضى بما هو عليه الحال بحجة أنها قدر الله وقضائه، ولا خيار لهم أمام خيار الناس.

وبقي تفسير التاريخ وفلسفته رهينا لهذه الآراء المعطلة مدة زمنية طويلة، طرحت خلالها تساؤلات منهجية في قراءة التاريخ ومحاولة معرفة قوانينه ودور الإنسان وإرادته في صناعته، ولكن كان للشهيد محمد باقر الصدر جولة معرفية هامة في هذا الميدان، وتكمن أهميتها في إحداث انزياح معرفي متقدم في وعي النخب، شكل هذا الانزياح من وجهة نظري فتحا معرفيا هاما في الساحة التاريخية أبدع فيه بإحداث توازن في فهم التوحيد وتحقيق العدالة الإلهية.

أقحم الصدر إرادة الإنسان واختياره بقوة في صناعة التاريخ وإحداث التغيير وفق أهداف هو يرسمها في ذهنه ثم ينهض لتحقيقها وتذليل السبل لأجل الوصول إليها وفق شروط معينة كي تتحقق السنن التاريخية.

وهو من وجهة نظري رسم خارطة طريق تاريخية وفق سنن انتزعها من القرآن، ولكل طريق يختاره الإنسان نهاية هو يشكلها بخياره. واستطاع بعمق أن يجلي رد الإمام على الجبريين والمفوضة حينما قال: لا جبر ولا تفويض وإنما أمر بين الأمرين.

فلا إلغاء لله وقضائه وقدره، ولا إلغاء لدور الإنسان واختياره، فالله رسم المعالم وشاء أن لا تتم العلة التامة للسنة التاريخية إلا باختيار الإنسان وإرادته.

وقد طرح الشهيد الصدر مثالا قرآنيا لأحد أنواع السنن التاريخية حول عملية التغيير الاجتماعي ودور الإنسان فيه.

“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وهي سنة قرآنية تاريخية ثابتة تتحدث عن سنة التغيير الاجتماعي وشروطها المحورية التي تكمن في أن يعمل مجموعة كافية على تغيير المحتوى الداخلي لكل فرد ليتوافق مع الإرادة الإلهية ومن ثم يحققون بذلك الشرط لتحقيق الهدف وهو التغيير الاجتماعي في الساحة الاجتماعية بحيث ينسال التغيير الداخلي لتلك المجموعة إلى الخارج الاجتماعي، فإن تحقق وسعوا للتغيير فإن هذا الهدف سيتحقق لا محال.

تفسير الشهيد الصدر لهذه السنة التاريخية القرآنية تفسير حركي ناهض، يحقق خلافة الإنسان على الأرض ويدفع نحو التطوير المستديم الذي تتطلبه عملية الكمال التي خلق لأجلها الإنسان.

فحينما تتوافر الشروط الكاملة والتي محورها إرادة الإنسان واختياره لتحقيق هدف التغيير ومن ثم سعيه الحر لتوفير كافة الشروط فإن تكامل كل هذه الشروط يحقق لا محال هدف التغيير الإجتماعي، وهو فهما مغاير جدا لما ساد في قرون زمنية سابقة. وفي تفسير الشهيد محمد باقر الصدر للسنن التاريخية قفزة معرفية هامة في مفهوم التوحيد والعدل الإلهي.

كون تحقيق حاكمية الله على الأرض لا تكون بالظلم وإنما بالعدل، وهذا لا يتم إلا بسعي الإنسان وإرادته لتحقيق الحاكمية الإلهية بسيادة العدل، بالتالي يحتاج ذلك فهم حركي للنص يفسر فلسفة التاريخ على ضوء القرآن و يستجلي عمق التوحيد في المجتمع من خلال الجامعية بين الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية لتكون في طول بعضها البعض لا في عرض بعضها البعض كما طرحه المتقدمون لتمكين الحكام الفاسدين من رقاب الناس ولو بسيادة الظلم وإن بعناوين توحيدية.

فالله هو الفاعل والمفيض لكل تلك السنن والقوانين، والإنسان هو القابل، بالتالي فاعلية الفاعل تستلزم قابلية القابل، والقابلية في حال نهضت وتهيأت ستكون ساحتها جاهزة لفاعلية الفاعل فيها وفق ما أفاضه من قوانين وسنن، وهو ما يتطلب حركتان متوازيتان، النهوض بوعي الناس لتطوير القابليات، في ذات الوقت التحرك المنهجي التدريجي في إحداث التغيير والاصلاح الاجتماعي، فتكون القابليات مهيأة لقبول التغيير وواعية لأهمية الاصلاح فلا يواجه المصلح عوائق مانعة من تحقيق التغيير المطلوب، ولا يهدر جهده الاصلاحي و لا يقتل فكرة الاصلاح من خلال تزليل عقباتها وأولها وأهمها مقبولية الناس ووعيهم وإدراكهم بل طلبهم بذاتهم للتغيير وإحساسهم بضرورته.

وقد وقع الغرب في فخ الجبر مجددا حينما طبقوا فهمهم للطبيعة وملابساتها وإخضاعها معرفيا للحس والتجربة على فهم التاريخ، وأنكروا أي دور لإرادة الإنسان الحرة في صناعة التاريخ وحركة التغيير.

فدراسة تاريخ حركة شخصيات كالشيخ النائيني التغييرية في مجتمعاتهم تتطلب قراءة فاحصة لمسار الأحداث الاجتماعية والسياسية المحيطة بزمانهم لاستكشاف غاياتهم ومقاصدهم ومشروعهم وما أحدثوه من قفزة معرفية في فهم الدين ونظرياته وفي الأحكام الفقهية التي كانت سائدة في عصورهم، بل توضح سبب الإخفاق والنجاح، وتعطي صورة شبه كاملة تمكننا في راهننا من تجاوز أسباب الإخفاق وتحويلها لنقاط قوة تمكن النظرية من التطبيق أينما كانت الظروف الإجتماعية موائمة لها، كون تاريخ التشيع العلمي تميز ببروز نظريات سياسية عديدة بعد الشيخ محمد حسين النائيني، لم تكن كلها مؤهلة للتطبيق، وبعضها تم نقضه، ونظرية تم تطبيقها وقامت دولة إسلامية على أثرها وهي نظرية ولاية الفقيه التي نعيش بركاتها في عصرنا الراهن، ولها جغرافيتها المؤهلة والقابلة لها، ونظريات كنظرية الشيخ النائيني أيضا لها جغرافيا تتناسب وبناءها ومقاصدها، كون الغاية الكبرى من هذه النظريات هي تحقيق العدالة، والتمكن من إشادة حكومة تنفذ فيها شريعة السماء ويتصدى فيها المختصين من العلماء في مراقبة أداء السلطة والحاكم وفي مطابقة القوانين مع الشريعة.

وجلي عن التعريف أن حركة التشيع العلمية لا يخبو نورها، ولا يقف أثيرها عند حد، فمنذ بدء حركة الاجتهاد شهدت ساحات الفقه تطورا هاما وملحوظا عبر التاريخ، لكن قد يسود فهم رتيب عبر العصور يعيق المسيرة في خطوط تاريخية أخرى، وهو ما يمكن استكشافه من خلال الفهم السائد المتوارث منذ غيبة المعصوم الكبرى وهو اقتناع أغلب علماء الشيعة بعدم وجود تكليف بإقامة حكومة قاعدتها قائمة على هوية فكرية إسلامية، وكان الاعتقاد السائد غالبا هو أن قيام الحكومة العادلة لن تكون إلا في عهد ظهور الإمام المهدي المنتظر عج.

ولكن هذا لا يعني في كل هذه الحقب الزمنية لم تخرج آراء تطرح أفكار فقهية مغايرة لهذا الجو الفقهي العام، إلا أن تأثير هذه الأفكار في حركة التغيير المطلوبة كانت ضعيفة أو لم تتهيأ لها الظروف المناسبة للتفاعل.

هذا فضلا عن ” ترسخ مفهوم في الذهنية الفقهية منذ بداية عصر الغيبة يبتني على انعدام الدليل على تكليف الفقهاء بالولاية والإمارة، يكتب الشريف المرتضى وهو من أعلام القرن الخامس الهجري“: [13]( ليس علينا إقامة الأمراء، إذا كان الإمام مغلوبا، كما لا يجب علينا إقامة الإمام في الأصل…ليس إقامة الإمام واختياره من فروضنا فيلزمنا إقامته، ولا نحن مخاطبون بإقامة الحدود فيلزمنا الذم بتضييعه”[14]

)”إن عدم فصل فقهاء المذهب الإمامي بين مفهوم الدولة بمعناه السياسي كتنظيم بشري، ومفهومه الكلامي العقائدي كنظام خلافة، دفعهم نحو سلب الشرعية عن كل أشكال الدولة، ووصفهم جميع الحكام بكونهم أئمة جور، وهو ما صرف جهودهم للتفكير بالدولة ك تنظيم للجماعة المؤمنة، وليس ك نظام يسوس الأتباع“.[15]

بعد غيبة الإمام الكبرى كان من الطبيعي عودة الشيعة الى فقهائهم في الأحكام الشرعية والمعاملات كونهم يعتبرون ان الحكم مغتصب والحكام حكام جور لا يطبقون شرع الله ، هذا فضلا عن الاضطهاد والملاحقات التي كانت تطال الشيعة.

فدراسة الظروف الاجتماعية والسياسية مهم جدا في تشخيص بعض الممارسات من قبل الشخصيات التاريخية كون الظروف الاستثنائية تدفع لتصرفات وتوجهات استثنائية ايضا.

ونحن حينما نريد استخراج نظريات من الإسلام، نحتاج قراءة الإسلام في الظروف الطبيعية وغالبا هذه الظروف لم تتوفر الا لنبي الرحمة محمد ص.

لكن لا ننسى ان عصر الغيبة الصغرى كان بمثابة مرحلة تمهيدية ومدرسة يتعلم فيها الشيعة كيف يمارسون حياتهم وفق شرع الله، والى من يعودون في ذلك والآليات المناسبة ومساحات تطبيقها.

وقد تطور مفهوم مرجعية الفقيه مع الزمن، وهو تطور منوط بالممارسة وحاجات العصر، فكلما توسعت المدنية وتمددت الجغرافيا الحاكمة وتنوعت وسائل العيش تتطور معها حاكمية الفقيه وسعتها بل تتطور حاجة الناس للفقيه وحاكميته.

وكان النقاش المحوري ليس في اصل ولاية الفقيه كون هذا الاصل مثبت ، ولكن في حدود هذه الولاية هل هي ولاية خاصة أو ولاية عامة ، وكان المولى النراقي أول من طرح هذه المسألة بعنوان” بيان ولاية الحاكم وحاله فيه الولاية”، وكان تساؤله حول حدود هذه الولاية هل هي خاصة أو عامة؟

وبعده طرح عبد الفتاح المراغي وافرد بحثا في ولاية الحاكم الشرعي في كتابة “العناوين” ثم صاحب الجواهر حيث دافع بشدة عن ولاية الفقيه وجعله حكم أساطين المذهب.

وبعده أفرد السيد محمد بحر العلوم بحثا خاصا تحت عنوان “رسالة في الولايات في كتابه بلغة العلوم” .

وبعد ذلك حدثت نهضات علمية هامة جدا بل هي قفزات في موضوع الحكومة وولاية الفقيه وحدودها وكيفيتها، كانت وليدة الأحداث السياسية المتوالية في العراق وإيران وكان لهذه الأحداث انعكاسات واضحة على مجتمع الفقهاء، دفعت باتجاه فتح آفاق جديدة في حركة الاستنباط الفقهي في مفهوم الحكومة وولاية الفقيه، وكانت أهم محطات مفصلية من وجهة نظري هي حركة المشروطة وما نتج عنها من رسالة الشيخ النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة، و النتاجات الفكرية للشهيد محمد باقر الصدر حول الدولة ودور الفقيه فيها وما أنتجه من فهم حول ذلك خلص في نهاية حياته وفي خضم أحداث الثورة الإيرانية إلي كتابة دستور للدولة في كتابه الإسلام يقود الحياة، وكانت أفكاره نتاج دراسة معمقة للتاريخ وسننه واستنباط الهيكل العام لحراك الأنبياء والمعصومين عبر التاريخ، مقارنة مع تطورات سياسية وفكرية واجتماعية وقعت في محيطه هددت حضور الإسلام في وجدان الناس، وتوجت هذه النظريات بنجاح ثورة الإمام الخميني الذي وسع في فهمه لولاية الفقيه في كتابه الحكومة الإسلامية، ليقيم بعدها مشروعه في الحكومة الإسلامية.

النائيني والتأسيس الأول:

قبل البدء في نظرية الشيخ محمد حسين النائيني في الحكومة والولاية لابد لنا من وقفة تاريخية حول ظروف المشروطة وأحداث حركتها. حتى لا يكون هناك انتزاع للنظرية من بيئتها وظروفها المحيطة، هذا فضلا عن تظهير ما ذهب إليه الشهيد محمد باقر الصدر في نظريته حول سنن التغيير،و معرفة أثر الظروف الداخلية والإقليمية على مسار الذهنية الفقهية ومدى تأثرها بهذه الظروف، وتأثر المجتمعات بالظروف وضغطها باتجاه التغيير أو تقبل عملية التغيير، وأسباب الرفض والقبول عند الناس، ومدى فهم الفقيه للواقع وتحركه وفقه، وأثر فهم الواقع على أي حركة تغيير إصلاحية.

شكل الحراك النهضوي العام في عهد الشيخ النائيني من حركة جمال الدين الأفغاني إلى طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي حجر أساس وقاعدة هامة في تحريك المياه الراكدة في موضوع الحكومة والولاية عند ثلة من الفقهاء والمفكرين، خاصة مع مواجهة ظروف سياسية تراوحت بين الاستبداد وما ينطوي عليه من ظلم وقتل لكرامة الإنسان، والاستعمار الذي يستهدف ثروات البلاد وبالتالي استعباد العباد للتمكن من تلك الثروات وما يشكله تحالف قوى الاستعمار مع الحكومات المستبدة من ثقل يجثم بوجوده على كل محاولات النهضة وتطوير البنى المعرفية للإنسان، وتحريره من كل أنواع العبوديات لتمكين التوحيد من بنيته الفكرية والحركية، ونظرة فاحصة لما كتبه عبد الرحمن الكواكبي يمكن الخروج بنتيجة وهي أن الكواكبي شخص المرض ورسم هيكله العام وأسبابه، وأن الشيه محمد حسين النائيني شخص العلاج وأسس لنظرية عملية فقهية للتطبيق. فالكواكبي تحدث عن الاستبداد وتداعياته على الأمة، وتحدث عن ضرورة الإصلاح، وتناول أهم عناصر الاصلاح وهي التخلص من الجهل وتطوير التربية والتعليم ومناهجها، والتخلص من الاستبداد الديني، وضرورة تقييد الحاكم بقيود تحد من استبداده، وضرورة وجود رقابة على أداء الحكم وتنفيذه للقوانين .

كانت أبرز الأحداث السابقة لثورة المشروطة المؤثرة فيها بشكل غير مباشر هي:

-ـ العهد الصفوي الذي استعان فيه السلطان بالفقيه ليشرعن سلطته حيث تقلصت بذلك المسافة بين الفقهاء والسلطان، وتصدى المحقق الكركي لتلك الحقبة ضمن نظرية ولاية الفقيه الخاصة بالحسبة. إلا أن النجف كانت في منأى عن هذه التجربة لكنها كانت مؤثرة على مسارات التفكير الفقهي وثقافة الناس كونها من التجارب الجنينية للفقهاء في السلطة، وأخدثت جدلا واسعا بين قبول تصدي الشيخ الكركي، ورفض تصديه، هذا فضلا عن طرح تساؤلات جديدة على الفقيه تطلبت منه بحثا وفتحا فقهيا جديدا أضاف عناصر عصرية في بنية الجسد الفقهي نتيجة تجربة المحقق الكركي.

ـ العهد القاجاري وحاجته للعلاقة مع المرجعية الدينية بسبب صراعه مع الروس، وحاجته لتعبئة المجتمع في هذه المواجهة، وهي حاجة لا يستطيع تحقيقها أحد مثل المرجعية الدينية، بسبب العلاقة الوطيدة بين المرجعية الدينية والإيرانيين كجمهور، الذين كان لهم ارتباط مفصلي مع مرجعيتهم الدينية.

ـ في رجب ١٣٠٨ هج مارس ١٨٩١ وقع شاه إيران ناصر الدين امتياز احتكار تجارة التبغ الإيراني لمدة خمسين عاما، مع شركة الميجر تالبوت، مقابل ٢٥ ألف جنيه تدفع للشاه، و١٥ ألف تدفع للصدر الأعظم أمين السلطان، إضافة إلى رسم سنوي يبلغ ١٥ ألف جنيه، وحصة من أرباح الشركة تصل إلى ٢٥ ٪. أدى ذلك لفرض الشركة هيمنتها على كل ما يتصل بالزراعة وتجارة التبغ، وتعسفت في فرض أسعار متدنية جدا، مما أدى لاندلاع انتفاضة قادها بعض رجال الدين في شيراز وأصفهان وطهران، حدثت مواجهات حادة بين المنتفضين وقوات الشاه فلجأ رجال الدين للمرجع الميرزا حسن الشيرازي في سامراء واستغاثوا به، فأصدر فتواه الشهيرة: اليوم استعمال التبغ والتنباك بأي نحو كان، في حكم محاربة إمام الزمان صلوات الله وسلامه عليه. حرره الاقل محمد حسن الحسيني). وزعت من الرسالة ١٠٠ نسخة في العاصمة طهران وأدت إلى انهيار امتياز الشركة البريطانية وانسحابها من إيران.

ـ ظهور الدعوة إلى الدستور للمرة الأولى في الدولة العثمانية في منتصف القرن ١٩ وتسرب الوعي الدستوري إلى بعض النخب في ولايات الدولة العثمانية، وكانت الحوزة العلمية في النجف تتجاوب مع المنعطفات السياسية الكبرى، ويتفاعل بعض تلامذتها وفقهائها مع الأصوات المنادية بالإصلاح السياسي، خاصة بعد وفاة الميرزا محمد حسن الشيرازي.

ـ المناخات الفكرية وأثرها الحاسم على التفكير في مدرسة النجف في قضايا المشروعية السياسية، الدستور، والبرلمان، والاستبداد، وتداول السلطة، والانتخابات، وحدود تدخل الفقيه، ونمط الدولة في عصر الغيبة، وحقل الفقه والدولة، وهل الدولة مقولة وضعية أم دينية، بحيث هيمنت تلك الاستفهامات على الفضاد المعرفي في النجف، وتعاطى الفقهاء وتلامذتهم الحديث والنقاش في ذلك.

ـ طغيان الجداليات السياسية والفكرية في إيران علي مشاغل الطلاب واهتماماتهم، لوثوق العلاقة بين المرجعية الدينية في النجف والمجتمع الإيراني، والارتباط العضوي للمقلدين الإيرانيين بفقهاء النجف، وتجاوب الفقهاء مع التطورات السياسية والاجتماعية في إيران.

ـ تفاعل النخب الإيرانية تداولا وكتابة مع الأحداث السياسية، وتوثيقهم أن زوال الاستبداد لا يكون إلا بتشكيل دستور وانتخاب برلمان يحد من سلطة الحاكم ويقيدها، وتحولت هذه القناعة من قناعة النخب إلى قناعة عموم الشعب الإيراني.[16]

الحركة الدستورية (المشروطة) وتداعيات الأحداث:

تطورت الأحداث السياسية وأخذت بالانتشار السريع جغرافيا وفق وفق نمط التحول بالعدوى الديمقراطية وهو الذي تجري وقائعه تحت تأثير العدوى الديمقراطية أو ما يطلق عليه “نظرية الدومينو“، ”فكانت البداية مع إصدار البرلمان الإنجليزي ”إعلان الحقوق“ عام ١٦٨٩ الذي اشترط على الملك الجديد عدم القيام بأي عمل يؤدي إلى الانتقاص من حقوق الشعب. مبدأ الاشتراط على الملك وتحديد سلطته انتقل بعد ذلك من بريطانيا إلى بلدان مختلفة حتى وصل إلى الشرق من بوابة الدولة العثمانية، حيث أعلن النظام الدستوري )المشروطة( فيها عام ١٨٧٦ م، ومن ثم انتقلت إلى روسيا عام ١٩٠٥ م ، ومن ثم إلى إيران“.[17]

أهم الأحداث التي وقعت في الحركة الدستورية ( المشروطة):

”عدم استجابة الملك لطلبات العلماء، أدى إلى خروج بعضهم من طهران احتجاجا عليه، وطالبوا بتأسيس دار للعدل كشرط للعودة، فصدر بيان عن الملك يدعو العلماء للعودة إلى المدينة بأمان ولقاء الملك بصحبة رئيس الوزراء“ [18]

”فعاد العلماء ولكن لم يلب لهم أي طلب، فتحصن الناس بقيادة العلماء في السفارة البريطانية وبعثوا برسالة استغاثة إلى ملكة بريطانيا.[19]

صدور نداء للمطالبة بالمشروطة عام ١٣٢٣ هج من السيدين البهبهاني والطباطبائي، يطالبان فيها الملك بإقرار النظام الدستوري، وتأسيس البرلمان، ويصرحان فيه بأن هذا الأمر اقتراح ملك المتكلمين، وهما يؤيدانه في ذلك“[20]

أرسل بعض العلماء من النجف نداء إلى مسلمي القوقاز وتفليس> والإيرانيين المقيمين في اسطنبول، والسلطان العثماني، وجميع المسلمين والأحرار في العالم، لنجدة الشعب الإيراني من الظلم الملم به ” [21]

آراء علماء الطائفة حول رسالة التأسيس:

هنا سنركز على الآراء التي أيدت الحركة الدستورية المشروطة ورسالة الشيخ محمد حسين النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة، كون الآراء حولها كانت منقسمة بين قسمين:

قسم من الناس أيد المشروطة وكان لجلهم دوافعهم وأهدافهم.

وقسم آخر عارض المشروطة وأيضا كان لهم دوافعهم وأهدافهم

وأيد كلا القسمين مجموعة من علماء النجف، ونحن في هذه الدراسة معنيين فقط في القسم الذين أيدوا المشروطة ودعموا رسالة الشيخ محمد حسين النائيني التي أسس فيها لنظرية سياسية من منطلق فقهي.

كتب تقريضين على رسالة الشيخ النائيني المعنونة بتنبيه الأمة وتنزيه الملة:

تقريض الشيخ محمد كاظم الخراساني، المعروف ب الآخوند الخراساني ”مؤلف كفاية الأصول“

بسم الله الرحمن الرحيم

إن رسالة تنبيه الأمة وتنزيه الملة، وهي من بيانات صاحب السماحة، صفوة الفقهاء والمجتهدين، ثقة الإسلام والمسلمين، العالم العامل الميرزا محمد حسين النائيني الغروي دام رفده، أجل من كل مدح، وسيتضح (إن شاء الله) من خلال مدارستها واستيعابها أن أصول حركة المشروطة قد استنبطت من الشريعة الحقة، وسيتسنى لنا إدراك حقيقة العبارة المباركة القائلة : ” بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا، وأصلح ما فسد من دنيانا“، إدراكا لعين اليقين.

شهر ربيع الأول، سنة ١٣٢٧ هج

حرره الأحقر الجاني

محمد كاظم الخراساني

تقريض الشيخ عبد الله المازندراني

بسم الله الرحمن الرحيم

بحمد الله وحسن تأييده، كما ورد التقديم [للآخوند الخراساني]، رسالة تنبيه الأمة وتنزيه الملة أجل من آن تمدح، وهي وافية، بل وحتى فوق المأمول في إكمال العقائد وحمل المسلمين على التصديق الوجداني بأن كافة الأصول والمباني السياسية قد أخذت من الدين الإسلامي القويم.

فلله در مصنفها المحقق، وجزاه الله عن الإسلام وأهله خيرا، وكثر في الفقهاء والمجتهدين أمثاله، بمحمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين.

في شهر ربيع الأول، سنة ١٣٢٧ هج

حرره: الأحقر عبد الله المازندراني

تنبيه الأمة وتنزيه الملة:

كانت رسالة الشيخ النائيني إبان الحركة الدستورية ( المشروطة) قفزة نوعية في الفقه الشيعي، وتحريك مياهه الراكدة فيما يخص مفهوم الدولة وبنيتها، عكست وعيا عميقا و فهما واسعا واستراتيجيا و إدراك خارج المألوف للشيخ محمد حسين النائيني رحمه الله، ولا ننكر أن الأحداث السياسية المحيطة لعبت دورا هاما في فتح باب التساؤلات على مصراعيه حول موقف الفقهاء من هذه الأحداث، ومن الهيمنة الاستعمارية والاستعباد لعيال الله، وكله يمكن اختصاره بجملة وهي: موقف الفقهاء من العدالة ورفع الظلم؟

خاصة مع وجود متصدين فقهاء للتنظير والعمل في هذا الصدد، فكان من الفقهاء السنة عبد الرحمن الكواكبي الذي كتب طبائع الاستبداد وينقل أن آية الله الشيخ النائيني تأثر بهذا الكتاب جدا، وكان أيضا محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني، وسبق ذلك حركة المجدد الشيرازي وفتواه الشهيرة في تحريم شراء التنباك لإفشال المخطط البريطاني في استعباد الناس والهيمنة على ثرواتهم، وغيرها من الأحداث السياسية التي أثارت رياح من التساؤلات حول الموقف الشرعي مما يحدث من أحداث.

وقد تصدى الشيخ النائيني تحت رعاية المرجعية في النجف الأشرف وتسديدها له في طرح هذه الرسالة التأسيسية الهامة التي أرست باكورة الرأي الفقهي فيما يخص مفهوم الدولة، خاصة أن السائد في تلك الفترة هو قناعة الفكر الشيعي تاريخيا حول عدم تكليف الفقيه في ذلك في زمن الغيبة بل عدم وجوب ذلك.

لذلك اعتبرت الرسالة نقلة نوعية في تجديد الفقه السياسي والفكر السياسي الشيعي فيما يخص دور الفقيه في التأسيس والتنظير الفكري لمفهوم الدولة وعلاقة ذلك في حاكمية الله وتطبيق الأحكام.

أبواب الرسالة:

الأبواب التي صنفها مؤلف الرسالة كانت كالتالي: [22]

مدخل:

عكس المدخل وعي عميق ومتابعة واسعة للشيخ النائيني بالتحولات السياسية في الغرب وتشخيص المرض الذي عانى منه وآلية علاجه في الغرب ومصادر العلاج ونتائجه الأولي في ذلك الزمن، وشخص سبب بلاء المسلمين بطواغيت وسبب تخلفهم، وأكد على تظافر الجهود السنية الشيعية بين النجف الأشرف والأستاتة في اسطنبول التي كانت تمثل الفقه السني، حول رفض الاستبداد والاستعمار والاستعباد ووضح الفرق بين حقيقة الإسلام وما يدعيه الطغاة في تلك المرحلة باسم الدين. واعتبر أن هدف الرسالة هو تنبيه الأمة على ضروريات الشريعة وتنزيه الملة عن زندقة الإلحاد والبدع، وأن أولى من يقوم بذلك هم العلماء مستندا على حديث شخص سنده بالصحيح يقول: ”إذا ظهرت البدع، فعلى العالم أن يظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله“.

السند: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ط ٢، بيروت ، مؤسسة الوفاء ١٤٠٣ هج ج ١٠٦ ص ١١٨.

المقدمة :

”اعتبر أن وجود سلطة سياسية أي كان شكلها قائمة بشخص واحد أو جماعة، وسواء كان توليها مشروعا أو كانت مغتصبة، حصلت بالقهر أو الاستيلاء أو بالوراثة أو الانتخاب، اعتبر ذلك محل إجماع الأمم وكل العقلاء و أن بقاء النظام واستمرار معيشة الناس وحفظ شرف أي جماعة واستقلالها وقوامها، سواء في المجالات الدينية أو الوطنية متوقف على وجود هذه السلطة السياسية وتكون منهم ولهم، ويعود السبب في ذلك إلى: حفظ النظم الداخلي للبلد، وتربية الناس، وإحقاق الحقوق، ومنع الاعتداء، وسائر الواجبات العامة التي تعود لمصالح الشعب والبلد والداخلية.

حفظ البلد من التدخل الأجنبي، والحذر من أساليب الاحتيال في هذا المجال، وإعداد قوى دفاعية، واستعدادات قتالية، وأمثالها. وهذا ما يسمى في الشريعة حفظ بيضة الإسلام، وتسميها سائر الملل حفظ الوطن.“ [23]

ويلحظ هنا كيف أبتعد عن اللغة الخاصة بالشيعة، وأسس لخطاب أممي تؤمن به كل البشرية حتى يكون مقبولا و متزنا خاصة أن تلك الفترة كانت هناك تحديات ليبرالية أيضا، فضلا عن وجود أرضيات مشتركة كبيرة بين العلماء من كافة المذاهب الذين توحد وجودهم وخطابهم لمواجهة مؤامرات الغرب على جغرافيتهم وثرواتهم مع حكام تلك اللحظة التاريخية الهامة، التي كان يؤسس فيها الإنجليز قواعد لوجودهم ويواجهون الخلافة العثمانية التي كانت في حالة تفكك تدريجي.

أهم ما ورد في المقدمة هو :

توصيف صور تسلط الحاكم على البلاد من خلال صورتين:

– الملكية، وهي حالة استبدادية تستعبد الناس وتهيمن على ثرواتهم.

– السلطة المقيدة ( الاستئمان) وهنا لا يوجد استعباد ولا استملاك ولا تصرف مطلق كما هو حال الملكية، بل هو أداء للواجب ورعاية للمصالح العامة، وتكون صلاحيات الحاكم مقيدة، ولا يحق له تجاوز الأطر المحددة له.

– تمييزه لحكم المعصوم وميزات هذا الوجود المبارك، والتأكيد على أن تمام الكمال المطلوب لا يتم إلا بهذا الوجود المبارك، لكن مع غيابه لا يعني القبول بالظلم، بل هناك بديل شرعي يجب العلم عليه.

– تحرير إرادة الشعوب وتطوير قابليات للرقابة ومحاسبة الحاكم، واعتبار ذلك دورهم الحقيقي لا منة من الحاكم.

– تقييد الحاكم بدستور تميز فيه المصالح العامة التي يجب أن تراعى عن الأمور التي لا يجوز التصرف فيها، ويحدد فيه صلاحيات الحاكم، حرية الشعب، وتعيين حقوق كافة أصناف المجتمع وضمانها وفق تعاليم المذهب، ويوجب العزل الدائم للحاكم في حال إفراطه أو تفريطه في حفظ حقوق الشعب وممتلكاته.

– يشرف على تطبيقه هيئة مدعومة من عقلاء القوم وحكمائهم لديهم إطلاع واسع على أهم قواعد قيام الدستور من حقوق وواجبات وخلافه يكون قوامها من وكلاء الشعب وكوادره العلمية يجتمعون في مجلس الشورى الوطني.

– تكون الرقابة فيها للهيئة على الحاكم والسلطات كافة دون أن تتحول إلى سلطة مستبدة.

ـ تتحقق مشروعية هذا المجلس في الإشراف وجواز تدخلها في الأمور من نظرية أهل الحل والعقد على أساس المذهب السني، ويكون اختيار الشعب لهم بحد ذاته يحقق الغرض برقابة الشعب لاداء السلطات واداء الهيئة، وعلى المذهب الإمامي فيكون بحضور عدد من المجتهدين العدول أو من يؤذن له من قبلهم، وتأييد مواقفهم، يكفي لمشروعية عملهم.

وتكون الرقابة قائمة على الالتزام بما ورد بالدستور الذي قيده بقيد عدم مخالفة بنوده للشريعة، وتحقيقا للعدالة.[24]

وهنا يتضح جامعيته للمذاهب في جغرافيا أكثريتها سنية وفيها عدد كبير من الشيعة فوضع رؤيته في صبغة فقهية جامعة تعطي الصلاحية للحاكم من كلا المذهبين ووفق مبانيهم الفقهية.

ثم بعد ذلك أسس النائيني لأصل التوحيد العملي وشخص مراتب الشرك بالأحد، والربط العقائدي بين مقامات التوحيد النظري و مصداقها العملي المتجلي في تحقيق مالكية الله بنفس الشريك عنه. وهو ربط باعث للإرادات للتخلص من كل أشكال العبودية ليس فقط على مستوى الشيعة بل عند كل الموحدين باختلاف مذاهبهم واديانهم، فهو ربط ديني من جهة وربط سياسي من جهة و ربط إنساني من جهة ثالثة، والربط الديني ليس ربطا مهيمنا على القلوب وجذبها للذات، وإنما موجها للعقول ومؤثرا في القلوب وربطها بالله تعالى.

إذا هو ربط ديني تحرري وليس تقييدي كما هو حال تحالف الاستبداد الديني مع السياسي الذي ذكره النائيني كوجه من وجوه الاستبداد. وقد شخص النائيني بشكل جلي تداعيات الاستبداد الديني و اعتبره أخطر على البشرية من الاستبداد السياسي.

وبذلك يفكك النائيني بين الله وعلماء الدين، بحيث يضع معيارا هاما جدا في تقييم علماء الدين وهو ماهية دعوتهم وسلوكهم، فإن كانت دعوتهم تحررية تربطهم بسلطة الله دون أدنى دعوة لأنفسهم وتغليب لمصالحهم على حساب مصلحة الله العليا، فهم قادة هداة محررين للامة، وأما ان كانت دعوتهم تدعوهم لله ظاهرا لكن تقتصر الطريق إليه عبرها فقط فهو مظهر من مظاهر الاستبداد الخفي، والملكية والاستعباد الخفي.

وبذلك أسس لنفي كل أنواع الاستبداد والقداسات لغير المعصوم . وجعل المعيار الاستقامة الرابطة بالله والمحققة للعدل. وكان هذا أهم ما ورد في مقدمة الرسالة.

الفصل الأول: ” حقيقة الحكم المطلوب في الأديان“:

الميرزا النائيني أسس مشروعه على قواعد عامة تشمل جميع الأديان وكل الإنسانية كونها مقيدة بمقيدات تقبلها الفطرة الإنسانية، فكان يكرر الحكم المطلوب من قبل جميع الشرائع بل وجميع العقلاء سواء كان التصدي له عن استحقاق أو اغتصاب حيث جعل تأسيس الحكومة لأهداف :

– حفظ النظام

– رعاية شؤون الرعية

– تربية الناس

– حمل الأمانة العامة

– الإشراف على حفظ النظام

– القيام بسائر الواجبات المستلزمة لوظيفة حفظ النظام

– العدل

– المساواة في الحقوق والواجبات و تطبيق القانون.

واعتبر أن حقيقة الحكم قائمة على أساس ولاية على أمر نظم البلاد وحفظه وبمثابة رعاية الرعية وما تستلزمه هذه الرعاية من لوازم [25].

إن نظرية العلم الاجمالي تدفعنا الى صحة مجمل النظريات، أما العلم التفصيلي يدفعنا لتشخيص أي نظرية يمكن ان تحكم في اي بلد، فالاختلاف الجغرافي يفرض معايير في بعض الدول قابلة لنموذج معين ولكن دول اخرى لا تكون قابلة لتطبيق نفس هذا النموذج.

لقد ميز الميرزا النائيني بين اشتراطات المذهب الإمامي والمذهب السني وأهما العصمة في الأول وعدمه في الثاني، لكنه في الثاني أي نظرية أهل السنة اعتبر أن هناك شرطا غير العصمة هو شرط التزام الوالي بالكتاب والسنة والسيرة النبوية المقدسة هو من الشروط اللازمة في عقد البيعة وأي تجاوز لذلك يعتبر مخالفة صريحة لمقتضيات المنصب واتفقوا على لزوم منع، بالتالي اعتبر هذا الحد يقتضى أن الحكم الإسلامي عند المذهبين بحد أدني لابد أن يتقيد بعدم الاستبداد والاستئثار، وهو القدر المتيقن عند الفريقين، ومحل إجماع الأمة، ومن ضروريات الدين الإسلامي.[26]

إن هذا التشخيص العميق لقيام حكم إسلامي يجتمع على شرعيته السنة والشيعة، وهي قراءة دقيقة استراتيجية ناظرة إلى التنوع الموجود جغرافيا، وسد كل الثغرات التي يمكن للمستعمر والمستبد استغلالها وتوظيفها لتفريق الأمة، في جغرافيا تعتبر الأكثرية فيها من أخوتنا السنة وهو ما يفرض على الجميع إيجاد أرضية مشتركة في طبيعة الحكم تكون قائمة على المشتركات الفقهية التي تعطي لهذا الحكم مشروعيته الإلهية ومقبوليته الشعبية من كافة المذاهب والأديان.

فقد جعل العدالة شرطا أساسيا لقيام الحكم، وهو شرط إنساني تقبله البشرية كافة وكل الأديان إضافة للمساواة في الحقوق والواجبات الوطنية، وعلى مستوى أخص جعل عدم مخالفة القرآن والسنة وأحكام الشريعة سببا آخرا للشرعية، وهو ما يعني إجماع المسلمين في جغرافيا منطقتنا حيث يشكل المسلمون الغالبية العظمى، ومن ثم أوجد أرضية مشتركة بين السنة والشيعة في تشخيص أدنى حد مقبول شرعا للطرفين في تنصيب الحاكم المقيد بالدستور الغير مخالف للإسلام.

إذا هو رسم خريطة ضمن دوائر قائمة على أساس العموم والخصوص من وجه:

– دائرة إنسانية يشترك فيها الجميع قائمة على أساس العدالة، وهي قيمة عقلية فطرية يدركها الجميع.

– دائرة قائمة على أساس الاشتراك الديني وهو الاسلام، الذي يشكل المسلمين منه الغالبية العظمي في الجغرافيا الممتدة في منطقتنا، وهنا جعل الحد الأدني المشترك هو عدم الاستبداد وعدم الاستئثار وهو من ضروريات الدين الإسلامي.

ـ ثم الدائرة الأصغر المذهبية الخاصة بالمذهب الإمامي قيدها بالتزام الحاكم بهذه الشروط ومراقبة المجتهدين له في مجلس الحل والعقد، وبذلك إعطائه شرعية مشروطة بالمراقبة ومتصلة بالتزامه بالشروط.

إلا أننا نستطيع القول أن البيئة السياسية التي كانت تحيط بتلك الفترة لا تخلو من تأزيم مذهبي خاصة الصراع بين الصفويين والعثمانيين الذي انعكس مذهبيا على الأمة، إلا أن طرح الميرزا محمد حسين النائيني تجاوز طرح الأنظمة التقسيمي وركز على المشتركات الفقهية في موضوع مواجهة الاستبداد، واعتبر أن الاستبداد رأس كل تخلف وجهل، وأنه عندما تتزاحم الأمور بين بقاء المستبد وبقاء تراجع الأمة وتخلفها وتعطيل حاكمية الله بحجة الاختلاف المذهبي، وبين تضافر الجهود وإيجاد أرضية شرعية مشتركة يمكن من خلالها التخلص من قهر الاستبداد وتحرير عقول الناس وتخليصهم من التخلف والتراجع، فإن الأولى هو الثاني.

الفصل الثاني: المسؤولية في عصر الغيبة:

في هذا الفصل وضح الميرزا النائيني بشكل جلي قاعدة ترجيح الأولى بأدنى مستلزماته لتحقيق العدل، فهو اعتبر أن وجود حاكم مقيد بدستور ومجلس شورى رقابي، والذي أسماه النوع الثاني من الحكم حتى مع تصدي غير المعصوم، الذي يعتبر في المذهب الإمامي غاصب لهذا الموقع، مع وجود تقييد له والتزامه بتحقيق العدالة وحفظ مصالح الناس، بحيث يكون هنا ظلمه فقط بحق وموقع الإمام المقدس فقط، هو أولى من وجود نظام مستبد ظلمه يطال الجميع.

وبيّن آلية مهمة جدا في تحويل هذا الحكم من غاصب إلى شرعي من خلال مجموعة شروط أهمها:

ـ التزامه بالدستور، وعدم مخالفة أحكام الشريعة.

ـ العدالة.

ـ حفظ مصالح الناس.

فإن التزامه بذلك يدفع الحاكم الشرعي لإعطائه الإذن بالولاية أو الحكم ليصبح حكمه شرعي، وشبه ذلك بالمتنجس بالعرض الذي يطهر بهذا الإذن، بينما الشكل الأول وهو حكم المستبد هو ظلم ذاتي لا يجوز صدور الإذن فيه على الإطلاق، فهو كالأعيان النجسة لا تطهر إلا بزوالها تماما.[27]

وهو ما يناسب في كثير من أبعاده حال كثير من البلاد اليوم التي يصعب فيها تصدي الفقيه بنفسه لشأن ولاية الحكم. ورؤية كهذه طرحت في عصر كان المشهور الفقهي يعتبر الحكومات غاصبة ولا شأن للمذهب الإمامي في تغيير هذا الغصب والاستبداد، بل عليه انتظار الظهور لقيام العدالة، يعتبر طرحا متقدما جدا وخارج عن المألوف والمشهور الفقهي، ويأتي من فقيه صاحب مدرسة أصولية برؤية جامعة بين عنصري الأصالة والخلود، حيث حافظ على الثوابت الدينية والمذهبية والإنسانية، مواكب لعصره بتسييل هذه الثوابت ضمن رؤية نهضوية في الحكم تحقق للمذهب الإمامي المستوى المعقول من العدالة، كونهم واقعا يشكلون أقلية عددية في منطقة يحكمها أكثرية من مذهب أخواننا السنة، بالتالي هناك عقبات كؤود في نجاح أي محاولة لقيام دولة إسلامية وفق المذهب الشيعي في كثير من البلدان، وإن نجحت في بلدان غالبيتها من الشيعة، لكن هذا ينطبق على جغرافيا محددة لكنه غير منطبق على أغلب الجغرافيا، وما لا يدرك كله لا يترك جله، فبنى رؤية جامعة تحقق مبدأ العدالة بحق الجميع، وتحد من صلاحيات الحاكم وتضيق عليه بدستور، و هيئة رقابية تحفظ بذلك مصالح العباد ويتحقق الاستقرار والمساواة، وهي غايات عليا تتفق عليها كل الأديان والشرائع، وتصبح من ضرورات الدين والمذهب وتحقيقها وإن بحاكم غاصب، يدفع الفقيه لإعطائه إذن بالحكم ليكون حكمه شرعيا مع تعذر تحقيق المطلب الكلي وفق الرؤية الإمامية، فمع عدم القدرة على تحقيق الأعلى يتم تشخيص الأولى وتحقيقه وفق ظروف الزمان والمكان.

الفصل الثالث: إشكالات على الحكم الدستوري )المشروطة (وبدائله:

في هذا الفصل اعتمد الميرزا النائيني على النص في التأسيس للحكم الدستوري سواء كان نصا قرآنيا أو حديثيا، هذا فضلا عن سيرة النبي ص والأوائل في صدر الدولة الإسلامية.[28]

واستطاع التمييز بين الشورى في الأمور السياسية والعامة وهو متعلق المشورة في الشرعية، وأما خروج الأحكام الشرعية عن هذا العموم اعتبره خروجا تخصصيا وليس تخصيصا، بحيث ميز بذلك بين شأن الفقيه وشأن الحاكم. واستطاع أن يرسم الخطوط الفاصلة شرعيا بين الولاية في بعدها العقائدي الخاص، والحكومة في بعدها السياسي العام.

وجعل من مقومات الشورى ولوازمها:

ـ كسر هيبة مقام الخلافة أو الحاكم في أعين الناس ومنحهم أعلى درجات الحرية، وتشجيعهم على طرحهم آرائهم وانتقاداتهم، مستدلا بخطبة أمير المؤمنين ع في حق الوالي على الرعية وحقوق الرعية على الوالي. فإذا كان المعصوم يدفع لتحقيق هذا الحق للرعية فما دون المعصوم أولى بتطبيقه كجزء من منهج الإمام ملزم للجميع. واعتبر الشورى ركيزة من ركائز الدين والمذهب، ورفع منسوب الحرية يتطلب رفع منسوب الوعي حتى لا تكون فوضى. فممارسة حق الانتقاد والرقابة يتطلب معرفة المراقب لحقوقه وواجباته، ووظيفة الحكم وحقوقه، وفهم الأحكام الشرعية الخاصة بذلك ، وهو ما يأتي ويكتسب بالتطبيق والتجربة والممارسة وليس فقط بالمعرفة النظرية.

ـ ردع الحاكم لا يكون إلا من خلال هيئة رقابية تمنع أي تجاوز من الحاكم أو تسلط واستبداد، وتراقب أي تجاوز على الدستور والقانون أو أي تقنين لما يخالف الشرع. واعتبر أن تنصيب هذه الجماعة المقومة للحكم، في مذهب الإمامية لسد الخلل الناتج عن فقدان العصمة قدر الإمكان، وفي مذهب أهل السنة، لسد فراغ القوة العلمية و ملكة التقوى والعدالة، والحفاظ على استقامة الحكم الإسلامي، وعدم تجاوز الحدود المعينة له.[29]

وهذا دليل على قدرة الميرزا النائيني على تطبيق مبدأ الوحدة الإسلامية تطبيقا عمليا لا يحتكر فيه رؤيته للحكم، بل يؤسس لرؤى جامعة متعاضدة يمكنها التطبيق على أوسع رقعة جغرافية، معتمدا على المشترك الفقهي و المقاصدي للشريعة في قيام العدل ونظم الأمر بما يعود بالنفع على العباد، وبما يحفظ حدود الإسلام العامة.

ـ وجود دستور وقانون ينظم عملية انتخاب الهيئة والحاكم، وتشريع القوانين وآليات الرقابة.

ـ وصفه لشكل ضبط الحكومة الجائرة، وأخذه بالحسبان الاختلافات الفقهية التي تعكس خروجه للبيئة الأكبر من بيئة المذهب وإدراك للواقع المحيط الجغرافي وملابساته.

وبهذه الشروط يصبح الحكم ولائيا[30].

الفصل الرابع: بعض الإشكالات الواردة على المشروطة والإجابة عنها:

وكأي طرح خارج عن المألوف، وجديد ومواكب فقهيا، وأصيلا في ذات الوقت سيواجه كثير من الإشكالات الفقهية الناتجة عن حداثة الموضوع، وعن اختلاف المباني الفقهية والمدارس الفقهية حول فهم النص، واختلاف الرؤى حول مشروعية الدولة في الغيبة الكبرى وحدود ولاية الفقيه، وهو ما دفع الميرزا محمد حسين النائيني إفراد فصل خاص في رسالته للإجابة على أبرز الإشكالات الفقهية التي تواجه رؤيته الفقهية للحكم في عصر الغيبة.

أولا: المغالطات التي ترتبط بأصل الحرية المبارك:

كان مفهوم الحرية وما زال مفهوم ملتبس في الوسط الإسلامي، يشوبه كثير من الالتباس خاصة مع الأصوات المتأثرة بالغرب من المثقفين الذين عادوا يطالبون بالحرية على النسق الغربي، وخاصة أن جزء من دعاة الحركة الدستورية كانوا من الليبراليين الذين ينادون بنفس المفهوم، وهو الحرية لكن مع اختلاف الدلالات، حيث أنه كمفهوم هو مشترك لفظي، لكن دلالاته مختلفة بين ما عناه الميرزا النائيني وما ينادي به الليبراليين المنتفضين والمطالبين بالدستور.

لذلك أزال الميرزا هذا اللبس وتصدى لهذا اللغط حيث ذكر أن ”عدالة الحكم وكونه ولائيا سواء التصدي عن استحقاق أو غصبا يعتمد على اصلي الحرية ) يعني بعها التحرر من كل أنواع الاستبداد والحاكمية( والمساواة، وحفظ حدود الحاكم وأتباعه الشورى وسائر المقومات فتتوقف على كتابة الدستور وعقد مجلس الشورى الوطني.“ [31]

وهنا استطاع الشيخ التأسيس لنظام حكم عام هدفه اقامة العدل والحد من الاستبداد وفق الحاجات الإنسانية القيمية الفطرية في حاجتها.

استطاع أن يشيد مفهوما للحرية يتميز عن ذلك الذي شيده الغرب، و ربط المفهوم بأصل العبودية لله وجوهرها ، وهو التخلص من كل أنواع الربوبيات الدنيوية التي تتسلط على الناس وتستعبدهم وتستعبد اراداتهم، فحررت الارادة وربطتها بالله ومنعت كل انواع العبودية وربطتها بمثل أعلى هو الله، بينما حرية الغرب هي انقلاب على الدين و الغاء المثل الاعلى ليكون الإنسان الفرد هو إله الأرض الجديد الذي تحرر من الكنيسة وتعاليمها وأطلق العنان لغرائزه وشتان بين المفهومين ، فأحدهما يحرر الذات والارادة من الاستعباد ويربط الإنسان بجوهر العبودية الحقيقية المتصلة بالله التي تمنع كل محاولات الانحراف والخروج عن تعاليم الله ، والثانية تحرر الجسد وتقيد الارادة لرغبات الفرد الشخصية فهي تخلصه من عبودية الكنيسة إلى عبودية الذات والشهوات . وبذلك يكون أسس لمفهوم للحرية إسلامي، وفهم للدستور والشورى من عمق النصوص، فهو لم يجد حرجا من استخدام المصطلح إذ لا مماشحة في الألفاظ، بل لم يجد حرجا من الاستفادة من التجربة الغربية كونها تجربة بشرية، لكنه استفاد منها بمنظور مواكب للعصر محافظ مع مواكبته على ثوابته، بحيث أخذ التجربة وشاهد مفاصلها الرئيسية وخرج منه بأفكار عامة، عاد من خلالها ليستكشف رأي الإسلام فيها وأصلها إسلاميا.

ثانيا: المغالطة حول المساواة:

تفريقه بين المساواة الوظيفية والمساواة السياسية والاجتماعية، فالاولى خلاف العدل كونها تساوي بين الجميع في الحق المكتسب نتيجة السعي وفرق الجهد والكسب العلمي، الثانية تنشد مساواة الجميع أمام القانون والحكم والحقوق والواجبات. دون تمييز بين شعب وحاكم وشتان بين الأمرين.

حيث أن التمييز بين الناس على أساس كدحهم وتحصيلهم أمر عقلائي لا لبس فيه، لكن المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات وفي تطبيق القانون وإنفاذه ومنع الرشى والواسطات في هذا الصدد، فهذا أمر لا يختلف عليه عقلاء ولا دين. فيقول :؛ لاتعني المساواة سوى تنفيذ جميع الأحكام المترتبة على كل عنوان عام أو خاص، على جميع الأفراد الذين تشملهم العناوين بالتساوى، ولا تتحكم الإرادات الشهوانية فيها.[32]

وقد فرق الميرزا النائيني بين القوانين العامة الخاصة بالنظم والعدالة، وبين التشريعات الخاصة وتطبيقاتها والتي تعود للمجتهد في كل مذهب، فالقانون الذي يسن لا يتدخل بالوظائف الشرعية للحكومة وتفاصيل الأحكام، كإقامة القصاص، واستيفاء الدية، وتنفيذ الحدود الإلهية على المسلم والكافر الأصلي، والمرتد الفطري والملي، وغير ذلك من الأمور الموكولة إلى المجتهد ذي السلطة النافذة.

وعلى القوة التنفيذية تطبيقها فقط وليس تشريعها. ومن شروط قيام الحاكم بحكمه والهيئة الرقابية بوظيفتها أن لا يسن قانون سيكون مخالفا بالأصل للإسلام، وهذا من أوضح ما بيناه كشرط أساسي في الدستور. [33]وتفريقه بين تطبيقات الغرب في المساواة والعدل و انحرافهم بسبب عدم تطبيق الشرع.

وتميز الميرزا بحله لاشكالية التعدد الديني في نفس المجتمع بالفصل بين الحاكم وشروط حكمه وبين المرجعية الفقهية ودورها في التصدي للأحكام الخاصة ،من خلال قيام الحاكم بالعدل والمساواة و عمل محاكم لكل مذهب ودين وفق منهجه وشروطه. فيكون أصل قيام الحاكم مشروط بشروط متفقة عليها عقلائيا بكافة الأديان، والدستور لا يشرع أمرا مخالفا للإسلام بالعناوين العامة، مع عدم تدخل الدستور في هذه التفاصيل الشرعية وايكالها للمرجعية لكل دين ومذهب.

ثالثا: مغالطات حول تعيين هيئة المراقبين، وعقد مجلس الشورى الوطني:

طرحت الإشكالية التالية: القيام بإدارة أمور الأمة من الوظائف الحسبية، ومن باب الولاية، وتدخل الناس في هذا الأمر، وانتخابهم نوابا عنهم، عمل فضولي، ومن قبيل تصدي من لا أهلية له، ويعد من أقسام اغتصاب المنصب.

كان حل الميرزا لهذه الإشكالية كالتالي:

أقر بكون بأن التكاليف السياسية، أولا وبالذات من الوظائف الحسبية لا التكاليف العامة بل اعتبره أمرا بديهيا.

لكن التأسيس لمبدأ الشورى تأسيسا نصيا رأعي الحق لجميع الناس في إعطاء المشورة للسلطة الإسلامية، ولهم حق الرقابة والإشراف بسبب ما يدفعونه من ضرائب للمصالح العامة، وأيضا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكون لهم الحق بمنع التجاوز بأي وسيلة ممكنة، فإن تحقيق هذه الغايات ليس خاضعا لوسيلة بذاتها، وإنما هي ثوابت إسلامية يمكن تحقيقها بآليات متاحة وفق الزمان والمكان، وأي آلية يمكنها تحقيق هذه الثوابت تعتبر مقبولة، وبالتالي لن يتيسر لهم ممارسة هذه الوظيفة إلا من خلال انتخاب نواب عنهم، هذا فضلا عن أن هذا الطريق هو الطريق المتاح عمليا مع اغتصاب المنصب وعدم إمكان التحديد الصحيح للسلطة، بمعنى عدم وجود مقبولية لتطبيق الحكم الشرعي الخاص بالولاية وحدودها، بالتالي تحقق الغايات العظيمة والمقاصد العليا بما هو متاح من وسائل متفق عليها عقلائيا.

وبالنسبة للوظائف الحسبية بين أمرين في هذا الصدد:

أ. عدم لزوم تصدي المجتهد للأمور الحسبية، ويكفي إذنه في صحة تصدي غيره ومشروعيته، وعامة الشيعة تعمل به.

ب. إذا لم يتمكن النواب العامين من القيام بالواجب، لا تسقط الولاية في الأمور الحسبية، بل تنتقل إلى عدول المؤمنين، ومع عدم تمكنهم تنتقل إلى عامة الناس، بل بإجماع فقهاء الإمامية، ينتهي الأمر إلى فساق المسلمين أيضا.

واعتبر أن القيام بالتكاليف الضرورية أصل ولكن آليات ذلك تخضع للظروف المتاحة، وما هو متوفر للفقهاء ومتعين عليهم القيام به ناظرين للقابليات والمقبوليات، بالتالي تعتبر الطريقة الدستورية هي الوسيلة المتاحة لتنفيذ هذه المقاصد والغايات الكبرى للإسلام، وتحقيق مصالح الناس، فيتعين اتخاذ طريقة تنصيب دستور وانتخاب نواب وفق الآليات التي يتم الاتفاق عليها.

مع تعذر تحقيق الولاية العامة والمشتركة مثل الولاية على النفوس، فالاقتصار يكون على القدر المتاح من الولاية، ومراعاة الاحتياط في اتخاذ طريقة الانتخابات وتدخل المنتخبين في الأمور العامة، أن يكون ذلك:

– بإذن المجتهد المبسوط اليد

– بحضور عدد من المجتهدين العظام في الهيئة المنتخبة بشكل رسمي لترشيد الآراء الصادرة عنهم وتنفيذها.

وقد فند النائيني ادعاء بدعة الأكثرية وأرجعها لنص الشورى وأدلة ترجيح المرجح على المرجوح، فإذا كان هناك تعارض يؤخذ بالترجيحات والأكثرية عند الدوران، ومن أهم المرجحات العامة، الأخذ برأي أكثرية العقلاء على الأخذ بالرأي الشاذ.[34]

الفصل الخامس: مشروعية عمل النواب وتكاليفهم:

تدخل النواب في الوظائف الحسبية يكون إما:

ـ إذن المجتهد المبسوط اليد.

ـ تضمن المجلس الوطني عددا من المجتهدين العدول، العاملين بأمور السياسة، لتصحيح آراء الأعضاء، وإعطائها صلاحية النفوذ.

الصفات اللازم تحققها في المتصدين:

ـ الإحاطة الكاملة في مجال السياسة أي الاجتهاد في فن السياسة، والحقوق الدولية المشتركة، والمعرفة بخفايا الحيل المتداولة بين الدول، والخبرة في الوظائف المحولة إليهم، والعلم بمقتضيات العصر.

ـ الابتعاد عن الأغراض الخاصة والأطماع، النزاهة من البخل، والجبن، الحرص.

ـ يمتلكون غيرة كافية على : دينهم، ودولتهم، ووطنهم الإسلامي، وعامة المسلمين، يحفظون بذلك ثغور البلد وحدوده، ويحترمون روح كل فرد من أفراد الشعب، وعرضه، وماله، كما يحترمون أرواحهم، وأعراضهم، وأموالهم.[35].

اعتمد هنا الميرزا النائيني على مبدأ الكفاءة العلمية الاكاديمية التخصصية والشرعية، ولم يحيد العلم المعاصر لحساب العلوم الحوزوية، وأسس لمبدأ المواكبة مقرونا بالكفاءة في موضوع الاختيار في مؤسسات الدولة.وقام بتشخيص معايير الاختيار وفق صفات محددة تعتبر أس كل فساد سياسي. وتحديد الأولويات السياسية للسلطة ورجالها على أساس العدل دون تمييز بين افراد الشعب، ودون تساهل في أهمية الدين والمذهب وموقعهما في سلم الأولويات.

ووضع المعايير بطريقة قيمية تتبع مبدأ الحسن والقبح العقليين والبديهيات العقلية عند كل البشر، وبذلك استبعد شرط الدين والمذهب من معايير الاختيار، واعتبر هذه المعايير كافية لقبول غير المسلمين في مؤسسات الدولة، فضلا عن معيار الدفاع عن الوطن، وهذا التأسيس يعتبر سابقا لزمانه، بل اختصر على الفقه الشيعي الزمن بعقود، وأسس لمفهوم الوطن ناظرا للأمة، ومانعا لأي محاولات تقسيمية بسبب الدين والمذهب والعرق والانتماء، وهو تنظير فقهي نحن اليوم بأمس الحاجة إليه بسبب تسلط أنظمة مستبدة على رقاب الشعوب وتمكنها منها بسبب الختلافات المذهبية والدينية، واستغلال هذا الاختلاف في تقسيم المجتمعات، وإشغالها بهذه الخلافات التي تقوض كل محاولات الاصلاح، ومحاولات التغيير ومواجهة الفساد والاستبداد.

أما تكاليف النواب فهي:

١.ضبط الخراج وتعديله، وتنظيم موارد الدولة ومصاريفها.

واعتمد الشيخ النائيني علـي نصوص دينية في ربط الخراج بمفهوم العمارة، أي أن الخراج دون عمارة هو خراب وهلاك، حيث الخراج غايته التنمية وعمارة البلدان بما ينفع الرعية، ويحقق الرفاه العقلاني المطلوب، ويحد من البطالة، وتقليص الفقر، ويواجه الأمية، ويرفع منسوب العلم والوعي، ويمنع استئثار الحاكم بالمال، وتداوله بين الأغنياء فقط، كون تحديد مصارف الخراج بالعمارة يحدد معالم صرفه في صالح الناس، ويجعل بذلك الرقابة أسهل، كون معالم العمارة لابد أن تنفذ كمشاريع خارجية تحقق الرفاه الاجتماعي، وتواكب أهم متطلبات المجتمع الأساسية، بالتالي يصعب على الحاكم أخذ الأموال أو تبديدها وصرفها في وجوه أخرى غير ما خصصت له.[36]

٢. الإشراف على عملية وضع القوانين، وتدوينها، وإحراز تطابقها مع الشريعة، وتشخيص المواد القابلة للإبطال أو التغيير عن غيرها.

ميز هنا الميرزا النائيني بين قسمين من الأحكام :

ـ أحكام أولية، تتكفل بأصل القوانين التي تخص الوظائف العامة. لا يطرأ عليه تغيير والتعبد فيه بالنص إلى يوم القيامة.

ـ أحكام ثانوية، تتضمن العقوبات على مخالفة تلك الأحكام الأولية.يتبع مصالح كل عصر ومصر ومقتضياته، ويختلف باختلافه وتحولاته.

التكاليف إما تكون أحكاما نص عليها الشرع، وحدد الموقف منها، أو لم ينص عليها، وترك تحديد الموقف منها إلى رأي الولي. كما يقول الميرزا النائيني في رسالته.[37]

بالتالي يشخص الميرزا النائيني أين يكون التعبد وأين يكون الرجوع فيه لتشخيص الولي وفق المتغيرات فقال:

ـ القوانين التي يجب تطابقها مع الشريعة هي من الأحكام الأولية التي يجب التعبد بالنص فيها ولا يطرأ عليها تغيير.

ـ أصل الشورى يختص بالأحكام الثانوية ولا علاقة للأحكام الأولية الشورى والمشورة بتاتا.

ـ ترجيحات النواب الخاصين والمعينين من قبل الولي، والتي تكون في الأحكام الثانوية، تجعل هذا القسم من الأحكام ملزما وواجب الطاعة. كون النائب أخذ إذن تفويضه من الناس الذين لهم الحق في المشورة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة الانتخاب وهي الطريقة المتاحة لتحقيق ذلك، بالتالي تم اختياره وفق معايير محددة، وعندما يجمع الأكثرية على ترجيح في الأحكام الثانوية، هذا الإجماع يعتبر إلزامي أيضا.

ـ معظم السياسات العامة هي من الأحكام الثانوية وتندرج تحت عنوان ولاية ولي الأمر ونوابه الخاصين أو العامين وترجيحاتهم.

ـ القسم الثاني من السياسات النوعية لا يندرج تحت ضابط محدود من قبل الشريعة، ويختلف حسب اختلاف الظروف واقتضاء المصلحة، لذلك ترتكته الشريعة إلى المشورة، وقرار من له الولاية.[38]

الخاتمة عناصر الاستبداد وسبل مكافحتها:

عناصر الاستبداد:

١. الجهل

– اعتبر الجهل هو جهل الشعب بالحقوق والواجبات و بتكاليف السلطة وهي أساس عناصر الاستبداد.

ـ ربط الجهل بالشرك والتوحيد، كونه يجعل قابلية الشعب مهيأة للاستعباد.

ـ الجهل يسلب الإنسان حريته التي منحها الله له، والتي جوهرها نفي كل شريك والعبودية لله وحده.

٢. الاستبداد الديني

ـ اعتبر الاستبداد الديني من ألعن العناصر بعد الجهل، لكن علاجه أصعب بل يكاد يكون مستحيل لرسوخه في قلوب الناس، وتصوره من لوازم التدين.

ـ اعتبار اتباع الروحانيين دون وعي هو نوع من أنواع الشرك بذات الأحد و مرتبة من مراتبه.

ـ واعتبر أن معاوية أول من ابتكر هذا التيار في الإسلام.

٣. الترويج لعبودية الملك من خلال التزلف والتملق كبديل لتقريب الكفاءات العلمية، و كمعيار لتولي المناصب ي الدولة. [39]

٤. إلقاء الخلاف بين الشعب وتفريق كلمته، ويعود هذا إلى الاستبداد الديني والترويج لعبودية الملك مما يمكن من استلاب قدرة الناس على التمييز، وفوضوية القيم والمعايير فيسهل انقيادهم للفتن، واشغالهم عن المستبد وما يقوم به من تجاوزات.

٥. الإرهاب والتخويف والتعذيب.

٦. اغتصاب الأموال العامة وتسخير الجيش.[40]

سبل مكافحة الاستبداد:

– مكافحة الجهل، بتحرير الناس و أفهامهم حقوقهم ووظيفة الحاكم، وكشف عورات المستبد.

– مكافحة الاستبداد الديني ،اعتبره شديد الامتناع.

– اجتناب عبودية السلطان، وإشاعة المعرفة، وتصدى أصحاب الكفاءة.

– تحقيق الوحدة[41]

خاتمة ونتيجة:

لماذا الميرزا النائيني بعد قرابة قرن زمني:

بعد ثورات الربيع العربي ظهرت على سطح المعرفة والتفكير الكثير من التساؤلات المتعلقة إلى حد كبير بالإنسان العربي المسلم بشكل عام والشيعة بشكل خاص،وأهم هذه التساؤلات بعد سقوط أنظمة استبدادية واستبدالها بأنظمة تتبنى الديمقراطية كمشروع سياسي للحكم كما هو في تونس ، وما تحمله معها الديموقراطية من مفاهيم كثيرة أهمها التعددية السياسية والفكرية والدينية والمذهبية ومفاهيم التعايش والتسامح والمواطنة والحقوق والواجبات والمساواة والعدالة والحريات بما يشكل في مجمله مشروع دولة حديثة تتكون من مؤسسات تحدها أطر القانون والدستور،بات واضحا لدى الفرد الشيعي وما يشكله بمجموعه من فئة قد تكون أقلية في دولة أو أكثرية في أخرى،ضرورة وجود نظرية للدولة في منظومته الفكرية والدينية واستغلال هذا التغيير في صالح الاندماج في مشروع الدولة بل والمشاركة كشريك مؤثر في الفعل السياسي.

حتى في الدول السلطوية والشبه سلطوية طرحت تساؤلات كثيرة حول رؤية الشيعة للدولة وحدود وظيفتهم فيها، ودورهم في محاولات الاندماج والنهوض بأوطانهم، وهل المسؤولية تقع خاصة فقط عليهم في تفاعلهم مع أوطانهم، أو أن لكثير من الأنظمة دورا سلبيا في الانكفاء على الذات، وابتعادهم عن المشاركات السياسية أو إبعادهم قصريا عن ذلك؟

إذا نحن أمام إشكاليات متداخلة :
١. رؤية الفقيه عن علاقة الدين في السياسة، وبالتالي وظيفة الفرد الشيعي فيها وعلاقته بها.
٢. الفرد الشيعي كمواطن وعلاقته بمجتمعه ووطنه.
٣. الدولة وعلاقتها بالشعب.

فما يلاحق الشيعة اليوم في أوطانهم خاصة في الخليج هما مسألتان مهمتان:
ـ الانتماء والولاء، خاصة بعد ثورة الإمام الخميني قدس ، زادت وتيرة اتهام الشيعة في الخليج بولائهم وانتمائهم لأوطانهم، بل بلغ الأمر عند بعض الدول سحب جنسية البعض من الشيعة في الخليج، وترحيلهم عن أوطانهم بحجة الولاء والانتماء.

ومع بناء حاجز قومي كبير كان للاستعمار دورا كبيرا في بنائه بين المسلمين من العرب والإيرانيين، وما لعبه الإعلام المضلل من دور كبير في هذا الصدد، فإن قابلية المحيط الجغرافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية تقلصت، بل تم شيطنتها، وباتت نظرية ولاية الفقيه كخيار للدولة ونظرية من نظريات الفقه الشيعية العديدة، والتي أثبتت وجودها تطبيقيا من خلال نجاح ثورة الإمام الخميني قدس، باتت نظرية غير قابلة للتطبيق في كيثر من دول الجوار الجغرافي للجمهورية الإسلامية، وكون مقبولية الشعوب شرط مهم في قيام الحاكم وقبوله في وظيفته وبسط يده ، ومع وجود الشيعة في أقطار متفرقة كأقليات في المنطقة ككل، فإننا بحاجة إلى تفعيل نظريات تكون لها مقبولية شعبية، تعالج أهم الإشكاليات التي تمكن الاستبداد من الاستمرار، وخاصة فيما يتعلق بالاشكاليات المذهبية التي تعتبر من الأسلحة الفتاكة التي يلعب على وترها الحاكم والجهات الراعية له، ليفرق صفوف الشعوب ويفكك ترابطهم، ويشغلهم عن مواجهته ومراقبته ومحاسبته، حتى في الدول التي فيها دستور وبرلمان، استطاع الحاكم أن يشتت الاتفاق البرلماني وأولوياته، لتتحول من أولويات رقابية تشريعية في حفظ حقوق الشعب، وتحقيق العدالة، ومنع الفساد والهدر، إلى أولويات قبلية وحزبية، بات الشيعة فيها الحلقة الأضعف.

وتقوم بعض الأنظمة إما متعمدة أو عن سوء فهم، بالخلط بين تقليد الشيعة لمرجعيات دينية، وبين تبعيتهم لها على حساب أوطانهم، وبعد الثورة الإيرانية وظهور نظرية ولاية الفقيه وهي مدرسة ينتمي إليها كثير من الشيعة في رؤيتهم للدولة ونظامها، ظهر الخلط أكثر بين انتماء الشيعي لوطنه وانتمائه لولاية الفقيه، وهذا يعود لخلل في فهم النظرية سواء نظرية التقليد أو نظرية ولاية الفقيه من جهة بعض الأنظمة، ويعود أيضا إلى خلل في الممارسة والفهم والتطبيق من قبل بعض الشيعة سواء كانوا أفرادا عاديين أو نخبا في الساحة الاجتماعية. هذا فضلا عن انخراط بعض المرجعيات الدينية في هذا الخلط وهذا اللبس في التطبيق.

ويبقى كفرد شيعي في قفص الاتهام بالانتماء إلى الخارج والتشكيك في مواطنته والذي يؤدي إلى التشكيك في الانتماء. ليصبح الارتياب والالتباس هو الحاكم على العلاقة بين الشيعة في دول الخليج.

وجود أجنحة في الأسر الحاكمة تؤمن بتيارات دينية تكفيرية تكفر الشيعة وتبيح دمهم وتعتبرهم مشركين، وهو ما ينعكس سلبا على سلوك السلطة اتجاههم من جهة، ونمو شعور الاضطهاد لدى الشيعة في تلك الدولة من جهة أخرى، مما يدفع البعض إلى الهجرة، والبعض الآخر إلى المعارضة وهنا إما تكون معارضة بطرق سلمية، أو تكون معارضة بطرق مسلحة تؤدي إلى تعقيد المشهد، و مزيد من تأزيم العلاقة.

وأذا ما استقصينا بشكل سريع مقومات التغيير التي مكنت الإمام الخميني قدس من النجاح وإقامة دولة إسلامية وفق نظرية من نظريات الفقه السياسي عند الشيعة، نجد أن أهم المقمومات هي:

١. تاريخ الحراك الشعبي في إيران المناهض للإستبادا، ومراكمة هذا التاريخ وعيا سياسيا وثوريا، رفع مستوى القابليات الشعبية لمفهوم التغيير وأهميته.

٢. الارتباط العضوي بين الجمهور والمرجعات الدينية، ودور هذه المرجعيات في حراك الشعب الإيراني المؤثر، والملبي لنداءاتهم، كثورة التنباك، وحركة المشروطة، وغيرها من الأدوار التي لعب فيها عالم الدين دورا حيويا في قيادة عملية التغيير والتي توجها وورث مراكمتها الإمام الخميني قدس.

٣. طرح العديد من النظريات في الفقه السياسي حول مفهوم الدولة سبقت نظرية الإمام الخميني وحراكه، وهو ما مهد الأرضية الفقهية من جهة، والشعبية من جهة وأهل الذهنية العامة لفكرة الدولة، فراكم وعيا سياسيا تميز به الشعب الإيراني، وكان من أهم مقومات نجاح الثورة.

وتوفر هذه المقومات في شعب وجغرافيا وتوفرت كل مكونات الموضوع الذي انطبقت عليه نظرية ولاية الفقيه والتي من أهم أركانها مقبولية الشعب حتى يكون الفقيه مبسوط اليد، وفي حال عدم تحقق المقبولية لا يمكن للفقيه فرض نفسه، فهذا لا يعني انطباق هذه الظروف على الجوار، نتيجة اختلاف أرضية الشعوب المجاورة الفكرية والتاريحية، واختلاف بيئات الحكم الحاكمة، مما يؤدي لغياب المقبولية التي هي شرط لبسط الفقيه يده ليصبح نافذ الحكم.

هذا الاختلاف يشكل عائقا كبيرا في سريان النظرية للجوار بطريقة العدوى أو الدومينو.

وهو ما يدفعنا للتركيز على مقاصد عليا مشتركة، فما هدف له الإمام من قيام الجمهورية الإسلامية على قاعدة حكم فقهية هي نظرية ولاية الفقيه، وهي الآلية التي اعتمدها الإمام قدس وفق مبناه الفقهي، والتي حقق من خلالها الأهداف الكلية العليا كسريان حاكمية الله تعالى، وتحكيم شرعه ورفع الظلم، وتحقيق العدالة، وتحرير الشعوب من الاستبداد والاستعمار.

وتشخيص الأهداف العليا للمشروع يمكننا من فهم الآليات المناسبة من تحقيقها وفق الزمان والمكان والمقومات المتوفرة، فكما تدرج الوعي في إيران وفي حراك الفقهاء وتفاعلهم مع الأحداث السياسية، حتى نضج الفهم الفقهي وشكل نظريات سياسية عديدة راكمت وعي الإمام في بناء الحكومة الإسلامية، كذلك الشعوب نتيجة الاستبداد انتشر في صفوفها الجهل، ونتيجة القمع، ارتفعت قابلية الاستعباد في نفوسها، وهو ما يتطلب تدرجا في رفع منسوب الوعي، وتدرجا في الآليات المتاحة والمناسبة من النظريات الموجودة في الفقه السياسي، والتي يمكنها تدريجيا تحقيق الأهداف العليا التي حققها الإمام قدس لتوافر مقومات معينه من خلال نظرية ولاية الفقيه، والتي أحدثت فتحا نوعيا في المعارف والعلوم على كافة المستويات، بل كانت الممهدة لتحقيق العزة والكرامة للأمة الإسلامية والإنسانية بكافة انتماءاتها، وهو ما قرره الدستور بعنوان نصرة المستضعفين في الأرض، واضعا نصب عينه الظلم وتحقيق العدل دون النظر لانتماء المظلوم من الشعوب.

لذلك تعتبر رسالة الشيخ النائيني التي تم رفضها في زمانه، لعدم بلوغ الكثير من النخب الدينية، والثقافية، والمجتمعات حالة الرشد السياسي، وإدراك الحاجة لوجود دولة بنظام إسلامي غير متطرف، ومؤسس لمفهوم الأمة، ومانع لكل أنواع التمييز المذهبي والديني والعرقي والقومي، لكنها تميزت باستجابة فقيه صاحب مدرسة أصولية لتداعيات الواقع وإلحاحات التحديات الداخلية والإقليمية، وهي تحديات عابرة للزمان كون الصراع على النفوذ والثروات وبين الحق والباطل صراع تارخي لا يخص زمان ولا مكان، فكان ما أسسه الشيخ النائيني وإن كان سبقا فقهيا، لكنه كان نتاج تفاعل الفقيه مع الواقع وقدرته على استنطاق النصوص استجابة لتلك التحديات في الواقع الخارجي.

فتعتبر رسالة الميرزا فتحا سابقا لزمانه، لكنها حاجة وضرورة في زماننا، لتشابه الظروف والتحديات، ولتوافر كل عناصر الاستبداد التي حذر الميرزا النائيني منها، فالأصل تحقيق العدالة وتحكيم شرع الله، وأي نظرية فقهية تحقق ذلك يمكن تبنيها، ومع دراسة الظروف المحيطة بالشيعة والمنطقة، وبعد دراسة أهم مفاصل رسالة النائيني، نجدها نظرية فقهية سياسية جامعة لكثير من خطوط الاصلاح في الراهن، ومؤسسة لنظرية جامعة للشيعة والسنة، ومتعايشة على أساس إنساني قاعدته في ذلك الحسن والقبح العقليين، بل محققة على أرض الواقع مفهوم الوحدة الإسلامية.

ونحتاج واقعا لدراسة موسعة لظروف الشيعة في المنطقة، قبل تبني أو فرض أي نظرية فقهية، بل نحن كشيعة أغنياء بعدة نظريات فقهية للحكم، بعضها متين جدا، ويمكننا دراسة الظروف بدقة لكل جغرافيا وبعد هذه الدراسة المستفيضة في تشخيص الواقع يتم تبني النظرية الموائمة لها، فمحاكاة الواقع هو لمحاولة الخروج من الاستبداد ومواجهته بشتى السبل، كونه الوسيلة والأداة الطيعة بيد الاستكبار اليوم، في مواجهة المشروع الأول في بناء الدولة الإسلامية، ولتحصين هذا المشروع نحتاج تفكيك بنى الاستبداد، ورفع مستوى وعي الناس، وتقديم نظرية حكم فقهية يقبلها الجميع، وتكون بمثابة عملية تمهيدية لرفع قابلية الناس بنظرية أكثر تطورا، بعد تحقيق الرشد بهذه النظرية التمهيدية.

فطالما لدينا نظريات عديدة في الفقه السياسي، نجح أحدها في جغرافيا لتوفر الظروف، وهناك عوائق جيواستراتيجية تعيق نجاح نفس النظرية في جغرافيا مجاورة وأخرى، فنحتاج لتفعيل النظريات الأخرى في الفقه السياسي، فالهدف ليس ذات النظرية، بل هي وسيلة لتحقيق أهداف عليا كالتخلص من الاستبداد الذي يمّكن قوى الاستكبار من ثرواتنا، و يرغب في إفشال مشروع الدولة الإسلامية ولا نعني بها هنا الدولة على الطريقة الثيوقراطية التي يعتبر فيها الحاكم مفوضا من الله ولا مدخلية للشعب في اختياره، بل نعني بها تصدي المجاز للتصدي مع قبول الشعب لتصديه واختياره لخه وفق قواعد وضوابط تمنع الطغيان والاستبداد ، ولتحقيق العدالة، ورفع الجهل عن الناس، وتحقيق المساواة، والحريات. فتصبح أي نظرية فقهية مكينة تناسب راهننا وسيلة لتحقيق نفس الأهداف.

وقد طرح السيد الشهيد محمد باقرالصدر قاعدة فكرية لنظرية تميز بين المصلحة الخاصة والمصلحة العليا كمبدأ تأسيسي في نظم التفكير في الحوزة العلمية والمنتسبين إليها وهي تعتبر نظرية يمكن تطبيقها في كثير من المجالات وكانت ترتكز على مبدأ الإيثار الأخلاقي، وهو إيثار المصلحة العامة والعليا للدين على المصلحة الخاصة للفقيه وهي نظرية المصلحة العليا لحفظ الكيان العام بحيث تصرف جهود أغلب طلاب العلم في معارك للدفاع عن مشاريع فردية أو وجهات نظر فقهية لأفراد، بينما المصلحة العليا تقتضى أن تكون هذه الطاقات للدفاع عن المصلحة العليا للكيان. للاطلاع على النظرية تفصيليا.[42]

فهذه النظرية المصلحة العليا في الحوزة العلمية والتي ترتكز على:

قدرة الفقيه على تشخيص الأولويات القائمة على أساس الزمان والمكان والمتغيرات المعاصرة لزمانه بحيث تكون معالجاتها الفقهية قائمة على أساس المصلحة العليا للدين أو للكيان ككل على حساب مشروعه الخاص، مهما بذل وضحى في هذا السبيل من تضحيات، فإذا وقع التزاحم بين مصلحته الشخصية والمصلحة العليا، ووفق قاعدة التزاحم، تقدم المصلحة العلياعلى المصلحة الشخصية، كون مصلحة الكيان والدين تخص عامة الناس ومشروع الله على الإض، بينما مصلحة الفقيه الخاصة تخص شخصه في الدنيا فلا تتعارض مصلحته مع مصلحة الله ومشروعه، ليصبح بذلك أي الفقيه بتقديمه المصلحة العليا على الخاصة في طول الله لا في عرضه، وتنظم نظرية المصلحة العليا بذلك طاقات الطلبة وقدراتهم العلمية بطريقة نهضوية وليست إنسدادية، تكون قادرة على محاكاة عنصري الدين الخلود والديمومة “.

وهو ما يمكن أيضا تطبيقه على كثير من المجالات، ،منها تقديم المصلحة العليا للكيان ككل، على مصلحة خاصة لنظرية بذاتها ورؤية بذاتها، فأن نحافظ على ما هو قائم وإن بتطبيق نظريات مغايرة لكنها موافقة ومطابقة لمعطيات الواقع واحتياجاته، أولى من الإصرار على تصدير نفس النظرية ومحاولة رقعها ترقيعا في جغرافيا غير مهيأة لهذا الرقع، بل قد تكون محاولات الراقع تحدث ردود أفعال تسبب مقاومة ورفضا لكل المشروع.

وتعتبر نظرية الشيخ النائيني اليوم من النظريات الهامة في أبعادها، والتي تحاكي الواقع وتحل أغلب إشكالياته، بل هي حائط صد مقاوم في وجه مشروع تفتيت الدولة الإسلامية القائمة، وحامية للتجربة الإسلامية الرائدة، وممهدة لها، كونها تمهد لرفع وعي الناس، ويرفع منسوب مقبوليتهم للمشاريع الكبرى التي تحتاج تمهيد وإزالة عوائق، وتدمج الشيعة في أوطانهم وترفع عن كاهلهم التمييز والظلم، وتمكنهم من المشاركة الفعالة في جسد المنطقة بعيدا عن التهميش والتعطيل، والرصد والملاحقة، واستخدامهم كأداة أو كورقة في سبيل الضغط على مشروع الدولة الإسلامية ومحورها المقاوم المواجه لمشاريع الاستعمار والاستعباد.

“وقد مارس السيد السيستاني المرجع الديني في العراق نظرية إرادة الأمة وهي النظرية التي تبنتها المرجعية العليا في النجف الأشرف، والتي يمكن قراءتها كنظرية من خلال ثمايا البحوث الفقهية والأصولية والفتاوى التي تعالج الوضع السياسي وخاصة الوضع العراقي بعد سقوط النظام الديكتاتوري عام ٢٠٠٣م.[43] وهي ناظرة لتحقيق المصالح العليا والحفاظ عليها وأهمها العدل والمساواة والحفاظ على الهوية الدينية، وضمان حقوق الأقليات.

وهذه النظرية تقول بالولاية العامة ليست المطلقة حيث أنها تمسك عصا الولاية من المنتصف، ومحلها الولاية العامة التي تكون بين المطلقة وبين الأمور الحسبية في أدنى درجاتها، فالولاية العامة تميز بين الولاية العامة والولاية في الأمور العامة.

فالأولى تثبت في المواضيع التي لا يتوقف علها حفظ النظام، بل تكون أحكاما أولية قائمة على أساس المصالح والمفاسد في ذوات الأشياء، ويلحظها الشارع المقدس ويصدر حكمه فيها ويكون طريق إيجادها بالرجوع إلى الولي، بينما الثانية توجب تدخل الفقيه المنتخب من قبل الفقهاء وبحسب تصديه في تلك الأمور التي يتوقف عليها حفظ النظام العام من باب الأحكام الولائية [44].

وكون أن السيد السيستاني تعاطى مع الواقع العراقي مشخصا موضوعه بعنوان مختلف، فأصبح الحكم في تشخيص الطريقة الأمثل لحكم العراق مختلفا أيضا على ضوء اختلاف مكونات الموضوع، وعدم إحراز أهم شرط وهو مقبولية الشعب لوجود أعراق مختلفة وأديان كذلك مختلفة قد لا تقبل بسلطة الولي الفقيه، فيصبح غير مبسوط اليد. فمارس السيد السيستاني سلطته كفقيه بالطريقة التي وجدها تناسب العراق ومعطياته الخاصة. و

هذا ما يفترض أن ينطبق على دول الخليج والدول التي لا تتوافر فيها شروط حكومة ولاية الفقيه.

الهوامش

[1] تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- تفسير سورة النمل آية ١٥
[2] ينظر الشافي في الإمامة للسيد المرتضى: ١/١٠-ـ ١٢ أجوبة المسائل الحاجبية للشيخ المفيد:٨٩
[3] نظريات الدولة الحديثة، علي المؤمن ؛ كتاب المنهاج؛٣٤٢
[4] تنبيه الأمة وتنزيه الملة للميرزا النائيني: ٣١٣
[5] الفصل الأول / ص ٢٣/ محمود حيدر / المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية /العتبة العباسية المقدسة /سلسلة مصطلحات معاصرة.
[6]النظرية السياسية عند محمد باقر الصدر مركز دراسات فلسفة الدين/ بغداد / ص ١٢٣/د.طالب الحمداني/
[7] مصدر سابق ص ١٢٤
[8] مصدر سابق ص ١٢٥
[9] مصدر سابق ص ١٣٧
[10] مصدر سابق ١٣٢
[11] ابن خلدون – المقدمة ص ٣٣
[12] المقدمة، المرجع السابق، ص 37 ./التفسير الاجتماعي للتاريخ في ضوء نظريتي ابن خلدون والنظرية العالمية الثالثة (دراسة مقارنة) – منال موسى محمد عثمان
[13] تنبيه الأمة وتنزيه الملة الشيخ محمد حسين النائيني مراجعة وتقديم د.عبد الجبار الرفاعي ص ١٧
[14] الشريف المرتضي،علي بن الحسين،الشافي في الإمامة، تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب،طهران : ط ١٤١٠ ج١،ص ١١٢
[15] مفهوم الدولة في مدرسة النجف / سياقات المفهوم وتحولاته في التاريخ القريب من الشيخ النائيني إلى السيد السيستاني / دراسة ل د.عبد الجبار الرفاعي
[16] تنبيه الأمة وتنزيه الملة
/ الشيخ محمد حسين النائيني مراجعة وتقديم د. عبد الجبار الرفاعي ترجمة مشتاق الحلو / ط الأولى ٢٠١٤ مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد، بتصرف.
[17] مصدر سابق ص ٥٧
[18] تاريخ استقرار مشروطيت در إيران- حسن معاصر- طهران : انتشارات ابن سينا، ١٣٥٣ ش، ص ٤٤ ٤٥
[19] “تاريخ استقرار مشروطيت در إيران- حسن معاصر- طهران : انتشارات ابن سينا، ١٣٥٣ ش، ص ٤٤ ٤٥
[20] علماء وانقلاب مشروطيت ايران، لطف الله آجداني، ط ١،طهران: اختران، ١٣٨٣ ش
[21] مصدر سابق ص ٨٩
[22] المصدر تنبيه الأمة وتنزيه الملة
– مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد- دار التنوير للطباعة والنشر- الطبعة الأولى ٢٠١٤ – ترجمة مشتاق الحلو- مراجعة وتقديم: د. عبد الجبار الرفاعي.
[23] مصدر سابق بتصرف ص ٨٣.
[24] مصدر سابق بتصرف ص ٨٦ – ٨٧ – ٨٨ .
[25] مصدر سابق ص١٠٣
[26] مصدر سابق ص ١٠٥
[27] مصدر سابق ص ١١٠ بتصرف
[28] للمزيد من المراجعة مصدر سابق ص ١١٥-١١٦.
[29] مصدر سابق ص ١١٨
[30] مصدر سابق ص ١٢٠
[31] مصدر سابق بتصرف ص ١٢٥ – ١٢٦
[32] مصدر سابق ص ١٢٩.
[33] مصدر سابق بتصرف ص ١٣٠ – ١٣١.
[34] للمزيد من التفصيل راجع مصدر سابق ص 135-136-137
[35] للمزيد راجع مصدر سابق ص ١٤٣- ١٤٤- ١٤٥
[36] للمزيد من التفصيل مراجعة : مصدر سابق ص ١٤٥ – ١٤٦- ١٤٧ – ١٤٨.
[37] مصدر سابق ص ١٤٨ – ١٤٩.
[38] للمزيد راجع : مصدر سابق ص ١٤٩ – ١٥٠ – ١٥١ – ١٥٢
[39] للمزيد راجع مصدر سابق ١٥٧ – ١٥٨
[40] للمزيد من الشرح : مصدر سابق ص ١٥٩ – ١٦٠ – ١٦١ – ١٦٢ – ١٦٣
[41] للمزيد من الشرح : مصدر سابق من ص ١٦٤ إلى ص ١٧٤
[42] ومضات – الحوزة والمرجعية ص ٤٥٢ – إعداد وتحقيق لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر قدس سره.
[43] مشروعية البرلمانات في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة ـ الشيخ حيدر السهلاوي ـ ص ١٣ ـ مجلة دراسات علمية (٣ـ٢)
[44] مصدر سابق ص ١٤

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky