الإمام المهدي

المهدوية ومنهج الإشكال العلمي .. الشيخ ابراهيم جواد

عبر قرون متمادية، طرحت الفرق المخالفة للتشيع إشكالات كثيرة على الاعتقاد بالإمام الثاني عشر، ولا ينبغي أن يكون كم الإشكالات مفاجئاً للناظر، فالمسألة ليست بالكمّ، وإنما في الكيف ومدى ملاءمة المنهج العلمي الذي تنبسط من خلاله وتتفرع منه.

الاجتهاد: البديهي أن ليس كل هذه الإشكالات على ذات النسق من الجديّة والاهتمام، فالتساؤلات حول الأصل العقلي للإمامة أو الامتداد التاريخي لهذا الاعتقاد ربما تكون تساؤلات جادة، ولكن أن يتناول مسلمٌ مسألة طول عمر الإمام كإشكالٍ جاد فهنا تبدو العبثيّة في أجلى صورها، أو أن ينظر الباحث إلى الواقع ثم يحاول تصوير الفكرة المخالفة على أنها منقوضة به دون وجود دليل يرجّح، فهذا عبث أيضاً، ومنه ينكشف أن هذا المتكلم لا يملك سوى الادعاء وهو سهل! صناعة الإشكال ينبغي أن تكون منطلقة من الأصل العلمي المحكَم، لا بممارسة العبث وفرض استحسانات ظنية،

فعلى سبيل المثال:
إن فكرة «المُخَلِّص» موجودة في الأديان السابقة. فهنا تجد العبثي يطرح إشكالاً استحسانياً وهو أن فكرة المهدي مجرد إرث من خرافات الحضارات السابقة. هل ترى هذا دليلاً؟! هل مجرد توغل الفكرة في التاريخ البشري يلازم كونها خرافة؟!
ولنفترض أن فكرة «المُخَلِّص» لم توجد من قبل، فهنا بنفس الرؤية الاستحسانية سيطرح إشكالاً: هل من المعقول أن مشروعاً إلهياً يمثل نعمة للبشرية وأوج السعادة الإنسانية لا يبشر الله به في كتبه السماوية كما بشّر بنبوة خاتم الأنبياء؟

فالمسألة عند أهل الاستحسان مجرد تقليب للكلام لا أكثر، ولا تستند إلى أصل برهاني يكون مائزاً بين الحق والباطل.

ومثال آخر: تعليل بعض المشككين بأن فكرة المهدوية نتجت عن الظلم الواقع على الشيعة، فإن هذا الاستدلال لا ينتج أمراً واقعياً ملموساً، فهو مجرد ربط ذهني لا أكثر، نظير شبهة الملحدين بأن فكرة الإله نتجت لخوف الإنسان من الطبيعة!
ومع ذلك يمكن أن يقال أيضاً: لعلم الله بأن الظلم سيعم الأرض، قضى الله بأن يكون إمام يملأ الأرض عدلاً، أليس هذا الاحتمال وجيهاً؟!…

وهكذا، ينبغي علينا أن نفرّق بين الإشكال الاستحساني الذي يتعامل مع الوقائع كما لو أنها قطعة من الطين، يتصرف بها كيف يشاء، ثم يفترض أنها دليل حاسم، وبين الأدلة والبراهين الناتجة عن أصول علمية محضة.
إن الاعتقاد بالإمام المهدي أمرٌ ضارب بجذوره قبل ولادته، حيث كان متوغلاً في عمق الفكر الإمامي، وهذا ما سنذكر تفاصيل بيانه فيما يلي خلال الأيام المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky