رسالتنا هي الوحدة، التقرب من الله والرسول الأكرم، أن تكون ثقافة أهل البيت دأبهم. قال الرسول الأكرم “إني تاركم فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي” وقد ورد في رواية أخرى “كتاب الله وسنّتي”. أدعو أن يكون أساس الثقافة عندنا قريباً من ثقافة أهل البيت عليهم السلام، لا أن تتسلل إلينا ثقافات أخرى. عندما يكون الأساس هو التمسك بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وثقافة أهل البيت عليهم السلام، حينها يمكننا النجاة.
الاجتهاد: نقلاً عن قناة الميادين: تطرقت الباحثة و المقدمة في قناة الميادين زينب الصفار في برنامجها الحواري “من الداخل” وضع أهل السنّة في إيران ومكانتهم قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية والخِدمات التي قدمَها لهم النظامُ الإسلامي ولا سيما في محافظة گلستان في حوار مع ” الشيخ عبد الرزاق رهبر ” إمامِ صلاةِ الجُمُعة وإمامِ أهلِ السُنّة من التركمان، حيث أعطى لمحة عن المسلمين السنّة التركمان ومكانتهم في إيران على وجه الخصوص في تلك المحافظة.
ثقافة رسول الله الأكرم قائمة على الأخوّة والاتحاد
الشيخ عبد الرزاق رهبر: منطقتنا هي “تركمن صحراء آق قلا”. بحمد الله هناك وحدة بين أبناء الشعب التركماني. العلاقة جيدة بين “جرجان” مركز عاصمة محافظة كلستان وهناك علاقة وثيقة بين الشيعة والسنّة، وحتى قبل الثورة الإسلامية كانت لديهم علاقات أخوية. كانوا يتبادلون التجارة والزراعة،
نحن لا نؤمن بالاختلافات بناء على القومية لأن الرسول الأكرم قال: لا فرق بين عربي وأعجمي وأسود وأبيض إلا بالتقوى. “إن هذه أمتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاتّقون”. علينا الاستناد إلى ثقافة رسول الله الأكرم لتكوين نظرة عن العلاقات بين القوميات المختلفة، وقد أكّد القرآن هذا الأمر مرات عديدة. ثقافة رسول الله الأكرم قائمة على الأخوّة والاتحاد، فسلمان الفارسي كان فارسيا من شيراز، وقال الرسول الأكرم بحقة “سلمان منا أهل البيت”، أو صهيب الرومي الذي كان رومياً لكن نظراً لإيمانه واعتقاده بالوحدة قال بحقه “صهيب منا أهل البيت”، وأيضاً بلال الحبشي الذي كان من الحبشة لكن إيمانه كان قوياً فقال بحقه “بلال منا”. لا نعتبر أن هناك أي تمييز بالنسبة إلى العلاقة بين القوميات المختلفة في إيران وخصوصاً في منطقتنا، ولا ننظر إلى أحد على أنه شيعي او سنّي أو عربي أو أعجمي أو من البلوش.
قائد الثورة مرجع وإمام ويدافع عن كل القوميات ويدعو إلى الوحدة.
زينب الصفار: سماحتك، ما تتحدث عنه تحديداً، نريد منك توضيحه فعلياً، لأن كل ما نقرأ عنه في رواية وسائل الإعلام يحاول رسم صورة نختلفة لأهل السنّة في إيران وعن معاناتهم كونهم يعيشون في أزمة داخل البلاد، وفي أنهم لا يمارسون طقوسهم أو ديانتهم أو خصائصهم الطائفية كما ينبغي، وأن مساجدهم مخرّبة وهناك سياسة لتدمير مساجدهم وجوامعهم في أماكن معيّنة، وليس لديهم جامع في طهران، والكثير من المشاكل التي يقولون بأن السنّة يعانون منها في إيران. هلا حدّثتنا عن بعض التحديات الرئيسية التي تواجه أهل السنة في إيران؟
الشيخ عبد الرزاق رهبر: في رأينا ليس هناك أي تحدّ، فأنا إمام جمعة وأدرّس في الحوزة والجامعة، وأنا ممثل المرحوم آية الله هاشمي في جامعات آزاد في المحافظة، ونظرتنا تتبع لنظرة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
قلّما نجد إماماً أو قائداً يدافع عن أهل السنّة كما يفعل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. منذ فترة أصدر فتوى بتخوين كل من يتطاول على أمهات المؤمنين وخصوصاً السيدة عائشة. قبل الثورة جمعتني علاقة خاصة به عندما كنت أرتاد مسجد الكرامة، لديه ثقافة عميقة عن الوحدة. قبل الثورة كان يترجم كتب حسن البنّا، وكلما ذكر اسم الخلفاء الراشدين كان يقول “رضي الله عنهم” وهذه العبارة يراد منها تعظيم شخص ما.
في كل القوميات هناك من يستخدم الخطاب القائم على العصبيات القومية، لكن يبقى الأساس هو كلام المرشد الأعلى للثورة، فهو مرجع وإمام وقائد ودائماً يدافع عن كل القوميات ويدعو إلى الوحدة. هذه أيضاً كانت ثقافة الإمام الراحل، وأسبوع الوحدة كان من صنع الإمام، ثم تابع طريقه خلَفه الصالح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي يدعو فيه شخصيات من كل دول العالم إلى هنا للمشاركة فيه وليقدّموا آراءهم حول ما يمكن أن يقرّبنا أكثر من الوحدة.
بعض الخطباء يحبون أهل البيت عليهم السلام. أهل البيت عليهم السلام والقرآن الكريم يمثّلان محوراً جيداً للوحدة، ونذكر حديث الرسول الأكرم “علموا أولادكم ثلاثة خصال حب القرآن وحب النبي (ص) وحب أهل بيت النبي”.
في رأيي ليس في منطقتنا أي تشدد أو حتى كلام عن التمييز بين الشعية والسنة. في أماكن غير إيران نحد تمييزاً بين المذهبين. بالنسبة إليّ، أنا صديق مع كثير من العلماء الإيرانيين منذ ما قبل الثورة، فكنت على تواصل مع الشهيد بهشتي قبل الثورة وقد كان واحداً من أركان النظام، أو المرشد الأعلى للثورة الذي أعرفه منذ كان في مشهد في مسجد الكرامة، حتى المرحوم آية الله هاشمي كنت على تواصل معه قبل الثورة.
في علاقة الصداقة والحب والأخوّة ليس هنالك تمييز بين المذاهب، وبحال ميّزنا سيكون لدينا خلل في إيماننا كما قال الرسول الأكرم “قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد عصم نفسه وعرضه وماله”. إخواننا وأخواتنا الشيعة كما السنّة يقولون “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. كل ما يُطرح غير ذلك هو مجرد مواضيع هامشية، لكن الأساس هو أننا جميعاً إخوة.
أطراف خارجية تحاولون بث الخلافات والفرقة
زينب الصفار: لكن سماحتك، ماذا عن التحديات الخارجية؟ أعني بلداناً مسلمة سنيّة أخرى والتوترات الحاصلة ما بينها وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، كيف يؤثر هذا بشكل سلبي على أهل السنّة داخل إيران؟
الشيخ عبد الرزاق رهبر: هؤلاء يعانون من مرض نفسي ويملأهم الحسد ويحاولون بث الخلافات والفرقة. طبعاً هم يتبعون لأطراف خارجية. الناس في إيران وخاصة سلالة السادة أي سلالة أهل البيت عليهم السلام، لا يميزون بين أبناء المذاهب ونظرتهم إيجابية بالنسبة إلى وحدة إيران. أحياناً يسافرون إلى هنا ويعاينون حالة الوحدة والأخوّة الموجودة. أحياناً اوجّه دعوة لإخواننا أو أخواتنا كي يأتوا إلى منطقتنا ويعاينوا الوضع عن كثب ويلاحظوا الوحدة الموجودة.
لدينا سيّد في منطقتنا، كان سابقاً ممثل الإمام وهو الآن ممثل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، في بعض الأحيان يدافع عن أهل السنّة أكثر مما يدافع عن الشيعة، ويريد للعالم أن يفهم رسالته وهي أن الشيعة والسنّة أصدقاء، ألم السنّة هو ألم السنّة وفرح السنّة هو فرح الشيعة. هذا تعبير عن ثقافة الرسول الأكرم، وتصرّف آية الله مفيدي قريب جداً من تصرف المرشد الأعلى للثورة. ممثلو المرشد الأعلى للثورة يفعلون مثلما كان يفعل الإمام.
هناك بعض التوجهات المتحدرة بين أهل السنّة ولا يمكننا إنكارها، أيضاً نجدها بين الشيعة، لكن الرسول الأكرم عارض هذا التعصب والتفكير المتحجر “ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من مات على عصبية وليس منا من قاتل على عصبية”.
زينب الصفار: اسمح لي بأن أطرح عليك سؤالاً محرجاً. علماً أنك تتكلم عن محاولة تفادي نوع معين من التعصب الديني إن صح التعبير، كيف تعرّف نفسك؟ هل تعرّف عن نفسك كمسلم سنّي أم كتركماني أم كإيراني؟ أيهم يحتل المكانة الأولى؟
الشيخ عبد الرزاق رهبر: أنا من ناحية النسب تركماني، هذه الصفات هي فقط للتعريف عن الشخص. “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عن الله أتقاكم”. عندما اقول إني تركماني أو سنّي فذلك للتعريف فقط، لكن الأساس هو أن “أكرمكم عن الله أتقاكم”. السنّي التقي عزيز عنذ الله والشيعي التقي هو الأكرم عند الله، لكن عندما نميز ونقول هذا شيعي وذاك سنّي فذلك للتعريف فقط، المحورية هي التقوى “إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون”، هذه الآية الكريمة تؤكد كلامي.
الوحدة خط أحمر وكل من يتجاوزها ليس من الشيعة ولا من السنّة
زينب الصفار: أحد قادة أهل السنّة من الكرد المعروفين في إيران يرى أن الالتزام مع المرشد الأعلى هو الطريقة الوحيدة لتقوية وحدة المسلمين وأمنهم في العالم. الشيخ عبد الرزاق رهبر، إمام صلاة الجمعة وإمام أهل السنّة من التركمان في محافظة كلستان شمال شرق البلاد، لماذا يعتقد أن الأمر على هذا النحو؟
الشيخ عبد الرزاق رهبر: اتباع أولي الأمر موجود في العقائد النَسَفيّة “من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية”، فهذا موجود في كتب عقائد أهل السنّة، وبحسب النسفي، لا بد على الناس من إمام لقهر المتغلبة والمتلصصة وإقامة الجمعة والأعياد. أولي الأمر أو الإمام العادل في أي دولة يجب أن يكون مجتهداً.
أجد الآن المرشد الأعلى للثورة الإمام الأكثر خبرة لأنه اختبر رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى إضافة إلى العيش مع أهل السنّة. قبل الثورة جرى نفيه إلى منطقة سيستان وبلوشستان السنيّة. يحظى أهل السنّة باحترامه. في خطابه في كلستان منذ عدة سنوات، اعتبر الوحدة خطاً أحمر وكل من يتجاوزها ليس من الشيعة ولا من السنّة. إذاً، لو كان هذا القائد يعطي القومية أولوية لكان الإنسان ليشك بأهليته للقيادة. لكن بحمد الله، المرشد الأعلى للثورة يدافع باستمرار عن الوحدة.
زينب الصفار: لماذا هناك نوع من الصورة المشوهة لأهل السنّة ومكانتهم داخل إيران، عندما يؤول الأمر إلى الرأي العام العربي ووسائل الإعلام العربية وكذلك في الغرب؟ كما أنهم يحاولون رفع قضية وجود انتهاك لحقوق الإنسان وأنه ليس باستطاعتهم ممارسة ما يريدونه داخل إيران.
الشيخ عبد الرزاق رهبر: هذا مجرد كلام فارغ سطحي. حقيقة الأمر هي أن نظرة أهل السنّة قائمة على الوحدة والمحبة. ثقافتنا أيضاً هي ثقافة رسول الله الأكرم، وقال الله في القرآن الكريم “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلا الله”، وهنا يتضح أن الإخوان السنّة والشيعة يعبدون إلهاً واحداً وقرآنهم واحد وصلاتهم واحدة وصيامهم كذلك. لكن بالنسبة إلى الاجتهادات فالاختلاف موجود حتى بين أهل السنّة أنفسهم.
نجد المذهب الحنفي لديه رأي في موضوع فقهي ما، والشافعي لديه رأي والمالكي أيضاً إضافة إلى أحمد بن حنبل، لكن هذا الاختلاف في الاجتهادات هو رحمة. نجد موضوعاً فقهياً لا يجوز حسب المذهب الشافعي ويجوز بحسب الحنفي، أو غير جائز في المالكي. نجد مثل هذه الاختلافات في العبادات لكن يبقى الأصل هو الوصول إلى الله، والوصول إلى الله يعتبر مقبولاً بغض النظر عن الطريق الذي يسلكه من يريد ذلك. في القرآن الكريم لم يذكر إن كان المقصود بأكرمكم الشيعي أم السنّي. كل من يتحلى بالفتوى ويتمسك بالتقوى للوصول إلى الله سيقبل عمله مهما اختار من مسير لذلك، وشعار الرسول الأكرم هو “قولوا لا إله إلا الله تفلحوا”.
المساجد للجميع
زينب الصفار: لكن في هذا المنحى ألا تعتقد أن كل إنسان سنّي يمكنه أن يصلي في مسجد للشيعة، وكل مسلم شيعي يمكنه أن يصلي في مسجد سنّي، وما من مشكلة على الإطلاق؟ لا تكمن القضية في العدد المتزايد للمساجد إنما القضية هي الأعداد المتزايدة من هؤلاء…
الشيخ عبد الرزاق رهبر: عندما نذهب إلى طهران، بمجرد أن يحين وقت الصلاة نذهب إلى أي مسجد قريب، حتى عندما نذهب إلى شيراز وأصفهان نصلي في أي مسجد كان. حتى إخواننا الشيعة وخصوصاً في أيام النوروز والأيام التي يأتون فيها إلى “تركمن صحراء” والمنطقة الحدودية، تكون أبواب مساجدنا مفتوحة لهم، كذلك يفعل أهل شيراز وأصفهان. يكفي أن يرى أي شخص من أي مذهب منارة المسجد حتى يتوضأ ويصلي فيه، ونحن أيضاً نفعل الأمر ذاته.
زينب الصفار: بالتالي فإن الهدف النهائي يكمن في إقامة الصلاة وليس في المكان الذي تؤدى فيه الصلاة.
الشيخ عبد الرزاق رهبر: إن المساجد لله، أي المسجد هو ملك لله. عندما نبني أي مسجد لا نقول إنه مسجد شيعي أو سنّي. أحياناً يقال إن هذا المسجد شافعي وذلك حنفي، لكن يبقى الأساس هو كونه مسجداً وما هذه الصفات إلا للتعريف عنه.
زينب الصفار: اسمح لي أن أطرح عليك سؤالاً متعلقاً على نحو خاص بالفئة التركمانية. هل تمتلكون الحق في محافظاتكم أو حيث يعيش التركمان في أن تعلّموا اللغة التركمانية لأطفالكم في المراحل التعليمية المختلفة؟
الشيخ عبد الرزاق رهبر: لا مشكلة في ذلك أبدا. نحن نعلّم اللغة التركمانية إضافة إلى الأدب التركماني. كل ذلك نعلّمه في منطقة “تركمن صحراء”.
زينب الصفار: إذاً لديكم الحق في التكلم بلغتكم الخاصة واستخدامها، ولديكم الحق في التعبد بلغتكم الخاصة.
الشيخ عبد الرزاق رهبر: صحيح. أساساً لدينا مدرسة دينية. فقبل أن يلتحق أحد بالمدرسة التعليمية وقبل بلوغ السن، يرتاد مدرسة دينية تركمانية ويتعلم الصلاة بالتركمانية، حتى إن كل العبادات نعلّمها باللغة التركمانية. الآن هناك بعض التركمان الذين لا يجيدون الفارسية، لكنهم الحمد لله ملمّون بصلاتهم وعباداتهم وهؤلاء لا يجيدون الفارسية.
زينب الصفار: اسمح لي بأن أطرح عليك سؤالي الأخير المتعلق برسالتك للمسلمين داخل إيران، وللمسلمين في المنطقة وعبر الأمّة الإسلامية؟
الشيخ عبد الرزاق رهبر: رسالتنا هي الوحدة، التقرب من الله والرسول الأكرم، أن تكون ثقافة أهل البيت دأبهم. قال الرسول الأكرم “إني تاركم فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي” وقد ورد في رواية أخرى “كتاب الله وسنّتي”. أدعو أن يكون أساس الثقافة عندنا قريباً من ثقافة أهل البيت عليهم السلام، لا أن تتسلل إلينا ثقافات أخرى. عندما يكون الأساس هو التمسك بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وثقافة أهل البيت عليهم السلام، حينها يمكننا النجاة وهذا ما أوصانا به الرسول الأكرم “علموا أولادكم ثلاثة خصال حب القرآن وحب النبي وحب آل بيت النبي”. هذه تجسد المحورية وطوق النجاة الذي ينقذ الإنسان.
المصدر : قناة الميادين – لقراءة الحوار في قناة الميادين ( هنا )