والمراد منه الإشارة الى ما هو مدرك الإجماع المحصّل ، والمدرك المشار اليه هو قاعدة اللطف.
وهذا المبنى لا يفترض دخول المعصوم عليهالسلام في إطار المجمعين ، وانّما يستكشف وبواسطة العقل العملي قبول المعصوم لمعقد الإجماع ، فهذا هو ما يستوجب حجيته.
وهذا المبنى قد تبنّاه جمع من الأعلام المتقدمين والمتأخرين وعلى رأسهم الشيخ الطوسي رحمهالله والمحقق الداماد رحمهالله وشريف العلماء رحمهالله وغيرهم.
وحاصل هذا المبنى هو انّ اتفاق الطائفة على أمر لا يخلو حاله عن أحد احتمالين :
الاحتمال الاول : ان يكون ما اتفق عليه متطابقا مع الواقع وهذا يعني قبول الامام عليهالسلام لمورد الاتفاق.
الاحتمال الثاني : ان يكون ما اتفق متنافيا مع الواقع ، وهنا لا بدّ وان يتصدى المعصوم عليهالسلام لبيان الواقع أولا أقل يحدث ما يوجب نقض الاتفاق الواقع بينهم ، حتى لا يستوجب اتفاقهم الاجماع على الباطل.
ومنشأ دعوى اللابدّية هي قاعدة اللّطف المستفادة بواسطة العقل العملي ، والتي تعني انّ من حق العبد على مولاه بمقتضى عدالته إرشاده الى ما هو مقرّب منه تعالى وعدم ايقاعه في الضلال والغواية ولو باهمال هدايته ، فإنّ من المستقبح عقلا ترك الناس في ضلالتهم وغوايتهم ، وهذا ما تنزّه عنه ساحة المولى جلّ وعلا.
ومن هنا وجب على الله تعالى بعث الرسل وانزال الكتب ونصب الاولياء المرشدين وذلك لهداية الناس وإيقافهم على جادة الحق ، وبهذا وجب على المعصوم عليهالسلام وبحكم وظيفته ان يردع الناس عن الباطل ، فمتى ما اتفقت آراؤهم على باطل فإن مقتضى ما ذكرناه هو لزوم تنبيههم ومع عدم التنبيه يستكشف انّ ما اتفقوا عليه موافق للحق وإلا لزم نفي العدالة عن الله جلّ وعلا ، وذلك إما لانّه تعالى لم يجعل لهم مرشدا هاديا أو انّه جعل لهم مرشدا غير معصوم ، وكلاهما منفيان بقاعدة اللطف والتي تستوجب ان يجعل الله تعالى للعباد علما هاديا معصوما لا يتوانى ولا يتلكأ عن بيان الحق كما لا يخفى عليه ما هو الحق.
وبما بيناه يتضح انّ قاعدة اللطف هي المنشأ لدعوى حجية الإجماع المحصّل عند أصحاب هذا المسلك ، ويتضح أيضا انّ قاعدة اللطف ـ لو تمت ـ فهي من مدركات العقل العملي ، اذ انّها تعبير آخر عما يدركه من استحقاق العبد للإرشاد والهداية وقبح ايقاعه في الضلالة ولو باهمال هدايته.