الخطاب الديني

تجديد الخطاب الديني : الاجتهاد نموذجاً

الاجتهاد: سينصب اهتمامنا في هذه الورقة، أولا، على تحديد التمايز الحاصل بين الدين بصفته مصدرا والخطابُ الديني بصفته تمظهرا، ثم نقف على تحديد مفهوم التجديد وآلياته، بعد ذلك نعرف الاجتهاد ودوره في التجديد، ونتخذ كتاب “نقد الخطاب الديني ” لكاتبه د. نصر حامد أبوزيد نموذجا لتجديد مفهوم الاجتهاد ورد د. محمد اعمارة عليه. لنخلص إلى خاتمة نذيل بها الورقة بأهم الاستنتاجات.

يَعرف العالم الإسلامي اليوم العديد من القضايا الجديدة التي تحتاج إلى بلورة خطاب ديني جديد، يعي مقتضياتها وانعكاساتها ودورها في الواقع الإسلامي، لأن لكل عصر ميزاته في إشكالياته وحلوله أيضا، ومتلقيه الذين يتسمون بطابع التغير تبعا لتغيرات العصر، ولا يصح علميا وعمليا استدعاء الحلول الماضية الجاهزة لمعالجة المستجدات الحاضرة دون إعمال فكر وتوجيه إصلاح، إذ أحيطت الإشكاليات المعاصرة بهالة من التنوع والتعقيد، التي لا يصلح معها استعارة جاهزيات الآخرين مع وجود إمكانيات الانتفاع من تلك الحلول على سبيل الاستئناس والمعرفة بالشيء.[1]

ويعد الخطاب الديني خطابا متميزا عن الخطاب العادي، يحضر بقوة في كل العصور وفي كل الميادين، لما له من قوة تأثيرية وإقناعية تجعل العقول تذعن والقلوب تسلم، وما يميزه عن باقي أنواع الخطابات موضوعه الذي هو الدين و مرسله الذي يمتلك سلطة وثقافة دينية.

وينطلق الخطاب الديني الإسلامي من أسس محددة تحديدا صارما، وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس، وهي المصادر الأربعة التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية، وينتج عنها كل فكر إسلامي، وهذه الأسس ترتبط بعضها ببعض، إلى حد عدم الانفصال.[2]

هنا يطرح إشكال أساس يفرض نفسه بشدة، خصوصا وأن العصر الحديث الذي نعيش فيه يعرف تغيرات شتى ومستجدات عدة، إنه إشكال التجديد، هل هو تجديد في أصول الدين أم تجديد في الخطاب الديني الذي يمتح من النص، وهو ما يدفع بشدة إلى تناول موضوع الاجتهاد في هذا العصر.

ومن خلال الاطلاع على المصادر التي تناولت الدين وقضاياه، يتضح أن الاجتهاد هو المنفذ الوحيد الذي يسمح للخطاب الديني بالتجدد من خلال ما يسمح به النص وما وضعه علم أصول الفقه من حدود وآليات.

سينصب اهتمامنا في هذه الورقة، أولا، على تحديد التمايز الحاصل بين الدين بصفته مصدرا والخطاب الديني بصفته تمظهرا، ثم نقف على تحديد مفهوم التجديد وآلياته، بعد ذلك نعرف الاجتهاد ودوره في التجديد، ونتخذ كتاب “نقد الخطاب الديني ” لكاتبه د. نصر حامد أبوزيد نموذجا لتجديد مفهوم الاجتهاد ورد د. محمد اعمارة عليه. لنخلص إلى خاتمة نذيل بها الورقة بأهم الاستنتاجات.

بقلم : لبنى الرامي – مولاي مروان العلوي – فؤاد عاقل

1- النص الديني والخطاب الديني :

النص هو كل ما ثبت وروده عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو فوق المحاسبة والاتهام، ويعتبر أصلا لا يمكن المساس به، فهو نص مقدس معجز صالح لكل زمان ومكان، مرتبط بالوحي، يأتي في مقدمة الأدلة الشرعية والحجج الدينية التي لا يمكن دحضها والمنزهة عن كل تحريف وشبهة. لهذا يشكل النص الديني الشكل الثابت الذي يمثل أساس الدين وكنهه.

فالأصل أن كل ما شرع الله ورسوله فهو باق وثابت لا يتغير سواء كان متعلقا بالعقائد أو بالعبادات أو بالمعاملات أو بالأخلاق.
أما الخطاب الديني هو الخطاب الذي ينطلق من الرؤية الدينية مرجعا، لذلك فهو ما يستبطنه ويفهمه ويفسره الفقهاء والعلماء من النص الديني أو مصادر الاجتهاد. وهو الواسطة بين الناس وبين القرآن والسنة والتي توضح الإسلام وما فيه من أحكام، فهو طريقة

ومنهاج في التفكير والتصور وفي التعبير عن الأفكار والتصورات.

من هذا المنطلق يتضح الفرق بين النص الديني والخطاب الديني رغم ما يمكن أن يمس المفهومين من التباس وخلط وغموض يجعلهما بمثابة الواحد، فما يميز الخطاب الديني هو معيار الثابت والمتغير ويحكم هذا التمايز كيفية فهمه واعتباره سواء من قبل منتج الخطاب أم من لدن متلقيه، فإذا أريد بالخطاب الديني الوحي (النصوص التشريعية)، وبهذا المفهوم فالتجديد محال والتغيير مرفوض، لأنه ثابت في نفسه وهو ما يضمن استمراريته وفعاليته. أما إذا أريد بالخطاب الديني الحديث عن الوحي والتعبير عنه فهما وتأويلا وشرحا، فهذا هو مبحث التجديد وكنهه ومجال التطور وميدانه.

وفي هذا الإطار يعتبر نصر حامد أبو زيد أنه أصبح في حكم الحقائق المسلم بصحتها أن الفكر البشري، أي فكر بما في ذلك الفكر الديني، نتاج طبيعي لمجمل الظروف التاريخية والحقائق الاجتماعية لعصره. فالفكر الإيجابي هو الذي يتصدى لحقائق العصر الذي ينتمي إليه للتحليل والتفسير والتقويم، ويسعى إلى الكشف عن عناصر التقدم ومساندتها، وعزل عناصر التخلف ومحاربتها.

والفكر الذي يكتفي بتبرير الواقع والدفاع عنه، إنما ينتمي إلى مجال الفكر على سبيل المجاز لا الحقيقة، إن الفكر في جوهره وحقيقته حركة لاكتشاف المجهول انطلاقا من آفاق المعلوم.

وليس الفكر بمعزل عن القوانين الذي تحكم حركة الفكر البشري عموما، ذلك أنه لا يكتسب من موضوعه-الدين- قداسته وإطلاقه. وحتى لا نقع في المغالطات، لا بد من التمييز والفصل بين الدين والفكر الديني، فالدين هو مجموعة النصوص المقدسة الثابتة تاريخيا، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها.

ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات من عصر إلى عصر، بل ومن الطبيعي أيضا أن تختلف من بيئة-واقع اجتماعي تاريخي جغرافي عرقي محدد-إلى بيئة في إطار بعينه، وأن تتعدد الاجتهادات بنفس القدر من مفكر إلى مفكر داخل البيئة المعينة.

2- التجديد:

إن معنى التجديد قريب من معنى التطور. لذا، ينبغي التعريف به وبيان وجه استعماله. التجديد –في اللغة-: مصدر للفعل “جدد”. ومعنى التجديد: جعل الشيء جديدا أي غير معهود لدى الشخص؛ ولذلك وُصف الموت بالجديد.[3]

وهذا المصطلح وإن شاع استعماله في العصور المتأخرة لكثرة المنادين به وسعة مجالاته – فإن له جذورًا في التاريخ الإسلامي ترجع إلى مبدأ الرسالة، حيث ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:”جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله”[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”[5].

والتجديد، إذن، يبدو لازما من لوازم الإسلام من مجتمعات وأفرادا؛ ذلك أن المسلم مطالب بتجديد إيمانه بذكر جملة التوحيد “لا إله إلا الله” عن وعي كامل بمعانيها وعمل صادق بمقتضياتها. والمجتمع المسلم مأمور بتجديد إيمانه من كل ما علق به من أسباب الضعف والبلى والخضوع والانحراف.

إن فهم شريعة الإسلام يستوجب فهم نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية فهما صحيحا، وتدبرها وإعمال العقل فيها من خلال جهد منظم يكشف عن معانيها عندما تكون هذه النصوص محكمة ثابتة، ومن خلال الاجتهاد في الفروع وتطبيق الأصول على ما استجد من المسائل.

لقد تمثل التجديد خير تمثل في قدرة الفقه على الاستجابة للتحديات التي فرضها الواقع في المجتمع المسلم، عندما وظف أهل الاجتهاد كل طاقاتهم في البيئة التي أنشأتها عقيدتهم وفي ظل الثوابت التي أرستها شريعتهم.

لكن بعد عهود – من الجمود والتقليد – برزت – بين صفوف المسلمين –اتجاهات مختلفة للتجديد، لكل منها مفهوم خاص، يمكن إجمالها في ثلاثة اتجاهات:

1 – اتجاه اتخذ التجديد عنوانًا للتحلل من الإسلام بدعوته الصريحة إلى تجاوز الثوابت، وهذا ما يعرف بالتغريب.

2 – اتجاه اتخذ التجديد شعارًا لاجتهاد سائب متحلل من كل الضوابط ومتجاوز لكل الثوابت باستخدامه لطرق التأويل المخلة واصطدامه بالنصوص الصريحة. وهو وِإن اختلف عن سالفه – بعدم استبعاده للإسلام كليًة – فإنه جعل للشرع دورًا ثانويًا مقابل الواقع وحاجاته، حتى أضحت أحكام القرآن والسنة قابلًة للتأويل والتعطيل بذريعة استلهام روح الشريعة ومقاصدها.

3  – اتجاه ينطلق من أسس الإسلام وثوابته متبعًا طرق التأويل الصحيحة، وغير معطل للأحكام في محاولته بناء فقه جديد يجيب عن تحديات العصر ومشكلاته التي لا عهد للسابقين بها. والتجديد – بهذا المفهوم – إنما يبدأ بالتأصيل أي العودة إلى الأصول الإسلامية.

ولزيادة في توضيح ما نرمي إليه من خلال هذا العرض، لا بد من تحديد مفهوم الاجتهاد الذي يعتبر منفذا للتجديد ومسايرة العصر في إطار علم أصول الفقه

3- مبحث الاجتهاد في علم أصول الفقه:

قد عرف العالم الإسلامي في صدر الإسلام الحاجة إلى علم جديد يواكب متغيرات ذلك العصر، ويحد من التأويلات والأحكام ويقننها اعتمادا على أصول بعينها، تتمثل في القرآن والسنة، إذ يمنح النص القرآني مفاتيح اشتغال للعلماء المسلمين ويمدهم بالآليات التي تحفز العقل على التفكر والتدبر والتأمل، وتقليب الأمور على أوجهها حتى يتبين الحق، وتمنح السنة النبوية الصحيحة من فعل وقول وتقرير المنهج السليم الواجب اتباعه في استصدار الأحكام وفهم القرآن وتأويله، هنا دعت الحاجة إلى علم جديد يؤصل المعرفة الدينية ويمنح منهجا محددا يمكن من فهم الدين فهما سليما ويتيح تطبيقه تطبيقا صحيحا بعيدا عن كل المغالطات يتمثل في علم أصول الفقه، الذي يمنح منهجا للفقيه والمجتهد، يساير روح العصر ومتطلباته، ويواكب الواقع المعيش دون الإخلال بالأصول والخروج عن الحدود التي يسمح بها في الاجتهاد والتجديد.

لم يكن أصول الفقه علما مستقلا متميزا عن غيره من علوم الشريعة، ولكن قواعده العامة كانت موجودة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ شكله النهائي الذي يميزه عن سائر علوم الشريعة إلا في آخر القرن الثاني، فالأدلة الشرعية التي هي موضوع هذا العلم الرئيس كانت معروفة، والاستدلال بالكتاب والسنة والقياس كان حاصلا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلالة الكتاب والسنة كانت معروفة للصحابة-رضوان الله عليهم- بحكم معرفتهم بلغة العرب التي نزل بها القرآن وتكلم بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فبدأ التعصب لرأي الشيخ والإعجاب به يطغى على الإنصاف عند بعض الطلاب، ولم تكن ثمة قواعد يرجع إليها لوزن الآراء ومعرفة الراجح والمرجوح. وفي ذلك الحين كثر اختلاط العجم بالعرب، وضعف اللسان العربي، ودخل الوضع في الحديث لنصرة مذهب سياسي أو لتأييد رأي، وتصدر للرواية من لم يكن أهلا، واحتاج القرآن إلى تفسير وإيضاح، واحتاجت السنة إلى تمييز الصحيح منها عن الضعيف.

3-1 علم أصول الفقه:

1- تعريفه:

من هذا المنطلق، وفي هذا السياق التاريخي، بدأ التنظير والتأليف لعلم أصول الفقه الذي عرفه الرازي بأنه: “مجموع طرق الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد”[6].

وبهذا يعتمد علم أصول الفقه مجموع الطرق التي توصل إلى إدراك الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. وهي طرق إجمالية تُخرج طرق الفقه التفصيلية التي يُعد الاشتغال بها من عمل الفقيه. فبحث الأصولي لا يتعلق بآية من القرآن بخصوصها كيف تدل على ما دلت من أحكام، ولا حديث بعينه، ولا قياس بعينه، وإنما يبحث في حجية الكتاب وحجية السنة وحجية القياس، وهكذا.

فهو يبحث في عوارض تلك الأدلة وما توصف به من قوة أو ضعف وإحكام أو نسخ، وفي شروطها وترتيبها وكيفية الجمع بينها عند تعارضها في نظر من لم يتأملها جيدا. ويطرح هذا العلم طرق استفادة الأحكام من الأدلة والأمارات الموصلة إليها، ويبين كيفية حال المستفيد: المجتهد والمقلد، فالمجتهد يستفيد ويستخلص الحكم من الدليل أو الأمارة التي نصبها الشرع لتهدي إلى الحكم، والمقلد يستفيد الحكم من المجتهد بسؤاله عنه.

2- موضوعه :

يظهر من خلال تعريف الفخر الرازي أن علم أصول الفقه له ثلاث موضوعات رئيسة[7]:
• طرق الفقه على سبيل الإجمال، أي الأدلة القطعية والظنية،
• صفة الاستفادة منها، وهذا يشمل طرق الدلالة، وهو ما يعرف عند المتأخرين بطرق الاستنباط،
• صفة المجتهد والمقلد، وما يتبع ذلك من شروط الاجتهاد وأحكامه، وسبيل دفع التعارض والمرجحات، ومعنى التقليد وأحكامه.

3- فوائده:

تتمثل فوائد علم أصول الفقه وأهدافه في[8]:
• التفقه في الدين، ومعرفة ما للمكلف وما عليه من الحقوق والواجبات.
• معرفة الحكم الشرعي لكل ما يجدّ من الحوادث والوقائع التي لم يرد بخصوصها نص صريح ولا ظاهر بيّن.
• معرفة حكم الشريعة وأسرارها بالتأمل في علل الأحكام ومقاصدها ومعرفة المقاصد الشرعية الضرورية والحاجية.
• مواجهة خصوم الشريعة الإسلامية الذين يزعمون أن الشريعة لم تعد صالحة للتطبيق في هذا الزمن.
• حماية الفقيه من التناقض.

4- استمداد أصول الفقه:

يستمد علم أصول الفقه مادته مما يلي:
• القرآن والسنة النبوية، وهذان المصدران هما أساس العلوم الشرعية كلها،
• علم أصول الدين، وهو ما يعبر عنه بعلم الكلام، وهو مبني على معرفة الله تعالى وصفاته وما يجب له وما يجوز له وما يمتنع إطلاقه عليه، والعلم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
• اللغة العربية، باعتبارها وعاء الكتاب والسنة.
• الفقه، وهو “العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية”، وأصول الفقه تحتاج في إدراكها إلى إدراك أمثلة من الفقه يمثل بها لتتضح القواعد الأصولية.

5- أدلة الأحكام الشرعية:

الدليل في اللغة المرشد إلى الشيء، وفي الاصطلاح: “ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري”، وتنقسم الأدلة الشرعية من حيث الاتفاق على العمل بها وعدمه إلى:
• أدلة متفق عليها وهي الكتاب والسنة.
• أدلة فيها خلاف ضعيف، وهي الإجماع والقياس.
• أدلة فيها خلاف قوي، وهي قول الصحابي والاستحسان والمصلحة المرسلة وشرع من قبلتا والاستصحاب وسد الذرائع.
وتنقسم من حيث طريق معرفتها إلى قسمين:
• أدلة نقلية، وهي الكتاب والسنة والإجماع وقول الصحابي وشرع من قبلنا والعرف.
• أدلة عقلية، وهي القياس والمصلحة المرسلة وسد الذرائع والاستحسان والاستصحاب.

3-2 ضرورة الاجتهاد:

رأينا أن علم أصول الفقه يسمح بمعرفة الحكم الشرعي لكل ما يجدّ من الحوادث والوقائع التي لم يرد بخصوصها نص صريح ولا ظاهر بيّن، ويمكّن من مواجهة خصوم الشريعة الإسلامية الذين يزعمون أن الشريعة لم تعد صالحة للتطبيق في هذا الزمن، وبهذا فإنه يسمح بالاجتهاد وفق حدود معينة ووفق مستجدات بعينها، فهو تحيين للشريعة الإسلامية وتجاوز للنظرة الماضوية للدين الإسلامي.

ونجد أن الأساس في أصول الفقه هو إدراك النص وتحديد الحجة. فالحجة هي الكتاب والسنة، ولا يمكن التعامل مع الحجة إلا من خلال علوم التوثيق الخاصة بهذين الأصلين (الكتاب والسنة)، وعلم أصول الفقه يجيب عن أسئلة مهمة خاصة بتوثيق تلك الحجة مثل: ما الفرق بين القراءة المتواترة والشاذة؟

وما الفرق بين الحديث الصحيح والضعيف؟ ما الذي يكون محل قطع وما الذي يكون محل ظن؟ فعلم أصول الفقه هو الأساس لفهم النص الذي هو مصدر البحث وهو تحصيل حكم الله في أعمال البشر.

وقد تعامل الفقهاء مع هذه المصادر بضوابط وخطوط وأطر لا يمكن أن نتعداها لكن هناك مجالات يمكن فيها الخلاف وهي المجالات التي ترتبط بالواقع المعيش وبتشابكاته، فإذا كان العلماء المسلمون قد أدركوا واقعهم إدراكا دقيقا وساروا على منهج علمي متمثل في أصول الفقه، فإن المطلوب منا الآن هو مواجهة تحديات واقعنا الحالي وتطوير هذا العلم وعدم الجمود في مسائل عصر القدماء التي ارتبطت بواقعهم والتي لا تنسجم مع واقعنا بسبب الثورة الهائلة في الاتصالات والتقنيات الحديثة.

كل هذه الأشياء تسببت في تغير الواقع المعيش تماما عما كان مما يحتم علينا إدراك هذا الواقع الجديد والتعامل معه بمنهج السلف الصالح حتى نصل إلى المقاصد الشرعية التي ينبغي أن نصل إليها.

والسبيل إلى ذلك يتمثل في تمحيص البحث في مصادر الدين الأربعة، ويجب على الفقيه في معرض بحثه عن الحكم الشرعي الصحيح أن يضع نصب عينيه الواقع الحالي وملابسات الظاهرة والظروف المحيطة بها وخصوصيات العصر الذي يعيش فيه، فإن لم يجد نصا صريحا في القرآن والسنة؟ وإن لم يعثر على إجماع للصحابة والتابعين؟ وإن لم يُلف حادثة سابقة يقيس عليها؟ يتوجب عليه حينئذ أن يجتهد في البحث عن حكم شرعي.

وهنا يطرح التساؤل التالي:

• ما هو الاجتهاد؟
• وماهي شروط المجتهد؟
• وهل يصح التجديد في الاجتهاد؟

يمنح علم أصول الفقه للمجتهد الأدوات اللازمة لفهم النص واستيعابه، ولكن ليس هناك آليات بعينها تمكن من فهم الواقع، هذا ما يؤدي إلى اختلاف العلماء في المجامع الفقهية، ومعارضة بعضهم البعض، لأن كلا منهم يتمثل الواقع بطريقة مختلفة، وهو ما يمثل أساس اختلاف الفتوى في العصر الحديث.

1- تعريفه:

الاجتهاد في اللغة: بذل الجهد، والجهد هو الوسع والطاقة.

وفي الاصطلاح: هو بذل الوُسع في إدراك حكم شرعي بطريق الاستنباط ممن هو أهل له.[9] وإنما قيد بكونه (بطريق الاستنباط)؛ ليخرج بَذْل الوُسع لإدراك الحكم الشرعي بحفظ متون الفقه، أو بحفظ النصوص الشرعية الدالة صراحة على الحكم.
والمتقدمون قد يطلقون اسم الاجتهاد على القياس الشرعي، وقد يطلقونه على ما يغلب على الظن عن طريق الخبرة والتجربة، كالاجتهاد في جهة القبلة، ومقدار النفقة الواجبة للزوجة مثلا.

2- أركان الاجتهاد:

للاجتهاد ثلاثة أركان، هي:

• المجتهد: وهو الفقيه المستوفي للشروط الآتي ذكرها.
• المجتهد فيه: وهو الواقعة المطلوب حكمها بالنظر والاستنباط، لعدم ظهور حكمها في النصوص، أو لتعارض الأدلة فيها ظاهرا.
• النظر وبذل الجهد: وهو فعل المجتهد الذي يتوصل به إلى الحكم.

3- شروط الاجتهاد:

تتمثل شروط الاجتهاد في[10]: الإسلام؛ العقل؛ البلوغ؛ معرفة الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النص أو الظاهر؛ معرفة ما يصح من تلك الأحاديث وما لا يصح، ومعرفة الناسخ والمنسوخ من الأحكام الواردة في القرآن والسنة؛ معرفة مواطن الإجماع حتى لا يخالفها؛ معرفة بقية الطرق الموصلة إلى الفقه وكيفية الاستدلال بها؛ معرفة بدلالات الألفاظ وخبيرا بما يصح من الأساليب وما لا يصح؛ معرفة بمراتب الأدلة وطرق الجمع بينها وطرق الترجيح عند التعارض؛ العدالة.

وينبغي على المجتهد أن تكون له القدرة على النظر في النص وطريقة فهمه، وملاءمته مع الواقع والوصل بينهما. هذا الواقع يدفع العالم المجتهد إلى أن يبدع ولا يبتدع أي إلى أن ينشئ شيئا جديدا شريطة عدم الخروج على مقتضيات المصادر الشرعية.
وينبغي كذلك على المجتهد الاهتمام باللغة العربية التي نزل بها النص ومراعاة مقاصد التشريع التي تمثل النظام العام وهي حفظ النفس والعقل والدين والعرض والنسل.

من هنا يتضح لنا ضرورة التجديد مع مراعاة الضوابط السالفة الذكر، فالتجديد يتطلب فقها لما به يكون التجديد، وهو هاهنا الدين ممثلا في القرآن والسنة والبيان.. وفقها لما له يكون التجديد، وهو هاهنا الأمة ممثلة في واقع المسلمين.[11] وسنتخذ قراءة كتاب “نقد الخطاب الديني” لحامد نصر أبو زيد ورد اعمارة عليه نموذجا للحديث عن اتجاهات التجديد التي عالجت تجديد النص وتجديد الخطاب.

4- الاجتهاد بين النص والخطاب الديني: نقد الخطاب الديني لنصر حامد أبو زيد نموذجا:

أثار كتاب “نقد الخطاب الديني” لصاحبه نصر حامد أبو زيد الكثير من الجدل، وذلك أنه تناول مسألة الاجتهاد في النص القرآني والخطاب الديني بمنظور جديد، ومنهاج مغاير لسابقيه الذين ارتبطوا بالنص وجعلوا الخطاب الديني ينهل قداسته من قداسة النص.

فقد نقد آليات الخطاب الديني المعاصر المتجلية في التوحيد بين الفكر والدين، وتفسير الظواهر كلها بردها إلى علة واحدة، والاعتماد على سلطة السلف بتحويل النصوص التراثية إلى نصوص مقدسة، واليقين الذهني ورفض أي خلاف فكري، وإهدار البعد التاريخي وتجاهله، ونقد منطلقات الخطاب الديني المعاصر المتمثلة في الحاكمية والنص، ثم بدأ يبلور ويؤسس لمفهوم جديد ينتقد الخطاب الديني يركز فيه على نقد النص في حد ذاته، إذ أسبغ عليه صفات الخطاب الإنساني وجرده من قداسته سواء كان صادرا عن الله تعالى أم صادرا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فالنص الديني عنده نص لغوي شأنه في ذلك شأن النصوص الأخرى، مما يبيح إمكانية معاملته معاملة النص العادي، وإمكانية تطبيق مناهج تحليل الخطاب الحديثة التي توظف لتحليل الخطابات الإنسانية بكل أشكالها، هذا ما دعاه إلى المناداة بدراسة النص القرآني دراسة تاريخية، “إنه يدعو إلى الانقطاع عن منجزات الإرث في اتجاهاته ذات الطابع التقدمي في سياقها التاريخي، وإنما ما يدعو إليه هو عدم الوقوف عند المعنى في دلالته التاريخية الجزئية، وضرورة اكتشاف المغزى الذي يمكن لنا أن نؤسس عليه الوعي العلمي التاريخي”.[12]

قد تجاوز الكاتب بأشواط كثيرة حدود ما يسمح به التأصيل الديني، وتخطى الحدود الحمراء حين قارن النص القرآني بالنص الإنساني، وهذا نوع من أنواع التجديد غير المقبول شرعا، لأنه يضرب كنه الدين وأساسه، وهو اتجاه اتخذ التجديد شعارًا لاجتهاد سائب متحلل من كل الضوابط ومتجاوز لكل الثوابت باستخدامه لطرق التأويل المخلة واصطدامه بالنصوص الصريحة. ويجعل للشرع دورًا ثانويًا مقابل الواقع وحاجاته، حتى أضحت أحكام القرآن والسنة قابلًة للتأويل والتعطيل بذريعة استلهام روح الشريعة ومقاصدها.

ونجد في مقابل هذا الاتجاه اتجاه الخطاب الديني المعاصر الذي يتهمه الكاتب بالتلوين وبإسدال القناع على الدين من أجل الترويج لوعي زائف يخفي خلفه مصالح خفية، وهو اتجاه يتكأ على النصوص الدينية برؤية تجزيئية أو مغلوطة يستنبط من ظاهر النص الأحكام ويترك جوهر النص ولبه وغايته، وو بهذا يخدع المتلقي ويتخذ شرعية استنباط الأحكام والفتاوى من القدسية التي أسبغها عليه منتجوه بغية تحقيق مآرب معينة وأهداف إيديولوجية خفية، وهو خطاب يتسم بالحدة في رد فعله إزاء معارضيه، إذ ينزع إلى تكفير كل مخالف ومتصد لرأيه، وهذا ما عاشه الكاتب وانتقده.

ورغم التزامنا للحياد الموضوعي في قراءة الكتاب، إلا أننا نجد أن الكاتب لامس بعض المحاور التي تعد طفرة نوعية في تجديد الخطاب الديني، كتحديد الفرق بين النص الديني والخطاب الديني، وبالرغم من كون منطلقاته سليمة ومتفق بشأنها، غير أنه غالى في تحليله لمفهوم النص الديني الذي جعله يخرجه من قدسيته طارحا أمثلة صادمة أثارت جدلا فكريا في الساحة الدينية ونال جراء ذلك سهام انتقاد لاذعة.

ويعد الجدل الفكري الذي أثاره الكاتب إيجابيا إذا اعتبرنا مناداته بإعمال العقل والفكر خصوصا في قضية الاجتهاد في قضايا العصر الراهنة، والتي لا يجب أن نسقط عليها أحكاما جاهزة من عصر مخالف للعصر الذي نعيش فيه.

وفي إطار الردود والانتقادات التي وجهت إلى عمل الكاتب في شخصه وأفكاره وإيديولوجيته، نلفي ردا للدكتور محمد عمارة ينتقد فيه بشدة آراء ورؤية أبو زيد التي ضمّنها في كتابه. إذ اتهمه بنقض العقائد الإسلامية الأساسية للإسلام، وهذا ما يتناقض مع إعلان أبي زيد إسلامه، فكتابات حامد – حسب د. محمد عمارة- كتابات غير سوية بمقاييس الإسلام، إذ ارتكز الكاتب في تحليلاته على الموقف الماركسي الذي يعتبر أن كل بناء تحتي مادي يفرز بناء فوقيا، هذا المبدأ هو الذي طبقه أبو زيد على ثوابت الإسلام، فالبناء التحتي هو الذي ينتج الفكر أي أن الواقع هو الذي أنتج النص الديني وهو بذلك الأصل.

وقد اعتبر أبو زيد أيضا –حسب د. محمد عمارة- أن النص القرآني تأسس من خلال الشفهية وأن الثقافة فاعل والنص منفعل، وبذلك فالنص القرآني نص بشري لا قدسية له.

وهذا حاضر في مواضع متفرقة في الكتاب، إذ مرة يتكلم عن لغة القرآن العربية البشرية، فأصل القرآن إلهي لكن بمجرد تلقف الرسول له أصبت لغته وتأويله بشريين، ومرة أخرى يتكلم عن السياق التاريخي باستجابة القرآن لمتطلبات عصره التي لا توافق بالضرورة متطلبات عصرنا، ويطرح الكاتب بعد سرده لهذه الأدلة إشكال التناقض بين استجابة القرآن لأسباب نزول معينة وبين كونه كلاما أزليا في اللوح المحفوظ.

هذا ما أثار حفيظة د. عمارة الذي اتهمه بنزع القدسية عن القرآن بعدم اعتبار وجوده في اللوح المحفوظ، الشيء الذي حاول أبو زيد دحضه بطرح إشكال اختلاف آراء الفقهاء وتأويلاتهم لهذا الإشكال. ويرد عليه د. اعمارة ردا قويا بيّن فيه أن مسألة الاختلاف في الكيف فقط لا في المبدأ.

ويعتبر د. اعمارة –في رده على قضية انغلاق النص التي أشار إليها أبو زيد في كتابه- أن ادعاء انغلاق النصوص عن الفهم واستعصاءها قول مجانب للصواب، فالإسلام لم يحظر على العقل المسلم الاجتهاد في أي ميدان يستطيع الاجتهاد فيه باستثناء الغيب وما لم يستطع العقل أن يفهم كنهه، او يستقل بإدراكه، ففي النصوص قطعية الدلالة والثبوت هناك اجتهاد في فهمها وفي تقنين وتقعيد أحكامها وبالتالي تنزيل هذه الأحكام على أرض الواقع، أما في النصوص ظنية الدلالة هناك اجتهاد في ثبوتها، كما أن ما لا نص فيه فأبواب الاجتهاد فيه مفتوحة لقياس أحكامه على غيره مما فيه أحكام نصية، وتربط بينها علاقات.[13] كما يشير د.

اعمارة إلى ان وقوف النصوص القرآنية عند الكليات وقواعد التشريع مع تركه شرح وتفصيل التشريع لاجتهاد الفقهاء. وهو الذي جعل أحكام القرآن في المعاملات والعبادات والأخلاق صالحة لكل زمان ومكان.

تركيب:

وبعد هذا العرض، يتضح لنا مفهوم التجديد الذي نقصده، وكيفيته، وهو بإدراك الواقع بعوالمه المختلفة وربط الواقع بالمصادر مع الالتزام بالحدود الأساسية للمجتهد المسلم.

فالتجديد يكون في الفروع لا في الأصول وفي الظنيات لا في القطعيات وفي المتشابهات لا في المحكمات، لهذا ينبغي أن تكون الفتوى جماعية قدر الإمكان صادرة عن مجامع فقهية وهيئات كبار العلماء، ويجب أن لا تتأثر بالبيئة الاجتماعية والمؤثرات الأخرى، إلا أن هذا لا يعني الاستغناء عن الاجتهاد الفردي الذي يكشف الطريق ويمهده بما يقدم من دراسات رصينة تضيء الطريق وتكشف معانيه، وينبغي للفقيه أن يتوجه في اجتهاداته إلى المسائل المعاصرة، فيتصدى لها ويستنبط الاحكام لها في ضوء النصوص والقواعد الكلية للفقه، وأن لا يستهلكه تقرير المسائل القديمة دون النظر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاجتهاد بالنسبة للمجتهدين قد أصبح أمره أيسر من الزمن الماضي من ناحية توفره على المراجع وطباعتها وكونها في متناول الباحث. وحتى لا نُحبط عزيمة المجتهد، يجب أن نعترف بإمكانية الوقوع في الخطأ وتقبله، وبدل إصدار الاتهامات لمن يجتهد، ينبغي أن نشجعه بإصدار النصائح وتوجيهه. فالمجتهد من أهل الاجتهاد، إذا أصاب له أجران، وإذا أخطأ فحسبه أجر الاجتهاد، لأنه بهذا الاجتهاد قد يفتح بابا كان مغلقا.

لائحة المراجع:

• أبو زيد نصر حامد، نقد الخطاب الديني، ط2، 1994دار سينا للنشر.
• السليمي بن نامي عياض، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، التدميرية للنشر والتوجيه، 1426ه.
• مسند الإمام أحمد ، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الحديث، 1995.
• الوافي، عبد الله البستاني. لسان العرب، بيروت، مكتبة لبنان، ط 1990.
• اعمارة، محمد، هل الإسلام هو الحل؟ لماذا وكيف؟، ط2، دار الشروق، 1992
• مفاهيم مشروع النهضوي الإسلامي المعاصر، ، مجلة حراء، العدد 34، يناير-فبراير 2013
• فقه واقع الأمة، دراسة في المفهوم، أ.د. البوشيخي الشاهد، مجلة حراء، العدد 33، نوفمبر-ديسمبر 2012.
• محاضرات في الخطاب الديني، د. عبد المجيد بوشبكة، ماستر البلاغة والخطاب، ماي 2015، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجديدة، المغرب.

 الهوامش

[1] مفاهيم مشروع النهضوي الإسلامي المعاصر، سعد الله محمد سالم، مجلة حراء، العدد 34، يناير-فبراير 2013، ص 27.
[2] محاضرات في الخطاب الديني، د. عبد المجيد بوشبكة، ماستر البلاغة والخطاب، ماي 2015، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الجديدة.
[3] لسان العرب، مادة “جدد”، 2/198 الوافي، عبد الله البستاني. بيروت، مكتبة لبنان، ط 1990.
[4] مسند الإمام أحمد. حديث (359/2°. ج/3 ص43.
[5] سنن أبي داود، حديث رقم: (4291)، 109/4.
[6] السليمي بن نامي عياض، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، ص 15.
[7] نفسه، ص 17.
[8] السليمي بن نامي عياض، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، ص 17-18-19.
[9] السليمي بن نامي عياض، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، ص 448.
[10] السليمي بن نامي عياض، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، ص 451-452-453-454.
[11] فقه واقع الأمة، دراسة في المفهوم، أ.د. البوشيخي الشاهد، مجلة حراء، العدد 33، نوفمبر-ديسمبر 2012، ص9.
[12] أبو زيد نصر حامد، نقد الخطاب الديني، ص 03.
[13] اعمارة محمد، هل الإسلام هو الحل؟ لماذا وكيف؟، ط2، دار الشروق، 1992، ص 62

المصدر: موقع آفاق ( بشئ من التلخيص)
https://aafaqcenter.com/index.php/post/2224

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky