الاختلاف

مشروعية الاختلاف في الإسلام.. بقلم علي بن مبارك

إنّ وعي المسلمين بمشروعية التعدّد داخل المنظومة الإسلامية الواحدة ازداد نضجاً وتأسّساً لأنّ الاختلاف في القراءات والمقاربات والاجتهادات يزيد الإسلام حيويّةً وتأصّلاً، وهذا الأمر انتبه إليه قدامى العلماء وروّاد التقريب، ولذلك اعتبر محمود شلتوت الاختلاف “ضرورة اجتماعية” تمليها – حسب تقي القمّي – “طبيعة التفكير وسنن الإجماع” بعيدًا عن “الخلاف الذي تمليه الكراهية والبغضاء وتغذّيه الشبه والأوهام ويوجد البلبلة ويؤدّي إلى تفرقة المسلمين”.

الاجتهاد: يعتبر القرآن الاختلاف حقيقة إنسانية وحاجة طبيعية لا يمكن قمعها. وعلى هذا الأساس خلق الله البشر في ألسن وثقافات وجنسيات مختلفة، وفي هذا الإطار يمكن لنا أن نفهم – على سبيل التأويل – دعوة القرآن “يٰا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”[1].

ولذلك بيّن القرآن أنّ الإنسان أدرك منذ أوجده الله على وجه الأرض أهمية الحوار مع الآخرين من أبناء الملّة الإسلامية أو غيرهم من أتباع الملل الأخرى، إذ “كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ”[2].

ونستنتج من خلال هذه الآية القرآنية أنّ البشر وإن اختلفت معتقداتهم وثقافاتهم ومذاهبهم فإنّهم متقاربون في الأسس الرمزية وفي قيمهم الإنسانية النبيلة. وهذا يعني أنّ مشروعية الحوار بين المجموعات الإسلامية المتعددة تكمن أساسًا في البحث عن القيم الدينية الأصيلة التي أرسلها الله رحمة للعباد فهجرها البعض تشبثًا بالفروع وربّما بفروع الفروع.

فالحوار بهذا المعني بحث في الأصول المغيّبة والرّجوع إلى ينابيع الدين الأصيلة، وهذا ما تؤكّده معاجم اللغة، فابن منظور[3] يرى أنّ أصل مادة “حوار” يعود إلى الحَور أي الرجوع عن الشيء وإليه، وحاورته يعني في اللّغة راجعته الكلام.

وهذا يعني أنّ الاختلاف في المذهب والرأي لا يلغي الوحدة بين المسلمين بل ربّما يدعّمها إذ أنّ اختلاف المسلمين في توحّدهم وتوحّدهم في اختلافهم. ولذلك اعتبر القرآن الاختلاف آية من آيات الخالق فجاء فيه ما يؤكّد ذلك “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ”[4]. وإذا كان القرآن قد أقرّ بأنّه “وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا”[5] فإنّه لا مبرّر أن نرفض حق الاختلاف وأن نصرّ على امتلاك الحقيقة الدينية دون غيرنا من المنظومات والمقاربات.

و”وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ”[6]. ولذلك خلقهم الله متباينين في رؤاهم وتصوّراتهم وهو ما يجسّده نصّ الآية التالية “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”[7].

إنّ تأكيد القرآن على مشروعية الاختلاف ووجوبه باعتباره سنّة من سنن الكون وآية من آيات الخالق جعل من مقولة الحقيقة الدينية المطلقة مقولة هشّة لا تستجيب لخطاب القرآن ولا تعكس تاريخية المعتقدات الدينية ونسبيّتها. وعلى هذا الأساس بيّن القرآن أنّ الحقيقة المطلقة لا يعلمها إلاّ الله وعلى الإنسان أن يجتهد في تمثّل هذه الحقيقة بحسب وضعه التاريخي وسياقه الثقافي ولا يقدر على حسم هذه الاختلافات غير الله فهو فقط من يحكم بين المختلفين من بعد اختلافهم[8].

هذا التأكيد على نسبية الحقيقة الدينية ومشروعية الاختلاف قابله على مستوى التطبيق والتشريع حصر للحقيقة ووصاية مارسها بعض المفسّرين والفقهاء والأصوليين والمتكلّمين والسّاسة فأصبح كلّ “حزب بما لديهم فرحون”[9]، بل أصبح الانتماء إلى المذهب في بعض مراحل التاريخ الإسلامي أقوى أنواع الانتماء وأقدسها ممّ نتج عنه صراعات دامية وفتن أضرّت بالخلق والعمران بحسب الاصطلاح الخلدوني.

إنّ المتتبّع للآيات القرآنية[10] التي تضمّنت حوارًا أو دعوة إليه أو حديثًا عنه يلاحظ أنّ التصوّر القرآني لمسألة الحوار بين الأفراد والجماعات اعتمد مقولة شمولية الحوار مقولة أساسية. فالحوار كلّ لا يتجزّأ فهو هدف ومنطلق وسلوك وشكل من أشكال الوعي بالذات وبالآخرين، لذلك جعل القرآن للحوار مستويات تبدأ من حوار الذات وصولاً إلى حوار الآخر “الأقصى” مرورًا بمحاورة من يشاركنا الملّة والثقافة.

لقد دعا القرآن في أكثر من آية إلى الحوار الذّاتي بما هو تفكّر[11] وتدبّر[12] فالإنسان مطالب بالتفكير في نفسه وفي الكون المحيط به. ولقد عبّر القرآن عن ذلك في أسلوب استفهامي استنكاريّ “أَفَلاَ تُبْصِرُونَ”[13] تكرَّر في عدّة آيات[14] كما هو حال الآية التالية. ولا نبالغ إذا ذهبنا أنّ القرآن في مجمله يدعو إلى التفكّر ويصعب علينا في هذا المجال البحثي الضيّق أن نقف على كلّ الآيات التي امتدح في القرآن أصحاب العقول وأولي الألباب، ودعا صراحة إلى مراجعة الذّات والتحاور معها، لأنّ الحوار الذاتي يؤمّن بناء الشخصية بناءً متماسكًا قادرًا على محاورة الآخرين.

والطريف أنّ القرآن نوّع من مجالات الحوار وعدّد أطرافه، فكما حاور الله الملائكة[15] والأنبياء[16] حاور أيضًا إبليس[17]، وكذلك حاور خلقه من البشر وغيرهم من الكائنات الطبيعية[18]. بل قد نجد من الناس من يحاجج الله في أسلوب حواري كما هو حال من: “قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً…”[19]. وبالإضافة إلى ذلك نجد في القرآن محاورة الأنبياء لبقية الناس[20] وحوار الناس بعضهم مع بعض[21].

نستنتج من خلال تعدّد أطراف الحوار وتنوّع مواضيعه أنّ الحوار لا يمكن أن يكون محصورًا في مجال دون آخر أو بين أطراف دون غيرها، بل هو مطلب إنسانيّ ضروريّ يستطيع الإنسان مهما كان معتقده أن يتواصل من خلاله مع ذاته ومع ربّه ومع الآخرين. وكأنّا بالقرآن أدرك أنّ الحوار ليس مجرّد لقاء مجاملات يعرض فيه كلّ طرف مواقفه أو يعمل قصارى جهده على تغيير موقف الآخر وإقناعه بغير ما يعتقد، بل هو ثقافة وسلوك حضاري لا تكتمل إنسانية الإنسان إلاّ به.

ونلاحظ اليوم إقبالاً كبيرًا على الحوار بين الأديان والثقافات إذ تكاد لا تخلو دولة من الدول الإسلامية من عقد ندوات في هذا الإطار أو تأسس هيئات تنشط في هذا المجال ولكنّنا نتساءل: هل يمكن محاورة الآخر “الأقصى” دون تفعيل الحوار الداخلي الإسلامي – الإسلامي؟ وهل يمكن بناء حوار بين الأديان والثقافات دون تشييد أسس متينة قوامها التقريب والوحدة بين أبناء الديانة الواحدة؟

الملاحظ أنّ القرآن أكّد أهمية تطهّر المحاور المسلم من عقدة الاستعلاء الديني ومن وهم امتلاك الحقيقة المطلقة دون غيره، فالحقيقة لها عدّة وجوه، وكلّها تعكس رحمة الله ولطفه، وهذا المعنى تؤكّده الآية التالية: “قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ”[22]. إنّ ثقافة الحوار تقوم أساسًا على قناعة مفادها أنّ تصوّراتنا كما هو حال تصوّرات غيرنا صحيحة ولكنّها تحتمل الخطأ.

وهذا السلوك الثقافي لا بدّ أن يرتبط بالتربية في كلّ مستوياتها إذ علينا أن نربيّ النّاشئة على عدم التعصّب والاعتراف بالخطأ واحترام آراء الآخرين والأخذ بها عند اللّزوم. ولذلك عمل الوحي الإسلامي على تربية الرّسول على الحكمة والاعتدال فخاطبه: “ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِين”[23].

ولقد وجدنا في قراءة الزمخشري[24] (تـ 538 هـ) لهذه الآية ما يؤكّد اهتمام القرآن بالبعد الثقافي للحوار إذ فسّر الرّجل “ٱلْحِكْمَةِ” بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة كما ذهب أنّ “َٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ” وهي التي لا يخفى عليهم أنّك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها. أمّا قوله “وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ” فإنّ القرآن قصد بذلك “الطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين”.

وهكذا نلاحظ أنّ الحوار الناضج والمسؤول لا بدّ – من منظور قرآني – أن يعتمد الحكمة بما هي علم تتفق كلّ الثقافات على منهجه وصرامة أدائه وأن يتسلّح بحسن النية والنصيحة الصادقة التي يحبّ فيها غيره من البشر كما يحبّ نفسه، لا فائدة من حوار – اعتمادًا على هذا التصوّر – لا يحقق سعادة الإنسان ولا ينفع البشر.

بالإضافة إلى ذلك نفهم من تفسير الزمخشري لهذه الآية أنّ الإنسان مطالب وهو يحاور الآخر أن يتجنّب الانفعال والحقد وأن يتشبّع بالمحبّة: محبّة الإنسان مهما كان دينه ومعتقده. وهذه المقاربة تعني أنّ التشدّد والتعصّب والتهكّم يؤدّي حتمًا إلى القطيعة ويولّد البغض والخصام، ولذلك نبّه القرآن الرسول “وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ”[25].

والمتدبّر في نهاية الآية المقتطفة من سورة النحل يلاحظ أنّ الله خصّ نفسه بمعرفة المخطئ من المصيب “إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِين”[26]. وهذا التصريح يؤكّد ضرورة الاهتمام بالإنسان بما هو إنسان خارج إطار ثنائية الضلال والهداية. وهذا المعنى الذي توصّلنا إليه وجدنا ما يحيل عليه عند الطبرسي في تفسيره “مجمع البيان في تفسير القرآن” حيث فسّر قوله “وهو أعلم بالمهتدين” أي “القابلين للهدى وهو يأمرك في الفريقين بما فيه الصلاح”. وكأنّ المقصود بهذا المعنى أن يتغاضى الرسول عن معتقد محاوره وأن يركّز فحسب على مصلحة المجموعة الإنسانية وسعادتها.

إنّ مقولة “الإسلام واحدًا ومتعددًا” ليست مجرّد شعار قد نتزيّن به أو نعتمده في تأثيث خطاب بل هو مشروع حضاري يتطلّب منّا جرأة وشجاعة ورغبة في المراجعة النقد. وفي هذا الإطار أصدر عدد من الباحثين التونسيين سلسلة من الكتب تحت عنوان “الإسلام واحدًا ومتعددًا”[27] عملت على إظهار وجوه متعدّدة للفكر الإسلامي واجتهاداته. والطريف أنّ هذا الشعار ذاته اعتمده المعهد الأعلى لأصول الدين (جامعة الزيتونة) عنوانًا للملتقى الدولى الذي نظّمه أيّام 30 و31 أكتوبر 2007.

ولقد عرض ملتقى “الإسلام واحدًا ومتعدّدًا” مجموعة مفيدة من المداخلات تتعلّق بأربعة محاور رئيسية:

– الوحدة والتعدّد في الإسلام عبر التاريخ (مظاهر الوحدة في الإسلام، مظاهر التعدد في الإسلام).

– التفاعل بين الوحدة والتعدّد والكونية في الإسلام.

– الوحدة والتعدّد في الإسلام بين النظري والممارسة الاجتماعية.

– الوحدة والتعدّد في الإسلام والإطار الاجتماعي الثقافي في العالم الإسلامي.

وأثيرت في هذا الملتقى قضايا مهمّة تتعلّق بانفتاح النصّ ومشروعية الفهم المتعدّد[28] وإشكالية الاختلاف من منظور المدرسة السنية[29] والشيعية الإثني عشرية[30] والإباضية[31] والدرزية[32] والأكاديمية والأنتروبولوجية[33].

ونخلص من خلال أعمال هذه الندوة إلى أنّ وعي المسلمين بمشروعية التعدّد داخل المنظومة الإسلامية الواحدة ازداد نضجًا وتأسّسًا لأنّ الاختلاف في القراءات والمقاربات والاجتهادات يزيد الإسلام حيويّةً وتأصّلاً، وهذا الأمر انتبه إليه قدامى العلماء وروّاد التقريب، ولذلك اعتبر محمود شلتوت الاختلاف “ضرورة اجتماعية”[34] تمليها – حسب تقي القمّي – “طبيعة التفكير وسنن الإجماع”[35] بعيدًا عن “الخلاف الذي تمليه الكراهية والبغضاء وتغذّيه الشبه والأوهام ويوجد البلبلة ويؤدّي إلى تفرقة المسلمين”[36].

نستنتج أنّ كبار علماء المسلمين تحدّثوا قديمًا وحديثًا عن شرعية الاختلاف وأهمية الاجتهاد في استنباط الأحكام وتأويل نصّ التنزيل، ولكنّ تأكيدهم ارتبط في أغلب الأحيان بحالات من التردّد والخوف من فتنة الخلاف والتفرّق فجعلهم في بعض مواقفهم يحصرون الإسلام الحقّ في توجّه دون آخر، ولعلّ هذا الاضطراب في المواقف يعكس غياب إستراتيجيات عملية جماعية موحّدة وهيمنة البعد السياسي الذي نجح في مراحل مبكّرة من التاريخ الإسلامي في تحويل الاختلاف إلى خلاف والتعدّد إلى حصر الحقيقة والخلاص في جماعة إسلامية دون أخرى.

وحتّى يتسنّى لنا تذليل الصعوبات المتعلّقة بالتقريب وتحقيق المنشود من الآفاق الموعودة يمكن لنا أن نتقدّم بمجموعة من المقترحات العاجلة في شكل موجز:

* الاهتمام المخصوص بمسألة تأويل القرآن من خلال التأليف والتحقيق وعقد الندوات نظرًا لأهمية المسألة في فهم اختلافات المسلمين وإقرار ثقافة التعدّد والتنوّع والانفتاح.

* ضرورة مراجعة الأسس الكلامية والأصولية التي قامت عليها مقولة تكفير أهل القبلة وحثّ الخاصّة والعامّة على تجنّب تكفير المسلم وتبديعه وتفسيقه بتهمة مخالفة “الإسلام الحقّ” الذي يراه المذهب.

* التأكيد على تجنّب استعمال الألقاب من قبيل الرافضة والنّاصبة والخوارج واستعمال الأسماء التي تختارها كلّ مجموعة دينية لنفسها.

* الانفتاح أكثر على مشاريع التعدّد الثقافي ذات البعد الإنساني من قبيل إعلان اليونسكو للتنوّع الثقافي (2001) والتأكيد على مفهوم المواطنة لأنّ احترام المسلم باعتباره مواطنًا حرًّا ومسؤولاً قد يجنّبنا الوصاية عليه واتهامه بالخروج عن الحق والصواب.

* مزيد التشجيع على التقريب الثقافي وتبادل الخبرات والمؤلّفات وتوسيع مجالات التآزر والتعاون والتضامن بما يحقّق مصالح المسلمين العليا وسعادتهم.

* ترجمة أكثر ما يمكن من المؤلّفات المعاصرة ذات البعد التجديدي الإصلاحي إلى مختلف لغات التداول عند المسلمين، وهذا العمل لا يستطيع أن يتكفّل به شخص، بل هو عمل مؤسّسات يساهم فيه علماء الأمّة ومفكّروها.

* تجنّب الإساءة لمقدّسات مختلف المذاهب الإسلامية ورموزهم التاريخية ومناسباتهم الدينية واعتبار كلّ ذلك من خصوصيات تقاليدهم الثقافية.

* التحرّر من الذاكرة المذهبية وعدم تذنيب أتباع المذاهب اليوم بما اقترفه غيرهم في الماضي، والإقرار بعدم مسؤولية المذهب على ما حصل ويحصل الآن من خطابات تكفيرية شاذّة وممارسات عنف وقتل أضرّت بالبلاد والعباد.

* اعتراف الحكومات بكلّ المذاهب ومنحها أتباعها حقوق المواطنة كاملة وتحقيق المساواة في فرص العمل والامتيازات، وعدم اعتماد المذهب عنصرًا أساسيًّا في الهوية الوطنية كما يتجلّى ذلك في الوثائق الرسمية أو في بعض استمارات المشاركة في ملتقيات …

* لئن اهتممنا بالبعد الديني والثقافي للحوار الإسلامي – الإسلامي فإنّنا نعي علاقة المسألة بالتنمية وتحدّياتها وبدورها في تحقيق الأمن والتقدّم والرخاء وازدهار المسلمين بعد ضعف وهون.

* الاهتمام أكثر بتعليم العربية باعتبارها لغة التقريب الممكنة، ونظرًا لأهميتها في فهم النصوص الدينية الأصلية.

* توسيع دائرة المشاركين في هموم التقريب لتشمل المبدعين وعلماء النفس والاجتماع والأنتروبولوجا وخبراء التربية والتكنولوجيا والناشطين في المجتمع المدني والمنظمات الشبابية…

* توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتّصال بطريقة فعّالة وسريعة ومفيدة وإيجاد آليات إلكترونية للتواصل والتحاور وتبادل الآراء والخبرات

* بعث فضائية متخصّصة في مجال التقريب تعمل على إصلاح ما أفسدته أغلب الفضائيات المتوفّرة الآن، وتسعى إلى نشر ثقافة التقريب والتعارف الثقافي الحقيقي بين المسلمين من مختلف المذاهب والاتّجاهات. كما تهدف هذه الفضائية إلى تدريب المسلمين وخاصة الشباب منهم على ثقافة السماع وفن الحوار المحايد البنّاء واستخدام ملكة النقد والإبداع وإعمال العقل والانفتاح على قضايا المسلم المعاصر الحقيقية.

الهوامش
[1] الحجرات /13
[2] البقرة /213
[3] ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم) ، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1997 (مادة حور) وجاء في اللسان أنّ الحور كلّ شيء تغيّر من حال إلى حال، والمحاورة التجاوب والتحاور التجاوب.
[4] الروم / 22
[5] البقرة /148
[6] هود/118
[7] المائدة / 48
[8] وهذا ما تؤكّده الآيات التالية
– آل عمران: 55 “ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”.
– المائدة: 48 “إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”
– الأنعام: 164 “ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”
– الحجّ: 69 “ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”
[9] المؤمنون: 53
[10] لعلّ ما يؤكّد هيمنة البعد الحواري على القرآن كثرة استعمال الأفعال والأسماء الدالة على الحديث والكلام، ومن ذلك تردّد فعل “قال” 549 مرّة كما ورد في صيغة الجمع ” قالوا” 355 مرّة. واعتمدنا في هذه الإحصائيات على محمد السمّاك في كتابه “مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي”، ص 77، دار النفائس، بيروت، 1998، ط1
[11] يدعو القرآن في غير موضع إلى التفكّر ويستنكر إهمال بعضهم لعقولهم وهذا ما نلحظه في الآيات التالية: آل عمرن 191، الأعراف 176، يونس 24، الرعد 3، النحل 11-44-69، الروم 21، الزمر 42، الجاثية 13، الحشر 21
[12] يستنكر القرآن عدم التدبّر ونلحظ ذلك في الآية 82 من سورة النّساء: “أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيرا” والآية 24 من سورة محمّد: “أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ”.
[13] الذاريات / 20-21
[14] من ذلك: القصص 72، الزخرف 51، الطور 15….
[15] انظر طه /116
[16] انظر الآية 260 من سورة البقرة.
[17] يمكن العودة إلى الآيات: 11-23 من سورة الأعراف، والآيات 15-40 من سورة الحجرات.
[18] مثال على ذلك خاطب النحل في قوله “وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ” (النحل 68)
[19] طه/ 125
[20] انظر الآية 1 من سورة المجادلة التي يُروى أنّها نزلت في خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت.
[21] انظر الكهف / 34-40
[22] سبأ / 24
[23] النحل / 125
[24] اعتمدنا تفسيره “الكشاف” المتاح عن بعد في الموقع التالي: http://www.altafsir.com/Tafasir
[25] آل العمران /159
[26] النحل / 125
[27] أشرف على هذه السلسلة عبد المجيد الشرفي أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية وتصدر هذه السلسلة عن دار الطليعة ببيروت وصدر منها إلى حدّ الآن الكتب التالية:
– إسلام المتكلمين، تأليف محمد بوهلال.
– الإسلام السني، بسام الجمل.
– الإسلام الشعبي، زهية جويرو.
– الإسلام الحركي، بحث في أدبيات الأحزاب والحركات الإسلامية، عبد الرحيم بوهاها.
– إسلام الفلاسفة، منجي لسود.
– الإسلام في المدينة، بلقيس الرزيقي.
– الإسلام “الأسود” جنوب الصّحراء الكبرى، محمد شقرون.
– الإسلام الآسيوي، آمال قرامي.
– إسلام الفقهاء، نادر الحمامي.
– إسلام المتصوفة، محمد بن الطيب.
– إسلام المجددين، محمد حمزة.
– الإسلام العربي، عبد الله خلايفي.
– إسلام عصور الانحطاط، هالة الورتاني وعبد الباسط قمودي.
– إسلام الأكراد، تهامي العبدولي.
[28] من ذلك مداخلة محمد الخضراوي “النصّ القرآني والتأويل: الواحد والتعدّد” ومداخلة عبد القادر النفاتي “علم الكلام والفهم المتعدّد”.
[29] محمد بوزغيبة، الاختلاف بين المذاهب الإسلامية: المتطلّبات والصعوبات والآفاق.
[30] شهرزاد زاده، عقيدة الإنسان الكامل في التشيّع الإثني عشري.
[31] فرحات الجعبيري، موقف الفكر الإباضي من إشكالية “الإسلام واحدًا ومتعدّدًا”.
[32] عبّاس حلبي، الدروز: الحاصل الأخير لمظهر التعدّد في الإسلام.
[33] أبو بكر باقادر، الوحدة والتعدّد في الإسلام في سياق الأطر الاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي: مقاربة أنتروبولوجيّة.
[34] حوار مع شلتوت، رسالة الإسلام، سنة 11، عدد2، أبريل 1959، ص 217 “أنباء وآراء” (طبعة المجمع).
[35] القمي، خلاف نرضاه وخلاف نأباه، رسالة الإسلام، سنة 11، عدد1، يناير 1958، ص 16
[36] م، ن، ص 18

ـ باحث تونسي، يشغل أستاذا بالمعهد العالي للغات التطبيقية والإعلاميّة / جامعة قرطاج ـ تونس العاصمة.

 

المصدر: مؤمنون بلاحدود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky