الاجتهاد: في المبحث الثاني وهو بعنوان: مدى الانسجام بین فقه الدارين والمتغيرات المعاصرة (آراء الفقهاء) يتطرق الكاتبان الى موقف الفقهاء المحدثين من فقه الدارين« دار الإسلام ودار الكفر» وكذلك موقف السلفية الجهادية من فقه الدارين، ويختمان المقالة بذكر ماحصل لهما من النتيجة منها ان دول العالم تنقسم على أربعة أقسام، وهي: الدول الإسلامية والدول المحاربة، والدول المعاهدة، والدول المحايدة. ولا ضرورة وملازمة بين الكفر والحرب. بقلم: أ.د. عبد الأمير كاظم زاهد* م.م. حيدر شوكان سعيد**
مدى الانسجام بین فقه الدارين والمتغيرات المعاصرة (آراء الفقهاء)
ان العلاقات التي كانت قائمة وسائدة بين الدول ، ومفهوم السيادة والأقلية والأكثرية لم تعد نفسها في هذا العصر الذي كان للمعاهدات والاتفاقيات الأثر البارز في أعادة التشكل الدولي المنضوي تحت مظلة الأمم المتحدة، ولعنصر التكنولوجيا هو الأخر الأثر غير القليل في انتشار المعلومات التي أصبحت مشاعة لدى أغلب الناس ، وسمح للعالم باختلاف ملله ونحله ومشاربه ومكانه أن يعرض الأفكار والعقائد دون مانع أو حاجز أو استئذان «تقریبا» ، حتى أصبح عنصر السيادة في عالم العولمة(۱۱۳) رخوا ،
وفي الوقت المعاصر أمسى التعامل بين دول العالم قائم على أساس المنفعة التجارية المتبادلة ومساحات التخادم السياسي والعسكري والاجتماعي، وكل ذلك يجري بمعزل عن المعتقد والأيدولوجيا. وبعد هذه التحولات والتشكيلات الدولية المعاصرة، كيف يمكن للفقهاء المعاصرين المتابعة والتعاطي مع التقسيم الفقهي للعالم على ثنائية «دار الإسلام ودار الكفر» فهل سيلتزمون بهذا التقسيم أم يستجيبون لمتغيرات عصرهم ؟
وللإجابة على ذلك نوزع آرائهم على مطالبين، فاردين للسلفية الجهادية مطلبة مستقلا وذلك لطبيعة استدلالهم وانفرادهم في التعاطي
المطلب الأول : موقف الفقهاء المحدثين من فقه الدارين .
أن الفقهاء المعاصرين من مختلف المذاهب من غير الاتجاهات السلفية الجهادية ، قد توزعت مواقفهم وآرائهم بين التمسك بالتقسيم المعلوم عند الفقهاء السابقين ، وبين من أجری تصحيحا وتعديلا على الفكرة بلحاظ ما يراه من متغيرات معاصرة، وبين من رفض الفكرة بشكل تام کعبد الوهاب خلاف والدكتور عبد الأمير زاهد والشيخ راشد الغنوشي.
وللبيان أعرض أقوالهم بالنقاط الآتية:
أولا : يرى الشيخ محمد مهدي شمس الدين أن المنظور السياسي، من حيث علاقة الأرض بالأمة والدعوة ، هو من كون مفهوم ومصطلح (دار الإسلام) في مقابل (دار الحرب، ودار الحياد، ودار التعاهد) (۱۱۴) أي ان الشيخ يفتح قسما آخر وهو دار الحياد ثم يبدأ في تعريفها :
دار الإسلام : وهو مصطلح فقهي يستعمل للدلالة على الشخصية الجغرافية للأمة المسلمة، وهي تكون حيثما وجد مسلمين ورفع شعار الإسلام ، ومورست عبادائه وشريعته.
دار الحرب: وهي الدار التي يكون أهلها في حالة حرب مع المسلمين، فليس لهم عند المسلمين إلا الحرب. ونصوص القرآن والسنة الأمرة بدفع العدوان على ذلك بينة .
دار العهد : وهم المعاهدون الذين تربطهم بالمسلمين معاهدات ومواثيق ، فلهم من المسلمين الوفاء الكامل، والسلام الكامل ، والتعاون على قاعدة المساواة والتكافؤ. يجب الوفاء للمعاهدین بعهودهم، ويحرم تقضها، والاخلال بها، ما داموا أوفياء من جانبهم. فإن الوفاء بالعهود والمواثيق من أعظم الواجبات في الشريعة الإسلامية، وقد نهى الله تعالى نهيأ صارمة عن نقض العهود حتى إذا كان ذلك لترجیح مصلحة المسلمين على غيرهم.
قال تعالى: وأوفوا بعهدالله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأیمان بعد توکيدها وقد جعلتم الله عليكم کفیلا إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا کالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربي من أمة إنما يبلوكم الله به وليتبين لكم يوم القيامة ما کنتم فيه تختلفون(۱۱۵).
وقوله تعالى : (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوکم شيئا ولم يظاهروا عليکم أحدأ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين : (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعد رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) (۱۱۶)
دار الحياد: وهم الذين لا تربطهم بالمسلمين معاهدات وعلاقات ، وليس بينهم وبين المسلمين حالة حرب ، وعداء معلن ، فهؤلاء لهم السلام و عدم الإعتداء ما داموا علی حال الحیاد، مع انفتاح المسلمین علی کل بادرة لإنشاء علاقات صداقة وتعاون على أساس العدالة و التكافؤ وذلك لأن الأصل في العلاقات مع الخارج غير المسلم هو السلام والتعاون. قال تعالى: {لا ینهاکم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدین ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (۱۱۷)
ثانيا: يرى الشيخ محمد مهدي الأصفي إن العالم على ثلاثة أقسام : دار الإسلام ودار الكفر ودار العهد، تماشيا مع الملاك الذي اختطه العلامة الحلي (ت ۷۲۶ه) في تقسيم الدور. ويقرر أن مقومات دار الإسلام ، والتي من خلالها تتضح حقيقة دار الكفر أمران :
الأمر الأول : كثرة المسلمين وليس الأكثرية، والمقصود بالكثرة : الكثرة النسبية التي تجعل من استيطان المسلمين للبلد حالة بارزة وواضحة وواقعية في الحسابات السياسية والوطنية، وليس كتواجد المسلمين مثلا في بريطانيا أو فرنسا، حيث يكثر المسلمون، ولكن دون هذا المستوى، ويصح التمثيل لهذه الحالة والاستشهاد بتواجد المسلمين مثلا واستيطانهم في لبنان.
الأمر الثاني : حرية أداء الشعائر الإسلامية كأداء الصلاة والحج والصوم وقراءة القران والتعطيل يوم الجمعة ، وإقامة صلاتها الخ . وكل واحدة من هذين المقومين تدور معه دار الإسلام وجودا وعدما .
واختيار الشيخ الأصفي للأمر الأول باعتبار الأحكام الشرعية المترتبة على الكثرة، مثل الحكم بإسلامية اللقيط « مجهول الهوية » الملتقط من بلد فيه كثرة إسلامية وباعتبار أن الذي يحقق موضوع الحكم الشرعي هو الذي يحقق دار السلام.
و أما الأمر الثاني: هو إمكان ادامة الشعائر و حرية أداتها فيستنتج من خلال مراجعة روايات هجرة الواجبة و قد كانت الهجرة من مكة واجبة على المسلمين في سني الدعوة الإسلامية الأولى لأجل أن المسلمين لا يستطيعون أن يؤدوا شعائر الإسلام بين المشركين. (۱۱۸) وأما دار العهد: التي تكون السيادة فيها لغير المسلمين لكن الإسلام يحترمها.
ثالثا: يرى الدكتور عبد الأمير زاهد إن الموضوع الفقهي لأحكام دار الإسلام ودار الحرب هو ظرف تاريخي استجاب له فقهاء القرن الثاني الهجري، وتنامت هذه الفكرة حتى أصبحت قضايا الحرب والسلام مباحث متراكمة في الفقه الإسلامي .
وعليه، فالتقسيم هو حكم اجتهادي وليس من ثوابت الدين، ولا يجد له مساحة للممارسة الفعلية والتطبيقية في عالم اليوم؛ لتعارضه مع الواقع الدولي المعاصر تعرضا قانونيا وفعليا، وتقف بوجهه كل القوى الدولية التي تملك كل عناصر القوة، فما الثمرة من التمسك بحكم اجتهادي مسحوب من تجربة تاريخية مضى عليها أكثر من ألف سنة إلى حاضر لا يتجانس معها ولا يجد فيها فرصة للتطبيق. (۱۱۹)
رابعا: يرى الشيخ وهبة الزحيلي في كتابه(آثار الحرب في الفقه الإسلامي) أن العالم على ثلاثة أقسام : دار الإسلام ودار الحرب ودار العهد والمناط عنده هو السلطة وسریان الأحكام ، لذلك فان ما يختلف به دار الإسلام عن دار الكفر اختلاف المنعة (القوة التي تحمي البلد ) واختلاف الملل (الكثرة السكانية وانقطاع العصمة بالقتال.
ثم يقرر توسع فكرة دار العهد إلى كل دول العالم غير الإسلامية حاليا ما دامت العصمة باقية والقتال مرفوع، فالسلام هو الأصل في العلاقات الدولية الإسلامية (۱۲۰)
خامسا: يرى الشيخ عبد الوهاب خلاف، أن تقسيم العالم إلى الدور والأقاليم لا مورد له الآن إلا حينما يقع القتال ، وحيث إن القتال حاليا لم يقع فان الموضوع سالب بانتفاء شرطه وموضوعه (۱۲۱)
سادسا: يرى الشيخ محمد أبو زهرة(ت ۱۹۷۴م) إن العالم اليوم إما دار إسلام أو دار أمان، وأن هذا التقسيم وصف لواقع عاشه الفقهاء، ودول العالم اليوم تجمعها منظمة واحدة قد التزم كل أعضائها بقانونها ونظامها، فدخلت في هيئة الأمم المتحدة بعقد أمان دول
فالوضع الدولي بالشكل الأتي:
۱- تعد الدول جميعها بقطع النظر عن النظام الذي يحكمها قد دخلت بعقد أمان باستثناء التي اغتصبت أرضأ للمسلمين.
۲- الدول التي غالبية سكانها من المسلمين وكانت خاضعة لحكم الخلافة، ثم زال النظام الإسلامي، وبقي سكانها من المسلمين والذميين يتمتعون بالأمان الأول كتركيا، وبلغاريا، فتعد دار إسلام؛ تخريجأ على قول أبي حنيفة والزيدية المشار إليه سابقا
۳- الدول التي تحكم بالإسلام بشكل غالب فهي دار إسلام وهكذا صار تقسيم الدور على دار إسلام، ودار أمان، وتقتصر دار الحرب على من يحارب أمة الإسلام فعلا. (۱۲۲)
ثامنا: يرى الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي إن البلدة تصبح دار إسلام إذا دخلت في متعة المسلمين وسيادتهم بحيث يقدرون على إظهار إسلامهم ، والامتناع عن أعدائهم .. والمعول عليه في تسمية الأرض بدار الإسلام أن يمتلك المسلمون فيها السيادة لأنفسهم بحيث يملك المسلم أن يستعلن بأحكام الإسلام وشعائره ثم إن هذه السمة لا تنحسر عنها بعد ذلك لأي عارض من عدوان أو ضعف، ونحوه … وتطبيق عموم الأحكام الشرعية واجب يترتب على أولئك الذين تضمهم دار الإسلام ، وليس شرطا لابد منه لتسمية دار إسلام. (۱۲۳)
تاسعا: يرى الشيخ راشد الغنوشي إن فكرة دار الحرب ودار الإسلام فكرة مرتبطة بتموضعاتها التاريخية، وليست ملزمة للفكر الإسلامي المعاصر؛ لأنه ليس فيها نصوص من الشرع، وإنما ظهرت بفعل انعدام القانون الدولي المتفق عليه، إذ كان قانون القوة الحاكم، فليس المسلمون في حالة حرب مع ۱۸۰ دولة حاليا، فهناك دولة بيننا وبينها تبادل دبلوماسي وتجاري وتسمى ديار العهد، وان كل دار يأمن فيها الإنسان على نفسه و عرضه ودينه فهو دار الإسلام. (۱۲۴)
عاشرا: يرى الشيخ يوسف القرضاوي إن هذا التقسيم ما زال له مجال في عالم اليوم ، وإن العالم يوزع في ثلاثة دور ، وهي دار الإسلام، ودار الحرب ، ودار العهد ، فجميع البلاد التي تسمى الآن (البلاد الإسلامية) والتي تسكنها غالبية مسلمة : تعدّ كلها من دار الإسلام و إن كان بعضها لا يحتكم في كل أموره إلی شريعة الإسلام بل ربما أعلن بعضها العلمانية جهاراً، مثل تركيا ، منذ حكمها كمال أتاتورك.
وحسبنا: إن هذه البلاد إسلامية الأصل والتاريخ. وإن سكانها مسلمون في أغلبيتهم على الأقل، وإن شعائر الإسلام ومظاهره الدينية والاجتماعية لم تزل معلنة وظاهرة، مثل الأذان وتلاوة القرآن والمساجد، والجمعة والجماعات والأعياد الإسلامية والإعلان بصيام رمضان، وإتاحة الفرصة للحج كل عام ، وتغسيل الميت وتكفينه ودفنه في مقابر المسلمين ، وغيرها.
کون إن أكثر البلاد الإسلامية يعلن في دستورها: إن الإسلام هو دين الدولة، أو ان الشريعة مصدر رئیس . إن سائر العالم بالنسبة لنا ، يعد دار عهد، فيما عدا دولة الكيان الصهيوني «اسرائیل» . فنحن نرتبط مع هذا العالم من حولنا (بمیثاق الأمم المتحدة). (۱۲۵)
الحادية عشر: يرى الدكتور محمد خير هيكل إن العالم موزع بين دارین : دار الإسلام ودارالكفر ، والمراد من دار الإسلام : هي البلاد التي يكون نظام الحكم فيها هو النظام الإسلامي. وفي الوقت نفسه، يكون الأمن الداخلي ، والخارجي فيها بيد المسلمين من أبنائها.
بمعنى أن القوة العسكرية التي تقر الأمن في الداخل، وتحمي حدود البلاد من العدو في الخارج – هذه القوة يسيطر عليها المسلمون، بحيث لو شاركهم فيها غير المسلمين تكون مشاركتهم فيها ثانوية، وتبقى السيطرة للمسلمين.
ويستنبط محمد خير هيكل ضرورة وجود هذين الشرطين معا – الحكم بالإسلام والقوة الإسلامية الحامية للبلاد وأهله – من واقع مكة والمدينة بعد الهجرة . فقبل الهجرة كانت مكة وغيرها من بلاد الدنيا دار كفر .
فلما هاجر النبي(ص) و المسلمون إلى المدينة وأقام فيها الدولة الإسلامية وجدت أول دار إسلام في تاريخ المسلمين ، وبقيت مكة على حالها دار كفر إلى أن دخلها المسلمون وعليه ، فأي بلد لا تصير دار الإسلام، ولا توصف بكونها دار إسلام إلا بما صارت به المدينة دار إسلام، وهي لم تصر كذلك إلا بهذين الشرطين ، وهما : الحكم بالإسلام ، والقوة الذاتية للمسلمين . (۱۲٦)
ويتضح أن محمد خير هيكل لم يراع في استنباط الشروط الوضع الدولي الراهن ، بمقدار الرجوع إلى أجواء حكمت مكة والمدينة.
اثنتا عشرة: يرى الدكتور عبد الكريم زيدان إن العبرة للسيادة القانونية فإذا كانت السيادة الأحكام الشريعة فهي دار إسلام، حتى لو كان السكان غير مسلمين، وإن كانت السيادة لأحكام الكفر فهي دار كفر.
وفي هذا يقول (وتصير دار الإسلام دار حرب بإظهار أحكام الكفر فيها أي تطبيق غير أحكام الإسلام ) (۱۲۷) وتلحظ أنه يستند إلى رأي جمهور الفقهاء إلا أن معيار الجمهور للحكم على الدار هو الغلبة، والغلبة لا تطابق مفهوم السيادة تماما ولاسيما في ظل أشكال السيادة الناقصة كما في الحكم الذاتي، والسيادة الرخوة في عصر العولمة . فالغلبة في هذه الأنظمة متحققة إلى حد ما وإن كانت السيادة اقصة(۱۲۸).
ثلاث عشرة : یری تقي الدين النبهاني إن الدول الإسلامية المتعاقبة كانت تطبق الإسلام قدر ما استطاعت ، وان زوال دولة الإسلام وما ترتب عليه من آثار لا يغير من وصف الديار بأنها ديار الإسلام ، فلا تزال هذه البلدان إسلامية ، ولا يزال أهلها مسلمون وهم محل العودة حكم الإسلام. (۱۲۹)
أربع عشرة: يرى الدكتور عبد الله إبراهيم الكيلاني، وفيصل مولوي: إن العالم مقسم على دارين ، هما دار الدعوة ودار الاستجابة، ودار الدعوة هي ما كان يعرف بدار الحرب ودار العهد لأنها بلدان نحن مدعوون لإيصال الإسلام إليهم، ودعوتهم لاعتناقه في مقابل دار الاستجابة التي هي دار الإسلام لان أهلها استجابوا للدعوة . ولهذا الرأي سنده من الفقه الشافعي إذ نصت متونها أن المسلم في دار الكفر إذا كان في منعة، فتعد مكان منعته دار إسلام، سواء أكان قادرا على الدعوة أم لا.
فالعبرة بالقدرة على الامتناع والاعتزال . وقد تقدم قول الماوردي(۱۳۰) فلاحظ. ولما كان المسلمون قادرين على أن يمتنعوا عن تطبيق غير الأحكام الشرعية، وان القوانين الغربية تحميهم، فهم في حكم من يعيش في دار الإسلام ، لذلك فالأليق كما يعتقد الكيلاني تسمية بلاد الغرب بدار الدعوة والتبشير ؛ لأن تسميتها حاليا بدار الحرب لا يصف الواقع .
ثم إن التقسيم على دار استجابة ودار دعوة أقرب الحقيقة العلاقة بين المسلمين وغيرهم (۱۳۱). وظهر هذا التوجه في مؤتمر نظمه اتحاد الشبان المسلمين عام ۱۹۹۴، في فرنسا، وعدت تلك المنظمة أن فرنسا، لم تعد للمسلمين دار عهد بل أصبحت دارة للتبشير بالإسلام (۱۳۲)
المطلب الثاني: موقف السلفية الجهادية من فقه الدارين..
لم يقبل دعاة السلفية الجهادية بالتعقيد الذي أصبحت عليه المجتمعات من تعدد وتنوع بالأراء، ومن وضع دولي قائم وحاكم ، بل اقتنعوا بفكرة وضعها محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية، تتمثل بالعودة إلى السلف الصالح عقيده ومنهج.
واخذوا عن ابن تيمية تحديده لخير «قرون هذه الأمة « في الأعمال والأقوال والاعتقاد و غيرها من كل فضيلة : التي ضبطها في القرن الأول، عصر الصحابة والخلفاء الراشدين (۱۳۳). ومن ثم أصبح الأمر على غاية من السهولة، بحيث أن كل من وافقهم وكأنه وافق الصحابة والسلف الصالح، في عقيدتهم ومنهجهم ، ويعد من المهتدين ، وان كل من خالفهم وكأنه خالف الصحابة والسلف الصالح وصار من أهل الشقاق. (۱۳۴)
يستند الفكر السلفي «الجهادي» (۱۳۵) في ترسيخ رؤيته الإيديولوجية في معايير العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم إلى التراكم الهائلمن الآراء والمفاهيم والنظريات والاجتهادات الفقهية المتنوعة في استمداد التصورات الحاكمة للعلاقة بين المسلمين وأمم العالم ، ويتميز بأنه يعتمد على بعض الاجتهادات التي تنسجم مع التوجه المتشدد إزاء الأخر الديني .
فتراه يتصف بثلاث خصائص لافتة :
أولاً: إنه يركز على آراء محددة ، ولا سیما آراء ابن تيمية .
ثانياً: إهمال الآراء الفقهية الأخرى ، وقد قال بها كثر من أهل الاجتهاد والأئمة
ثالثا : رفض الآراء التي لا تنسجم مع رؤيته الشمولية المتشددة بمستندات حديثية لا تقوى على رد الاجتهادات العامة المؤصلة بالأدلة الشرعية (۱۳۶)
يأتي تقسيم العالم عند السلفية على دار الإسلام ودار الكفر ضمن المنظومة الثنائية في اعتبارات الإيمان ، والكفر ، والحق والباطل ، والخطأ ، والصواب ، والصلاح والفساد. ودار العهد عندهم هي جزء من دار الإسلام ولا وجود مستقل لها يؤكد محمد عبد السلام فرج على أن من أهم الشروط الواجب توفرها في أي دولة ليتم تصنيفها بانها دار إسلام وليست دار كفر، أن تعلوها أحكام الإسلام.
ويستشهد بفتوى ابن تيمية عندما سئل عن مدينة ماردين – في جنوب تركيا حاليا. ، وكان قد زال حكم الإسلام عنها فقال : (أما کونها دار حرب أو سلم فهي مركبة: فيها المعنيان ؛ ليست « بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام ؛ لكون جندها مسلمين ؛ ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها کفار ؛ بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يقه») (۱۳۷)
وقد وقف عبد السلام فرج عند هذه النقطة الأخيرة ، وعليها بني موقفه من النظام الحاكم في مصر ، فقال : (إن الدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون) (۱۳۸).
ويرى أبو بصیر الطرطوسي أن (دار الإسلام هي الدار التي تكون الغلبة والكلمة الأحكام الإسلام وسلطان الإسلام ، وإن كان أكثر سكانها من غير المسلمين .. فإن كانت الغلبة والكلمة فيها لأحكام الكفر وسلطان الكفر فهي دار کفر ودار حرب، وان كان أكثر سكان هذه الديار من المسلمين). (۱۳۹)
ويرى الشيخ محمد قطب آن الدار تأخذ وصفها من غلبة الأحكام عليها وذلك بغض النظر عن عقائد أهلها فالأرض التي تحكمها شريعة الله هي دار إسلام ، ولو كان أغلب سكانها غير مسلمين، كما كانت الهند خلال ثمانية قرون من الحكم الإسلامي ، وأغلب سكانها من المجوس عباد البقر. وكذلك الأرض التي لا تحكمها شريعة الله فهي دار حرب ولو كان أغلب سكانها مسلمين، أو دار ردة إذا كان أهلها مسلمين ثم ارتدوا عن الإسلام) (۱۴۰)
فالاعتبار و الفيصل في التفريق بين الدور يكون قائما على طبيعة السلطة الحاكمة والقانون النافذ، فان كانت شرعية إسلامية تحكم بأحكام الإسلام اعتبرت دار إسلام، حتى لو كان أهلها من المشركين والكفار، وأما إن كانت خاضعة للأحكام الوضعية الكافرة فهي دار حرب ولو كان أهلها من المسلمين. ومن ثم، فالفارق الوحيد هو حاكمية الإسلام وعدم حاکمیته .
ولا يعني مصطلح دار الحرب حكما شن الحرب فعليا عليها ، وإنما هي دار أخرجت من دار الإسلام ولم تعقد معها معاهدة صلح أو هدنة ، ومؤدي ذلك أنه يجوز للمسلمين شن الحرب عليها في أي وقت.
ومن أحكام دار الحرب عند إتباع السلفية الجهادية، بغض النظر عن المتغيرات الدولية المعاصرة وظروف الأحكام المستنبطة في حينها، هي: (سبي ذراريهم، وتغنم أموالهم، ووجوب الهجرة منها، سقوط وجوب المحم لسفر المرأة المهاجرة من دار الكفر، وإذا اسلم بعض عبيد الكفار وهاجروا صاروا أحرارا ويملكون ما خرجوا به من أموال أهل الحرب) (۱۴۱)
وعمليا فان الفكر الوهابي الذي استقت السلفية الجهادية الكثير من رؤاها وتصوراتها عنه جعل المناطق التي استولى عليها جنده هي دار الإسلام، وبقية مدن نجد دار حرب، وحاربها فعلا حتى إكتمل كيان المملكة السعودية، ويلحظ أن المودودي (ت ۱۹۷۹م) سعى إلى فصل باكستان عن الهند لتكون دار الإسلام، وبعد أن أصيب بخيبة أمل راح يبحث عن مكان يوصف بأنه دار الإسلام ، ويذكر مصطفى محمود أن المودودي قد دعي من السيد محمد إقبال للعيش في قرية كان صاحبها قد وقفها الله ، واستجاب فعلا وأطلق عليها دار الإسلام ! (۱۴۲)
وتعد السلفية الجهادية امتدادا طبيعيا السلفية ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ويعد أبو الأعلى المودودي (ت ۱۹۷۹م) ، وسيد قطب (ت ۱۹۶۶م)، الركيزة الأساسية لهذا الاتجاه الحركي. (۱۴۳)
فالمودودي أول من نظر لمسألة الحاكمية(۱۴۴)، التي من خلالها حكم على المجتمعات المسلمة بالجاهلية، معللا ذلك بأنها لا تطبق الشريعة الإسلامية، وعلى الأنظمة بالكفر؛ لأنها تحكم وفق القانون الوضعي .
ويتناغم هذا مع آراء سيد قطب الذي أعلن في كتابه «معالم في الطريق « غياب مفهوم الأمة المسلمة ، فحكم بكفر الأمة بلا تردد ، شاملا الحاضر والماضي من وجود المسلمين مستثنياً عهد الخلافة الراشدة، يقول: (ليس على وجه الأرض مجتمع قرر فعلا تمكين شريعة الله وحدها ورفض كل شريعة سواها) (۱۴۵) فالأمة الإسلامية – كما يراها (قد انقطع وجودها منذ قرون كثيرة) (۱۴۶) ثم يقرر بشكل واضح 🙁 إن الناس ليسوا مسلمين – كما يدعون – وهم يحيون حياة الجاهلية ) (۱۴۷)
ويقول في مكان آخر من كتابه:(ينبغي أن يكون مفهوما لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولا إلى اعتناق العقيدة حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين ، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون؛ يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو أولا ، إقرار عقيدة لا اله إلا الله، بمدلولها الحقيقي، وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله.. فإذا دخل في هذا الدين – بمفهومه الأصيل – عصبة من الناس ، فهذه العصبة هي التي يطلق عليها اسم المجتمع المسلم ) (۱۴۸)
ويذهب مروان شحادة إلى أن الدافع الأساسي لسيد قطب هو نزع الشرعية من الأنظمة العالمية القائمة اليوم في دول العالم كافة تمهيدا لتغييرها والانقلاب عليها وذلك عن طريق الوظيفة الثورية الانقلابية الجهاد في الإسلام (۱۴۹).
وبذلك يضع ضمن مهام الجهاد التقليدية الجهاد ضد المسلمين الذين لم تتحقق بهم صفة الإسلام الحقيقي كما يراه او اعتبار دیار هم ديارحرب ، وكل ذلك قبل جهاد غير المسلمين. (۱۰۰) فتكون مقاتلة من لم يصح إسلامهم حق واجب ، وبهذا يعيد إنتاج أفكار ابن تيمية(۱۰۱)
و عليه ، فقد وصل الأمر إلى إخراج معظم أو كل البلاد الإسلامية من مسمی دار الإسلام، مع بدء ميلاد فكرة الحاكمية التي بلورها أبو الأعلى المودودي ، ووسعها وبنى عليها سید قطب في الجاهلية المعاصرة ، و استند إليها تنظيم الجهاد الإسلامي في مصر عام ۱۹۷6م بزعامة أيمن الظواهري – الذي أصبح الرجل الثاني في القاعدة – في مواجهاته مع الغرب، وقد وصلت فكرة تحول دار الإسلام إلى دار كفر إلى ذروتها بعد إعلان واشنطن الحرب على القاعدة وطالبان عقب أحداث 11 سبتمبر فمقابل تقسیم بوش العالم على محوري خیر وشر ومن ليس معنا فهو ضدنا ،
فان السلفية الجهادية قسمت العالم على فسطاطين : الأول: فسطاط الإيمان أو الإسلام ، والثاني : فسطاط الكفر والنفاق … والأول في نظر هم هي القاعدة وأنصارها، والثاني هم كل أعداء القاعدة ، أي جميع دول العالم تقريبا بما في ذلك الدول العربية والإسلامية.
وبهذا أصبحت خارطة العالم اجمع بالنسبة للسلفية الجهادية دار كفر وحرب ، وعمليات القتل الجماعي بالسيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة أو الاغتيالات،و فيها مشروعة لأنها تستهدف الكفار ، سواء كانوا في دول الكفر الأصلية أو المتحولة.
ولا يعصم دم الكافر الحربي إلا إذا دخل دار الإسلام بعقد أمان ؛ ولأنه لم يعد في نظر هم دار إسلام، فعقد الأمان الذي دخل الأجانب بموجبه البلاد العربية والإسلامية منحته الأنظمة والحكومات غير الشرعية، لا قيمة له ، فضلا عن عملاء الغربيين من المسلمين ولاسيما المرتبطين بالأنظمة ، إذ يأخذ هؤلاء حكم الكفار مهدوري الدم (۱۰۳)
فتكون فكرة تقسيم العالم على دار إسلام ودار كفر وحرب من الأسس التي تدفع للجهاد ضد المسلمين عند السلفية الجهادية» ، فان الديار التي يعيشها المسلمون ، وكانت قبل : دار إسلام وأمان، قد انقلبت إلى دار کفر وردة ؛ لأنها حكمت من قبل المرتدين ، ولأن الكفر قد بسط سلطانه عليها من خلال أحكامه و دساتيره.
وإذا تبين للسلفية الجهادية، أن الطوائف الحاكمة (154) هي طوائف ردة وكفر، وجب على المسلمين جميعا أن يقاتلوا هذه الطوائف حتى تزول أو تعود إلى الإسلام ، وحكمهم في قتال هذه الطوائف هو حكم قتال الدفع ، و هو فرض عين ، ولا شر ط لوجوبه – جهاد الدفع – مع قتال الطائفة أو الإعداد لهذا القتال ، سوی القدرة، فإذا خدمت القدرة وجب الإعداد ، فليس هناك من حال تجيز للمسلم أن يخرج من هذه الأحكام ، فمن قائلهم وقد أيقن بهلاكه و عدم حصول الغلبة فهو مقاتل مأزور غير مأجور ، فان عدم القدرة على الإعداد وجبت الهجرة، فان عدم القدرة عليها ، وجبت العزلة. (15
ويلاحظ على هذا الفقه ما يأتي :
أولا: ان الفقه السلفي الجهادي لا يستطيع أن يخرج من تداعيات و معطيات الظروف التي جرت في العصور الأولى للإسلام بل اخذ بسحبها إلى الواقع الراهن بوصفها دين (۱۰۹) وتعامل مع التراث الديني بوصفه ثابتة بشكله ومضمونه، مع أن الفقه الإسلامي ديمومته قائمة على عنصرين، هما الثابت والمتحول. بينما السلفي ( هو إنسان مقلد فضلا عن أنه أهمل الزمان والمكان ، واغتال التاريخ و اسقط العقل ويعيش في القرن العشرين مقلدة القرن السابع ، والتقليد مستحيل؛ لأن ظروف القرن السابع تختلف عن ظروف القرن العشرين.) (۱۵۷)
ثانيا : تخلو هذه الأفكار من أي مقاربة نظرية مع واقع العلاقات الدولية القائمة اليوم التي صار بموجبها الاعتراف بالدول الأخرى عرفاً دولياً سائداً، والتعامل معها اقتصاديا وثقافيا من المفروغ منه فهي قراءة ذرية تجزيئية للتراث والواقع يؤدي فيها المتخيل التاريخي دورا أساسيا في صياغة الرؤى والأطروحات (۱۵۸)
ثالثا : إن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ليس شرطا لاعتبار الدار دار إسلام ، ولكنه حق من حقوق دار الإسلام في أعناق المسلمين. فإذا قصر المسلمون في إجراء الأحكام الإسلامية على اختلافها في دارهم الإسلامية، فان هذا التقصير لا يخرجها عن كونها دار إسلام، ولكنه يحمل المقصرين ذنوب وأوزارة.
ثم أن معنى كونها أصبحت دار حرب أن على المسلمين أن يرحلوا عنها … ونتيجة ذلك ، التخلي عن معظم أو كل الديار الإسلامية التي دخلت في حوزة الإسلام ، وترکها غنيمة باردة اللغاصبين والناهبين!. (۱۵۹)
رابعا : ان الفكر السلفي «الجهادي» عمل على نقل مفهوم الدارين من رؤية فقهية تبرز طبيعة العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية إلى رؤية للصراع الداخلي ، وتوظيف ذلك في نزع الشرعية عن الأنظمة الاجتماعية والسياسية القائمة . وتبرير الجهاد ضد مسلمين لم تتحقق بهم صفة الإسلام الحقيقي – كما يرون – على الرغم من أنهم آمنوا بالإسلام ، وأدوا الفرائض وتمسكوا بدينهم (۱۶۰)
خامسا: إن وجود المسلمين وكثرتهم في البلاد يعد المعيار الإنساني المتفق عليه حاليا في توصيف بلدان العالم، لأن الغالبية المقتنعة بدینها تجبر سلطاتها على الالتزام به، إلا إذا عجزت الطليعة المسلمة عن إقناع الكثرة بمسلك من المسالك داخل المعرفة الدينية، فالمشكلة إذن في وسائل الإقناع وليس في عدم صلاحية الكثرة لإعطاء وصف ما لبلد ما ولا في صلاحية الدين نفسه.
إن إعطاء وصف «دار الإسلام » لمجرد وجود الحاكم المسلم ولتطبيق قوانين الإسلام حتى مع كثرة سكانه من غير المسلمين افتراض غير متعقل إلا بوضع استثنائي قهري وإلا فانه يتعارض مع قوله تعالی «لا إكراه في الدين » ومثل هذا الخلل يرفع الاستنباط الفقهي الاجتهادي إلى مصاف الآية الكريمة (النص).(۱۶۱)
ويبدو لنا المرضي من جميع ما تقدم:
أولا : ليس ثمة مانز وصياغة وتعريف واحد عند الفقهاء لدار الإسلام – كما لاحظنا ۔ إذ يشترط البعض شروطا لا يراها الأخر في المذهب نفسه، بقسميها الثنائي أو الثلاثي، وهذا الخلاف لم يقتصر عند الفقهاء الماضين بل تعداهم إلى المعاصرين، اذ كان خلافهم أشد وأمضى. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذا العنوان متصيد منتزع من نصوص أحكام الهجرة ، فضلا عن طبيعة الوضع الدولي وفهمه.
واننا نرى على وفق ما رجحناه من أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم الأصل فيها السلم وان الحرب تكون لعنوان طارئ وهو لدفع العدوان الواقع أو المتوقع ، وبقراءة الوضع الجيوسياسي في السابق والحالي ، فان دول العالم تنقسم على أربعة أقسام، و هي : الدول الإسلامية والدول المحاربة، والدول المعاهدة، والدول المحايدة . ولا ضرورة وملازمة بين الكفر والحرب .
فقد تكون هنالك دولة كافرة قد عقدت معاهدة عدم الاعتداء فتكون ديارهم معصومة من أي تجاوز بحقها بلحاظ هذا العقد. وقد تكون هذه الدار دیار حياد كما لاحظنا ذلك في الحبشة التي هاجر إليها المسلمون وبأمر النبي لوجود العدل والأمان فيها.
مع أن هذه الدار لا ظهور فيها للإسلام على مستوى البلد. وان ظهر شيء من الشعائر فذلك بإذن من السلطة غير الإسلامية كما أنها لم تدخل بعهد مع رسول الله ، ومع ذلك كانت العلاقة سليمة ، فهؤلاء لهم السلام والبر والقسط وعدم الاعتداء ما داموا على حيادهم ؛ لأن الأصل في العلاقات مع الخارج غير المسلم هو السلام ، والتعاون ، والبر.
ثانيا : ونرى أن دار الإسلام هي الدار التي تقوم بأمرين:
الأمر الأول:تكون فيها الكثرة للمسلمين بحيث يشكلون علامة بارزة في الوجود السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وهذه الكثرة هي من أبرز المعايير المعتبرة دوليا في الوقت المعاصر في تحديد هوية البلد وثقافته.
الأمر الثاني : حرية الممارسة الدينية ، كأداء الشعائر الإسلامية من الصلاة والحج والصوم وقراءة القرآن والتعطيل يوم الجمعة ، وإقامة صلاتها، استنادا إلى نصوص الهجرة التي ترجح انها لم تنسخ.
ثالثا: نرى أن الفهم السلفي الجهادي لدار الإسلام وما يترتب عليه يتعارض مع الفهم العقلاني للإسلام، ولا يتجانس مع الثوابت المتوفرة في النصوص الدينية والتي من أبرزها عصمة المسلم بماله ونفسه و عرضه .
الهوامش:
(۱۱۳) لعولمة في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم ساد هذا المصطلح في معظم أنيات العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ومع ذلك ليس ثمة إجماع على ماهية العولمة، وإذا أردنا أن نقترب من صياغة تعريف شامل للعولمة ، فلابد أن نضع في الاعتبار ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها : العملية الأولي تعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس ، والعملية الثانية تتعلق بتذويب الحدود بين الدول ، والعملية الثالثة هي زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات. ينظر : ياسين السيد ، العرب والعولمة ، الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت ۱۹۹۸م، ۲٧.
(۱۱٤ ) ينظر في الاجتماع السياسي الإسلامي ۱۲۱-۱۲٣.
(۱۱٥) النحل، ۹۱-۹۲.
(١١٦) التوبة ،٤، ۷.
(۱۱۷) الممتحنة، ۸.
(۱١۸) ينظر: الجهاد، ٣٩٤ – ٣٩٥.
(۱۱۹ ) ينظر إشكالية فهم النصوص المرجعية الدي الأصولية المعاصرة، رسالة دكتورة ، ۳٦٤.
(١٢٠).١٧١. ١٧٦
(۱۲۱ ) ينظر السياسة الشرعية ، الناشر : دار الأنصار – القاهرة .۱۳۷۹، ۷۵.
(۱۲۲) العلاقات الدولية في الإسلام، ٥٧. ٦٠. نظرية الحرب في الإسلام، الطبعة الثانية – القاهرة ١٤٢٩ه. ٤٧. ٥٠.
(۱۲۳) هكذا فلندغ إلى الإسلام ، ٩١.٩٣.
(۱۲٤) موقع إسلام أون لاين ، حوار مع الشيخ راشد الغنوشي تم الاطلاع عليه في تاریخ ،٢٣/ ١٢/ ٢٠١٥م.
(۱۲٥) ينظر: فقه الجهاد ،۸۹٤-۸۹٥.
(۱۲٦) الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، ٦٦٩.
(۱۲۷) مجموعة بحوث فقهية، ٥١.
(۱۲۸) د. عبد الله إبراهيم الكيلاني، تطور العلاقات بين الدول ۱۷.
(۱۲۹) تقي الدين النبهاني ، الدولة الإسلامية،١٥٧. وينظر: هاشم عليوان ، الشيخ تقي الدين النبهاني، ۱۸١.
(۱۳۰) الحاوي الكبير، ١٤/ ١٠٤ – ١٠٥.
(۱۳۱) د. عبد الله إبراهيم الكيلاني، تطور العلاقات بين الدول، ۱۷. فيصل مولوي، الأسس الشرعية العلاقات الدولية بين المسلمين وبين غير المسلمين،٣١٥.
(۱۳۲) ينظر: محمد الميلي ، سوء التفاهم بين أوروبا والإسلام، مجلة الندوة ، عدد آب ، ۱۹۹۷ – الأردن، ، ۲۵.
(۱۳۳) ينظر: ابن تيمية (ت ۷۲۸ه) ، مجموعة الرسائل والمسائل ، خرج أحاديثه وعلق عليه : السيد محمد رشيد رضا،لجنة التراث العربي، ١/ ٥١-٥٢. (١٣٤) ينظر: د. شعبان الشمري ، نظرية التفكيك للنص الديني عند العقل التكفيري، الناشر: دار النصر بیروت ، الطبعة الأولى – ١٤٣٥ه، ٤٩.
(۱۳٥) يرى كثير من المؤرخين : إن النواة التنظيمية السلفية الجهادية ، قد تشكلت من رحم حركة الإخوان المسلمين ، ففي سنة ۱۹۳۹م أنشأ حسن البنا تنظيمة عسكريا تابع للجماعة أطلق عليه النظام الخاصة وكان هدفه الجهاد ضد الاستعمار الأوربي. كما لعب دورا إلى جانب الجيش النظامي المصري في حرب فلسطين عام ١٩٤٨م. وبعد حالة العداء التي حصلت بين الإخوان وحكومة جمال عبد الناصر، وبالتحديد بعد محاولة اغتياله سنة ١٩٥٤م، والتي اتهم بها الإخوان المسلمون ، زجوا على اثر ذلك بالسجون والمعتقلات عبر حملة قمع واضطهاد رهيبة. وفي هذه الظروف يبدأ فكر سید قطب يتحرك عند هذه الجماعات، لا سيما بعد تأليفه كتاب ( معالم في الطريق الذي بات دلیل عمل للتيار الإسلامي المتشدد. ثم في هذه الأثناء بدأ شباب الجماعة الإسلامية بالتعرف على فكر المودودي ، فتأسست جماعات الجهاد التي اعتمدت فكر المودودي وسيد قطب. وقد كشفت الثمانينات في مصر ، والتسعينات في أفغانستان أن جماعات الجهاد المصرية تقود تحولات كبرى في الحركة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي ، والتي اشتركت مؤخرأ. مع ابن لادن من خلال أيمن الظواهري في تشكيل تنظيم القاعدة عام ۱۹۸٦م. وقد تفرع عن هذا التنظيم فروع وحركات وكان من أبرزها : تنظيم « داعش» الدولة الإسلامية في العراق والشام « وجبهة النصرة. ينظر : د. محمد أحمد صالح أبو الطيب ، الإمام حسن البناء ۱۲۷. د. احمد سادات ، الجماعات الإسلامية ، ۳۰۲. ٣١٤ محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ، الناشر: دار الدعوة – الإسكندرية الطبعة الرابعة. ۱۹۹٤، ٤١٧. جبيل كيبيل، الفتنة حروب في ديار الإسلام ، ۲۰۸ (۱۳۶) د. عبد الأمير كاظم زاهد ، اشکالية فهم النصوص المرجعية لدى الأصولية المعاصرة ، ٣٥٨.
(۱۳۷) مجموع الفتاوی ، طبعة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ، ٢٨/ ٢٤١.
(۱۳٨) الفريضة الغائية،٥. book/www.altar
الهجرة المسائل و أحكام(١٣٩)
tosi. Com // http:
(١٤٠) واقعنا المعاصر، الناشر : دار الشروق ، القاهرة – ۱۹۹۷م ، ٤٠٨.
(١٤١) عبد الله بن سعد الفهد، أنواع الديار وأحكامها ، مجلة صوت الجهاد ، محرم – ١٤٢٨ه، ۳۳/۳۰ د. احمد سادات، الجماعات الإسلامية ، بين المقاومة والإرهاب ، الناشر : دار المحجة البيضاء ، الطبعة الأولى ، ١٤٣٤ه، ٤٠٤.
(١٤٢) دراسة في نظرية الإصلاح عند المودودي ، رسالة ماجستير – الأردن، ۱۲۰.
(١٤٣) ينظر: د. محمد احمد صالح أبو الطيب، الإمام حسن البنا قراءة في مشروعه السياسي، الطبعة الأولى، بغداد ۲۰۰٦ م تصميم ناصر عطية ، ۱۲۶ .
(١٤٤) يقول المودودي : ( أن الدولة الإسلامية تقوم على أساس واحد، هو حاكمية الله الواحد الأحد، إن نظريتها السياسية، تقوم على الأرض كلها له، وهو ربها ، والمتصرف في شؤونها، فالأمر والتشريع والحكم، كلها مختصة بالله وحده ، وليس لفرد أو أسرة، أو طبقة او شعب ، ولا للنوع البشري كافة شيء ، من سلطة الأمر والتشريع ، فلا مجال في حظيرة الإسلام، ودائرة نفوذه إلا لدولة يقوم فيها المرء بوظيفة خليفة الله). نظرية الإسلام وهديه في السياسية والقانون والدستور، ۷۷- ٧۸. ويقول سيد قطب في تعريف الحاكمية : هي ان يكون الحكم والشريعة، والتقاضي حسب مواثيق الله ، وعقوده وشرائعه، التي استحفظ عليها أصحاب الديانات السماوية، واحدة بعد الأخرى، وكتبها على الرسل، وعلى من يتولى الأمر بعدهم ليسيروا على هداهم في ظلال القران، ٢/ ٧٢٤.
(١٤٥) معالم في الطريق ،۳۹.
(١٤٦) المصدر نفسه ، ۸.
(١٤٧) المصدر نفسه ، ۱۷۳.
(١٤٨) المصدر نفسه، ٤٠.
(١٤٩) ينظر: السلفية الجهادية – دار الإسلام ودار الكفر، الناشر: مركز المسبار ، ٥٧.
(۱۵۰) بنظر: هالة مصطفى ، الإسلام السياسي في مصر من حركة الإصلاح إلى جماعات العنف، الناشر: مركز المحروسة – القاهرة، ۱۰۵.
(۱٥۱) هالة مصطفي ، الإسلام السياسي في مصر من حركة الإصلاح إلى جماعات العنف ،۱۰۵.
(۱٥۲) در شعبان الشمري ، نظرية التفكيك للنص الديني عند العقل التكفيري، ۸۳.
(۱٥۳) ينظر: جابر زاید، منطلقات الحوار الفكري مع القاعدة ، الناشر معهد الميثاق ۱۳۰. والدكتور احمد سادات ، الجماعات الإسلامية ، ٢٤٣-٢٤٤.
(١٥٤) يقصد بالطوائف الحاكمة هي التي تملك الشوكة والقوة والتأثير والمنعة ، فتدخل الأنظمة وأجهزة الدولة من جيش وشرطة وقضاة واعلاميين و علة الكفر عند هؤلاء هو توسيد الحاكمية لغير الله في المشروع للقوانين غير الإسلامية والحامي والمروج لها هم من يطلق عليهم لفظ الحاكمة المرتدة.
(١٥٥) يقول الشيخ يوسف القرضاوي : ( ولقد راعني أن وجدت بعض الشباب المخلصين من بعض الجماعات الإسلامية في أمريكيا قد أثاروا جدلا عنيفا في أحد المراكز الإسلامية ؛ لان المسلمين يجلسون على الكراسي في محاضرات السبت والأحد، ولا يجلسون على الحصر أو السجاد كما يجلس أهل المسجد .. وأنهم يلبسون البنطلونات لا الجلابيب ، ويأكلون على المناضد لا على الأرض..). الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف ،۳۹. ويبدو أن استنكار هذه الجماعات لهذه العادات لأنها لم تكن متداولة ومعمول بها في القرون الثلاثة التي قال أحياها ابن تيمية.
(١٥٦) محمد رفعت زنجیر ، اتجاهات تجديدية متطرفة في الفكر الإسلامي المعاصر، ۹٥.
(۱٥٧) د. عبد الأمير كاظم زاهد، إشكالية فهم النصوص المرجعية لدى الأصولية المعاصرة ، رسالة دكتوراه ،۳۶۱.
(۱٥۸) الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ، الجهاد في الإسلام ، كيف نفهمه ونمارسه ، ۸۱-۸۲.
(۱٥۹) ينظر : د. عبد الأمير زاهد، إشكالية فهم النصوص المرجعية لدى الأصوليات الإسلامية المعاصرة ، الناشر: دار الانتشار العربي ، الطبعة الأولى. ۲۰۱٦م، ۲۲۱۰۲۲۰، و حسن أبو هنية ، دار الإسلام والنظام الدولي في فكر السلفية الجهادية المعاصرة، ٥٦.
(۱٦٠) د. عبد الأمير كاظم زاهد، إشكالية فهم النصوص المرجعية لدى الأصولية المعاصرة، رسالة دكتوراه، ٣٦٣.
المصدر: مجلة ” دراسات الأديان” مجلة نصف سنوية محكمة تصدر عن قسم دراسات الأديان في بيت الحكمة – بغداد العدد ( 31 ) لسنة 1438 هـ / 2016م.
أ.د. عبد الأمير كاظم زاهد* كلية الفقه جامعة كوفة
م.م. حيدر شوكان سعيد كلية الدراسات القرآنية / جامعة بابل