الاجتهاد: في أحد دروسه التي ألقاها بأحد مساجد حي الخضراء، قال الشيخ الحازمي إن كل من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر كافر عالمًا كان أم عاميًا حاشدًا الأدلة من أقوال أئمة الدعوة النجدية وابن تيمية وغيرهم من العلماء لإثبات صحة ما ذهب إليه ولم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلى تكفير المتوقف في تكفير العاذر بالجهل. بقلم: الكاتب والصحفي التونسي شمس الدين النقاز
لم يكن يخطر ببال الشيخ السعودي أحمد بن عمر الحازمي أن تأصيلاته العقدية التي روجها في دوراته العلمية بأحد مساجد حي الخضراء بالعاصمة تونس، ستصبح منهجًا عامًا لجيل جديد من الجهاديين المنتشرين في كل مكان والذين شكلوا النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية {داعش} بنسخته العراقية السورية.
الشيخ أحمد بن عمر الحازمي هو داعية سعودي في العقد الخامس من العمر من مواليد مكة المكرمة، أتم شهادة البكالوريوس من جامعة أم القرى تخصص كتاب وسنة، درس على يد عدد من المشايخ وأكثرهم غير سعوديين، على غرار محمد علي آدم الأثيوبي الذي لازمه لسنوات طوال بدار الحديث بمكة المكرمة ومحمد الخضر الشنقيطي وسيدي الحبيب الشنقيطي ومحمد أمين الهرري ووصي الله عباس وأحمد بن حميد وعبد الكريم الخضير وغيرهم.
عرف عن الشيخ الحازمي براعته في علوم الآلة وهي مفاتيح علوم الشريعة الإسلامية كما يذكر في دروسه، وهي النحو والصرف والبلاغة والمنطق وأصول الفقه والقواعد الفقهية، كما يحفظ القرآن الكريم وعددًا من الألفيات في شتى الفنون، وفي مقابل إتقانه لعلوم الآلة التي درسها على أيدي الشناقطة، لم يعرف عن الحازمي تلقيه دروس العقيدة على أيدي مشايخ متمكنين، فلم يذكر طلبته الكتب والشروح التي تلقاها من المشايخ الذين درس عليهم فيما يتعلق بهذا العلم الدقيق رغم تزامن فترة أخذه للعلم مع شد رحال أقرانه من كل مكان إلى المساجد التي يلقي فيها الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين دروسهما.
عَرف الشيخ الحازمي تحولات كبيرة في مسيرته العلمية وذلك فيما يتعلق بتدريسه للعقيدة، ففي بداياته كان يرى النظام السعودي حاكمًا شرعيَا لا يجوز الخروج عليه كما هاجم المعارضين السعوديين المقيمين في الغرب على غرار سعد الفقيه، حيث قال في الدرس السابع عشر من شرحه لكتاب “لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد” للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي إن “ولي الأمر له خصوصية بالشرع، نحن لا نقول: الحكام كلهم على الإسلام، وإنما في مثل هذه البلاد يُعلن فيها الشرع تحكيم الشرع، نحن لا نُحكم هنا إلا الكتاب والسنة، إذا كان هذا المبدأ العام وهذا الذي يعرفه القاصي والداني، ولذلك من السفه ما يفعل الآن،
يعني: بعضهم لا يرتئي أو ما يرتضي أن يكون بين بلاد المسلمين، يخرجون إلى بلاد الغرب، هذا غريب، سعد الفقيه ومن على شاكلته لم يرضوا أن يكونوا تحت راية آل سعود هنا، وهم يُحكمون الشرع ويُصلون مع المسلمين وظاهرهم ظاهر المسلمين ويتركون عباد الله يصلون ويصومون إلى آخره، ويرضى بحكم بلير وغيره”.
وأضاف “هل هناك مقارنة؟ ما فيه مقارنة أبدًا، ليس هناك مقارنة البتة، تعلم أن هؤلاء الذين يدعون إلى تحكيم الشريعة بمثل هذه الصور كأنهم أصحاب هوى، وهذا خوارج، هذا نبراس، الخوارج منهم من يخرج باللسان دون السنان، هذا واحد منهم خرج بالمظاهرات والاعتصامات ونحو ذلك، كل هذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، ولذلك لا يورد أحد من أهل العلم الكبار عندنا من يؤيد مثل هذه الأشياء، إذ يرون أن المظاهرات من وسائل الدعوة البدعية إن صح أنها وسائل دعوة، ولا يرى الاعتصامات أنها مما يُدعى به إلى الله عز وجل، إنما هم يقلدون الغرب فيخرجون إلى بلاد الكفر، ثم يعيشون بينهم مثل إخوانهم، حبًا لهم ورضاءً بما عندهم ويحرسونهم ويدعمونهم بالمال ونحو ذلك، ثم يقولون: نريد حكومة إسلامية…”.
ومع انطلاق الثورات العربية وسقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، سافر عدد من الدعاة السعوديين إلى تونس ومصر لإلقاء محاضرات ودورات علمية متنوعة عرفت إقبالاً كبيرًا خاصة من الشباب التونسي الذي عاش أكثر من نصف قرن في دولة اتخذت سياسة تجفيف المنابع خيارًا لها.
كان الشيخ الحازمي أحد عشرات الدعاة الذين دخلوا تونس لإلقاء دورات علمية في العقيدة والنحو وأصول الفقه، ومن المفارقة أن أول زيارة له جاءت بعد أقل من شهرين من انتخابات المجلس التأسيسي في 23 من أكتوبر 2011، وذلك في إطار إلقاء دروس في الشريعة بأحد مساجد حي الخضراء أحد أبرز الأحياء الشعبية التي ينشط بها السلفيون بالعاصمة تونس، وكانت الزيارة الأولى للشيخ السعودي عادية ولم تعدُ أن تكون جس نبض للشباب التونسي ومدى استعدادهم لتلقي العلم و”العقيدة الصحيحة” من أفواه الدعاة الأصوليين، لكن سرعان ما تحولت الزيارتان اللاحقتان إلى نشر تأصيلات عقدية لم يسبقه إليها أحد من المعاصرين، مما أحدث ضجة في صفوف التيار السلفي الجهادي ما زالت تبعاتها إلى الآن.
ففي أحد دروسه التي ألقاها بأحد مساجد حي الخضراء، قال الشيخ الحازمي إن كل من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر كافر عالمًا كان أم عاميًا حاشدًا الأدلة من أقوال أئمة الدعوة النجدية وابن تيمية وغيرهم من العلماء لإثبات صحة ما ذهب إليه ولم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلى تكفير المتوقف في تكفير العاذر بالجهل.
ما ذهب إليه الحازمي لم يعجب عددًا من العلماء السلفيين في السعودية وتونس وغيرها من الدول الأخرى وكان من بين هؤلاء الشيخ سليمان العلوان الذي أجاب عن سؤال بشأن العذر بالجهل ورأيه فيمن يقول إن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر لا يسمى مسلم، فأجاب قائلاً: “من يقول إن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ليس بمسلم هذا من أهل الجهل والضلال ولا يسمى عالمًا، بل ولا طالب علم، وهذا القول قول الخوارج والمعتزلة، نعم لو قال إن من يعذر فقد غلط فهذا لا شيء فيه، وما زال أهل العلم مختلفون في هذه المسألة، ولم يبدِع بعضهم بعضًا فضلاً عن التكفير، فهذا القول لا أصل له”.
رد الشيخ أحمد الحازمي على العلوان لم يتأخر كثيرًا وذلك من خلال أربعة أشرطة بعنوان “الأدلة والبراهين القطعية على بطلان الفتوى التونسية” قال في مقدمة الشريط الأول “نخصِص هذه الليلة وما يأتي من ليالٍ بإذن الله تعالى في وقفة علمية تأصيلية مع فتوى قد انتشرت في تونس، ونشرها بعض الأخوة هناك، وطلب أكثر من إخواننا الموحدين النظر في هذه الفتوى، والرد عليها بأصول علمية مقررة على مذهب أهل السنة والجماعة، وهي فتوى تتعلق بمسألة العذر بالجهل والموقف من العاذر الذي يعذر من يقع في الشرك الأكبر”.
وأضاف مهاجمًا العلوان “هذه الفتوى فيها شيء من الأباطيل والجهالات التى تدل على جهل قائلها، وأنه لم يضبط أصل التوحيد من أصله، ولم يعرف حقيقة الكفر بالطاغوت، فإنما ترمى كعادة الجهمية، ترمي ألفاظ فيمن يكفر المشركين أو يكفر من لم يكفر المشركين بكون هذا مذهب الخوارج، أو أنه مذهب المعتزلة، أو أنه مذهب التكفريين، هذا كله من الأباطيل التي يجب ردها لكن بطريقة علمية تبين وتكشف عور هؤلاء الذين يتلبسون بالعلم يتلبسون بالسلفية وكذلك بالتوحيد…”.
بدأ الشيخ الحازمي رده على الشيخ سليمان العلوان بتقعيد المسائل وتأصيلها وحشد الأدلة من أقوال أئمة الدعوة النجدية وابن تيمية وغيرهم لتصحيح مذهبه والتأكيد أن عدم العذر بالجهل وتكفير العاذر مسألتان نقل فيهما غير واحد من أهل العلم والإجماع، وهو ما اعتبره خصومه ادعاءً باطلاً خاصة أن هذا القول لم يسبقه إليه أحد من أهل العلم المعتبرين بخلاف “الغلاة”.
الردود انهالت على الشيخ الحازمي من كل حدب وصوب، فكتب الشيخان أبو عبد الله التونسي وطارق عبد الحليم وغيرهما ردودًا علمية تنسف ما ذهب إليه الحازمي، كذلك استنكر الشيخان المغربيان عمر الحدوشي وحسن الكتاني فتوى “تكفير العاذر”، مما دفع أحد خواص طلاب الحازمي من التونسيين المقيمين في السعودية وهو أبو جعفر الحطاب إلى الرد عليهما وتكفيرهما في شريط صوتي بعنوان “الثمر الداني بالرد على الحدوشي والكتاني” نشرته مؤسسة “البيارق” الجناح الإعلامي لتنظيم أنصار الشريعة في تونس.
أبو جعفر الحطاب يقسم السلفيين إلى فسطاطين
أبو جعفر الحطاب الذي تولى منصبًا مهمًا في اللجنة الشرعية بأنصار الشريعة، أحدث ضجة في تونس بسبب ما ذهب إليه من تكفير للحدوشي والكتاني، كما أحدثت كلمته الصوتية انقسامًا حادًا في صفوف التيار السلفي الجهادي المحلي حيث أصبح “تكفير العاذر” منهجًا عامًا للمنتمين لأنصار الشريعة في حين رفض الآخرون تبني هذا القول ورفضوا الانشغال بأقوال “الغلاة” و”الخوارج” حسب وصفهم.
بعد التضييقات التي طالت رموز التيار السلفي على إثر أحداث السفارة الأمريكية وملاحقة “أبو عياض” أمير تنظيم أنصار الشريعة وأقرب مساعديه ومنع تنظيم ملتقاهم السنوي في شهر مايو 2013 م بمدينة القيروان تزامنًا مع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية {داعش} إلى سوريا وإعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، التحق أبو جعفر الحطاب وعدد من تلاميذ الحازمي في السعودية وتونس بتنظيم الدولة في سوريا، ليكونوا النواة الأولى في إرساء دعائم “الخلافة”.
لكن وبعد استتباب الأمور وسيطرة تنظيم الدولة {داعش} على أراضٍ شاسعة في العراق وسوريا، بدأت الأمور في الداخل تسوء مع تبني أبي جعفر الحطاب لقول شيخه الحازمي بتكفير العاذر ونشر ذلك في صفوف المقاتلين وطلاب العلم مستغلاً صفته وموقعه حيث كان قاضيًا شرعيًا بارزًا في إحدى الولايات التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا.
قررت القيادة العليا تنظيم مناظرات بين القائلين بـ”تكفير العاذر” وخصومهم رغم أن المنهج المعلن للتنظيم هو عدم العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر وعدم تكفير العاذر.
نجح الحطاب في نشر مذهب الحازمي داخل اللجان الشرعية والقضائية والعسكرية بتنظيم الدولة، وتبعه في ذلك عدد من التونسيين والسعوديين الذين أعلنوا تمردهم على أبي بكر البغدادي لأنه “جهمي” لا يكفر “العاذر” في حين كان عليه الصدع بـ”ملة إبراهيم” وتكفير زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري والملا عمر وغيرهما من أصحاب “العقيدة المنحرفة”.
ما التسلسل في التكفير؟
مع استفحال “المنهج الحازمي” داخل تنظيم الدولة، قررت القيادة العليا تنظيم مناظرات بين القائلين بـ”تكفير العاذر” وخصومهم رغم أن المنهج المعلن للتنظيم هو عدم العذر بالجهل في مسائل الشرك الأكبر وعدم تكفير العاذر، أي أن مرد الخلاف بينهما مسألة “التسلسل في التكفير” والتي تفضي في النهاية إلى أن من لم يكفر الكافر يكفر بإطلاق عالمًا كان أم جاهلاً، ويقصد بكلمة التسلسل في التكفير هنا “تكفير الكافر الذي قضت النصوص الشرعية الصريحة بكفره وشركه، وتكفير من لم يكفره، وسميت سلسلة لأنها مرتبطة ببعضها كحلقات السلسلة المتصلة فكل حلقة مرتبطة بأختها لزومًا من غير انفصال، وما دامت كذلك فالحلقة الأخيرة متصلة بالحلقة الأولى كاتصال الثانية بالأولى على درجة واحدة لا فرق”.
المناظرات والردود بين الفريقين انتقلت إلى شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات الجهادية التي أصبحت تنشر مقالات طويلة لكلا الطرفين، يحشد فيه كل منهما الأدلة على صحة مذهبه ويفند حجج الطرف المقابل على غرار “الحازمي بين كبيرة القعود وضلال الجامية” و”إعلان النكير على فرقة البنعلي الجهمية الحمير” و”القول الندي في كفر دولة البغدادي” و”كفريات دولة البغدادي”.
حشد الطرف الأول من القائلين بعدم تكفير العاذر الأدلة على صحة ما ذهبوا إليه، لكن في المقابل ظل “التيار الحازمي” متمسكًا بتأصيلات شيخهم التي قررها في درسه الأول من “الأدلة والبراهين القطعية على بطلان الفتوى التونسية” عندما قال:
“ولا شك أن المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن من تلبس بالشرك الأكبر فهو مشرك ومن توقف فيه أو تردد أو حكم عليه بالإسلام فهو ملحق به هذا محل إجماع عند أهل السنة والجماعة”، مضيفًا “من يعذر من وقع في الشرك الأكبر لا يُسمى مُسلمًا وإذا لم يُسم مسلمًا يسمى كافرًا يعني تكفير العاذر، فعندنا تكفيران، تكفير من وقع في الشرك الأكبر وتكفير من لم يكفر هؤلاء المشركين حينئذ كل منهما كافر وكل منهما قام الإجماع على تكفيره”.
وقال في مقطع آخر معلقًا على كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “قال فإن كابر وعاند وقال لا يضر شيء من ذلك ولا يكفر به من أتى بالشهادتين فلا شك في كفره ولا شك في كفر من شك في كفره يعني يكفر من هنا؟ يكفر من يعذر بالجهل لكن يشترط إقامة الحجة عليه يبين له أن قوله هذا مصادم للكتاب والسنة من كل وجه وأنه مصادم للإجماع القطعي فإن أصر كفر وارتد عن الإسلام، وكل من كتب في العذر بالجهل قد قرأ أدلة من قال بعدم العذر بالجهل فقد قامت عليه الحجة…”.
“الحازميون” يكفرون البغدادي
تقريرات الحازمي سرعان ما نزلها تلاميذه والمتأثرون بمنهجه على تنظيم الدولة وأمرائه، مما أدى بهم إلى تكفير أبي بكر البغدادي والموالين له، ووصفهم بالجهمية لأنهم لم يكفروا “العاذر”، حيث كتب “الحازميون” في ذلك عشرات الرسائل والمقالات من بينها “القول الندي في كفر دولة البغدادي” و”بيانُ طاغوتيةِ البغدادي” و”الرد على دولة الشرك في أسلمتهم للقوم المشركين”.
لم يتوقف “الحازميون” الذين كان يتزعمهم التونسي أبو جعفر الحطاب عند هذا الحد، بل صرحوا بتكفيرهم لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري أميرا تنظيم القاعدة وكذلك حركة طالبان الأفغانية، لأن الأولين توقفا في تكفير عوام الشيعة والأخيرة وافقت على المشاركة في مفاوضات السلام و”انحرافاتها” العقدية بسبب صوفية قيادييها وماترديتهم.
تنظيم الدولة يحسم الخلاف ويحذر مقاتليه
لم يتحمل أصحاب القرار بتنظيم الدولة هذا “الغلو” المنتشر في صفوف شرعييه ومقاتليه، فأصدرت اللجان الشرعية العامة تحذيرات من مواصلة الخوض في هذه المسائل وتأكيد وجوب حسم الخلاف في هذه المسائل من خلال اتباع ما جاء في المقررات التي يتم تدريسها في المعسكرات على غرار “مقرر في التوحيد” و”تعلموا.. أمر دينكم” الذي نشره ديوان الدعوة والمساجد تحت إشراف هيئة البحوث والإفتاء.
الصراع بين “التيار الحازمي” الذي يرى “تكفير العاذر” وشرعيي تنظيم الدولة و”اللجنة المفوضة” لم ينته رغم إعدام وسجن وطرد وملاحقة المئات
كما أصدر المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية الذي يشرف عليه وزير إعلام التنظيم أبو محمد الفرقان الذي قتل في غارة لطيران التحالف الدولي في سبتمبر الماضي، بيانًا منع فيه استخدام مصطلح “تكفير العاذر” معللاً ذلك بأنها عبارة “غير منضبطة”، مؤكدًا في ذات السياق أن وجوب تكفير من لم يكفر “المشركين العابدين لغير الله، والمنتسبين للإسلام”، كما منع التنظيم عناصره من استخدام مصطلحي “الأصل واللازم في معنى لا إله إلا الله، والكفر بالطاغوت بهذه الطريقة الجدلية” وذلك بسبب وجود منازعات بين عناصره الذين حذرهم من انتشار “التبديع والتكفير” بينهم.
الخلاف لم يحسم بعد والإعدام للمخالفين
بيان أبي محمد الفرقان تبعه آخر أطول وأكثر أدلة من “اللجنة المفوضة” لم يختلف كثيرًا عن الأول، بل احتوى على ألفاظ مشكلة وفق بيان منسوب لتركي البنعلي الشرعي العام في تنظيم الدولة الذي قتل في غارة لطيران التحالف الدولي على بلدة الميادين السورية في 31 من مايو الماضي، حيث كشف عشرين خطأ في بيان “اللجنة المفوضة” لكن آخرين شككوا في صحة ما نسب للبنعلي إلا إن طريقة تحريره وتسلسله مقارنة برسائله وكتبه المنشورة على الإنترنت ترجح أنه من كتبه قبل موته.
ختامًا يمكن القول إن الصراع بين “التيار الحازمي” الذي يرى “تكفير العاذر” وشرعيي تنظيم الدولة و”اللجنة المفوضة” لم ينته رغم إعدام وسجن وطرد وملاحقة مئات القائلين بالقول الأول أبرزهم أبو جعفر الحطاب، خاصة مع خسارة التنظيم لمناطق شاسعة في العراق وسوريا وتدمير عاصمته الموصل التي أعلن منها الخلافة شهر يونيو 2014، إضافة إلى مقتل معظم قياديي وشرعيي الصف الأول آخرهم تركي البنعلي، لكن وبعد استقراء وتتبع لما ينشره ويكتبه الطرفان، فمن المؤكد أن الخلاف على الأرض لا يعدو أن يكون خلافًا بين خلايا نائمة وأمنيين وشرعيين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية مهمتهم تتبع “الغلاة” والقضاء عليهم بعد أن أخذوا الضوء الأخضر من “الخليفة” بتطبيق الحدود على المخالفين وقتلهم خاصة أن منهم من “خرج على جماعة المسلمين” و”أخذ البيعة لنفسه”.
نون بست