في المدرسة النجفية يلتقي الطالب العربي (العراقي باللبناني والسوري والسعودي) بالمسلمين من ايران والهند وتركيا والافغان وباكستان وبادكوبيا والقفقاز وغيرهم من اقطار عربية واسلامية وكان بعض الطلبة على أختلاف جنسياتهم وقومياتهم يسكنون مدرسة واحدة، في حين ان هنالك مدارس تشترط في طلابها قومية واحدة
الاجتهاد: لايستبعد أن يكون تاريخ قيام المدارس في النجف يبتدئ مع تاريخ الدراسة وان لم تكن لهذه المدارس بناية خاصة تسمى باسمها، ويكفي في ذلك ان يكون اجتماع بقصد تلقي الدرس والوعظ والمناقشة. وهذا ما كان يحدث في الاسواق كسوق عكاظ وسائر اسواق العرب وسوق المربد في البصرة ومسجد النبي في الحجاز كما ذكرنا سابقاً.
وعلى هذا كان قيام اول مدرسة نجفية مرتبطاً بقيام اول دراسة للعلوم اللسانية والعقلية والروحية في النجف وتأريخ هذه المدرسة قديم جداً(1)، فكم من معاهد ادبية توارثت الحركة الفكرية معهداً بعد معهد مثل (عاقولا) الواقعة حول الكوفة او الكوفة في الزمن القديم(2).
لقد كانت (عاقولا) مدرسة سريانية، وبقيت إلى عهد الرومان في العراق وقد انتقلت اليها دراسات يونانية ولما اندرست (عاقولا) نهضت الحيرة. فكانت واجهة كبرى للأدب، ترى فيها الكثير من الافكار المبثوثة بين العاصمة الحيرة وما حولها من الديارات، وأنتقل ما في الحيرة إلى الكوفة ثم انتقل ما في الكوفة إلى النجف(3) .
حيث يعد المشهد الحيدري الشريف أول مدرسة علمية ودينية عرفتها مدينة النجف الاشرف، قبل تأسيس المدارس ومعاهد العلم، وبقي المعهد الشريف يؤدي دوره التعليمي حتى الوقت الحاضر. وقد صدرت أول اجازة علمية من مدينة النجف عام 400 هـ(4).
وهي تسويغ في رواية الحديث عن المجيز، وعلى ذكر الكتب والمصنفات التي صدر الأذن بروايتها عن المجيز اجمالاً وتفصيلاً. والاجازة في حقيقتها بمثابة الشهادة التي يمنحها الشيخ او المدرس لتلميذه تخوله حق الرواية والتدريس لما درس عليه وأتقنه على يديه(5).
ويعد صدور الاجازة العلمية من مدينة النجف الاشرف حدثاً علمياً جديداً في تاريخها العلمي. وقد اتسع منح الاجازات العلمية في القرن الخامس الهجري(6). وبخاصة بعد هجرة الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(7) إلى النجف عام 448هـ ومنحه جملة من الاجازات العلمية لطلابه(8)وقد اقترنت رحلة شيخ الطائفة الطوسي الكبير إلى النجف بنشاط علمي وتعليمي كبيرين(9).
ويعطي كتابه (الامالي) صورة واضحة على انتظام الوضع الدراسي في مدينة النجف الاشرف على يديه(10)، فقد كان الشيخ الطوسي يجتمع بتلاميذه ويملي عليهم معارفه في التفسير والفقه والاصول والحديث والرجال وعلم الكلام وغيرها من العلوم، حيث ان بعض تلاميذه قرأ عليه جميع تصانيفه في مدينة النجف، وفي مشهد الامام علي (ع)(11) وتعد الأمالي من اعلى رتب التعليم، وكيفيته ان يملي العالم او الاستاذ في مجلس أو عدة مجالس تعقد له في الجامع او المدرسة على طلبة العلم ما توصل اليه في بحوثه واستنباطاته العلمية فتكتب عنه.
وتعد مدرسة الشيخ الطوسي في النجف بداية التنظيم الدراسي عند الامامية في العراق، إذ لم نعهد بوجود مدرسة سلكت هذا التنظيم من قبل(12). وقد عد الدكتور ناجي معروف مدرسة النجف في عهد الشيخ الطوسي من المدارس المسجدية، وليس من المدارس المستقلة عن الجوامع(13). وقد أراد بذلك مشهد الامام امير المؤمنين (ع) ذلك المشهد الشريف الذي بقي رغم التطور العلمي الذي حصل على المدارس من حيث البناء والتصميم والتطور العمراني الواسع للمؤسسات العلمية يؤدي دوره التعليمي حتى الوقت الحاضر، وبقيت حجر الصحن الشريف مأوى لرجال العلم إلى وقت ليس ببعيد ويقول السيد محسن الأمين العاملي ((كان الشيخ محمد تقي الكلبايكاني النجفي المتوفي عام 1298 هـ يكمن زاوية من زوايا المشهد العلوي في الطبقة العليا))(14).
وأقام الشيخ محمد حسن المامقاني النجفي المتوفي عام 1323 هـ في مدرسة الصحن الشريف يوم كانت حجر الصحن مكتظة بالأعلام(15). وأقام الشيخ زين العابدين بن إسماعيل النجفي، المتوفي عام 1340 هـ في مدرسة الصحن الشريف وكان شريكاً في الدرس مع الشيخ محمد حرز الدين الذي أقام معه عدة سنين في هذه المدرسة(16).
ومن المعلوم ان النجف في هذه الفترة كانت تضم مدارس علمية كثيرة منتشرة في ارجائها ففي عام 1314 هـ 1896م اشارت سالمانة بغداد ((المدارس في مدينة النجف وطلبة العلوم الدينية فيها من مختلف البلدان))(17).
وتتشابه مدرسة النجف العلمية مع مدرسة الازهر الشريف في مصر لاستقطابهما طلاب العالم الاسلامي من مختلف ارجائه(18).
ففي المدرسة النجفية يلتقي الطالب العربي (العراقي باللبناني والسوري والسعودي) بالمسلمين من ايران والهند وتركيا والافغان وباكستان وبادكوبيا والقفقاز وغيرهم من اقطار عربية واسلامية وكان بعض الطلبة على أختلاف جنسياتهم وقومياتهم يسكنون مدرسة واحدة، في حين ان هنالك مدارس تشترط في طلابها قومية واحدة( ). وتؤدي المدرسة النجفية غرضين اساسيين هما : الدراسة والسكن. ويتولى مراجع الدين الصرف عليها، ولبعضها أوقاف في النجف أو غيرها ويصرف واردها على الطلبة(19).
وعند الحديث عن المدارس في النجف الاشرف منذ تأسيس الحوزة العلمية فيها يعود بنا الحديث إلى قدم تأريخي، ربما ان الكثير من المدارس لم تؤرخ عند البناء او التأسيس لكن نقترب من بعض النصوص التي تؤشر ذلك(20)، وهذه المدارس هي:
1- مدرسة الصحن الشريف 2- مدرسة السلطان محمد خدابندة
3- مدرسة المقداد السيوري (السليمية) 4- مدرسة الملا عبد الله اليزدي
5- مدرسة الصدر الاعظم 6- مدرسة اليزدي الكبرى
———————————–الهوامش———————————-
(1) الخليلي، محمد، مدارس النجف القديمة والحديثة، موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف، ط1، دار التعارف، بغداد، 1966،ص115.
(2) الحديثي، نزار، ملاحظات اولية عن مدرسة العلم في الكوفة، مجلة الكوفة، المجلد الخامس، العدد الأول، 2001، ص30.
(3) الشرقي، علي، الأحلام، جمع وتحقيق موسى الكرباسي، مطبعة العمال المركزية، بغداد، 1988، ص41.
(4)النجاشي، ابو القاسم محمد بن علي (ت 450 هـ)، الرجال، طهران، لا، ت ، ص 54.
(5)معروف، ناجي، علماء النظاميات ومدارس الشرق الاسلامي، ط 1، بغداد، 1393 هـ، ص238.
(6) يتزامن هذا التاريخ مع تاريخ بدايات ظهور المدارس المستقلة في الاسلام مما يعطي الاصالة لهذه المدرسة.
(7) وهو من رجالات العلم وجهابذته المبرزين – المعروف بشيخ الطائفة، ولد في طوس في شهر رمضان عام 385 هـ، وهاجر إلى العراق وحط رحله ببغداد عام 408 هـ وهو في الثالثة والعشرين من عمره وعند وصول الشيخ الطوسي إلى بغداد لازم الشيخ المفيد وتتلمذ على يديه وبقي معه حتى سنة 413 هـ حيث لبى علم الطائفة الشيخ المفيد نداء ربه فانتقلت الزعامة إلى الشريف المرتضى حيث لازم الشيخ الطوسي استاذه علم الهدى السيد المرتضى، وكان موضع اهتمام وعناية من لدن استاذه الشريف علم الهدى السيد المرتضى. بحر العلوم، السيد محمد، الدراسة وتاريخها في النجف، موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف، ج2، ص23. أما عن معرفة اسباب هجرة الشيخ الطوسي من بغداد واختياره مدينة النجف الاشرف فينظر المصدر نفسه ص 31 – 34.
(8) الحكيم، حسن، الجذور التأريخية لنشأة مدرسة النجف، مجلة الرابطة، السنة الثانية، 1975، ص39.
(9) فياض، عبد الله، تأريخ التربية عند الامامية واسلافهم من الشيعة بين عصري الصادق والطوسي، مطبعة أسعد، بغداد، 1392 هـ، ص73.
(10) الحكيم، حسن، الشيخ الطوسي (محمد بن الحسن 385 – 460 هـ)، ط1، مطبعة الاداب، النجف، 1975، ص40.
(11) منتجب الدين، علي بن عبيد الله (ت بعد عام 585 هـ) الفهرست طبع مع كتاب ((بحار الانوار))، طبع حجري، 1315 هـ، ص4. الطبري، عماد الدين ابو جعفر محمد بن ابي القاسم (من علماء القرن السادس الهجري)، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ط2، المطبعة الحيدرية، النجف، 1963م، ص79.
(12) الحكيم، المصدر السابق، ص 42.
(13) معروف، المصدر السابق، ص 141.
(14)الأمين، أعيان الشيعة، ط 1، ص 125. .
(15) الحكيم، المصدر السابق، ص42.
(16) حرز الدين، محمد، معارف الرجال في تراجم العلماء والادباء، علق عليه محمد حسين حرز الدين، مطبعة الآداب، النجف، 1964، ج1، ص234.
(17) البياتي، فاضل مهدي، التعليم في العراق في العهد العثماني، دراسة تاريخية في ضوء السالنامات العثمانية، مجلة المورد، المجلد (22)، العدد الأول لسنة 1414هـ، 1994م، ص29 نقلاً عن سالمانة بغداد لسنة 1314 هــ ص292، وسنة 1318 هـ، ص 476 – 472، وسنة 1324 هـ، ص 288.
(18) المظفر، مدينة النجف الكبرى، دراسة في نشأتها وعلاقاتها الاقليمية، ص185.
(19) ومن هذه المدارس مدرسة (الايرواني) الخاصة بالطلاب الاتراك ومدرسة (العامليين) الخاصة باللبنانيين ومدرسة الهندي الخاصة بالطلاب الهنود، الخليلي، المصدر السابق، ص 120.
(20) مغنية، محمد جواد، دول الشيعة في التاريخ، مطبعة الاداب، النجف، 1384 هـ، ص22.
(21) سوف نقوم باستعراض سريع لتأريخ المدارس قبل القرن العاشر الهجري أي ما قبل فترة بحثنا من اجل التمهيد لدراسة اهم مدرستين موجودتين ضمن الفترة المقررة في بحثنا العهد العثماني الاخير.
المصدر: تاريخ مدينة الكوفة والنجف الأشرف