الاجتهاد: يصحّ أن يكون المهر نقداً ومصاغاً وعقاراً وحيواناً ومنفعة وعروض تجارة، وغير ذلك ممّا له قيمة، ويُشترط أن يكون معلوماً، إمَّا بالتفصيل كألف ليرة، وإمَّا بالإجمال كهذه القطعة من الذّهب أو هذه الصبرة من الحنطة، وإذا كان مجهولاً من جميع الجهات، بحيث لا يمكن تقويمه بحال، صحّ العقد وبطل المهر عند الجميع، ما عدا المالكية، فإنّهم قالوا: يقع العقد فاسداً ويُفسخ قبل الدّخول، ويثبت بعده بمهر المثل.
المَهر من الأمور الأساسيّة التي شرّعها الإسلام في العلاقات الزوجية، وله جوانب متعدّدة دعا الشّرع إلى حفظها والتزامها.
والمهر هو رمزٌ لكفالة الرّجل لزوجته، وتستحقّ الزوجة مهرها وتملكه بمجرّد العقد عليها، ولها حرية التصرّف فيه بعد دخول الزّوج بها، وإذا وقع العقد بدون مهر، جاز أن يتراضيا بعد العقد على أن يعطيها شيئاً مهراً ويُلزم الرّجل بدفعه.
ويعتبر في المهر عرفاً أن يكون مما له قيمة ماليّة، ويصحّ جعله عيناً من النّقد، أو حقاً قابلاً للنقل، أو داراً أو عقاراً أو ماشية أو منفعة دار أو عقار أو نجارة أو فلاحة، أو تعليماً محلّلاً، ولا بدّ في تسمية المهر من التوضيح والتعيين، بحيث لا يبقى هناك غموض فيه أو إبهام من جميع جوانبه، وبما يزيل كلّ غرر.
ويمكن للزّوجين أن يجعلا المَهر في أدنى حد ممكن، كقلم رصاص مثلاً، أو خاتم فضّة، ويمكن جعله بأعلى حدّ من الكثرة، وإن شاء الزّوج، فله زيادة المَهر ووهبها ما يشاء بعد العقد.
كما يجوز جعل المَهر كلّه حالاً غير مؤجَّل، أو كلّه مؤجّلاً، كما يجوز أن يجعل بعضه حالاً والبعض الآخر مؤجّلاً، ولا بدّ في المؤجّل من تعيين الأجل بما لا يكون معه مبهماً تماماً، وإذا تمّ العقد مستكملاً لشروطه، فإن كان حالاً، وجب عليه مع القدرة تسليمها تمام المهر الّذي سمّاه لها، ولو لم يدخل بها بعد.
وفي حال تولّى الأب أو الجدّ للأب تزويج الصغير، فإن لم يكن للصغير مال حين العقد، كان المهرُ على الوليّ، إلا إذا كان له مال خاصّ، فالمهر عليه بالنّحو المتعارف.
ويجوز أن يتبرّع الغريب أو القريب بالمَهر عن الزوج، فإن امتنع المتبرّع عن دفع المهرِ لها بعد العقد، كان للزوجة أن تمنع زوجها من نفسها حتى يدفع لها المتبرِّع أو غيره، في حين لا يحقّ لها أن تطالب به الزوج ولو بعد أن مكّنته من نفسها.
إذا جعل الزّوج المهر تعليم الزّوجة الخياطة أو الكتابة أو نحوهما من الحِرَف أو المعارف، ثم طلّقها قبل الدّخول بها، كان عليه نصف أجرة تعليمها، ولو كان قد علّمها قبل طلاقها، رجع عليها بنصف الأجرة، هذا ويصحّ للزّوجة البالغة الرشيدة العفو عن جميع مهرها أو بعضه، وذلك بأن تسامح الزّوج به وتبرئ ذمّته منه إن كان ديناً، أو بهبته له إن كان عيناً.
وفي حال اختلف الزّوجان بعد الطلاق في تحقّق الدخول وعدمه، فادّعت الزوجة تحقّقه وأنكر الزوج، فالقول قولها مع حلفها لليمين، وإلا كان القول قول الزوج مع اليمين، وله أن يدفع الحلف بإقامة البيّنة على عدم الدّخول إن كان يملك البيّنة.
وإذا توافقا على أصل المهر واختلفا في مقداره، كان القول قول الزّوج مع يمينه، كذا إذا ادّعت كون دار أو بستان مهراً لها وأنكر الزّوج، فإنَّ القول قوله مع اليمين إذا لم تكن لدى الزوجة بيّنة شرعيّة في دعواها فيما تقدّم.
وإذا ادّعى الزوج تسليم المهرِ للزوجة ولا يملك بيّنة على ذلك، فالقول قول الزوجة مع اليمين.[المصدر: فقه الشّريعة، ج:3، ص:493-505].
أمّا إذا توفي الزوج وله أولاد، فعليهم إعطاء الأمّ المهر المؤجّل، إذ يعتبر من جملة الدّيون في ذمّة أبيهم، فلا بدّ من إخراجه من أصل التركة قبل توزيعها، إبراءً لذمّة والدهم المتوفّى.
وبحسب السيّد المرجع السيستاني، فإنّه لا يجب على والد الزّوج بعد وفاته دفع النقص فيما لو لم تفِ تركة الزّوج بمهر الزّوجة، وللزوجة تمام المهرِ بالدّخول، ولكن إذا طلبت هي الطّلاق، جاز للزّوج أن لا يطلّق حتى تعيد له المهر.
ويجوز أيضاً تعيين المهر مقدَّماً من دون أن يكون معه مهر مؤجَّل، وكل ما يملكه المسلم يصحّ أن يُجعل مهراً، بشرط أن يكون معقولاً عرفاً على الأحوط وجوباً. [موقع المرجع السيد السيستاني، الاستفتاءات].
ويقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية: “المهرُ حقّ من حقوق الزوجة بحكم الكتاب والسنّة وإجماع المسلمين.
… المهر المسمّى، وهو ما تراضى عليه الزوجان، وسمياه في متن العقد، ولا حدّ لأكثره بالاتّفاق؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا…}.
واختلفوا في حدّ القلة:
فقال الشافعية والحنابلة والإماميّة: لا حدّ لأقله، فكلّ ما يصحّ أن يكون ثمناً في البيع، يصحّ أن يكون مهراً في الزواج، ولو قرشاً واحداً.
وقال الحنفيّة: أقلّ المهر عشرة دراهم، فإذا وقع العقد على دون ذلك، يصحّ العقد وتجب العشرة.
وقال المالكيّة: أقلّه ثلاثة دراهم، فإن نقص عن هذا المبلغ، ثمّ دخل، فعليه أن يعطيها ثلاثة، وان لم يدخل، فهو مخيَّر بين أن يدفع الثّلاثة، وبين فسخ العقد، ويعطيها نصف المسمّى.
ويصحّ أن يكون المهر نقداً ومصاغاً وعقاراً وحيواناً ومنفعة وعروض تجارة، وغير ذلك ممّا له قيمة، ويُشترط أن يكون معلوماً، إمَّا بالتفصيل كألف ليرة، وإمَّا بالإجمال كهذه القطعة من الذّهب أو هذه الصبرة من الحنطة، وإذا كان مجهولاً من جميع الجهات، بحيث لا يمكن تقويمه بحال، صحّ العقد وبطل المهر عند الجميع، ما عدا المالكية، فإنّهم قالوا: يقع العقد فاسداً ويُفسخ قبل الدّخول، ويثبت بعده بمهر المثل.
ومن شروط المهر: أن يكون حلالاً، ومتقوّماً بمال في الشّريعة الإسلاميّة، فإذا سمّى لها خمراً أو خنزيراً أو ميتةً أو غير ذلك ممّا لا يصحّ ملكه، قال المالكيّة: يفسد العقد قبل الدخول، وإذا دخل، يثبت العقد وتستحقّ مهر المثل.
وقال الشافعية والحنفية والحنابلة وأكثر الإمامية: يصحّ العقد ولها مهر المثل. وقيّد بعض الإماميّة استحقاقها لمهر المثل بالدّخول، وبعضهم أطلق كالمذاهب الأربعة.
وإذا سمّى لها مهراً مغصوباً، كما لو تزوّجها بعقار ظهر أنّه لأبيه أو لغيره، قال المالكية: إذا كان العقار معلوماً لهما وهما راشدان، فسد العقد، ويُفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده بمهر المثل.
وقال الإمامية والحنفية: العقد صحيح على كلّ حال، أمّا المهر، فإذا أجاز المالك فلها عين المسمّى، وإن لم يجز، كان لها بدل المسمّى من المثل أو القيمة؛ لأنّ المسمّى ـ والحال هذه ـ يصحّ ملكه في نفسه، والبطلان كان من أجل التّعيين، بخلاف الخمر والخنزير، فإنّهما لا يُملكان.[كتاب: الفقه على المذاهب الخمسة، ص:340-341].
المصدر: موقع بينات