الاجتهاد: نهی الإمام الصادق (عليه السلام) طلبة العلم نهياً قاطعاً عن الأخذ بالبدع والعمل بها مهما كانت الظروف والأحوال فقال: «كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار».
حفلت الكتب بتراث الإمام الصادق (عليه السلام) الفكري وزخرت به المصادر ورواه الرواة على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم، ولقد كان من السعة والشمول بمكان عظيم جداً، ومن الكثرة والوفرة بما يفوق حدَّ الإحصاء والعد في مثل هذه الدراسة القائمة على الاختصار والتلخيص، وقد تقدّمت منا الإشارة إلى أن عدد الرواة عنه قد بلغ أربعة آلاف راوٍ أو یزید، وليس في إمكان كتابنا هذا أن يستوعب أسماء هؤلاء الآلاف فضلاً عن استيعاب نصوص أولئك الرواة.
ولما كان العلم هو الهدف الأسمى للإمام الصادق “عليه السلام” في جميع توجهاته وتطلعاته فقد أولى هذا الجانب المزيد من العناية والاهتمام، وقد رُوي عنه الكثير الكثير في ذلك، حثّاً على طلب العلم، وأمراً بكتابته وبثّه، مضافاً إلى بيان ما يجب أن يكون عليه المعلّم والمتعلم من أدب وتواضع، وإلى تحديد الغاية المرجوة من وراء ذلك كله.
إنه (عليه السلام) يقول: «طلب العلم فريضة» (1). ويقول: «الناس ثلاثة : عالم ومتعلم وغُثاء»(۲) .
ويقول: «مَن سَلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة»، و«فَضلُ العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر»، و«إن العلماء ورثة الأنبياء»(3).
ويقول: «اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا »(4).
ويقول لأحد أصحابه: «اكتُب وبثَّ علمك في إخوانك، فإنْ متَّ فأوْرِث كتبك بنيك»(5).
ويقول: «اطلبوا العلم… وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم»(6)
ويقول: «طلبة العلم ثلاثة – فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم -: صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل(7).
ويقول: «وجدت علم الناس كله في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني: أن تعرف ما صنع بك، والثالث: أن تعرف ما أراد منك، والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك»(8).
إلى كثير من أمثال هذه النصوص التي حثّ فيها على طلب العلم ورغَّب في التأليف والكتابة والبحث، وشجّع على ذلك بل عدّه فريضة من الفرائض؛ كما عدَّ غير العالم والمتعلم من الناس غُثاء كالزبد الذي يطفو فوق الماء جامعاً أقداره وأوساخه .
ولعل أدقَّ ما أرشد إليه الإمام فيما أسلفنا نقله من أقواله الذهبية، تنبيه المسلمين على ضرورة أن يكون طلب العلم “للفقه” سواء أكان بمعناه الخاص لأنه شريعة الله في الأرض أو بمعناه العام وهو الفهم – وأظنه الأرجح والألصق بالسياق -، و«للعقل» لأنه أعلى ما منح الله الإنسان وأنفس ما أعطاه، ولذلك يجب أن تكون الغاية العليا من الجدّ في التعليم تنمية العقل الرافض للخرافات؛ ورفده ألوان المعارف وضروب الثقافات، لكي يضمن المجتمع تقدمه وتحضُّره وبناء مستقبله الأفضل، ولذلك كان الإمام الصادق (عليه السلام) يعلن بكل صراحة وتأكيد بأن «العقل دليل المؤمن»(9)، كما كان يروي عن جده رسول الله (ص) – أنه كان يقول: «إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله»(10).
ثم أعطى طلبة العلم المنهج الأساسي ودلّهم على الميزان القويم؛ للتمييز بين ما يُقبَل وما يُرفَض من الأحاديث والروايات المتداولة، فقال: «كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف»(11)، وحدَّث – (عليه السلام) – بسنده عن جده رسول الله (ص) أنه قال: «ما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدَعوه»(12) .
ونهی طلبة العلم نهياً قاطعاً عن الأخذ بالبدع والعمل بها مهما كانت الظروف والأحوال فقال: «كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار»(13).
ثم قال لهم مانعاً من الاجتهاد في مقابل النص؛ ومشدداً على الالتزام بثوابت الحلال والحرام: «حلال محمد جلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة» (14) …
وكان من جملة توجيهاته العامة ما خاطب به شیعته وأصحابه على وجه الخصوص، طالباً منهم أدب السلوك وحسن الخلق وجودة الإلتزام بواجبات الدين وتعاليم الإسلام، وكانت مخاطباته لهم في هذا الصدد ذات صيغ كثيرة ومتعددة، وقد كرّر ذلك في أكثر من مناسبة ووقت؛ لئلا يغفل منهم غافل؛ أو يزعم زاعم بأنه لم يسبق له العلم بمثله ولم يبلغه خبره.
إنه يقول في خلال حديثه مع أصحابه :
“ما أقل والله مَن يتبع جعفراً منكم، إنما أصحابي من اشتدَّ ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه»(15)..
ويقول لهم في مناسبة أخرى:
يا شيعة آل محمد؛ اعلموا أنه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه؛ ومخالقه من خالقه؛ ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره وممالحة من مالحه. يا شيعة آل محمد؛ اتقوا الله ما استطعتم»(16)
ويقول مخاطبة أحد أصحابه :
«إياك والسفلة، فإنما شيعة عليّ من عفّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه؛ ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر »(17).
ويقول لأبي أسامة زيد الشحام:
“اقرأ على مَنْ ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلامَ، وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجل؛ والورع في دینکم؛ والاجتهاد لله؛ وصدق الحديث، وأداء الأمانة؛ وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص) – (إلى أن قال): صِلوا عشائر كم؛ واشهدوا جنائزهم؛ وعودوا مرضاهم؛ وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منکم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس وقيل: هذا جعفري؛ فيَسرُّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور ؛ وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره»(18).
ثم كان من تتمة توجيهاته السامية لعموم شیعته في دلالتهم على الطريق القويم والنهج السليم، تحذيرهم من الغلو في الاعتقاد بالأئمة؛ ونهيهم أشد النهي عن ذلك، وإعلانه البراءة ممن يقول بذلك ولعنه بصريح اللعن وأجلاه(19)، وروى المفضل بن عمر قال: «كنت أنا وخالد الجوان ونجم بن الحطيم وسليمان بن خالد على باب الصادق (عليه السلام)، فتكلمنا فيما يتكلم به أهل الغلو، فخرج علينا الصادق بلا حذاء ولا رداء وهو ينتفض ويقول: يا خالد یا مفضل یا سلیمان یا نجم؛ لا ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (*) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (20).
وروي عن صالح بن سهل قال: «كنت أقول في الصادق (عليه السلام) ما تقول الغلاة، فنظر إلي وقال: ويحك يا صالح! إنا والله عبيد مخلوقون، النا رب نعبده، وإن لم نعبده عذّبنا »(21).
وحدث أبو العباس البقباق قال: «نزار ابن أبي يعقوب والمعلّی ابن خنیس، فقال إبن أبي يعقوب : الأوصياء علماء أتقياء أبرار، وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء. قال: فدخلا على أبي عبد الله (عليه السلام)، لما استقر مجلسهما قال (عليه السلام) : أبرأ ممن قال إنّا أنبياء»(22).
الهوامش
1- الكافي: ۱/ ۳۰.
2- الكافي: ۱/ 34.
3- الكافي: ۱/ 34.
4- الكافي:1 / 52
5- الكافي: 1 / 52
6- الكافي: 1/ 36
7- الكافي: 1 / 49
8- الكافي: 1/ 50 والإرشاد 301.
9- الكافي: 1 / 24
10- الكافي: 1/ 26
11- الكافي: 1/ 69
12- الكافي: 1 /69 و يقول المستشرق دونلدسن: «إذا ما تذكرنا أن مالك بن أنس ( 94 – 179) مصنف کتاب الموطأ كان معاصراً للإمام جعفر، وقد سبق البخاري ومسلم بنحو قرن، ظهر أن الإمام جعفراً هو الذي يُعزَى إليه القول في محص الحديث : إن ما كان موافقاً لما في كتاب الله فاقبلوه، وما كان مخالفاً له فاتركوه» عقيدة الشيعة : 144.
13- الكافي: 1 / 56 و 57
14- الكافي: 1 / 58
15- الكافي: 2 /77.
16- الكافي: 2/ 637 وتحف العقول: 284
17- الكافي: 2/ 233
18- الكافي: 2/ 636
19- يراجع في لعن الإمام – (ع) – الغلاة وعلى رأسهم المغيرة بن سعيد وأبو الخطاب الأسدي: المناقب: ۲/ ۳۰۲ ولسان المیزان: 76/6 وبحار الأنوار: 47 / 338 و ۳۷۸.
20- المناقب: ۲/ ۳۰۱ وبحار الأنوار : 47/ 125.
21- المصدران السابقان جزءاً وصفحة.
22- المناقب: ۲/ ۳۰۸ وبحار الأنوار: 47 /130.
المصدر: كتاب سيرة الأئمة الإثني عشر “عليهم السلام” للعلامة المؤرخ الشيخ محمد حسن آل ياسين – الجزء الثاني – الصفحة 200.
سيرة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين “ره”
آل ياسين
آل ياسين
ينتمي الشيخ محمد حسن آل ياسين إلى أسرة علمية عريقة عرفت بآل ياسين، والذي هو لقب جده الأكبر ويرجع نسب هذه الأسرة إلى قبيلة الخزرج، فهو الشيخ محمد حسن بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ باقر بن الشيخ محمد حسن آل ياسين الخزرجي.
ولد في مدينة النجف الأشرف سنة (1350هـ – 1931م) و تلقى تعليمه الأول على يد والده الشيخ محمد رضا آل ياسين الذي عرفته النجف كبير فقهاء عصره والمرجع الأعلى فيها، فكان المعلم الأول الذي كان له تأثير كبير على صقل شخصية ابنه العلمية، وشحذ مواهبة الأدبية والفكرية فغذاه من روحيته العلمية والأدبية وغرس فيه مقومات الشخصية الإسلامية المثالية من علم وورع وتقوى وخلق، كما كان للمجلس العلمي الذي يقيمه أبوه والذي زخر بمجموعة من العلماء والأدباء، أكبر الأثر في تنمية قابلياته العلمية والذهنية، فأكمل دراسته بمراحلها المتعددة على يد كبار علماء عصره فحضر مجالس الشيخ عباس الرميثي والشيخ محمد طاهر آل راضي، والأبحاث العالية على يد الشيخ مرتضى آل ياسين والسيد الخوئي، إضافة إلى والده الذي حضر على يده درسه الخصوصي كما دخل مدرسة منتدى النشر على يد الشيخ محمد رضا العلوي.
إلى النجف الأشرف
انتقل الشيخ آل ياسين من النجف الأشرف للإقامة في مدينة الكاظمية المقدسة بعد وفاة عمه الشيخ راضي آل ياسين سنة (1371هـ – 1952م) ونزل بها مرشداً ومبلغاً لأحكام الدين وإمامة الجماعة وفيها بدأت رحلته الطويلة مع الكتابة والتي أمتدت إلى نصف قرن، حتى أصبح علماً من أعلام الكتابة البارزين في العراق والعالم الإسلامي، أثرى بتآليفه المكتبة العلمية والثقافية الاسلامية وترك بصمات واضحة لا تمحى في ذاكرة التاريخ العلمي الإسلامي، وإضافة إلى تآليفه فقد عرف الشيخ آل ياسين بنشاطه الثقافي الدؤوب والمتميز، فأسس دار المعارف للتأليف والترجمة والنشر في مدينة الكاظمية المقدسة، كما أنشأ مكتبة الأمام الحسن (عليه السلام) العامة وترأس الجمعية الإسلامية للخدمات الثقافية، وأشرف على تحرير مجلة (البلاغ) كما كان لمحاضراته العلمية والفكرية القيمة تأثيراً كبيراً وصدى واسع في النفوس، وخاصة في ليالي شهر رمضان المبارك من كل عام في جامع آل ياسين الذي كان مركزاً لنشاطه العلمي والديني والثقافي والتربوي والاجتماعي, وشهد له جامع إمام طه في بغداد (قرب ساحة الرصافي) العديد من النشاطات التوجيهية والتربوية، وكانت بعض مؤلفاته من منشورات وإصدارات هذا الجامع.
عُرف الشيخ آل ياسين بولعه في إحياء التراث العلمي الإسلامي وقد حفلت مؤلفاته برؤية تاريخية تحليلية وطابع علمي في عرض الحقائق التاريخية وتناولها، كما كان ملماً في استعراض حياة الشخصيات الإسلامية التاريخية أفصح فيه عن مخزون ثقافي كبير, كما دلت مقالاته التي كان ينشرها في مجلة المجمع العلمي العراقي على نبوغه في النحو واللغة, وقد عرفته الساحة العلمية مدافعاً مخلصاً عن الإسلام وصيانة شريعته من الشكوك والشبهات التي يثيرها أعداؤه ضده فألف في الرد على الفكر المادي.
مؤلفاته
في عرض سريع لمؤلفاته يتضح لنا مدى موسوعية الرجل وغزارة علمه في شتى العلوم والمعارف، ففي مجال شخصيات التاريخ الإسلامي ألف الشيخ آل ياسين العديد من الكتب استعرض فيها كوكبة من الشخصيات اللامعة في التاريخ الإسلامي والتي كان لها دور كبير وبارز في دعم الرسالة الإسلامية والدفاع عنها، فكتبت بجهادها و دمائها أروع الصفحات إشراقاً في التاريخ البشري حيث تناول الشيخ آل ياسين في هذه الكتب حياة:
1 ــ حمزة بن عبد المطلب.
2 ــ مصعب بن عمير
3 ــ سعد بن الربيع
4 ــ سعد بن معاذ
5 ــ زيد بن حارثة
6 ــ جعفر بن أبي طالب
7 ــ أبو ذر الغفاري
8 ــ أبو الهيثم بن التيهان
9 ــ الحباب بن المنذر
10 ــ حجر بن عدي الكندي
11 ــ عمرو بن الحمق الخزاعي
12 ــ حذيفة بن اليمان
13 ــ خزيمة بن ثابت
14 ــ زيد بن صوحان
15 ــ سعد بن الربيع
16 ــ سعد بن عبادة
17 ــ سعد بن معاذ
18 ــ سلمان الخير
19 ــ سهل بن حنيف
20 ــ صعصعة بن صوحان
21 ــ عبادة بن الصامت
22 ــ عبد الله بن بديل
23 ــ عثمان بن حنيف
24 ــ عمار بن ياسر
25 ــ قيس بن سعد بن عبادة
وقد تحدث عن هذه الشخصيات العظيمة بالتحليل المبسط والعرض الوافي مبيناً دورها في مسيرة الإسلام، وسيرتها الجهادية وجوانبها المضيئة.
أما في مجال الدفاع عن الفكر الديني والرد على المتطاولين عليه فقد ألف الشيخ آل ياسين كتابه القيم (في رحاب الإسلام) وهو عبارة عن مسائل فلسفية بين المادية والإسلام، تضمّن عدة بحوث قيمة بهذا الشأن وقد بين فيها مقصده من تأليفه هذا الكتاب بقوله: (إذ كان منها ما قُصد به وجه العلم والبحث عن الحقيقة حين كتب, ومنها ما أريد به البيان والإيضاح رداً على بعض من تناول الفكر الديني بالحديث أو تطاول عليه).
وقد تضمّن هذا الكتاب الذي يقع في (520) صفحة من البحوث المهمة ما يلي:
1- المادة بين الأزلية والحدوث.
2- الإنسان بين الخلق والتطور.
3- الشباب والدين.
4- هوامش على كتاب نقد الفكر الديني.
وقد طبعت هذه البحوث عدة مرات، كما طبع الكتاب كاملاً في العديد من العواصم العربية ولأكثر من مرة, ولبيان أهمية هذا الكتاب وما أحدثه من صدى وتأثير في نفوس قرائه فقد قدم له الناشر مقدمة وافية في معرض التعريف بالكتاب جاء منها:
(وها هو الإسلام بلسان دعاته وعلمائه يتصدّى لقضايا العصر وشؤون الفكر ويدخل ميدان الصراع بين المبادئ ويخرج منها مرفوع الراية وظاهراً على كل أعدائه ومخالفيه، وهذا الكتاب هو السجل الذاتي الذي دوّن فيه أحد علماء الإسلام المتخصصين موقف الإسلام، وآرائه ومناهجه في قضايا فكرية معاصرة، كقضية المادية والأزلية والموجد الأول وأصل الحياة ونظرية التطور والكتاب بهذا المحصول الغني أسهام كريم يصب في حصيلة الإسلام الفكرية).
ويعد هذا الكتاب من أهم وأبرز كتب الشيخ آل ياسين على الصعيد الفكري والعلمي، ومن الكتب المهمة له كتابه: (الأرقام العربية مولدها، نشأتها، تطورها), وهو من مطبوعات المجمع العلمي العراقي وقد أحدث هذا الكتاب أثراً كبيراً في الأوساط العلمية والأدبية والفكرية وقد دارت حوله نقاشات ومؤتمرات وكتب عنه العديد من الباحثين مقالات وبحوثاً في المجالات العلمية.
كما خاض الشيخ آل ياسين ميدان المعاجم فألف (معجم النبات والزراعة) بجزئين وهو أيضاً من مطبوعات المجمع العلمي العراقي ويقع هذان الجزآن في (1130) صفحة، ويضم هذا المعجم أسماء النبات وتسمية كل نبت بما ذكر وبيان ما يتعلق بكل نوع من أنواعه وفصيلة من فصائله، وما يتعلق بواحدة أيضاً من أسماء أغصانه وورقه وأصله وفرعه وورده وثمره وفجه وناضجة ورطبه ويابسه وغضه وقديمه وسائر ما يتصل به، وقد رتب كل ذلك على نسق حروف الهجاء, وكان يولي عناية فائقة بالمعاجم وحفظهما من الضياع و ظلت هذه الفكرة تشغله حتى ألف كتاباً بهذا الصدد هو: (المعجم الذي نطمح إليه) استعرض فيه المعاجم العربية مبتدئاً بالعين للفراهيدي.
وقد أٌقترح في كتابه هذا حفظ هذه المعاجم بقوله: (أن الحل الأوحد الذي يضمن الفائدة الشاملة والمراجعة الميسرة ويوفر الوقت والجهد ومدة البحث هو جمع معجمات العربية كلها في معجم واحد، يضم أشتاتها ضماً تاماً أميناً لا زيادة فيه ولا نقصان ويعرضها على طلابها وقرائها بنسق مبسط ونظام موحد مع الحفاظ الكامل على كل معجم منها من ذاتية خاصة ووجود متميز صيانة للتاريخ اللغوي في تسلسله الطويل ولأولئك اللغويين الأفذاذ على امتداد التاريخ من الذوبان والنسيان).
وكان همه سلامة اللغة وحفظها فدعا إلى معالجة المسائل اللغوية التي كانت موضع الجدل والأخذ والرد من قبل لجنتي (الأصول) و(اللغة العربية) وهما اللجنتان المعنيتان بتقعيد القواعد اللغوية والفتوى في الصحيح والغلط من الصيغ والتراكيب والألفاظ المتداولة، فقدم هذه المسائل ومعالجاتها ودونها في مذكرات إلى هاتين اللجنتين بصفته عضواً عاملاً في المجمع العلمي العراقي، وكانت هذه المسائل تستحق العناية والاهتمام ودارت بشأنها المطارحات والمناقشات وتبادل المعلومات وكعادته في نشر العلم وزيادة الفائدة على المعنين من غير أعضاء المجمع العراقي، فقد قدم هذه المذكرات للنشر فصدرت له في مجلة المجمع العلمي العراقي في المجلدين الثامن والثلاثين والتاسع والثلاثين بـ (80) صفحة.
وكان الشيخ آل ياسين من رواد النشر في هذه المجلة يرفد قراءها ببحوثه العلمية و اللغوية القيمة، أما في الفقه فقد كان له باع طويل فيه وهو أول تعليمه على يد والده وقد كتب تقريراته وطبعت تحت عنوان (على هامش كتاب العروة الوثقى).
كما كانت له بصمات واضحة في علوم القرآن والتفسير ومما ألف في هذا الشأن (في رحاب القرآن) و(نهج الشيخ الطوسي في التفسير).
أما في العقائد فنلمح له في كل أتجاه أثر مما ألف في ذلك (العدل الإلهي), و(النبوة), و(المهدي المنتظر), و(الإمامة), و(الله بين الفطرة والدليل), و(الإسلام ونظام الطبقات), و(بين يدي المختصر النافع), و(التخطيط القرآني للحياة) (سيرة الأئمة الأطهار).
وفي العلوم المختلفة تبرز لنا هذه العناوين لكتبه: (تاريخ المشهد الكاظمي), و(شعراء كاظميون), و(تاريخ الصحافة في الكاظمية), و(الصاحب بن عباد), و(مفاهيم إسلامية عامة), و(المبادئ الدينية للناشئين), و(الإسلام بين المرجعية والتقدمية), و(الإسلام والرق), و(الإسلام والسياسة), و(الشيخ المفيد), و(نصوص الردة في تاريخ الطبري), و(مالك بن نويرة.. حياته وشعره).
في ميدان التحقيق
ولم يقتصر إبداع الشيخ آل ياسين على مجال التأليف بل امتد إلى التحقيق كجانب آخر في مشروعة العلمي والفكري، فلعبت جهوده في التحقيق دوراً كبيراً في رفد الساحة العلمية والفكرية والأدبية, وفي اطلاع القارئ على انجازاته في هذا المجال يكتشف مدى قدرته في التحقيق, فمن الكتب التي حققها (المحيط في اللغة), و(الفصول الأدبية), و(الإقناع), و(التذكرة), لكافي الكفاة الصاحب أسماعيل بين عباد (326 ــ 385هـ), و(العباب الزاخر واللباب الفاخر) للحسن بن محمد الحسن الصنعاني (577- 650هـ), و(ديوان أبي الأسود الدؤلي) صنعة أبي سعيد السكري, و(من وافقت كنيته كنية من الصحابة) لأبي الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية النيسابوري، و(كتاب الشجر والنبات) و(كتاب النخل) و(كتاب السحاب والمطر) و(كتاب الأزمنة والرياح) لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفي سنة (224هـ), و(ديوان الخبز أرزي) المتوفي سنة (33هـ) بخمسة أقسام نشرت في مجلة المجمع العلمي العراقي, و(مسألة في خبر مارية القبطية), و(إيمان أبي طالب) للشيخ المفيد, و(التنبيه على حدوث التصحيف) للأصفهاني, و(شرح قصيدة الصاحب بن عباد) للبهلولي, و(شرح مشكل أبيات المتنبي لأبن سيدة), و(معاني الحروف) للرماني, و(الشافي) للسيد مرتضى, و(مقدمة في الأصول الاعتقادية) للشريف الرضي.
كما شمل سعيه الحثيث وعمله الدؤوب في نشر العلم عنايته بالمخطوطات فقد أخذ على عاتقه تحقيق ما وجده منها وتقديمها إلى الساحة العلمية والأدبية بشكل ميسر على القرّاء وفي خضم هذه المكتبة العامرة بالمؤلفات والتحقيقات، ربما سيدهش القارئ حينما يعلم أن فيها خانة للشعر نعم فقد كان الشيخ آل ياسين شاعراً مطبوعاً تناول في شعره شتى الأغراض مما يجعله في مصاف الشعراء الكبار فكانت لهذه الرحلة العلمية المعطاء والمجهود العلمي والفكري العظيم أثره الكبير في شتى مجالات العلم.
عُيِّن الشيخ آل ياسين عضواً في المجمع العلمي العراقي وعضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني في السنة ذاتها، وزميلاً في هيأة ملتقى الرواد، كما اختير عضو شرف في المجمع العلمي العراقي، أربت نصوصه التي أفنى خمسين عاماً من عمره في تأليفهما على المائة مؤلف و74 تحقيق سوى الدراسات و البحوث التي كان ينشرها في مجلة المجمع العلمي العراقي ومجلة البلاغ وغيرها.
وشملت مؤلفاته كافة العلوم الدينية واللغوية والتاريخية والسير والتراجم والمعاجم والفلسفة والأدب والفقه والاجتماع وغيرهما.
في عام 1980 أعتزل الشيخ محمد حسن آل ياسين الكتابة و توقف عن نشاطاته كلياً ولزم داره حزناً على ابن عمته آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي أعدم على يد الطاغية المجرم صدام وبقي ملازماً داره حتى ودّع هذه الدنيا في يوم السبت 26 جمادي الآخر سنة 1427 هـ – 2006م وشيّع في اليوم التالي تشيعاً مهيباً ودفن في الصحن الكاظمي الشريف وقد أقيمت مجالس الفاتحة على روحه في الكاظمية وإيران ولبنان.
حرره : محمد طاهر الصفار / موقع العتبة الحسينية المقدسة