الاجتهاد: ناقش سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان مساء يوم السبت الماضي، عبر البث المباشر من خلال حسابه على “الإنستغرام” إشكالية الراحل الدكتور محمد شحرور حول وجوب الصيام .
بدأ الشيخ العبيدان مناقشته بذكر الرأي المعروف بين علمائنا حول هذه الإشكالية التفسيرية المعرفية الفقهية فقال: “وجوب صوم شهر رمضان المبارك تعينيين على كل مُكلف” أي “يجب على كل مكلف مستجمع للشروط المعتبرة أن يصوم شهر رمضان المبارك ولو لم يصمه كان مستحقا للعقوبة والملامة من قبل الله عز وجل” ولكن الدكتور محمد شحرور خالف هذا الرأي وأدعى أن وجوب الصوم وجوب تخييري، فالمُكلف مخير بين أن يصوم شهر رمضان المبارك أو أن يدفع فدية عن الصيام.
وذكر الشيخ العبيدان بأن الدكتور شحرور إنما انطلق بدعواه بالتخيير من قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ | سورة البقرة، ١٨٤) ثم فسّر الإطاقة بالقدرة فزعم أن مفاد الآية القرآنية: من كان قادرا على الصيام مخيّر بين الإتيان بالصوم أو دفع الفدية.
وأكد الشيخ العبيدان بعد استعراضه لاشكالية الدكتور، أن هذه الدعوة ليست جديدة، فقد ادعاها قبله بعض المفسرين القدامى ولكنهم التزموا بأن هذا التخيير قد نُسخ لاحقا بقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ | البقرة، ١٨٥) فيما التزم شحرور بأن هذا الحكم التخييري لم يُنسخ. واستطرد العبيدان بذكر نفي العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان القول بالنسخ في هذه الآية المباركة.
وأشار العبيدان إلى وجود قراءة أخرى مروية عن ابن عباس لهذه الآية التي انطلق منها الدكتور شحرور وهي (وعلى الذين يُطَوِّقُونَه) فيكون معنى يطوقونه: يتكلفون في أدائه مع المشقة كالمريض والحامل والمرضع، الذين يقدرون على الصوم ولكن تلحقهم المشقة وهذا المعنى نصّ عليه الإمام الأعظم السيد الخوئي -قدس سره- في كتابه الرائع البيان في تفسير القرآن. ووفق هذه القراءة تسقط اشكالية الدكتور شحرور في التخيير.
ثم ذكر العبيدان تفسيرين لكلمة (يُطِيقُونَهُ) على القراءة المتداولة، الأول: الإطاقة هي الاستطاعة وهذا ما اختاره شحرور. الثاني: الإطاقة بمعنى التكلف أي يأتي بالعمل مع جهد وتعب وهذا ما اختاره علماء المسلمين قاطبة وهو ما يستفاد من كلمات أهل اللغة كابن منظور في لسان العرب وابن الأثير في النهاية والراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن الكريم.
وبسط البيان والتوضيح حول التفسير الثاني وانسجام الآيات محل البحث فقال: “الله عز وجل قد إشار إلى أن الصوم واجب على كافك المكلفين فقال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ | البقرة ١٨٣) ثم عاد سبحانه وتعالى واستثنى فئة من المكلفين (المسافر والمريض) وأوحب عليهم القضاء بعد شهر رمضان (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ | البقرة ١٨٤)
ثم ذكر فئة ثالثة لا يجب عليها الصوم في شهر رمضان ولكن يلزمها دفع الفدية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ | سورة البقرة، ١٨٤)” ونصّ على اعتماد أئمة أهل البيت لهذا التفسير فقال “وهذا يتوافق مع ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام”
وألمح الشيخ سريعاً إلى أن هناك من يتبنى تقدير وجود لام محذوفة قبل يطيقونه ولكنه تقدير مستبعد وثمة مانع من القبول به.
وختم الشيخ العبيدان مناقشته حول أطروحة الدكتور شحرور بتمامية ما عليه علماء المسلمين من الوجوب التعييني لصوم شهر رمضان، ثم لخّص ملاحظتين رئيسيتين على مقولة التخيير فقال: “أولا، ملاحظة سياق الآيات القرآنية -وهذه قرينة عقلية- ومدلولها وارتباط بعضها مع بعض يحول دون القبول بمقالة الدكتور شحرور بالتخيير.
وثانيا يا ليت الدكتور شحرور أرشدنا إلى مصدر من مصادر اللغة التي تقول بأن الإطاقة بمعنى القدرة والتحمل والاستطاعة” فخلص الشيخ إلى أن دعوى الدكتور شحرور “لا أساس لها وهي مخالفة لمنهجه الذي يعتمد على تفسير الآيات القرآنية وفق ما جاء في كلمات أهل اللغة”.
جدير بالذكر أن الشيخ العبيدان حول جلسته العلمية الأسبوعية إلى جلسة افتراضية كل ليلة سبت من الساعة ١٠ مساء وحتى ١٢ من منتصف الليل، عبر حسابه في الإنستغرام، يلقي في بدايتها كلمة قصيرة ثم يتلقى أسئلة المتابعين المتعلقة بالمعارف الدينية من عقيدة وفقه وتفسير ويجيب عنها بأسلوب سلس ودقيق.
وجوب الصيام