الاجتهاد: يُتداول في الأوساط الشيعيَّة أنَّ السيدة زينب (عليها السلام) قد قُتلتْ من قبل أزلام الحكم الأموي، نرجو بيان هذا الأمر؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد البحث الحثيث عن هذا الأمر لم نجد ما يُشير بشكل (صريح) إلى أنَّ الحزب الأموي قد قام بسمِّ السيدة زينب (عليها السلام)، وإنْ كان محتملاً في حدِّ نفسه، وذلك لوجود بعض القرائن والشواهد، منها:
القرينة الأولى: إنَّ المشاهَد في سيرة نساء بني هاشم ـ وعلى رأسهم السيدة زينب ـ بعد رجوعهنَّ إلى المدينة المنوَّرة هو إقامة المجالس والبكاء المستمر على الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) الأمر الذي يزعج الحكم الأموي آنذاك، وذلك لأنَّه يُعدُّ تأليباً واعتراضاً عمليَّاً على حكمهم، كما هو واضح.
1ـ قال السيَّد الجزائري (طاب ثراه): (فلمَّا رأى الإمام زين العابدين (عليه السلام) ذلك، أمر عمَّته السيدة زينب (عليها السلام) وسائر النسوة باستقبال نساء أهل المدينة، فاستقبلنهنَّ باكيات مُستعبرات، فلمَّا وقع نظر نساء أهل المدينة على السواد الذي ارتدته نساء أهل البيت (عليهم السلام) أحسسن بالمصيبة، فصرخن وضججن، وأقمن المدينة على رؤوسهنَّ بكاءً وعويلاً، وأسرعن نحو الخيام، فلمَّا رأين الخيام خالية من الرِّجال، ولم يَرين فيها غير الإمام زين العابدين (عليه السلام) علمن أنَّه لم يُبقِ لهم بنو أميَّة من الرجال سواه، فاشتدَّ بكاؤهنَّ، وعلا نحيبهنَّ، وقام كلُّ جماعة منهنَّ بأطراف واحدة من السيِّدات الثَّواكل، وأخذن يساعدنها بالبكاء على قتيلها، ويواسينها بمصابها، كما وأحطن بالسيِّدة زينب (عليها السلام) أم المصائب ينحن معها، ويسألنها عمَّا جرى عليها وعلى ذويها في كربلاء) [يُنظر: الخصائص الزينبية ص194].
2ـ وقال أيضاً (طاب ثراه): (كانت (عليها السلام) من المقيمين لمجالس العزاء على أخيها الشهيد سيِّد شباب أهل الجنَّة الإمام الحسين (عليه السلام) ومن الداعين إلى ضيافته، وذلك في كلِّ زمان ومكان: عند ورودها إلى كربلاء، وخاصَّة بعد شهادة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، وعند دخولها الكوفة وعلى رؤوس الأشهاد، وخاصَّة في مجلس ابن زياد، وعلى أبواب دمشق الشام، وخاصَّة في حفل يزيد، وعلى الأخص في خرابة الشام، وعند رجوعها من الأسر إلى كربلاء وإقامة ذكرى الأربعين على أخيها الشهيد الإمام الحسين. ثمَّ على مشارف مدينة جدِّها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وفي حرم جدِّها وروضته، وفي بيتها (عليها السلام).
وبكلمة واحدة: في كلِّ عمرها وأيام بقائها بعد أخيها الإمام الحسين، وذلك أينما حلَّت ونزلت، فإنَّها كانت المقيمة لعزائه، والداعية إليه) [الخصائص الزينبية ص113].
3ـ وقال المولى القزويني (طاب ثراه): (وقامت العزاء والمصيبة في دار أم البنين زوجة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أم العبَّاس وإخوته، وكذلك مُلئت دور الحسين (عليه السلام) بالزحام من نساء بني هاشم وصبيتهم عند فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)) [رياض الأحزان ص60].
4ـ وقال السيِّد المدرِّسي (دامت بركاته): (قامت الصدِّيقة بإثارة أهل المدينة بالنياحة، حيث إنَّها أقامت مجالس العزاء، وكانت هذه المجالس التي لا زالت مستمرَّة في العالم الإسلامي حتَّى اليوم، بمثابة مؤسَّسة إعلامية تتميَّز بالتعبئة العاطفية، والتوعية الدينية، إلى جانب التزكية والتربية، ولقد كان بكاء السيدة زينب (عليها السلام) ذات هدف رسالي، حيث إنَّه لم يكن بكاءً ذليلاً، ولا ندماً على ما مضى، ولا جزعاً من المصائب، وإنَّما كان بكاء تحدٍ وإيقاظ. وهكذا كانت سائر أفعالها التي تبدو في صورة جزع وهلع ك . ان ممارستها جميعا كانت هادفة) [الصدِّيقة زينب شقيقة الحسين ص57].
فإذا عرفت ذلك، يتبيَّن لك من هذه النصوص أنَّ السيرة المستمرَّة للحوراء (عليها السلام) هي إقامة المجالس والبكاء على الحسين (عليه السلام) الأمر الذي يُثير حفيظة السلطة جزماً، لكونه يمثِّل نوعاً من أنواع التأليب العملي ضدَّهم.
القرينة الأُخرى: لقد عُرف الحزب الأموي بتصفية معارضيه بالسم، حتَّى قالوا قولتَهم المشهورة: (لله جنودٌ من عسل) كنايةً عن دسِّ السم في العسل الذي يُستخدم لقتل الخصوم والمعارضين، من ذلك مثلاً:
1ـ روى البخاري عن الزهري قال: (بعث عليٌّ الأشتر أميراً على مصر حتَّى بلغ القلزم، فشرب شربة من عسل فكان فيها حتفه، فقال عمرو بن العاص: إنَّ لله جنوداً من عسل) [التأريخ الكبير ج7 ص 311].
2ـ وقال أبو الفرج: (ودسَّ معاوية إليه حين أراد أنْ يعهد إلى يزيد بعده، وإلى سعد بن أبي وقَّاص سمَّاً، فماتا منه في أيام متقاربة، وكان الذي تولَّى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، لمال بذله لها معاوية) [مقاتل الطالبيين ص60].
3ـ وقال ابن حبيب: (ذكر ابن الكلبي، عن خالد بن سعيد، عن أبيه (أنَّ معاوية لما أراد أنْ يبايع ليزيد، قال لأهل الشام: إنَّ أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ودنا من أجله، وقد أردتُ أنْ أولِّي الأمر رجلاً بعدي فما ترون؟ فقالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، وكان فاضلاً، فسكت معاوية وأضمرها في نفسه، ثمَّ إنَّ عبد الرحمن اشتكى، فدعا معاوية ابن أثال ـ وكان من عظماء الروم وكان متطبِّباً يختلف إلى معاوية ـ فقال: ائتِ عبد الرحمن فاحتل له، فأتى عبد الرحمن فسقاه شربة فانخرق عبد الرحمن ومات) [المنمَّق في أخبار قريش ص360].
وبناءً على ما تقدَّم، يُحتمل أنْ يكون الحزب الأموي قد دسَّ السُّم إلى السيدة زينب (عليها السلام)، دفعاً لما يحصل من وراء تأليبها المستمر، عملاً بالقاعدة الأمويَّة القائلة: (إنَّ لله جنوداً من عسل).
ولعلَّ ذلك السبب في استقراب السيَّد القزويني (طاب ثراه) رحيلها بالسُّم من قبل أنصار الحكم الأموي، حيث قال ما نصُّه: (لقد أهمل التأريخ ذكر سبب وفاتها، فهل ماتت ميتة طبيعية….أم أنها قُتِلَت بسبب السُّمِّ الذي قد يكون دُسَّ إليها من قبل الطاغية يزيد، حيث لا يبعد أنْ يكون قد تمَّ ذلك بسريَّة تامة خفيت عن الناس وعن التأريخ) [زينب الكبرى من المهد إلى اللحد ص591].
والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ قتل السيدة زينب (عليها السلام) بالسُّم وإنْ لم يثبت بشكل قطعي إلَّا أنه أمرٌ محتمل في حدِّ نفسه.. والحمد لله ربِّ العالمين.