الشيخ مجتبى القزويني

نجل آية الله الشيخ مجتبى القزويني يروي سيرته العملية والأخلاقية

خاص الاجتهاد: كان العالم الرباني آية الله الشيخ مجتبى القزويني ينصح طلابه بممارسة الرياضة، وإتقان إحدى اللغات الحية، والاطلاع على أحد العلوم الحديثة، ويؤكد على العمل والتعلم في هذه المجالات.

بمناسبة وفاة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حبيب الله أحمدي سينائي (ره)؛ نجل آية الله الشيخ مجتبى القزويني (ره) في مشهد المقدسة، نقدم لكم سيرة موجزة عن المرحوم سينائي “ره” وكذلك لمحة من السيرة العملية والأخلاقية لوالده آية الله الشيخ مجتبى القزويني “ره” على لسان نجله الشيخ سينائي “رحمة الله عليه”.

 

موجز عن حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حبيب الله أحمدي سينائي القزويني(ره) / بقلم الشيخ حسن طالبيان شريف:

ولد الشیخ حبیب الله أحمدی سینایي القزویني، نجل العلامة آية الله الشیخ مجتبی القزویني “ره”، في 4 من شهر شهریور سنة 1325 (هـ ش) في مشهد / رمضان 1365 (هـ ق) وکان الإبن الوحيد لوالده الشيخ القزویني، وكان شابًا في  21 من عمره عندما توفي والده في مدينة مشهد في 1386 هـ ق.

بدأ الشيخ حبيب الله أحمدي سينائي دراسته الحوزوية في سن مبكرة. فدرس المقدمات في مدينة قم على يد الشيخ رحمت الله فشارکي، ثم انتقل إلى مشهد وتعلم “السيوطي” و”المطول” على يد الأديب محمد تقي النيشابوري. كما درس “المغني” و”المعالم” على يد آية الله السيد حسن صالحي، واللمعة على يد آية الله الميرزا أحمد مدرس يزدي، ومختصراً من المكاسب على يد الأستاذ الميرزا محمد أشکذري، وأكمل بقية المكاسب على يد والده العلامة آية الله الشيخ مجتبی القزویني “ره”.

ثم سافر إلى النجف الأشرف وتعلم “الرسائل” على يد آية الله السيد أبوالقاسم الكوكبي، ومعظم “الكفاية” على يد آية الله الميرزا كاظم التبريزي. ثم عاد إلى مشهد وأكمل ما تبقى من المجلد الثاني من “الكفاية” عند آية الله السيد إبراهيم حجازي الطبسي.

ثم درس البحث الخارج في الفقه لمدة 6 سنوات على يد آية الله الشيخ أبوالحسن الشيرازي وأصول الفقه على يد آية الله الميرزا علي آقا الفلسفي. والظاهر أنه حضر أيضًا دروس المعارف والأخلاق لوالده الشيخ القزويني “ره”. كما تلقى “الختومات والأذكار و… على يد الحاج سيد أبوالحسن حافظیان، وحصل على إجازات منه.

وتوفي هذا العالم الرباني في اليوم السبت الرابع من شوال 1445/ 25 فروردین 1403 هـ ش، في مشهد المقدسة، وشيع جثمانه وصلى عليه آية الله السيد جعفر سیدان صلاة الميت، ودفن في رواق دار الحجة في الحرم الرضوي الطاهر.

 

لمحة عن السيرة العملية والأخلاقية لآية الله الشيخ مجتبى القزويني ره” على لسان نجله الشيخ حبيب الله أحمدي سينائي

أشار حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حبيب الله أحمدي سينائي (ره)، نجل آية الله الشيخ مجتبى أحمدي القزويني (ره)، في برنامج “ضیافت” على قناة «قرآن» في التلفزيون، إلى قول لآية الله وحيد الخراساني دام ظله، مؤكداً أن هذا الشيخ القزويني الراحل والميرزا علي أكبر إلاهيان من النخبة المغمورين والمجهولين، وأن إحياء أمر الشيخ مجتبى القزويني أمر جدير بالتقدير.

السيرة الأخلاقية لآية الله الشيخ مجتبى القزويني:

تحدث نجل آية الله القزويني عن سيرة والده العملية والأخلاقية، وقال: “كان والدي ذا أخلاق رفيعة في المنزل، ولم يسمع أحد صوته مرتفعًا أبدًا، ولم ير أحدًا هذا العالم غاضبًا في حياته.”

وأضاف: “كان يقوم بأعماله الشخصية بنفسه، فمثلا عندما كان يجلس على المائدة ويرى أن المملحة غير موجود عليها، لم يأمر أحدًا بإحضار المملحة، بل كان يذهب بنفسه ويحضرها. وكان يشكر على الطعام بشكل متكرر أثناء تناوله، حتى لو لم يكن الطعام يروق له. وكان ينادي أطفاله بِأَخْلَقِ الأسلوب.

وعن كيفية تعامل هذا العالم مع الناس في ذروة غضبه قال حجة الإسلام أحمدي سينائي:

قال آية الله السيد جعفر سيدان كنا في درس، وكان الأستاذ يقدم درسه وكان النقاش ساخنًا ومثيرًا وغريبًا، وكان الأصدقاء يتابعون، وكانوا غاضبين في منتصف درسه، وفي هذه الأثناء دخل طفل يبلغ من العمر 5 سنوات وجاء إلى هذا العالم وأصر وقال يا سيدي أريد المال، قلنا مع أنفسنا أنه في حالة الغضب هذه، الله يعلم ما سيحدث لهذا الطفل، في لحظة اختفت كل مشاعر الغضب، وأجلس الطفل على ركبتيه وداعبه، وأعطاه المال بهدوء شديد وأدب، ورافقه إلى الداخل وعاد وبدأ النقاش مرة أخرى، ثم عاد إلى حالته الأولية، وهذا نتيجة السيطرة على النفس وبناء الذات.

وأضاف: كان هذا العالم كلما تشرف بزيارة الإمام الرضا (ع)، يقرأ دعاء الجامعة الكبيرة الذي حفظه. وكان يقول: “في كل مرة أتشرف فيها بزيارة الإمام وأقرأ هذه الدعاء، تومض فكرة جديدة في ذهني.” كما اعتبر نجل آية الله القزويني نجاح والده كثرة قراءته دعاء الجامعة الكبيرة وكان يقول: “في كل مرة أتأكد فيها من زيارة الإمام الرضا (ع) ، أطلب من حضرته أن يولي اهتمامًا خاصًا بي.”

الشيخ-حبيب-الله-أحمدي-سينائي-ره،-يروي-سيرة-والده-آية-الله-الشيخ-مجتبى

المنهج التربوي لآية الله الشيخ مجتبى القزويني

وقال حجة الإسلام سينائي: “من بين الخصائص الأخرى لهذا العالم، والتي نادرًا ما يمتلكها الآباء، أنه لم يرفع صوته أبدًا على أطفاله، وكان لديه نغمة خاصة ومؤثرة في صوته. إذا ارتكب أحد الأطفال خطأ، كان يتحدث معه بهدوء واحترام. عندما كان أحد الأطفال شقيًا ومزعجًا، لم يعاقبه أبدًا “.

وأشار إلى جانب من جوانب تربية الأطفال من قبل هذا العالم، وأوضح: “في زمن الثورة الإسلامية في إيران، كانت هناك ضجة في مسجد گوهرشاد ليلاً، وكنت أذهب مع أصدقائي. عدت إلى المنزل متأخرًا ليلة واحدة، وفتح لي الأب الباب وضحك وسأل أين كنت؟ قلت كنت مع أصدقائي، ضحك ودخل المنزل. في الصباح، عندما كنا جالسين، قال إنني لم أخرج الليلة الماضية ولم يأت أحد، فقلت لا، فقال أأخبرتك أين كنتَ؟ قلت أين؟ قال كنتَ في منزل السيد المدرسي. هذا كان أسلوبه في التربية والتدريس. فهمت أنه مهما فعلت، فهو يعرف ويفهم.

كما أشار نجل آية الله القزويني إلى سخاء والده في نشر العلوم التي كان يمتلكها، وقال: “لم يكن لديه أي بخل. كان يعرف الكثير من العلوم. جاءه بعض الناس وسألوه عن الجبر والعلوم المختلفة، فأجابهم هذا العالم بسخاء. قال البعض: “انظر ما إذا كان لدى الشخص الذي يسأل الأهلية أم لا؟” قال: “جاء هذا الشخص على أمل وظن أنه يعرف شيئًا وسأل. سأقول ما أعرفه، وإذا كان مقدّرًا له وإذا أراد مولانا الإمام علي (ع) أن يصل إليه، فلماذا أبخل ولا أجيب على سؤاله.

اهتمام آية الله القزويني بتلاوة القرآن:

وأشار حجة الإسلام أحمدي سينائي إلى اهتمام آية الله القزويني بتلاوة القرآن، وقال: “كان يحمل دائمًا مصحفًا صغيرًا معه ويتلوه، وكان يردد علينا هذه الآية كثيرًا: “إِنَّ قُرآنَ الْفَجرِ كانَ مَشْهُودًا” (يس: 18). وكان ينصح بقراءة القرآن بين الطلوعين أو قبل الأذان، وقراءته ببساطة، مع التأمل فيه إذا كان لديك مزاج ووقت، أو الرجوع إلى تفسيره إذا كان لديك المزيد من الوقت والمزاج. وقال: “كل ما تريد أن تصل إليه سيفتح لك المجال بقراءة القرآن في هذا الوقت.”

وأشار نجل آية الله القزويني إلى أنه رحمه الله كان يضع تأكيدًا كبيرًا على سورة يس، وكان يلجأ إلى سورة يس عندما يكون لديه أي حاجة

قصة صلاة الاستسقاء لآية الله الشيخ مجتبي القزويني:

وقال نجله: “طلب منه في مدينة مشهد أن يصلي صلاة الاستسقاء. ذهب الجميع إلى الصحراء، وبعد قراءة الصلاة كان الجميع منقلبين. طلب منه الصعود إلى المنبر والدعاء. كان لهذا العالم حالة من التضرع والإنفعال، وبعد أن قال بضع جمل أخرى لم يتمكن من الاستمرار. قبّل أحد العلماء يده واستمر في الدعاء وقرأ روضة. بعد الروضة، كان الجو مشمسًا وحارًا، وانطلق جميع الناس للعودة، وكانوا متشككين، وسخر البعض منهم. لم يصلوا بعد إلى تقاطع شهداء مشهد حتى تغير الجو ، وأصبح غائمًا وعاصفًا وصاخبًا ، وبدأ المطر وبينما وصل هذا المصلون إلى منازلهم، كانت ملابسهم مبللة واستمر هذا المطر 48 ساعة.

نصائح آية الله الشيخ مجتبي القزويني للطلاب:

وأكد حجة الإسلام أحمدي سينائي على أهمية ممارسة الرياضة عند والده آية الله الشيخ مجتبى القزويني، وقال: “قام المرحوم بتنظيم برنامج دراسي في حوزة فردوس العلمية، والشيء الذي بدأ لاحقًا في المدارس الدينية هو مسألة الرياضة التي يجب على الطلاب ممارستها لساعات من اليوم، وكان هو نفسه يمارس الرياضة لمدة نصف ساعة تقريبًا كل يوم، وكان يمشي بسرعة مرتديًا القباء والعمامة “.

وأضاف سينائي: “كان يقول في ذلك الوقت إنه يجب على طلاب الحوزة إتقان إحدى اللغات الحية في العالم. أخبرني أنه في فترة من الزمن كنت أحفظ ثلاثة آلاف كلمة فرنسية. كانت نصيحة أخرى له هي دراية الطلاب على أحد العلوم الحديثة مثل الفيزياء والكيمياء، ويجب على الطالب أن يعرف ما هي الكيمياء والفيزياء؟ وكان هو نفسه يتقن علم الكيمياء “.

مصدر الحوار باللغة الفارسية: وكالة رسا – ترجمه إلى العربية: موقع الاجتهاد

 

سيرة المتأله القرآني آية الله الشيخ مجتبى القزويني “رحمة الله عليه”

ولد الشيخ مجتبى القزويني الخراساني سنة 1318 هـ من أم صالحة في مدينة قزوين. وكان أبوه الشيخ أحمد التنكابني من العلماء الأفاضل أيضاً، فهو من تلاميذ وخواصّ العالم العابد والمتقي الكبير الحاج الميرزا حسين الخليلي الطهراني (1326هـ).

أساتذة القزويني(1)

في النجف الأشرف

تشرّف الشيخ ـ بعد إتمام دروسه الأولية ـ مع أبيه بزيارة « النجف الأشرف» في سنّ الشباب، وبقي في تلك البقعة المقدّسة لمدّة سبع سنوات تقريباً، ليكتسب من فيض علوم الأساتذة والعلماء الكبار أمثال: 1 ـ السيد محمد كاظم اليزدي (1337هـ). 2 ـ الميرزا محمد تقي الشيرازي (1338هـ). 3 ـ الميرزا محمد حسين النائيني (1355هـ). وقيل: إنه استفاد من درس الميرزا محمد حسين النائيني مع آية الله العظمى المرحوم الحاج أبو القاسم الخوئي (1413هـ). وقد ورد ذكر الشيخ مجتبى القزويني في أحد الرسائل التي بعثها الميرزا النائيني للميرزا الإصفهاني.

3 ــ مشرق الأنوار القرآنية

رجع الشيخ إلى قزوين ليبقى فيها عامين، وفي هذه المرحلة اتصل بالمربي الكبير، وعالم الحقائق والأسرار، المتبحّر في المعارف القرآنية السيد موسى القزويني الزرآبادي (1353هـ) ـ زوج أخته ـ واقتفى أثره في معرفة العلوم الإنسانية والتعرّف على هذه العوالم، وتعلّم العلوم الباطنية، وكثير من الأسرار والعلوم الخفيّة، مهتماً بالرياضات والمجاهدات الشرعية والسير والسلوك، وقد نبّه الأستاذ الشيخَ إلى ضعف البناءات العقدية غير القرآنية، وجعله يُعرض عن الفلسفة اليونانية، والعرفان الهندي، والإشراق الغنوصي والاسكندراني، والفلسفات والعرفان الامتزاجي.. إلى حيث «الحكمة اليمانية» ومشرق «الأنوار القرآنية».

أساتذة القزويني (2)

في قم ومشهد المقدّسة

جاء الشيخ القزويني إلى مدينة قم، ليبقى في هذه الحاضرة العلمية مدّة سنتين، حيث استفاد من الدروس العالية للشيخ عبد الكريم اليزدي (1355هـ)، ثم حطَّ رحاله في الروضة الرضوية في مشهد، مستفيداً من دروس الأساتذة الكبار أمثال: 1 ـ آغا بزرك حكيم الشهيدي (1355هـ). 2 ـ الحاج الميرزا محمد آغا زادة الكفائي الخراساني (1356هـ). 3 ـ الشيخ أسد الله العارف اليزدي. 4 ـ الشيخ موسى الخوانساري، مؤلّف حاشية «المكاسب». 5 ـ الميرزا مهدي الغروي الإصفهاني الخراساني (1365هـ). 6 ـ الحاج السيد حسين الطباطبائي القمي (1366هـ).

خوض ميدان التدريس في العلوم الدينية المختلفة

بعد أن أمضى القزويني المراحل المذكورة، ونهل من علوم المعقول والمنقول جميعها، وأحرز مرتبةً عالية في الرياضات والعبادات، أصبح من المربّين الكبار، وفي عداد كبار علماء الباطن، فبدأ بتدريس العشرات من العلماء والفضلاء والمدرّسين والوعّاظ والمحققين، وتربيتهم في ظلّ حبّه للدين.

ومن خلال تدريسه الدروس المتنوّعة في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان الانتقاديين والأخلاق الإسلامية والمعارف القرآنية، ومبادئ ومقولات «المدرسة التفكيكية».. كان القزويني يتعامل مع طلابه أباً رحيماً، متفقداً أحوالهم، متواضعاً معهم.

كانت حياته بسيطةً جداً، وكان ـ مع ذلك ـ يغض الطرف أحياناً عن حاجاته، باذلاً تمام جهده لمعونة بعض الطلبة الفقراء.

كان مثالاً للتقوى وجهاد النفس، وأنموذجاً للإعراض عن المال والجاه والمقام والشهرة، فكان يجد فيه كلّ طالبٍ وكل باحث سبباً كبيراً للمواساة، كان يراعي شخصية الطلاب في الأوقات جميعها من خلال التعامل معهم، وبالأخص السادة والأشراف منهم، فكانت لديهم عنده منزلةٌ خاصّة.

في المجتمع وغمار العمل السياسي

لم يكن الشيخ القزويني ليتوانى عن أداء مسؤولياته السياسية والاجتماعية بشوق ولهفة واعتقاد، وكان مقداماً في مواقفه الدينية السياسية، فلم يكن خائفاً أو متردّداً، كما لم تمنعه المداومة على الأذكار والأوراد والعبادات والرياضات واستغراقه في العوالم الروحية عن مثل هذه الأعمال، ومع ذلك كان هادفاً ومخلصاً في نشاطه هذا بعيداً عن الميول والرغبات([1]).

من هنا، كان القزويني محتاطاً إزاء تلويث الأعمال بالميول والأغراض الذاتية، والانحراف عن الأهداف، كان يفكّر بأمور المسلمين، ويتألّم لأحوالهم، وكان يتحرّق من قلّة التقوى عند بعض رجال الدين، وقد نقل عن أستاذه الميرزا الإصفهاني أنه كان يعيش الشعور نفسه.

الأعمال العلمية

لمعرفة نتاج الشيخ القزويني بصورةٍ جيدة لابد من التركيز على السنوات الأربعين التي قضاها في التدريس والتعليم، وتربية الطلاب بأعداد وفيرة، فقد كان يدرّس الأصول في مرحلتي السطوح والخارج، والفقه كذلك،بالإضافة إلى تدريسه المصنفات الهامّة الرئيسة في الفلسفة، والفلسفة النقدية، والمعارف العقدية القرآنية الأصيلة، لقد كان مُجدّاً في تربية الطلاب والمريدين، يتميز منهج تدريسه في الحكمة والفلسفة بفوائده الكبيرة، ومساهمته في تنمية طاقات الطلاب، حيث كان يشجّع على أسلوب «التفكير الاجتهادي» في الممارسات الفكرية([2])، والذي يدعو للأسف والأسى أنّ هذه الحالة لم تنعكس ـ بصورةٍ واضحة ـ في أعمال القزويني العلمية المطبوعة.

على أية حال، أمّا نتاجاته المكتوبة المدوّنة فهي:

1 ـ بيان الفرقان (فارسي) في خمس أجزاء:

الجزء الأول: يتناول فيه «التوحيد القرآني» وامتيازه عن التوحيد الفلسفي والعرفاني، حيث ذكر ثمانية فروق مهمّة: 1 ـ علم الله. 2 ـ حدوث العالم. 3 ـ مسألة البداء. 4 ـ الجبر والتفويض. 5 ـ القضاء والقدر. 6 ـ السعادة والشقاء. 7 ـ الهداية والضلال. 8 ـ الدعاء.

الجزء الثاني: وتناول فيه الفرق بين الوحي والنبوة في الرؤية القرآنية وبينهما في الفلسفة والعرفان، بالإضافة إلى تناوله وجوه إعجاز القرآن، حيث اعتبر المعارف الجديدة القرآنية أهمّ وجوه هذا الإعجاز.

الجزء الثالث: في بيان المعاد القرآني الخالص (المعاد الجسماني) (المعاد البرزخي والمثالي)، وقد ذكر خمسة أصول يقوم على أساسها «المعاد القرآني»، وهي: 1 ـ حدوث العالم وكيفية خلقه. 2 ـ خلق الإنسان وعوالمه. 3 ـ خلق آدم . 4 ـ التناسخ وردّه. 5 ـ إمكان خراب العالم وخلق عالم آخر.

الجزء الرابع: في بيان الدور الأساسي للمعصوم في الهداية، وضرورة الرجوع إليه في الحصول على الفهم الصحيح للقرآن، وبيان الحديث النبوي المقطوع الصدور، وردّ المطالب السخيفة للغزالي في عدم الحاجة إلى المعصوم، وذلك في كتابه: «القسطاس المستقيم».

الجزء الخامس: في بيان وتحليل «غيبة المعصوم» وما يتصل بها من فروع ومسائل، وكذا بعض الأحاديث الواردة في «الغيبة» و«الظهور» و«القيامة»، وبيان علامات هاتين الحادثتين العظيمتين، اللتين غالباً ما يحدث الخلط بينهما.

2 ـ رساله اى در معرفة النفس «رسالة في معرفة النفس»، وتشمل: 1 ـ بيان نظرية أرسطو ونقدها. 2 ـ نظرية «كون النفس مادية الحدوث»، ونقدها. 3 ـ نظرية الماديين في النفس، ونقدها. 4 ـ النفس في التصوّر القرآني.

3 ـ رسالة في نقد الأصول الفلسفية الإحدى عشر للملا صدرا الشيرازي نقداً علمياً فلسفياً.

4 ـ نسخ في بعض العلوم الغريبة.

8 ــ ملاحظات –

ولا بد هنا من الإشارة إلى عدّة أمور:

1 ـ يعتقد الشيخ الأستاذ القزويني أن طالب المعارف الحقّة لا بد أن يكون مطّلعاً على مباني القوم ونظرياتهم؛ ولهذا تجده قضى سنوات عدّة في دراسة الفلسفة والعرفان، فقد استفاد في هذا المضمار من أساتذة كبار أمثال آغا بزرك حكيم الشهيدي، حتى أن هذا الأستاذ المشهور في هذا العلم كان راضياً عن تلميذه المثابر، ومستأنساً به حدّاً أهدى إليه فيه نسخةً من كتابه: «الإشارات»([3]).

2 ـ قال الشيخ الأستاذ: قام المرحوم آغا بزرك بتدريس بحوث الفلسفة العليا، كما هي الحال اليوم في دروس بحث الخارج الأصولية والفقهية، وكان يقول: أريد أن أختبر هذه المسائل بمعيار اجتهادي وقراءة اجتهادية أيضاً، خارجاً عن تحت هيمنة النصوص الفلسفية الحاكمة عليها، ثم نقوم ببحثها بعيداً عن الوقوع تحت تأثير المقامات العلمية وشهرة المؤلّف، وكان يقول: إن آغا بزرك حكيم طرح دراساته في البحث الخارج على كتاب الأسفار الأربعة للشيرازي مدّةً من الزمن، وقد تناول فيه المسائل العلمية في الأسفار من وجهات نظر مختلفة، ومن جملة ذلك مسألة «أصالة الوجود»، حيث أخضعها للبحث والنقاش والتداول،مستعرضاً الآراء الموافقة والمخالفة، بالإضافة إلى إبداء رأيه، دون القناعة برأي الموافقين لها.

3 ـ وعلى أساس هذا الرأي كان الشيخ الأستاذ نفسه يدرّس المصنّفات الفلسفية، وكان درسه عميقاً وجذاباً، وربما قام بمقارنة النصوص الفلسفية معاً والتدقيق فيها. نعم، كان الشيخ الأستاذ من نخبة أساتذة الفن العقلي ومن فرسان علم المعقول، إضافةً إلى ما يتمتع به من ميزات روحية أخرى كتهذيب النفس والرياضات الشرعية، وهي ميزات جعلته مهميناً ـ بصورةٍ أفضل ـ على المسائل العقلية والعرفانية.

والجدير بالذكر إشاراته حول النمطين الأخيرين من «الإشارات»، حيث لم نر أيّاً من أهل الفن والاختصاص قد توصّل إلى مثلها، وهذه نقاط مجهولة في شخصيّته العلمية وعظمته الروحية.

آية الله العظمى الميلاني ودرس أسفار الشيخ القزويني

نقل بعض أتباع الشيخ القزويني بعض مذكّرات حياته وخصوصيّاته، ومن جملة ما نُقل أنّ الأستاذ القزويني كان ألقى درسه في السنوات 10 ـ 15 الأخيرة من عمره الشريف في منزله، وفي أحد دروس الأسفار ـ كنت حضرت عنده «السفر الأول» بمعيّة بعض الأصدقاء الفضلاء، و«السفر الرابع» لوحدي ـ دخل آية الله محمد هادي الميلاني فجأةً بمفرده، حيث كان الأخير في أوائل إقامته في مدينة مشهد، وكان من عادته استشارة الشيخ القزويني في بعض الأعمال؛ حيث كان الشيخ أعرف بأوضاع هذه المدينة، وقد جاء ذلك اليوم للغرض عينه.

وكان الدرس في بدايته لم تُقرأ فيه سوى سطور عدّة، كان ذلك في الصفحات 90 ـ 95، من الطبعة الحجرية القديمة للأسفار الأربعة، كنا نقرأ حينها كلّ يوم صفحةً واحدة تقريباً ـ إلاّ عدة أسطر ـ وقد تمّ قراءة الدرس في ذلك اليوم بالتمام، وكان من عادة الشيخ آنذاك الاعتذار من الطلبة، فيما إذا نزل به ضيف؛ لكنه فعل العكس تماماً ذلك اليوم؛ فقد اعتذر من السيد الميلاني، وقال كلاماً بهذا المضمون: «الطلبة يأتون من أماكن بعيدة، فلو سمحت لي بالاستمرار في الدرس».

وكان المرحوم الميلاني غايةً في الأدب، فرحّب بالأمر، وأكّد على الأستاذ بالاستمرار، وبهذا النحو استمرّ الدرس، بل تجاوز الصفحة المقرّرة بعدة أسطر، ثم قمنا مباشرةً وخرجنا حتى لا نضيّع وقت السيد الميلاني.

كان من عادة الأستاذ أن يقوم بتوديع الطلبة إلى الباب، لقد قال لي يومها حينما ودّعني على الباب: بما أن السيد الميلاني جاء لوحده فانتظروه حتى يرجع معكم، لقد كان الشيخ الأستاذ يعلم منّي الرغبة في خدمة العلماء والأساتذة؛ ولذلك بقيت انتظر ـ خارجاً ـ لمدّة نصف ساعة، إلى أن خرج السيد الميلاني وودّع الشيخ الأستاذ، ومباشرةً استأجرت عربةً تجرّها الخيول، وركبنا العربة معاً، بعد ذلك قال لي السيد الميلاني:

إسحب سقف العربة فسحبته بمعونة السائق، وفي اللحظة التي سارت فيها العربة، قال السيد الميلاني: عجباً لهذا الدرس الطاهر! عجباً لهذا الدرس الطاهر! وقد ردّد كلمة طاهر عدّة مرات، قلت: نعم سيدي، قلتَ شيئاً .. إذا وصلك شيء ما فهو خلاف الواقع، قال: لا، طاهر، طاهر، ثم أضاف: فإذاً كيف لم يرد؟! يقولون: إنه يردّ الفلسفة، قلت: يبدو أنكم أخبرتم بهذا الأمر على خلاف الواقع، فإذا قالوا: إنه يعرض مطالب ناقصة؛ لكي يسهل عليه ردّها، ثم يقوم بردّها في المجلس كيفما كان، كلا، إن الأمر ليس كذلك.

قلت للسيد الميلاني ـ وأيّد كلامي ـ: كان الأستاذ يدرّس الفلسفة بمنتهى الدقّة، وقد استمرّ على ذلك ردحاً طويلاً من الزمن، كان كل 15 ـ 20 يوماً عندما تنتهي الفصول ويقوم بأداء المطلب حقّه من الشرح والتدريس، وعندما كان يهمّ في الشروع في بحث فلسفيّ جديد.. يذكّر تلامذته بعدم صحّة النظريات التي أتى على ذكرها؛ مستعرضاً ـ سريعاً ـ نواقص المقولات الفلسفية في هذا الموضوع، بل لقد كان يجلب في بعض الأحيان معه كتباً أخرى ليقوم بمقارنة زوايا الموضوع بغية وضع اللمسات التكميلية الأخيرة عليه.

ثم قلت: عندنا درس في المعارف القرآنية يومي الخميس والجمعة، يقوم على بيان أصول العقائد القرآنية، وكلّما مررنا ببحث فلسفي أو عرفاني يتعلّق بموضوع الدرس يشير الأستاذ إليه، مذكِّراً بمواضع النقد أو عدم الانطباق أو التأويل غير المناسب، ويُلفت نظر الطلاب إلى لزوم تجنب «التعبّد في العقليات» و«التقليد في العقديات»، فيقول: إن مسائل الأصول لا يجوز التقليد فيها ولا التعبد، فلا تقبلوا بشيء على هذا النحو؛ فقط لأن عالماً كبيراً قال به.

وقد طلب بعض الأصدقاء تثبيث هذه الخاطرة، ومن الواضح أنّ التأييد الشخصي للسيد الميلاني حجّة، فلم يكن رجلاً خلافياً ولا محتاجاً للخلاف، وتأييده كان باعثاً لنا على التشجيع والإقدام،ذلك أنّه من أساتذة الفلسفة المتضلّعين فيها، وكان التلميذ البارز الوحيد لصاحب «نهاية الدراية»، ومنظومة «تحفة الحكيم» التي يرجّحها بعضهم على منظومة السبزواري، وكان له حضوره الفلسفي الفاعل والقويّ أيضاً.

في أحد الأيام كنت في مجلسه، فتناول نظرية الملا صدرا في «المادية الحدوثية للنفس»، وعندما دخل صلب الموضوع وتناول بالتشقيق صورَ المسألة، تبيّن لنا كم كان يتمتّع بهمة عالية على الدرس الفلسفي وموضوعاته.

“معرفة النفس” الانتقادية

مما يؤسف له أن كتاب الشيخ القزويني حول النفس وما فيها من آراء وأقوال، مع ما اشتمله من ملاحظات نقدية، لم يطبع حتى الآن، ففي هذا الكتاب تتجلى المكانة العلمية والفلسفية والعرفانية للقزويني وتفوّقه على أقرانه.

أما كتابه: «بيان الفرقان» فكان الهدف الرئيس منه تناول بعض الإشارات التمهيدية؛ بغية كشف الامتياز بين نتائج الدراسات القرآنية وتلك القائمة على الأصول الفلسفية والعرفانية، وقد احتوى الكتاب على مقدّمات مطوية كثيرة، تحتاج إلى شرح وتوضيح.

وفي الواقع، يجب أن يُبذل جهد هنا يشابه ذاك الذي فعله الشهيد المطهري في كتاب «أسس الفلسفة والمذهب الواقعي»، وبالأخص المجلّد الأول والثالث منه، فقد أضيفت بعض المطالب على مباحث التوحيد، والعدل، كما قدّمت بعض المباحث الأولية لتحليل الأبعاد المختلفة للموضوعات.

 إلى الملكوت الأعلى

وفي اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجة عام 1386هـ المصادف 14 / 1 / 1346ش، كانت نهاية هذا العالم الرباني، والإنسان القرآني، بعد صراع مرير مع مرض معدي ـ يحُتمل احتمالاً قوياً أنه كان ناتجاً عن شدّة الرياضات والاعتياد على «الجوع» ـ ودفن في الصحن الرضوي القديم (صحن انقلاب) في جانب الشمال الغربي، رحمه الله رحمةً واسعة. 

 

الهوامش

[1] ــ لا بد من الإشارة هنا إلى أن اليقظة الإسلامية الأخيرة والتحاق منطقة خراسان بها، قد أخذت مادّتها وأساسها من تدخّل الشيخ.

[2] ــ تأمل في هذين التعبيرين: «التفكير الاجتهادي» و«الممارسة الفكرية» جيداً، وحاول أن تغوص فيهما بعمق، ولا تغفل عن «بناء عقلك» ولا عن «صيرورتك المعرفية»، ولا تخشَ أحداً أو تهابه؛ لأن الله أعطاك عقلاً وفكراً، ولا تكن مقلّداً لأستاذ أو فيلسوف، ولا تترك مشعل «التفكير المستقل» و«الاجتهاد المعرفي» أبداً.

[3] ــ استفدنا هنا من مدوّنات ولده حجة الإسلام الحاج الشيخ حبيب الله الأحمدي الخراساني أيضاً.
 

مقبرة-آية-الله-الشيخ-مجتبى القزويني

 

المصدر: نصوص معاصرة: مقالة بعنوان: رجال المدرسة التفكيكية رصد أبرز الشخصيات التفكيكيّة في القرن الرابع عشر الهجري – (القسم الثاني) بقلم: الشيخ محمد رضا الحكيمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky