الاجتهاد: إن التعاون والعمل المشترك بين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية يساهم مساهمة فعالة في وضع الخطط المستقبلية لتدريس العلوم ومواكبة عصر التقدم ومواجهة التحديات والرد على الأباطيل ومعالجة المستجدات بطريقة شرعية أساسها القرآن الكريم والسنة الشريفة..
الحَمدُ اللهِ رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ أجمعين محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله الغر الميامين وأصحابه المنتجبين.
إن الحوزة العلمية في النجف الأشرف تعتبر من أقدم الحوزات العلمية في عالمنا الإسلامي، فهي امتداد لمدرسة الكوفة التي وضع أسسها الأولى أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب _ حينما تولى الخلافة في الكوفة، ثم أقامَ دعائمها ووضعَ نِظَامَها العام وطورها بشكل كبير الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام.
وتحظى الحوزة العلمية بمكانة مرموقةٍ لأن دراساتها أنقى معرفةً وأصفى علماً، فإن جذور ذلك العلم تمتد إلى تلك الينابيع الصافية المتمثلة بأهل البيت عليهم السلام والقائمة على التقوى والوقوف إلى جانب الحق والتضحية. فلا الطغاة والسلاطين والجائرون لهم يد تأثيرٍ عليها ولا الشهواتُ والمناصبُ والمنافعُ لها تأثيرٌ على هذه الحوزة الشريفة.نعم هي مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام.
وقد مرّ على الحوزة الشريفة حين من الدهر كانت فيه محاصَرةً ومنزويةً إلى حد كبير من قبلِ أعدائِنا، ولم تكن هنالك علاقةٌ مابين الحوزةِ الشريفةِ والجامعاتِ الأكاديميةِ وبقيت المؤسستان والجُزُرِ المنفصلةِ عن بعضها وبقَي الطالبُ الجامعيُ يدورُ في فلكِ اختصاصِهِ ولا يكادُ يفقه شيئاً عن العلومِ الأخر وعلوم الشرع خاصة مما أدّى إلى نتائج سلبيةٍ على صعيدِ الرؤيةِ الفكريةِ للمستقبل.
وأما اليومُ والحمد اللهِ فالحوزةُ العلميةُ تعيشُ في ظروفِ تختلفُ تماماً عن الظروفِ السابقةِ فيجب أن تفتحَ على العالم الخارج، ولابُدّ من أن تستجيبَ في حرِكتها لِمُتَطلباتِ المعركةِ القَائِمةِ والمُتَمثّلة بصراع الحضارات.
ومن الأبعادِ المهمة في هذهِ المعركةِ البَعدُ الثقافي والأمور ذاتُ العلاقة بفهم النظرية الإسلامية، وموقف الإسلام من القضايا والتحدياتِ الكَثِيرة كقضية الشبابِ والمرأةِ والعلاقات الدولية والعلاقة بين الحكم والمحكوم وبين الفقراء والأغنياء.
إن التعاون والعمل المشترك بين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديميّة يساهم مساهمة فعالة في وضع الخطط المستقبلية لتدريس العلوم ومواكبة عصر التقدم ومواجهة التحديات والرد على الأباطيل ومعالجة المستجدات بطريقة شرعية أساسها القرآن الكريم والسنة الشريفة.
كما تساهم في إيجاد جيل ملتزم واعٍ متخلق، وعالم بأمور الدين، وفي الوقت نفسه ملم بالأحداث يمكنه من مواجهة التحديات ومعالجة المستجدات وقيادة الأمة.
إن الواقع المتطور السريع والتحديات السافرة والمستجدات التي تحدث من حين لآخر، والغزو الثقافي كلها تتطلب سرعة التعامل معها، وإعطاء رأي الشرع الإسلامي فيها، وتمليء على القائمين على الحوزة العلمية والجماعات الأكاديمية مدّ الجسور لتبادل المعلومات والخبرات والبحوث الصحيحة حتى تكون هذه المؤسسات العلمية قوة رادعة للشبه والأباطيل، وقادرة على العطاء المتلائم مع كل عصر تنير للأمة الطريق وتزودهم بالبحوث الصحيحة في كل المجالات وتتصدى للغزو الثقافي.
إن التقدم العلمي مرهون بتقدم مناهجه، ومن هنا كان لابد للدراسات الحوزوية أن تستفيد من المناهج الحديثة في تطوير طرق التدريس، وجمع المعلومات ومعالجة مشكلات الواقع بمنظار منهجي معاصر وليس من خلال مناهج وأدوات قديمة كانت صالحة لوقتها، لأن المناهج في النهاية هي وسائل لا غاياتً فإذا أثبت عجزها عن تحقيق ما نهدف إليه صار من اللازم استبدالها بوسائل أخر فقد تطور البحث العلمي خاصة مع ثورة الاتصالات وشبكة المعلومات وتقنيات الحاسوب وانفتاح العلوم بعضها على بعض. فنأمل من الجامعات أن تأخذ من القديم عمقهُ وأصالته ومن الجديد تطوره وَحَيَوِيَّتهُ، كما نأمل من الدراسات الحوزوية أن تكون دراسةً منتظمةً في الحلقات المسجدية وخصوصاً في مرحلة المقدمات والسطوح التي تعد الطالب لمرحلة البحث الخارج حيث يكون اعتماد الطالب على نفسه في الغالب، فمرحلةُ البحث الخارج تأبى تعديل شكلها ومحتواها، ولا يمكن إخضاع هذه المرحلة لأي تنظيم منهجي خاص، وتبقى مرحلة السطوح والمقدمات هي التي تحتاج إلى التنظيم والمنهجية.
ولبيان الخطوات العملية التي تعمق العلاقة بين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية:
أولاً: إيجاد لجنةٍ تنسيقية مابين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية تتكون من فضلاء الحوزة وأساتذة الجامعات لكي تستفيد الحوزة العلمية من التخصصات التي تهمها في الجامعات في تشخيص الموضوعات ولتبادل الخبرات والمعلومات بين أساتذة الحوزة والجامعات.
ثانياً: عقد ندوات منظمة لدراسة المستجدات واتخاذ التدابير اللازمة لذلك، وتطوير طرق التدريس والاهتمام بالتراث الإسلامي والعناية بالمخطوط خصوصاً.
ثالثاً: إنشاء مجلة تعنتي بنشر بحوث الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية.
وختاماً نسألُ بجاه من لذنا بجوارهِ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _ أن يوفق الخطوات المباركة للنهوض العلمي في كلتا المؤسستين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية.