الإسلام

موقف الإسلام من ثقافة القرن العشرين .. العلم والأدب والفن / الإمام موسى الصدر

الاجتهاد: إنّ الإسلام ينظر الى العلوم باحترام وتقدير، ويعتبرها طريقاً لوصول الإنسان الى الهدف من خلقه، والى كماله الأصيل، والى مقام خلافة الله في الأرض، ومعرفة الله، فالسير في هذا الخط واجب مقدّس.

العلم هو درّة التاج وبيت القصيد في ثقافة القرن العشرين، فلننظر الى موقف الإسلام منه، وإن كانت الأبحاث السابقة تلقي بعض الضوء عليه.

إنّ الإسلام ينظر الى العلوم باحترام وتقدير، ويعتبرها طريقاً لوصول الإنسان الى الهدف من خلقه، والى كماله الأصيل، والى مقام خلافة الله في الأرض، ومعرفة الله، فالسير في هذا الخط واجب مقدّس.

والحق يقال إنه لا ذنب للعلم إلاّ كشف الحقيقة، فالمؤمن الذي يحارب العلم ويخاف منه يجب أن يعتبر نفسه شاكّاً غير مؤمن بدينه، لأنّ الخوف من اكتشاف الحقيقة معناه الخوف من معارضة دينه للحقيقة. فالإيمان العميق يؤكد الحركة العلمية وينشّطها.

وأرى من المناسب هنا أن أشير الى الإفراط والتفريط في آراء بعض المسلمين حول موقف الإسلام من العلم الحديث. مثلاً، حينما بدأ الإنسان يغزو الفضاء قال بعضهم إنّ هذا غير ممكن لأنه تدخل في سلطان الله، وكأنّ الله في الفضاء أو يختص سلطانه به! ولا أدري أي فرق بين الكرة الأرضية والكواكب السماوية: ﴿ولله مُلك السماوات والأرض﴾ [آل عمران: 189].

إنّ مثل هذه الآراء جعلت كلام بعض الزعماء الماديين حينما قال: “لم نصادف في طريق غزو القمر الملائكة ولا الله”، جعلت هذه الآراء كلامه مقبولاً عند بعض مَن يسمع آراء المفرطين تلك. وحينما سمعوا أنّ هنالك سعياً حثيثاً للوصول الى تكوين الخلية الحية قالوا: هذا غير ممكن.

وهناك فئة ثانية تقول إنّ كل ما يحدث في العلم أخبر عنه القرآن الكريم، وتضيف: أنّ الآية الكريمة: ﴿يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان﴾ [الرحمن: 33]، هي -في رأيهم- صريحة في دلالتها على إمكان نفوذ البشر الى أقطار السماوات بسلطان عقلي.

وفي رأيي، أنّ هذا الإستدلال غير صحيح، ذلك أنّ الآيات وردت في القيامة، حينما يمثل الإنسان للمحاسبة، وهو غير لازم أيضاً لأنّ القرآن كتاب دين وتربية ويجب ألاّ يعرض للشؤون العلمية بالتفصيل، بل يحرّض الإنسان على السير في ملكوت السماوات والأرض والتدبر في العالم والدقة في صنع الخلق. وقد سبق لنا أن قلنا إنّ القرآن الكريم، حينما يذكر الأمثال ويستشهد ببعض الظواهر الكونية، لا يتأثر بالعلوم والمعارف التي كانت سائدة في عصره.

الأدب والفـن:

اعتُبر الأدب والفن الإسلاميان بعضاً من الأدب والفن الشرقيين بغناهما الفكري وروعتهما الفلكلورية، فهما من ذخائر الأدب والفن يستلهمهما بعض الأدباء والفنانين الحديثين من أمثال الشاعر الإسباني “ميكوثيل أونامونو” والشاعر الألماني “غوته”. ولا ننسى الأثر الكبير الذي كان للفن الإسلامي في البناء والنقش والتصوير.

والحقيقة انّ مجال البحث في الأدب والفن واسع جداً، ولكني أحاول أن أختصر موقف الإسلام منهما فيما يلي:

1-الفن عند المسلمين يبدأ مع المفهوم العام للكون “فالله جميل يحب الجمال”، فيصبح الجمال عاماً في الوجود وفي الحياة وفي كل شأن من شؤونها. ونجد أنّ الفنون الجميلة عند المسلمين كانت عامة في حياتهم، في بيوتهم، في مساجدهم، في السيف وغماده، في المصحف وبيته، في السوق والمعابد العامة. وما كان الفن يختص بالمتاحف أو بطبقة مميزة، وبتعبير أوضح ما كان الفن يوماً ترفاً في الحياة وفضلاً من العيش. وإنّ جولة قصيرة في المساجد القديمة وفي الأسواق والبيوت في الشام وأشبيلية وفي أصفهان، تكشف هذه الحقيقة.

2- إنّ منع الإسلام من إقامة التماثيل أوجب في الفن الإسلامي اتجاهاً جديداً الى النقوش والأبنية وتقدماً في سائر الحقول.

3- إنّ الأدب والفن الحديثين قد وصلا في بعض حقولهما الى درجة استغلال لا يرضى عنها دين أو عقيدة أو إنسان نبيل. فقد أصبحا سلاحين فتاكين يُستعملان لإذابة شخصية الإنسان.

وعلى ضوء هذه الملاحظات نتمكن من إدراك موقف الإسلام من الفن والأدب.

 

 

المصدر: مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات– مقالة بعنوان: الاسلام وثقافة القرن العشرين .أُلقيت في “الندوة اللبنانية”، بتاريخ: 24/5/1965، ونُشرت في “منبر ومحراب” في 31/8/1981. تُرجمت ونُشرت كتاباً بالفارسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky