الاجتهاد موقع فقهي
الاجتهاد: يخاطب آية الله السيد محمد علي ابن الرضا الخوانساري في كتاب ” أنوار الهداية الساطعة” طلاب العلم قائلاً: إنّ من أعظم النعم الاجتماعية أن يقوم إنسان بهداية غيره؛ والهداية من وظائف العلماء ومن مسؤولياتهم ولهذا فان على الطلاب وأهل العلم أن يسعوا ويجدّوا ويجتهدوا في طلب العلم لأن هداية الناس ستكون مسؤوليتهم في المستقبل ولهذا الموضوع أهمية فائقة جداً.
يُخاطب الله عزوجل في هذا الحديث القدسي رسوله موسى بن عمران(ع): هَل عَمِلتَ لى عملاً خالصاً، قال نعم صليتُ لك و صُمتُ لك و سَبَّحتُ وهلَّلتُ لك. قال الله تعالى: الصلوة لَكَ جوازٌ على الصِّراط و الصومُ جُنَّةٌ لك من النار والتَّسبيحُ التَّهليلُ لَكَ درجاتٌ في الجنة فَبَكى، وقال، يا ربِّ ادلَّني على عمل خالص لك. قال: هَل نَصرتَ مظلوماً و هل كَسوتَ عُرياناً و هل سَقيتَ عطشاناً و هل اشبعتَ جائعاً أكرَمتَ عالماً؟ هذا لي عملٌ خالصٌ (1) ويرشده إلى صنف من العبادة قد لا تخطر على الإنسان.
فالعبادة لا تنحصر في الصوم والصلاة وإنما هناك ألوان من العبادة لها بعد اجتماعي وأخلاقي ومنها نصرة المظلوم ومساعدة الفقراء والمساكين وإکرام العلماء.
وهنا نجد أن العبادة تنقسم إلى قسمين:
١. العبادة الفردية. ٢- العبادة الاجتماعية.
العبادة الفردية: وهي العبادة التي يعود نفعها وثوابها على الفرد وحده من قبيل الصلاة والصوم ومن قبيل التهليل والتسبيح وقراءة القرآن وغير ذلك.
العبادة الاجتماعية: وهي العبادة التي تعود بالنفع على المجتمع كله.
وقد جاء في الأثر عن النبي الأكرم صلی الله علیه وآله قوله: خصلتان ليس فوقهما من البرّ شيء: الإيمان بالله والنّفع لعباد الله وخصلتان ليس فوقهما من الشّر شيء: الشّرك بالله والضرّ لعباد الله (2)
والعبادة الاجتماعية لها اهميتها، ذلك أن الانسان بحاجة إلى أفراد نوعه من الاستمرار في حياته ولهذا فان العمل لصالح الناس وتقديم العون له أهمية فائقة.
يقول الإمام الحسين سيد الشهداء علیه السلام” : واعلموا أنّ حوائج النّاس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملّوا النّعم فتحور «فتحول» نقماً (3)
ويقول الإمام علي علیه السلام : إنّ لله تعالى عباداً يخصّهم بالنعم لمنافع العباد فيقرّها في أيديهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم ثمّ حوّلها إلى غيرهم(4)
وهنا نشير الى أن العبادة الاجتماعية تنقسم الى نوعين:
١- عبادة لها أثر مؤقت: عندما يقوم امریء بإکساء عريان أو تقديم مبلغ من المال إلى فقير فإنّ أثر ذلك باق مادام الثوب لم يبل والمبلغ لم يصرف مع الإشارة الى بقاء ثواب هذا العمل وهكذا بالنسبة لإرواء العطشان واشباع الجياع… إن كل ذلك هو عبادة موقتة.
۲- عبادة لها أثر دائم: من قبيل هداية الناس، إنّ من أعظم النعم الاجتماعية أن يقوم إنسان بهداية غيره؛ والهداية من وظائف العلماء ومن مسؤولياتهم ولهذا فان على الطلاب وأهل العلم أن يسعوا ويجدّوا ويجتهدوا في طلب العلم لأن هداية الناس ستكون مسؤوليتهم في المستقبل ولهذا الموضوع أهمية فائقة جداً،
وقد جاءت عن النبي صلی الله علیه وآله أحاديث كثيرة في أهمية ذلك وكان صلی الله علیه وآله يخاطب وصيه: يا علي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. وأحاديث أخرى(5).
إنّ هداية الناس وانقاذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم أمر في غاية الأهمية وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (6)
وكذلك قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (7)
وقال الامام الصادق علیه السلام : مَنْ عَلَّمَ بَابَ هُدًى فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ وَ لاَ يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً وَ مَنْ عَلَّمَ بَابَ ضَلاَلٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهِ وَ لاَ يُنْقَصُ أُولَئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً (8)
وعلى هذا يتوجب على الإنسان أن يبادر إلى إصلاح نفسه أولاً ثم ينتقل إلى إصلاح الآخرين.
الهوامش
(۱) الإثنى عشرية / الباب الثالث في المواعظ الثلاثيات / الفصل الأول.
(۱) تحف العقول / ۲۵ مواعظ النّبيّ صلی الله علیه وآله وحكمه.
(3) بحار الأنوار ۷۸/ ۱۲۱ نقلاً عن کشف الغمّة ۲/ ۲۴۱.
(3) بحار الأنوار ۷۲/ ۲۸.
(4) بحار الأنوار ۴۴۸/۳۲ . فإن رسول الله صلی الله علیه وآله قال لي يوم خيبر: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشّمس.
(5) آل عمران / ۱۰۴.
(6) آل عمران / 110.
(7) وسائل الشيعة 11/ 436، تحف العقول / 297.
تحميل كتاب أنوار الهداية الساطعة
أنوار الهداية الساطعة – السيد محمد علي ابن الرضا الخوانساري
