الاجتهاد: كانت إيران في زمن الشاه، ثاني دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل باعتبارها دولة ذات سيادة بعد تركيا. بعد انقلاب عام 1953، الذي أعاد تعيين محمد رضا بهلوي المؤيد للغرب في السلطة، تحسنت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ.
وحول اعتراف الحكومة الإيرانية آنذاك بالكيان الإسرائيلي، رفض الشيخ شلتوت أي شكل من أشكال اعتراف الدول الإسلامية بهذا الكيان. مديناً في الوقت ذاته خطوة الحكومة الإيرانية في هذا الاتجاه. فيما أبرق برسالة إلى آية الله العظمى البروجردي في قم حول هذا الأمر.
إلا أنّ السيد البروجردي كان قد وافته المنية قبل وصول هذه الرسالة إليه. وفي أعقاب هذا الحادث أرسل الشيخ شلتوت رسالة إلى آية الله الإمام الحكيم “ره”.
نص برقية فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شیخ الجامع الأزهر إلى المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم.
أخي في الله صاحب السعادة الأستاذ العلامة السيد محسن الحكيم – النجف العراق
سلام الله عليكم ورحمته وعلى جميع اخواننا واخوانكم علماء العراق الشقيق وكل من ينهض مدافعاً من الحق ومحافظاً على الوحدة والألفة بين المسلمين
اما بعد
فإن سماحتكم وجميع إخوانكم الأجلاء تعلمون نبأ الحادث المحزن الذي حدث في هذه الأيام وذاك هو اعتراف جلالة شاه إيران بعصابة اسرائيل التي اعتدت على فلسطين، وشتتت اهلها واغتصبت حقوقهم، هذا الاعتراف اقلقنا جميعاً كما اقلق كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، إذ كيف يقدم ملك مسلم لشعب مسلم على تأیید أعداء المسلمين وموالاتهم
ولقد ابرقنا لجلالة الشاه مرتين، وأبرقنا لسماحة السيد البروجردي “قم” منبهين الى خطورة هذا الامر وما قد يؤدي اليه من فتنة جامحة، ولا سيما وقد صدر من شخص الشاه الذي هو شيعي من اخواننا الإمامية مما قد ييسر للذين يحبون أن يصيدوا في المياه العكرة وهمسة التشويش ومحاولة فصم الروابط التي عملنا على تقويتها، هذا فضلا عن منافاة ذلك للدين منافاة صراحة لا تحتمل التأويل
ولا شك أنكم اسفتم لذلك كما اسفنا، وانكم أنتم وسائر اخواننا واخوانكم علماء العراق الكرام ستبذلون كل ما في وسعكم من السعي لاستنكار هذا القرار بقوة، والعمل على أن يرجع الشاه عنه، كما رجعت حكومة الدكتور مصدق في ايران عن مثله عام ۱۹۵۱م.
إن صدور هذا المسعى منكم له تأثيره البعيد في علماء ایران وشعب ایران نفسه، كما سيكون له تأثير حميد عندنا إذ تبين للناس جميعاً أنّنا وايّاكم زملاء في الجهاد، والعمل على رفع راية الإسلام وتثبيت الوحدة بين أهله، وانا لما تبعثون به الينا من بيان سعيكم الموفق وعملكم الصالح لمنتظرون،
والله المسؤل أن يكلأكم برعايته، وان ينفع المسلمين ببركاتكم وصالح سعيكم والسلام عليكم ورحمة الله .
أخوكم محمود شلتوت. شيخ الجامع الأزهر
نص جواب المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الى فضيلة الاستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر
بسم الله وله الحمد
فضيلة العلاّمة الجليل الشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الأزهر ــ القاهرة، تلقّينا برقيتكم الكريمة تستنكرون فيها اعتراف ايران باسرائيل فشكرنا لكم اهتمامكم بأمور المسلمين، وحرصكم على تقوية الرابطة الإسلامية بينهم
واننا منذ بلغنا نبأ هذا الاعتراف بادرنا الى ابلاغ استنكارنا الشديد الى المسؤولين في ايران بواسطة بعض اخواننا العلماء في طهران واوضحنا لهم خطورة الموقف واستياء الأمة الإسلامية ونصحناهم بالاحتفاظ بواجبهم الإسلامي ورعاية شعور المسلمين
وتلقينا الجواب موضّحاً عدم صدور أي اعتراف من ايران باسرائيل وانه ليس في نية الحكومة ذلك لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، ومظهراً للعطف على قضايا المسلمين في كل مكان.
واننا اذ نستنكر كل خطوة تتخذ لتعزيز كيان اسرائيل من أي جهة كانت نلفت انظار المسلمين كافة الى الظرف العصيب الذي يحيط بهم وندعوهم جميعاً الى رصّ صفوفهم وتوحيد كلمتهم ليقفوا جبهة موحدة امام التيارات العاتية من قوى الظلم والكفر والطغيان والتي جعلت همها الاول محاربة الاسلام وابعاده عن واقع المسلمين وما أقامة اسرائيل في فلسطين الا مثل من الأمثلة الكثيرة على محاولة ضرب الاسلام والوقوف في طريقه.
ومن هنا كان لزاماً على المسلمين عامة والحكومات القائمة في بلاد المسلمين خاصة ان يرجعوا الى حظيرة الاسلام ويلتفوا حول لوائه الظافر الذي هو عنوان نصرهم وعزّتهم ويستمدوا تشريعاتهم من ينبوعه الثر ومنهله الصافي ليستعيدوا مجدهم وكرامتهم ويحللوا ما حلل الاسلام ويحرموا ما حرمه.
وما هذه المآسي التي ضجّت بها حياة المسلمين الا أثر من آثار تهاونهم في الاسلام وابعاده عن ادارة شؤون الامة الامر الذي ينذرهم بالخطر، ويهددهم بالخذلان.
وختاماً نبتهل الى العلي القدير أن يجمع كلمة المسلمين على التقوى والهدى ويأخذ بايديهم الى ما فيه صلاحهم ونجاحهم انه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محسن الطباطبائي الحكيم.
في هذه الكلمات النيرة لـ الإمام الحكيم ايقاظ ان نكبة الأمة والحكومات الإسلامية عامة ليست إلا عدم تمسكهم بالقرآن وعدم أخذهم بتعاليمه المقدّسة وقد نبذوا احكام الإسلام وقوانينه على ورائهم ظِهريّاً فوقعوا في الانحطاط والخزي والعار ورزايا الذّل والاستعمار.
المصدر: مكتبة الإمام الحكيم العامة